المحاماة مهنة لا تقبل التشكيك في نزاهتها
أي مؤسسة اقتصادية تحرص في استدامة وجودها على السمعة الحسنة، والمحامون بصفتهم يعملون ضمن مؤسسات خاصة «فردية أو شركات» تمثل لهم السمعة المعيار الأهم في أعمالهم دون بقية الكيانات الاقتصادية في المجتمع، فالمحامي يحرص على أن يكون حكمًا قبل القاضي ويلتزم بتقديم النصح والاستشارة إلى موكله حتى يصل به إلى بر العدالة.
وعلى الرغم من الأهمية القصوى للسمعة بالنسبة إلى المحامي، إلا أن قرارًا صدر من وزير العدل مؤخرًا، يلزم مكاتب المحاماة بالإبلاغ عن الأعمال المشبوهة أو غير العادية الخاصة بموكليهم والحسابات المصرفية للموكل، والتحقق من المعلومات التي يقدمها الموكل والتعرف على مصدر الأموال التي تخص الموكلين والإبلاغ عنها فورًا، وتسجيل تلك المعلومات في سجلات ودفاتر.
كما يلزم القرار المحامين بفتح حساب مستقل تودع فيه جميع المبالغ التي يتم تقاضيها أو تحصيلها من أو لصالح موكليهم، والاحتفاظ بمعلومات ومستندات الموكلين لخمس سنوات، وإنشاء سجل إلكتروني خاص تُقيد فيه جميع أعمال المحاماة، ويُحظر إعدام أي سجلات إذا كانت قيد التحري.
وكذلك تعيين شخص مسؤول التزام يكون مختصًا بتنفيذ أحكام القرار، ويجيز القرار للمسجل العام أن يكلف وحدة المتابعة بزيارات ميدانية لمكاتب المحاماة للتدقيق على الأوراق والسجلات والمستندات للوقوف على مدى التزامها بتنفيذ القرار الذي يلزم المحامين بتطبيقه خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر.
القرار يتعارض مع قانون المحاماة في الحفاظ على أسرار الموكل، ويجعل المحامي مخبرًا على موكله، ويضع المهنة في إشكالية الشك بين الموكل ووكيله، ويخالف الطبيعة والواقع المفترض في المهنة وشرفها، فالطبيعي في مهنة المحامي أنه معاون للقضاء في الوصول إلى العدالة، ويستلزم عمله توعية المواطن بشأن الجرائم التي ربما يتورط فيها دون دراية، وتقديم المشورة القانونية إلى الجميع، سواء متهمون أو أبرياء، وحتى بعد فصل القضاء في قضية، يبقى المحامي وكيلاً عن المتهم لنهاية مراحل التقاضي.
ويفتح القرار أبواب انتقاص المهنة بإجراءات التفتيش وضرورة توفيق الأوضاع، والإلزام بأمور لم تكن تخطر على بال أكبر المحامين في البحرين، والغريب أن لدى المحامين قسما يؤدونه قبل ممارسة المهنة يلزمهم بأداء أعمالهم بأمانة وشرف، وأن يحافظوا على المهنة وأن يحترموا قوانينها وتقاليدها، فلماذا يتم التعامل مع مكاتب المحاماة وكأنها مطاعم أو برادات تبيع مواد غذائية فاسدة يجب التفتيش عليها بصورة مفاجئة من المسجل العام؟!
القرار يطرح بعض التساؤلات: هل المحامون شركاء في الجريمة لأنهم يترافعون عن متهمين في قضايا جنائية؟ ولماذا تريد وزارة العدل الموقرة التشكيك في نزاهتهم وهم الخاضعون لقانون خاص يتوافر على فصل كامل به 7 مواد تتحدث عن التأديب؟
وللأسف لم أجد في بحثي عن الأخبار والقرارات الصادرة من وزارة العدل، أي قرارات تخدم المحامين ومهنتهم أو تدعم مكاتبهم التي هي في الأصل مكاتب خاصة تعمل وفق آليات العرض والطلب والسوق ولا تشملها تأمينات اجتماعية أو ضمانات لمرحلة ما بعد التقاعد، فلماذا لم تفكر وزارة العدل في أن تحقق العدالة للمحامين الذين يطالبون منذ سنوات بأن تكون لديهم نقابة وليس جمعية تتناسب مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وتحقق لهم بعض تطلعاتهم؟
نؤيد بشدة قلق الوزير من الأوضاع العالمية والأوضاع الحالية التي تمر بها أوطاننا سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي، وكذلك نعلم أن هناك بعض الحالات الفردية التي دفعت الوزير إلى اتخاذ مثل هذا القرار، ولكن يجب في الوقت ذاته مراعاة الآخرين الذين يمارسون هذه المهنة بشرف وأمانة وتحت القسم، وإذا كان للوزير الحق في القلق، فللمحامين الحق ذاته.