السوق العربية المشتركة | اقتصاد الإرهاب.. أموال ملطخة بدماء الأبرياء

السوق العربية المشتركة

الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 23:50
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

اقتصاد الإرهاب.. أموال ملطخة بدماء الأبرياء

ليس الإرهابى فقط من يستهدف بأسلحته ومفخخاته المدنيين أو قوات الجيش والشرطة، ولكن أيضا من يقدم له الأموال، ويمكنه من شراء الأسلحة والذخائر، فالطرفان متساويان فى المسئولية عن الدماء المراقة، والتى مازالت تسأل عن القصاص.



18 مليار دولار

مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، كان من أوائل الذين سلطوا الضوء على "تمويل" الإرهاب، إذ أصدر تقريرًا تحت عنوان "اقتصاد الإرهاب.. سر الحياة"، جاء فيه أن اقتصاد تنظيم داعش الإرهابى والتنظيمات الإرهابية الأخرى من أهم أسباب بقائها إلى الآن على الساحة، رغم الضربات الشديدة التى توجه لها، مضيفًا أن هذا الاقتصاد أصبح جزءًا من الاقتصاد العالمى.

وأضاف مرصد الإفتاء أنه اعتمد فى تحليله على دراسة أجريت فى العام أواخر العام الماضى تفيد بأن اقتصاد الإرهاب يمثل ما يقرب من 10% من التجارة العالمية المقدرة بـ18 مليار دولار أمريكى، وأن تنظيم داعش لا يُعد المستفيد الوحيد من هذا الاقتصاد، بل هناك آخرون من رجال الأعمال والشركات المختلفة على مستوى العالم يستفيدون هم أيضا من أموال هذا الاقتصاد، وكذلك تيارات وجماعات متطرفة تسلك نهج داعش القتالى.

وأوضح مرصد دار الإفتاء أن هذا الاقتصاد هو من يمنح داعش والجماعات المتطرفة الحياة والبقاء أمام الضربات المتتالية التى تُمنى بها، وهو أيضا مَن يقدم تفسرًا لكثرة العمليات الإرهابية المتتالية فى مصر وغيرها من الدول التى تواجه الإرهاب.

وكشف المرصد أن هذا الاقتصاد ليس عشوائيًّا كما يظن البعض؛ أو أنه قائم على الجباية وتحصيل أموال الزكاة أو الجزية من المناطق التى يسيطر عليها التنظيم، بجانب تجارة الآثار والمخدرات؛ بل على العكس فالتنظيم يعلم جيدًا أنه بالأساس يحتاج إلى نفقات كبيرة جدًّا لكى يواصل حروبه ضد الدول التى يتواجد بها، وأن ما يجنيه من المصادر السابقة ليس بمقدوره وحده أن يضمن له البقاء فترة طويلة، وبالتالى هو يبحث دائمًا عن مصادر دخل أخرى تضمن له البقاء، وتعود عليه بالأموال التى تعينه على الحرب؛ لأن كلفة الحرب كبيرة للغاية تصل إلى ما يقرب من 15 مليون دولار لليوم الواحد.

وقال مرصد الإفتاء فى تقريره: إن التنظيمات الإرهابية- التى منها تنظيم داعش- تعتمد فى اقتصادها على رجال أعمال وشركات تجارية بجانب الفاسدين فى حكومات بعض الدول لتخفى اقتصادها المشبوه خلفهم، فى عمليات غسيل للأموال، وذلك لأمرين أولهما استثمار هذه الأموال وضمان زيادتها بالصورة التى تغطى كلفة الحرب، والأمر الثانى يتمثل فى إخفاء هذا الاقتصاد من خلال تغلغله عبر شبكات عديدة فى الاقتصاد العالمى بشكل يجعل عملية الكشف عنه فى غاية الصعوبة.

وأضاف تقرير مرصد الإفتاء أن هناك بعض الدول تدعم ما يسمى باقتصاد الإرهاب بقوة، وذلك تحت ما يسمى التبرعات، وهذا ما جعل جو بايدن- نائب الرئيس الأمريكى السابق- يتهم بعض الدول فى العام 2014– بشكل صريح- بضلوعها فى تمويل التنظيمات الإرهابية، وذلك بهدف إسقاط الأنظمة فى الدول الأخرى، وهذا مؤشر على أن التبرعات التى تصل إلى التنظيمات المتطرفة لم تقتصر على الأفراد كما هو الزعم، بل أصبحت هناك من الدول من تغدق على هذه التنظيمات الأموال فيما يُسمى دعمًا لوجستيًّا، بحيث أصبحت هذه التنظيمات تمثل أذرعًا تقاتل نيابة عن هذه الدول كالقاتل المأجور، وأيد وجهة النظر هذه أيضا السيد غونتر ماير- مدير معهد البحوث للعالم العربى فى جامعة ماينز الألمانية- الذى أكد وجود دول سماها باسمها تعتبر مصدرًا أساسيًّا لتمويل التنظيمات الإرهابية.

ولفت مرصد دار الإفتاء إلى أن نمو اقتصادات الجماعات المتطرفة يعتمد على ضعف وإنهاك اقتصاد الدول التى تحاربه؛ لأنه يعتمد بالأساس على إنهاك هذه الدول من خلال رفع فاتورة الحرب ضده، بتلونه ومواصلة ضرباته وعملياته ضد الدول، وضرب مصادر الدخل القومى من جهة أخرى كالسياحة والبترول وما شابه.

وتابع المرصد فى تقريره أن وجهة النظر تلك تؤكد ضخامة اقتصاد التنظيمات المتطرفة، وهذا ما يعطيها قبلة الحياة، أو ما يضمن لها سريان الدم فى عروقها طيلة الوقت، وهذا من شأنه يُصعِّب من فرصة القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية بسهولة أمام الدول التى تحاربها مثل مصر وغيرها؛ لأنها ما إن تقضى على نقطة إرهابية فى مكان إلا ويظهر التنظيم فى مكان آخر بكامل عتاده وعدته، وفى وقت قصير للغاية، وهذا ما يفسر أيضا تسارع وتيرة العمليات الإرهابية فى الدول بوجه عام وفى مصر مؤخرًا على وجه الخصوص.

وأضاف مرصد دار الإفتاء أنه حسب تقارير أفادت بأن مصر فى الفترة الماضية قد شهدت تدفقًا تمويليًّا للجماعات الإرهابية بصورة كبيرة، ما كان له عظيم الأثر فى عودة التيارات التكفيرية إلى الساحة من جديد أشد صلابة وقوة عن ذى قبل، بل إن بعض التيارات التى كانت فى وقت سابق قد أعلنت أنها نبذت العنف مثل تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية وأنها تفرغت للعمل الدعوى، عادت إلى العنف من جديد، وأصبح لديها معسكراتها التى تدرب فيها أعضاءها على أعمال القتال، وعادت من جديد لغة التكفير تطغى على خطابها سواء أكان موجهًا لأعضائها أو كان موجهًا للآخر.

وقال مرصد الإفتاء إن مصر استطاعت تجفيف منابع التطرف والإرهاب فى السابق من خلال القضاء على جذور ورؤوس التيارات المتطرفة من ناحية، ومن ناحية أخرى من خلال المراجعات الفكرية التى تمت فى السجون المصرية فى فترة الثمانينيات، والتى استمرت لمدة 15 عامًا انتهت بمبادرة وقف العنف فى عام 1997، بحيث شهدت بداية الألفية الجديدة هدوءًا نسبيًّا على الساحة واختفاء لغة التكفير حتى ولو بشكل ظاهرى، بجانب رغبة جماعات ما يُسمى الإسلام السياسى الانخراط فى الحياة السياسية والبرلمانية، إلا أن هذا الهدوء وهذا التحول لم يلبس أن تبخر فى العام 2013 وعاد الخطاب التكفيرى أشد ضراوة ومصحوبًا بالقتال والاصطدام مع الدولة من جديد.

وكشف تقرير مرصد الإفتاء أن تتابع العمليات الإرهابية بصورة ملحوظة ونشاطها الكبير والمستمر فى الفترة الماضية يؤكد- بما لا يدع مجالاً للشك- تلقى هذه الجماعات تمويلات بصورة مستمرة، تضمن لها نفقات الحرب ضد الدولة، وضمنت لها أيضا توفر الأسلحة اللازمة لهذه الحرب.

وبين أن بقاء مثل هذه الاقتصادات يُصعِّب من دور الدول فى القضاء على الإرهاب، لذا فقد طالب مرصد الإفتاء بضرورة توحيد الجهود الدولية للقضاء على هذه الاقتصادات المشبوهة؛ لأن فى وجودها إعاقة كبيرة للقضاء على الإرهاب، وأن فى نموها إضعافًا لاقتصادات الدول، وبالتالى فالقضاء عليها يضمن القضاء على الإرهاب ونموًّا اقتصاديًّا لهذه الدول.

اعتراف قطرى

كما تلعب دولًا فى المنطقة، دورًا فى تقديم الدعم للإرهاب، مثل دولة قطر، التى جاء "اعتراف" صريح على لسان وزير خارجيتها، محمد بن عبدالرحمن، الذى قال إن بلاده "فى آخر القائمة الخاصة بدعم الإرهاب"، وقد كشفت الوثائق، المفصح عنها حديثًا، والخاصة بـ"اتفاقية الرياض 2014"، أنه تم الاتفاق بين الدول الخليجية على عدم دعم أى من الجماعات التى تتورط فى أعمال عنف بمنطقة الخليج، أو فى المنطقة العربية عامة، وذكرت مصر بـ"التحديد" فى هذا الاتفاق.

إلا أن قطر لم تلتزم بهذا الاتفاق، وفق ما كشفته مصادر خاصة، التى أوضحت أن رجال أعمال يحملون "الجنسية المصرية"، مقيمين فى الدوحة، تورطوا فى دعم عمليات إرهابية وقعت مؤخرًا فى البلاد، وهى العمليات التى استهدفت عدة كنائس، إضافة إلى الهجوم على دير الأنبا صموئيل المعترف فى المنيا، نهاية شهر مايو الماضى.

ما يؤكد صحة حديث المصادر، التحريات فى القضايا سالفة الذكر، والتى كشفت تورط الإخوانى مهاب مصطفى، والذى يحمل اسمًا حركيًا وهو "الدكتور"، قد سافر عدة مرات إلى الدوحة، والتقى هناك عناصر إخوانية، التى أمدت بالدعم اللوجستى، من أجل تنفيذ مخططات تخريبية داخل البلاد.

المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، قال عقب تلك الهجمات: إن مصر تواجه هجمة إرهابية غاشمة يقف وراءها من يضخ أموالًا طائلة لدعمها، مؤكدًا أنها كشفت عن ضخ أموال طائلة تتعدى المليارات لدعم الجماعات الإرهابية وتزويدها بأحدث التقنيات التكنولوجية، مشيرًا إلى أن تلك الأعمال تستوجب إجراءات استثنائية لمواجهة هذا الخطر المتفشى.

وفيما أعلن رئيس مجلس النواب، الدكتور على عبدالعال، تشكيل مجموعة من المحامين المصريين لتعقب الدول الداعمة للإرهاب، لافتًا إلى أنه سيتم الدعوة لعقد مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب، قائلًا: "سيتم تعقب كافة الدول التى تدعم الإرهاب، وهى معروفة بالاسم".

تتبع أموال الإرهاب

ما أسلف دفع الدول العربية، ومن بينها مصر، إلى طرح عدة مقترحات لتجفيف منابع دعم الإرهاب القطرية، وكان من بينها فرض رقابة دولية على أموال الحكومة القطرية، إلا أن الأمر "صعب" التنفيذ بحسب المستشار حسن أحمد عمر، خبير القانون الدولى، الذى يقول إن الشيطان الأعظم "إسرائيل" لن يسمح بتمرير هذا القرار فى مجلس الأمن.

وأضاف "عمر"، فى تصريح له، أن فرض الوصاية الدولية على أموال قطر قرار يخرج من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والدول الداعية لمكافحة للإرهاب لا تملك الأصوات التى تمكنها من تمرير القرار فى أروقة مجلس الأمن، كما أن إسرائيل وأمريكا لن يسمحا بذلك، لأن قطر مجرد دمية فى أيديهما، بالإضافة إلى أن المسار القانونى لهذا القرار هو رفع طلب مدعم بالأدلة والبراهين لدعم الطلب ومن ثم يتم التصويت عليه.

وأوضح أن الداعم الحقيقى لقطر هى إسرائيل، ودليل ذلك العملية الإرهابية التى وقعت فى رفح مؤخرًا، وأسفرت عن استشهاد وإصابة 26 من أبطالنا فى القوات المسلحة، متابعًا: "أن أكبر دليل على تورط إسرائيل هو توقيت العملية الذى تزامن مع زيارة مندوب قطر إلى قطاع غزة، والإمكانات الهائلة التى تم استخدامها فى تنفيذ العملية يؤكد أن الممول لهذه العملية دولة تعمل بكامل قوتها لإسقاط مصر وأن ترسل رسالة مفادها أن قطر فى حمايتى وليست تركيا".

ودعا البرلمان، بالتعاون مع البنك المركزى، إلى بحث إنشاء هيئة لتبع نقل الأموال من وإلى الخارج، وتعديل التشريعات اللازمة بهذا الشأن، خاصة قوانين البنوك، وذلك لمنع تدفق الأموال للإرهابيين للبلاد، قائلًا إن الأموال المستخدمة فى الإرهاب العالمى، تصل إلى 6 تريليونات دولار، يتم تحويلها بين الدول من خلال تحويلات قانونية أو غير مشروعة أحيانًا.

وفيما أوضح محمد الألفى، خبير الاقتصاد السياسى، أن اقتصاد الإرهاب تطور من خلال عدد من الأنشطة غير المشروعة الأخرى كتجارة الأسلحة، وغسيل الأموال، وتجارة المخدرات، مطالبًا البرلمانات العربية والدولية بسرعة تعديل قوانين البنوك، لمواكبة التطورات المصرفية العالمية، لمحاربة عمليات غسل الأموال، ونقل أموال الإرهابيين.

وأكد الديب، أن منطقة الأوسط، خاصة المنطقة العربية، فقدت نحو 70 مليار دولار فى عام 2016، بسبب الحروب الأهلية، ومكافحة الإرهاب، والأزمات الاقتصادية.

وكشف عن وجود ثغرات قانونية، ببعض بنحو 10 قوانين اقتصادية، تتعلق بالاستيراد والمحاجر والجمارك والصناعة، تسمح للإرهابيين، بإدخال مواد متفجرة للبلاد، تستخدم فى صنع القنابل، وتفخيخ السيارات، مطالبًا بمراجعتها.

كشف أحمد كامل بحيرى، الخبير فى شئون الحركات الإسلامية، أن دول المحيط الإقليمى تدعم الإرهاب بأشكال خفية، كالدعم اللوجستى الذى تقدمه من خلال توريد الأسلحة للإرهابيين، وتسهل وصولها إليهم، مشيرًا إلى أن هذ الدعم ظهر من خلال فيديو داعش الأخير "صاعقات القلوب"، الذى استخدم بعض الأجهزة الحديثة جدًا من خلال مصانع بتصديرها لجيوش التنظيمات الإرهابية.

ولفت إلى أن دعم الإرهابيين ليس من خلال الدعم المادى فقط، وإنما ساهمت فيه بعض وسائل الإعلام، بتعاطفها مع التنظيمات الإرهابية، ولا تصفها بالتطرف، موضحًا، أن هناك دولا كبرى تدعم التوظيف السياسى، ترى أن مصالحها فى الشرق الأوسط، فتدعم التنظيمات لهذا السبب.

وعن مصادر تمويل الإرهابيين، قال إن الحدود الممتدة بين مصر وليبيا كبيرة جدًا، فتدعم تلك المنطقة، ماديًا إلى هذه التنظيمات الموجودة فى مصر، مشيرًا إلى أن منطقة غزة، قطر، وتركيا، تمثل مصادر تمويل للإرهابيين.

وأردف أن هناك دعما مرئيا يتمثل فى احتضان دولة قطر وتركيا لتيارات العنف، وتستضيفه، منتقدًا صمت الدولة المصرية، عن كشف هؤلاء الدول ومواجهتها، منوهًا بأن الإعلام المصرى هو الذى يتكلم فى ملف مصادر تمويل الإرهابيين، والدولة صامتة، وتقيم علاقات مع الدول الداعمة للإرهاب، كالعلاقات الدبلوماسية مع تركيا حتى هذه اللحظة، فضلًا عن ضرورة اتخاذ مواقف أكثر تشددًا مع قطر".