حديث عن الأرشيف
إنه ذاكرة شعب وأمة تختزن فيه الأحداث والمناسبات والشخوص صانعة هذه الأحداث والغرب وبعض بلاد الشرق تعول كثيرًا على أرشيفها في استقاء المعلومات، وإصدار الدوريات والتسهيل على الباحثين ومساعدتهم في تقديم المعلومات لأسباب بحثية بحتة أو رسم سياسات واتخاذ قرارات معززة بالشواهد والبراهين والاثباتات ويسعفها في ذلك أرشيف المعلومات والصور.
وكنت في حديث مع الأخ والصديق أحمد إبراهيم المرشد حول أهمية أرشيف الصور تحديدًا وهو كان في يوم من الأيام مسؤولاً عن أرشيف صور وزارة الإعلام أيام كان هذا الأرشيف يتبع إدارة المطبوعات والنشر، ثم أصبح تابعًا للأخبار المحلية بالوزارة، وكان الخوف الدائم لدى «بومحمد» هو درجة الاهتمام بهذا الأرشيف وهو تخوف صحي، والحمد لله أن وزارة الإعلام حتى يومنا هذا تحتفظ بسجل لهذا الموروث، والمحافظة عليه وتطويره وإدخال التقنية الحديثة عليه يزيد المهتمين به اطمئنانًا.
ونحن في مملكة البحرين كان الاهتمام بأرشيف الصور والأفلام منذ البواكير الأولى خصوصًا عندما بدأت شركة نفط البحرين بابكو في التنقيب عن النفط عام 1932م وكانت الشركة تسجل هذه الأحداث أولاً بأول كنشاط للشركة والعاملين فيها إلى أن توسعت فأصبحت تسجل معظم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية وتم الاستفادة من هذا الأرشيف بعد ذلك في صحافتنا المحلية وتليفزيون البحرين. وكانت هناك جهود لأفراد اهتموا بأرشيف الصور ومن بينهم الأستاذ عبدالله محمد بن عبدالرحمن الخان والذي هو كان أحد العاملين في شركة نفط البحرين بابكو وامتهن حرفة التصوير الفوتوغرافي مع زميله الأستاذ خليفة شاهين الذي اهتم بالتصوير السينمائي فكان الاثنان شاهدي عصر على أرشيف شركة النفط بابكو.
ولاهتمام المبدع المصور المحترف عبدالله محمد الخان بالأرشيف فقد أصدر كتبًا معززة بالمعلومات وبالصور النادرة من أرشيفه الخاص، فكان كتاب «المحرق وردة البحر» وكتاب «دفتر اللؤلؤ» وكتاب «ديمقراطية 73» وكتاب «معجم العين» وكتاب «تمر البحر» وكتاب جديد في الطريق بعنوان «البحرين القديمة»، جهود فردية من الخان مقدرة تسجل مراحل من تاريخ البحرين في غاية الأهمية.
وعندما استلمت وزارة الإعلام مبنى المحاكم القديمة بالمنامة «المحكمة الدستورية» حاليًا في فترة تولي المرحوم طارق عبدالرحمن المؤيد طيب الله ثراه وزارة الإعلام أصبح المبنى مخصص لإدارة التراث وتم تخصيص قاعات لتضم أرشيفًا للصور النادرة عن تاريخ مملكة البحرين ووقتها تم الإعلان للمواطنين لتشجيعهم على إعطاء نسخ من الصور التي يحتفظون بها لهذا المتحف وتجاوب المواطنون كالعادة مع هذا التوجه وأصبحت الوزارة تمتلك مخزونا من الصور تسجل تاريخ البحرين القديم والحديث والمعاصر.
وكان المتحف مقصدًا للزوار من شتى البلدان، وشاركت فيه الوزارة بالأسابيع الثقافية التي أقامتها في بعض البلدان العربية والأجنبية.
وجهود مواطنين بحرينيين مقدرة أيضًا في المحافظة على أرشيف الوطن نذكر من بينهم الباحث رئيس أرشيف الصور الملكية بالديوان الملكي بمملكة البحرين الأستاذ عيسى قاسم الجودر الذي من خلال رعاية واهتمام الديوان الملكي أصدر مجموعة من الكتب تعتمد كثيرًا على حصيلة كبيرة من الصور الفوتوغرافية.
وكان أول إصدار له هو كتاب «صور لها تاريخ» 1988م ثم توالت إصدارات هذا الباحث الجاد في كتب بعنوان «حمد» عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه عندما كان وليًا للعهد عام 1992م وكتاب «البوم الوائلي» عن شاعر البحرين الكبير المرحوم سمو الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة عام 1999م.
وكتاب «عيسى الغائب الحاضر» عن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل طيب الله ثراه عام 2000م، وكتاب «القلوب مجتمعة» عن العلاقة البحرينية السعودية الممتدة وكتاب «سلمان الماضي والحاضر» عن سيرة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها طيب الله ثراه عام 2005م.
وكتاب «خليفة حليف المرجلة» عن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر حفظه الله ورعاه عام 2009م، وكتاب عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه بعنوان «صور ملكية» عام 2016م وإصدارات أخرى إضافة إلى تنظيم الباحث عيسى الجودر معارض للصور في مناسبات متعددة داخل وخارج مملكة البحرين بالإضافة الى الباحث صقر بن عبدالله المعاودة، وكتبه «البحرين في صحافة الماضي 2012، وكتاب مجلس التعاون في صحافة الماضي 2012، وكتاب الصحافة البحرينية تاريخ وعطاء 2014 وكتاب البحرين وتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي 2017.
وهناك أرشيفات خاصة كثيرة يحتفظ بها مواطنون مهتمون بالتراث والوثائق والمخطوطات نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ صالح بن محمد حسن الحسن، والسيد عبدالعزيز بوزبون والسيد عبدالله محمد بن عبدالرحمن باقر، والإعلامي الرياضي ناصر محمد، والسيد عبدالله بوزبون وكثير من المهتمين في مدن وقرى البحرين.
ولعلنا في حاجة ماسة اليوم لتجديد الدعوة القديمة لوزارة الإعلام في حث المواطنين الذين يحتفظون بالصور عندهم لتزويد الجهة الرسمية المختصة بنسخ منها لتتمكن من إقامة معرض وطني للصور القديمة والذي بالتأكيد سيستقطب أعدادًا كبيرة من الزوار والسياح ويمكن المشاركة من خلاله في المعارض والمهرجانات العربية والاقليمية والدولية. إضافة إلى كونه مرجعًا للباحثين والدارسين والراغبين في إصدار كتب عن تاريخ البحرين في مختلف التخصصات.
في جمهورية مصر العربية سعدت بالإصدارات التي نشرتها الأهرام تباعًا من خلال مراكز الدراسات والبحوث لديها عن تاريخ مصر والشخوص الفاعلة فيها كسياسيين ومفكرين، وفنانين والصور في هذه الإصدارات تتصدر المعلومات الموثقة كذلك الجهود التي قامت بها مؤسسة دار الهلال مؤخرا بإصدار كتاب توثيقي معزز بالصور بعنوان «قناة السويس بوابة الشرق والغرب» وكتاب «ناصر العام المئوي» وإصدارات دار الشروق لكتاب بعنوان «أفيش السينما المصرية» وكتب أخرى صدرت على شاكلة ذلك عن محمد علي باشا وأمير الشعراء أحمد شوقي، وسلسلة متواصلة من العطاء التي تؤرخ لمصر ورجالها من خلال الأرشيف الذي يختزن العدد الكبير من الصور والتي هي في غاية الأهمية من خلال دار الكتب والوثائق المصرية ومكتبة الإسكندرية والأهرام وغيرها من مراكز الأرشيف والمعلومات.
إن أمة تقدر تاريخها وتحافظ على موروثاتها لا شك أنها أمة تدرك قيمة عطاء أبنائها، وتدرك أن عوامل التطور كانت تسبقها جهود وإرهاصات وبذل وتضحيات لمواطنين أخلصوا في مهماتهم ومسؤولياتهم فحملوا الوطن على أكتافهم، وكان ديددنهم المحافظة على المكتسبات والانجازات والسعي إلى التقدم والرقي، ومن واجب الأجيال التي تأتي بعدهم أن تحمل هذه الأمانة وتذكر بكل الفخر والعرفان عطاء أولئك البناة الأوائل.
عندما تكون مراجعنا اليوم السجلات الغربية والشرقية كالأرشيف البريطاني، والأرشيف العثماني ومكتبة الكونجرس، والتي نستقي منها المعلومات وتصبح هي اليوم مراجع للدارسين والباحثين من أبناء وطننا فكم نحن بحاجة إلى تطوير ما في أيدينا ليصبح مع تراكم الزمن والخبرة مراجع يستقي منها أبناؤنا المعلومات والوثائق المطلوبة، حينها تكون عندهم المقارنة متوازنة والإثراء في المعلومات تصبح من الأمور المعتد بها.
إن مسؤولية المحافظة على موروثاتنا الوطنية مسؤولية مشتركة ونتطلع بثقة اليوم الى مركز عيسى الثقافي الذي بدأ خطوات واثقة وحرص واهتمام بالأرشيف الوطني وهي لا شك جهود علينا جميعًا التكاتف من أجل إبرازها إلى النور وتذليل الصعاب والعقبات أمامها لخير الوطن والمواطنين.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.