قعقعة الأواني الفارغة والأفعال الصداحة بصمت
تناول أكثر من كاتب مقال في الصحف أداء بعض النواب في دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الرابع، وهي مقالات متنوعة في أطروحاتها، لكن يبقى الاتجاه العام لها في إطار الأداء الضعيف والهزيل للمجلس، بينما جاء الرد من بعض النواب عليها، أن أداء المجلس الحالي كان الأفضل مقارنة مع الفصول التشريعية السابقة.
وللأمانة فإني لا أريد تقييم الأداء للمجلس أو مناقشة ما ورد في مقالات الزملاء الكتاب، خاصة أنها أصبحت ظاهرة موسمية يتبادل فيها الطرفان القضية نفسها بأشكال مختلفة، فلا النائب شعر بأي تقصير من ناحيته ولا المواطن سعيد بما قدمه نائبه، وتبقى الدائرة المفرغة تسير في مدارها الكوني المعروف.
وفي هذا الصدد يجب ألا نستبعد الإيجابيات ونركز على السلبيات فقط، كما يجب التذكير بما كان يجب أداؤه وغفل عنه النواب، وفيما بين الأمرين ميزان حساس لا يستقر، كلما خرج رأي من أحد الجانبين، وكلما تصاعد صوت أحد الفريقين أكثر كانت له الغلبة.
فكثير من السادة النواب يرى في الصحافة والإعلام أداة يستطيع استغلالها للترويج لأعماله البطولية، وهو أمر مشروع لا يعيب العمل النيابي في أن يُروّج إليه وإبرازه، لكن بعض النواب مع الأسف الشديد يتعامل مع هذه الأداة بأسلوب خاطئ، ويبدأ في ترويج أعمال وأنشطة وقرارات حكومية للدائرة التي يتبعها، وكأنه صاحب اليد العليا فيها، ويسعى إلى ترويج نفسه بأعمال لا تمت إليه بصلة؛ لا من قريب ولا من بعيد، ويتوسع في الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام كافة، حتى يمل الناس منه ومن كلامه وقعقعاته الفارغة.
المواطن أصبح واعيًا ويعلم كل شيء، وإن سألته عن إنجازات نائبه سيذكر لك الفعلي منها، ويتغاضى عن الادعاءات الأخرى، ولو استقصيت منه أكثر، فسيرد بثقة أن النائب لا يتخذ قرارات في مثل تلك الأمور، ويحاول إلصاق الفضل في ثوبه دون وجه حق.
قيل قديمًا إن الوعاء الفارغ يصدر ضجيجًا أكثر من الوعاء الممتلئ، وهي نصيحة لا يصدقها بعض النواب ولا يؤمن بها، وهو ما يلمسه الناس في كثرة تصريحاته وظهوره الإعلامي، وتلميع صورته وإرجاع كل الفضل إلى جهوده الجبارة، متناسيًا فضل المولى تعالى ثم فضل الآخرين عليه، والجميع يعلم إمكانياته الفكرية والعلمية والسياسية، وأنه يكذب ويكرر الكذب في أكثر من محفل حتى بات يصدق كذبته، وأصبحت العمليه بالنسبة إليه صناعة وحرفة، وفي أرشيف الصحف من الأمثلة ما يملأ عشرات الكتب والأبحاث.
وهناك من النواب من لا تسمع منه إلا القليل، وترى من أفعاله الكثير، ولا يلهث وراء الصحافة والإعلام لإبراز أعماله، وهؤلاء موجودون في المجلس التشريعي، وأداؤهم الهادئ والرصين وقناعاتهم الحادة كنصل السيف تنزل لتفصل بين الحق والباطل دون مواءمة وملاءمة وتنازلات وتكتلات وتحزبات، فهم وضعوا نصب أعينهم مصلحة الوطن والمواطن دون بهرجة إعلامية أو شعارات ترويجية.
وهناك من النواب من يستطيع تقديم مقترحات ومشاريع بقوانين وأسئلة نيابية كل يوم، لكن المحصلة النهائية تقترب من الصفر، ولا تجد في النهاية منتجًا مفيدًا يستطيع المواطن أن يتلمسه ويشعر أنه يصب في مصلحته، ويأتي النائب في نهاية الفصل التشريعي ليخرج من جعبته مجموعة من الأوراق التي لا تصلح حتى لإعادة تدويرها.
وبين هذا وذاك، يبقى المواطن هو الفيصل في معرفة الصالح من الطالح، ويومًا بعد آخر يزداد الوعي لدى الناس، ويتسع الإدراك بين قعقعة الأواني الفارغة والأفعال الصداحة بصمت، وكما قال الحق سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ».