الفساد يترنح فى مصر
الرقابة الإدارية.. أسسها جمال عبدالناصر.. ودعمها السيسى للقضاء على الفساد
المواطنون: الرقابة الإدارية كتبت نهاية الفساد فى مصر
رجال القانون حول التصالح: المؤيدون طوق النجاة للاقتصاد.. والمعارضون يفتح باب الفساد على مصراعيه
هى معركة منتصرون فيها بإذن الله.. معركة لوجه الوطن وحده لا شىء آخر، نخوضها من أجل الحاضر الذى نعيشه اليوم والمستقبل الذى ستعيشه أجيال جديدة غدا، عدونا فيها لا يحمل سلاحا ولا يرتدى حزاما ناسفا لكنه يفعل ما هو أخطر من ذلك، يعوق الحركة للأمام ويعرقل مجالات التنمية والبناء ويقتل ألف فرصة من فرص الإصلاح لرسم واقع أفضل، الفساد هو العدو الأخطر إذًا، عدو الداخل مثل سرطان فى جسد الأمة أصابها منذ عقود طويلة وظل ينمو ويقوى وينتشر شيئا فشيئا دون أن تتم مواجهته بجدية، لماذا؟! لا أحد يعرف إنها فاتورة سنوات السداح مداح التى نسددها حاليا ويجب أن نسددها كاملة لنقطع الصلة نهائيا بماض لا نريده ونبدأ صفحة جديدة بيضاء ناصعة نرسم عليها صورة مصر التى نريدها ونحلم بها، مصر فى طريقها نحو غد ينتظرها بقدر ما تنتظره وليست المدة التى تقطع فيها بلادنا ذلك الطريق هى الشىء المهم لكن المهم حقا هو أن يكون الطريق مستقيما.. هل يمكننا ذلك هل نستطيع هل ننجح فى إجراء جراحة تأخرت طويلا لاستئصال كل خلايا الفساد؟ الإجابة نعم فنحن لدينا القدرة على تحقيق ذلك الحلم ولأن مصرنا التى ولدنا على أرضها وسنموت على أرضها تستحق منا الشجاعة لخوض هذه المعركة بإخلاص نخوضها جميعا إيد واحدة من أكبر مسئول لأصغر مواطن فى كل حارة وشارع وجهة عمل ومؤسسة حكومية فهى معركة الجميع ومن أجل الجميع وليكن الشعار الذى نتوحد تحت رايته كلنا ضد الفساد.
الرقابة الإدارية
يرفرف علم مصر على مقر الرقابة الإدارية بمدينة نصر التى تمتد فروعها فى جميع المحافظات لكشف وقائع الفساد المالى والإدارى، حيث تعتبر الهيئة سلاح الدولة للقضاء على الفساد وتقوم بالتحرى عن شاغلى الوظائف الإدارية والمناصب العليا وعن حالات الكسب غير المشروع وتتعاون مع البنك المركزى للتحرى عن عمليات غسيل الأموال بالتعاون مع وحدة مكافحة غسل الأموال.
أسسها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كجهاز رقابى مستقبل يتبع رئاسة الوزراء لحماية القطاع العام من الفساد وأعادها مبارك لكن تحريرها ودعمها للقضاء على الفساد جاء فى عهد الرئيس السيسى، ومنذ تأسيسها تولى سبعة من خيرة رجالات القوات المسلحة رئاسة الهيئة، أولهم اللواء كمال الغر ثم اللواء محمود عبدالله ثم اللواء أحمد عبدالرحمن ثم اللواء هتلر طنطاوى ثم اللواء محمد فريد التهامى ثم اللواء محمد عمرو وهبى وأخيرا اللواء محمد عرفان جمال الدين.
وقد فجرت الهيئة الكثير من قضايا الفساد التى هزت الرأى العام بعد أن أعطى مبارك الإذن لعقاب كبار المسئولين بالدولة أو رجال الأعمال الذين يغضب عليهم، ومن أشهر هذه القضايا نواب القروض وقضية عبدالوهاب الحباك وزير الصناعة وقضية رجل الأعمال توفيق عبدالحى المتهم باستيراد دواجن فاسدة، وعند وصول الإخوان للحكم حاولوا استغلال الهيئة لمحاربة خصومهم ودخل محمد مرسى فى صراع مع رئيس الهيئة وقتها اللواء محمد فريد التهامى بعد أن اتهموه بإخفاء أدلة اتهام مبارك فى قضية قصور الرئاسة، وبالرغم من ذلك تمكنت الهيئة من الكشف عن وقائع فساد عقب ثورة 25 يناير وحتى 2014 أعادت للدولة ما يقرب من 11 مليار جنيه، وهو ما عرض أعضاء الهيئة للتهديد ما دفعهم للمطالبة بحمايتهم بموجب القانون.. وأثناء وضع تعديلات دستور 2014 ضمنت مواد الدستور استقلال الهيئة لأول مرة فى تاريخها وخروجها من تبيعة رئيس الوزراء منذ تأسيسها لتتبع رئيس الجمهورية الذى يعين رئيسها بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، وعدم إعفائه من منصبه إلا فى الحالات المحددة بالقانون، كما نص على أن الهيئة تقدم التقارير إلى كل من رئيس الجمهورية ومجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء فور صدورها، وعلى مجلس النواب أن ينظرها ويتخذ حيالها فى مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ ورودها إليه وتنشر هذه التقارير على الرأى العام كما تقوم بإبلاغ سلطات التحقيق المختصة بما تكتشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات أو جرائم.
وعقب تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى سدة الحكم أطلق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وأعطى الهيئة صلاحيات كبيرة للقضاء على الفساد الذى يقف حائلا أمام خطة التقدم الاقتصادى للدولة وقام بزيارة مقرها ليكون أول رئيس يزور الهيئة منذ تأسيسها مصطحبا معه رئيس الوزراء والعديد من الوزراء وكبار رجال الدولة، مؤكدا أمام اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد أن الدولة ستتصدى بقوة للفساد فى دلالة واضحة على مدى حرص القيادة السياسية وعزمها وإصرارها واهتمامها بالقضاء على الفساد، والفساد ليس رشوة وإنما يشمل الجشع وإهدار الموارد والسلبية والإهمال وسوء التخطيط والتنفيذ، موجها تحيته للرقابة الإدارية والعاملين فيها على جهدها خلال الفترة الماضية، ومؤكدا أن الدولة المصرية تواجه الفساد ولا يوجد مجاملة فى هذا الأمر، قائلا خلال الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف والله العظيم أنا لم أحاب أحدا ولا حتى أبنائى فى شغلهم.
وأكدت القضايا التى كشفتها الرقابة الإدارية تنفيذ الرئيس قسمه بعدم المحاباة، وذلك عندما ألقى ضابط الرقابة الإدارية القبض على صلاح هلال وزير الزراعة فى حكومة إبراهيم محلب وسط ميدان التحرير عقب تقدمه لرئاسة الوزراء باستقالته لاتهامه فى قضية فساد كبرى واستيلائه على أراض الدولة التى يحاكم بسببها الآن ليواصل رجال الهيئة ضرباتهم للفساد، ومن أهمها إلقاء القبض على جمال الدين محمد إبراهيم اللبان مدير المشتريات بإحدى الجهات القضائية عقب تقاضيه رشوة وبتفتيش منزله تم العثور على 24 مليون جنيه مصرى بالإضافة إلى 4 ملايين دولار أمريكى و3 ملايين يورو ومليون ريال سعودى وكمية كبيرة من المشغولات الذهبية بخلاف العقارات والسيارات التى يملكها.. ووجه الرئيس الشكر للهيئة على ضبط هذه القضية، قائلا: إن هيئة الرقابة الإدارية كانت جادة فى محاربتها للفساد وأنه يجب التعود على محاسبة الشخص الذى أخطأ وليس الإساءة إلى الجهة التى ينتمى إليها، متابعا أن مؤسسات الدولة مؤسسات محترمة وأنه عندما يقع أى تجاوز فالمفروض محاسبة المسئول عنه كما وسعت هيئة الرقابة الإدارية سلطاتها بدعم من الرئيس فى محاولة لضبط الأسعار والسيطرة على الأسواق وتمكنت من خلال فروعها بالمحافظات من توجيه ضربات قوية لمافيا احتكار السلع الأساسية والاستراتيجية كما قامت الهيئة بالكشف عن قضية مافيا الاتجار فى الأعضاء البشرية المتورط فيها أطباء وأطقم تمريض وأساتذة كبار فى عدد من المستشفيات والجامعات الحكومية.
المواطنون
اعتبر الشارع المصرى أن الرقابة الإدارية كتبت نهاية الفساد فى مصر بعد كشف فضيحة مجلس الدولة مطالبين بالضرب بيد من حديد على المتلاعبين فى جميع المؤسسات الحكومية بشرط تعديل القوانين والتشريعات خاصة المصالحات فى قضايا الفساد ووضع عقوبات مشددة تقضى على المافيا ويطبق القانون بحزم.
يقول فرج منير: تفشى الفساد فى جميع أركان مؤسسات الدولة يرجع إلى العقوبات الهزيلة والمصالحات التى أثبتت نتائج عكسية منذ إقرارها قبل عامين علاوة على استغلال المناصب الحساسة دون رقيب أو حسيب، وفوق كل هذا وذاك استخدام المحسوبية والوساطة فى التعيين وقضاء المصالح والحصول على الترقيات دون وجه حق، موضحا أن الفساد الإدارى موجود منذ زمن طويل فى ظل تجاهل القانون وعدم تنفيذه ضد كل مخطئ.
ويشير الدكتور شنودة رفعت «صيدلى» إلى أن الاستيراد الخارجى دون الاستعانة بالخامات المحلية إلى جانب أخذ القرارات دون الرجوع إلى المتخصصين فى كل مجال ما تسبب فى وجود أزمة اقتصادية حاليا تؤثر بالسلب على سوق المال والاقتصادى مطالبا بتشديد الرقابة والاستفادة من أهل الخبرة والعلم حتى نقضى نهائيا على الفساد.
ويرى أمير هانى أن زيادة الموارد البترولية وصدور القرارات الاقتصادية الأخيرة دون تنبيه سابق للشعب زاد من مخاوف المواطنين من صدور قرارات شبيهة فى الفترة القادمة ما فتح مجالا إضافيا للفساد والبدء فى تخزين المواد البترولية وتحقيق أرباح سواء أصحاب المحطات أو تجار السوق السوداء، لذلك نطالب الحكومة بإعادة النظر فى القرارات السريعة ودراستها بما يتناسب مع دخل المواطن المصرى والاستعانة بخبراء الاقتصاد للاستفادة من خبراتهم العلمية ما يساهم فى خروج أى قرارات تتعلق بالاقتصاد بشكل جيد يرضى الشارع المصرى للقضاء على الفساد الإدارى بجميع أشكاله.
ويضيف هانى رأفت: رغم امتلاك مصر أكبر رقعة زراعية إلا أنه لا يتم الاستفادة منها على أكمل وجه بسبب فشل الحكومة ومؤسسات الدولة فى إدارة الأزمات إلى جانب عدم اختيار المحافظين بأسلوب متميز، وأكبر دليل على ذلك أزمة السكر برغم زراعة معظم الأراضى بمحافظات الصعيد بقصب السكر وما زلنا نواجه أزمات يصنعها التجار الجشعون والمحتكرون كل يوم لتعطيش الأسواق وتحقيق أرباح من دماء المصريين، لذلك يجب على وزارة التنمية المحلية إعادة النظر فى اختيار المحافظين.
يجب على وزارة التنمية المحلية إعادة النظر فى اختيار المحافظين الذين يتمتعون بالثقة والخبرة والعلم للاستفادة منهم لعبور أى منعطف خطير يهدد الأمن القومى والاقتصاد ولمواجهة الأزمات بجميع أشكالها بدلا من التلاعب بالتنمية والاقتصاد القومى لصالح مجموعة من الأفاقين الذين يعيثون فى الأرض فسادا دون وازع من ضمير لتحقيق أرباح بأى شكل.
ويشير سيد عمر إلى أن القرارات الاقتصادية الخاصة بتعويم الجنيه مفيدة للاقتصاد المصرى لكن هناك مجموعة من رجال الأعمال تستغل هذه الأوضاع لمصالحهم الشخصية لذا نطالب الحكومة بوضع آليات جديدة لحماية المواطن من جشع واحتكار التجار ورجال الأعمال والذين يتحكمون فى السوق وينافسون الدولة ويفتعلون المشاكل لإحداث ثورات فى الشارع المصرى.
ويوضح محمد حسن أن للفساد وجوها كثيرة منذ زمن طويل حتى أصبح مرضا عضالا يزداد بشكل مخيف خاصة فى ظل عدم تنفيذ القانون ما يؤدى إلى سقوط الدولة، مؤكدا أن السبب الرئيسى وراء تفاقمه التصالح فى المخالفات خاصة مخالفات المبانى ما أدى إلى تفام العشوائيات، مطالبا بضرورة سن تشريعات حازمة تجرم البناء المخالف على الأراضى المخصصة للبناء ووضع عقوبات صارمة على المخالفين.
ويؤكد عبدالله هارون أنه يجب على الإعلام توعية وتنوير المواطن لمعرفة خطورة الفساد والذى يؤثر بالسلب على الاقتصاد القومى ويضر بمستقبل مصر، بالإضافة إلى الاستعانة بخبراء الاقتصاد وأساتذة الجامعات للاستفادة من خبراتهم.
ويناشد مصطفى بركات المسئولين بالأحياء بتنفيذ قرارات الإزالة والإجراءات بكل حزم ومتابعة تنفيذها على أرض الواقع باستمرار إلى جانب مراقبة القائمين على تنفيذ القرارات واتخاذ الإجراءات القانونية فى حالة مخالفة وتواطؤ الفاسدين حتى تكتمل المنظومة بالشكل الصحيح.
الاحتكار البوابة الملكية
عانى الاقتصاد المصرى على مدى أكثر من 30 عاما من انتشار الفساد الذى ساهم فى تغوله تزاوج المال بالسلطة واحتكار شخصيات بارزة للسلع الاستراتيجية، حيث كشفت دراسة أعدها مركز الدراسات الاقتصادية عن تحكم 20 شخصية فى إدارة جميع الأمور الاقتصادية والسياسية فى مصر خلال عهد الرئيس الأسبق مبارك ما كبد الاقتصاد خسائر فادحة وصلت إلى تريليون جنيه، الأمر الذى دعا الرئيس السيسى لإعلان الحرب على جميع أشكال الاحتكار من خلال سن القوانين والتشريعات وملاحقة رجال الأعمال المتلاعبين فى قوت الشعب.. ويأتى على رأس رجال الأعمال المحتكرين رجل الأعمال أحمد عز الذى كان يحتكر حوالى 60٪ من قطاع الحديد ليس إنتاجه فقط بل أيضا توزيعه واستيراده وتصديره، وهناك أيضا رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى الذى كان يسيطر على قطاع المقاولات والعقارات وفى الوقت نفسه كان عضو ووكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى المنحل، وهذا المنصب ساعده فى الاستيلاء على أراضى الدولة بأبخس الأثمان ليشيد عليها مدنًا تباع بالملايين، كما سمح له باستيراد الأسمنت والحديد من الخارج رغم وجود خطر على الاستيراد فى ذلك الوقت، كما استطاع رجل الأعمال أحمد المغربى الذى تولى منصب وزير السياحة ثم الإسكان فى تحقيق مكاسب هائلة من خلال منصبه فهو المساهم الأكبر فى شركة بالم هيلز التى تم تخصيص أراضٍ متميزة لها بأسعار مخفضة حين كان المغربى فى المنصب.. وفى قطاع الأسمنت كذلك يعتبر أكبر مصدر للأسمنت وفى قطاع الأسمدة خاصة بعد شراء شركة أبوزعبل للأسمدة من الدولة بأسعار زهيدة ليتحكم المحتكر فيما يعادل 60٪ من سوق الأسمدة.. وفى القمح يتحكم محتكر واحد فهو المستورد الوحيد لجميع أنواع الأقماح ويتحكم فى 45٪ من الكميات الموجودة بالسوق وقد تضمن تقرير لجنة تقصى الحقائق التى تشكلها البرلمان مؤخرا وجود فساد فى منظومة توريد القمح وصل إلى أكثر من 500 مليون جنيه ما اضطر وزير الزراعة الحالى لمناشدة الرئيس السيسى بإسناد استيراد القمح وتخزينه إلى جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة ويستحوذ أيضا مستثمر واحد على أكبر شركات السيارات وأشهر توكيلات معدات الطرق وسيارات النقل على ما يقرب من 45٪ من قطاع السيارات فى مصر وفى الزراعة كذلك حيث يتحكم أحدهم فيما لا يقل على 65٪ من تصدير الفواكه والموالح فهو المتحكم الأول فى قطاع تصدير الفواكه.. وفى قطاع اللحوم يبرز أحد المستثمرين الذى يحتكر اللحوم فى مصر فهو المستورد الأول والأكبر للحوم المجمدة من البرازيل أو الحية من إثيوبيا والسودان وكذلك فى قطاع الغزل والنسيج والسيراميك.
التصالح سلاح ذو حدين
تباينت آراء رجال القانون حول قوانين التصالح بجرائم الفساد فمنهم من يرى أنها تفتح باب الفساد على مصراعيه بسبب عدم ردع مرتكبى جرائم الاستيلاء على المال العام وتقنن أوضاعهم بينما يؤكد البعض أن تلك القوانين بمثابة طوق النجاة للاقتصاد نظرا لتدفق الأموال المنهوبة على خزانة الدولة عند التصالح مع المخالفين.
الدكتور عبدالرحيم صدقى، أستاذ القانون الجنائى بجامعة القاهرة، يرفض مبدأ التصالح فى الجرائم الجنائية عموما، قائلا: الجريمة الجنائية لها طابع خاص يختلف عن أى جريمة أخرى سواء كانت مدنية تجارية إدارية أو دولية، فالجريمة الجنائية بوجه عام ذات طابع وطنى قومى يصل ضررها للنظام والآداب العامة بخلاف الضرر المدنى التجارى أو الدولى أو الإدارى لذا يفرض القانون عقوبات رادعة لا هوادة فيها وبتصفح قانون العقوبات لا نجد نصا واحدا أجاز التصالح، لذا يعتبر أمرا شاذا ولس استثنائيا فقط لأنه يخالف فلسفة قانون العقوبات، مشيرا إلى أن اتجاه الدولة بالعدول عن عقوبة الحبس فى جرائم الفساد مع الاكتفاء بالتغريم عملا بمبدأ السياسة الجنائية بأن الغرامة تفيد الدولة وتصب فى خزانتها العامة كمورد مالى على عكس السجن الذى يضر بالدولة وليس بالمتهم فقط نظرا لتكاليف تنفيذ العدالة ولهذا فلا يصح قانونا أن نقر بالتصالح كمبدأ سواء فى الجرائم ذات الطابع المالى كالفساد والرشوة أو أى جرائم خرى. وقد ناشد صدقى المشرع بضرورة تجنب التصالح أو العفو عن المجرم السياسى أو المالى على وجه الخصوص نظرا لفداحة الجرم الذى ارتكبه فى حق المجتمع بأسره، فذلك المجرم لم يرتكب جريمة خاصة فى حق أشخاص بأعينهم يمكنهم العفو عنه أو التصالح معه، مؤكدا أن ذلك يفتح الباب على مصراعيه للعفو عن الكثير من الجرائم، ولو أجيز ذلك لتضرر المجتمع بشكل يفوق النفع الذى سيعود من وراء ذلك التصالح فمن أمن العقوبة أساء الأدب، كما أن الحكومة لا تمتلك حق التنازل عن عقوبة العابثين بمقدرات وأمن الوطن الداخلى سواء بالفساد أو الرشوة، أو الخارجى كالجواسيس والخونة، فكلها صور للاعتداء على الدولة ويجب التصدى لها بكل قوة بدلا من مساعدتهم وتقنين أوضاعهم كما لا يليق ذلك بدولة رفعت شعار سيادة القانون وسلامة الوطن فوق كل اعتبار، فمن يطالب بالتصالح إما يجهل بالعدالة أو أنه يضرب بها عرض الحائط.
وينفى الدكتور نبيل سالم، استاذ القانون الجنائى بجامعة عين شمس، وجود ما يسمى قوانين التصالح فى المنظومة التشريعية المصرية جمعاء، مؤكدا أنه تم استحداث بعض القوانين الخاصة التى أجازت مبدأ التصالح لاعتبارات وضرورات سياسية، مثل قانون الكسب غير المشروع، وقد حدث ذلك فى الوقت الذى كان يتولى فى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد عقب ثورة يناير كمحاولة لاسترداد ما يمكن من ثروت وأموال منهوبة استولى عليها بعض الأشخاص ولاذوا بالفرار خارج البلاد، وأصبح من المستحيل ملاحقتهم بشكل قانونى، وصدر آنذاك مرسوم بقانون أجاز التصالح فى جرائم المال العام، وأيضا أغلبها من الجنايات، حيث تدخل المشرع وأضاف مادة جديدة رقم 18 مكرر جعلت التصالح يصبح أحد الأسباب العامة لانقضاء الدعاوى الجنائية، رافضا القول بأن الفساد مستشرٍ فى جميع قطاعات الدولة المصرية، وإطلاق وصف الفساد بالشكل الشائع يبدو ظالما ولا يتسق بالتالى مع طبيعة الشخصية المصرية، مشيرا إلى أن المنظومة التشريعية وافية بقوانين التجريم والعقاب والعبرة بالجدية فى التنفيذ.
التصالح أفضل
وعلى الجانب الآخر يدافع الدكتور صلاح الطحاوى، استاذ القانون، عن قوانين التصالح، قائلا: القانون الذى أصدره الرئيس السيسى عند توليه ويختص بالتصالح فى جرائم المال العام تم إقراره من البرلمان عقب انتخابه، وبذلك اتخذ الصفة الشرعية، ويتميز القانون عن الذى صدر فى عهد المجلس العسكرى عقب ثورة يناير المجيدة، حيث نص آنذاك على رد أصول المبالغ المنهوبة فقط دونما النظر لقيمتها الحالية، بينما نص القانون الحالى على وجوب تشكيل لجنة من الخبراء برئاسة المستشار مساعد أول وزير العدل لجهاز الكسب غير المشروع لإعادة تقييم الأصول والأموال المنهوبة طبقا لقيمتها السوقية الحالية عند التصالح بدلا من المحاسبة على قيمتها عند ارتكاب واقعة الاستيلاء، كما أشار الطحاوى إلى أن القصور الذى يشوب قوانين الكسب غير المشروع بسبب عدم التطبيق بشكل فعلى على المخالفين لانقضاء الدعاوى بمضى 5 سنوات أو سقوط الأحكام لعدم تنفيذها ما يضيع على الدولة أموالا طائلة لتهرب المحكومة عليهم من تنفيذ الأحكام، وقد ساهمت تلك القوانين فى عودة الكثير من الأموال المنهوبة فى ظل الفساد الذى استشرى بمصر طوال العقود الماضية، لتستفيد الدولة فى ظل التضخم والأزمة الاقتصادية الطاحنة، معتبرا أن ذلك القانون بمثابة قراءة حقيقية وواقعية لما يحدث فى مصر، خاصة أن الكثير من قوانين العقوبات غير مفعلة والكثير من الأحكام غير نافذة وبالتالى تضيع المليارات على خزانة الدولة.
خبراء الاقتصاد
وتغلغل سرطان الفساد فى كل مفاصل الهيكل الإدارى والخدمى للدولة، وبلغت فاتورة الفساد بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية نحو 50 مليار جنيه سنويا، وأكد الخبراء الاقتصاديون أن انتشار الفساد بهذا الشكل أرهق موارد الدولة وقلص الاستثمارات وأفقد المستثمر الأجنبى الثقة فى الاقتصاد، كما أدى إلى تدنى كفاءة الاستثمار العام وإضعاف جودة البنية التحتية، كما يؤثر سلبا على العدالة فى توزيع الدخول لصالح الفئات الأكثر قوة على حساب الفئات الفقيرة، مطالبين بضرورة العمل على مراجعة القوانين واللوائح التى تحارب الفساد وتدعم الأجهزة الرقابية بكوادر بشرية مؤهلة لمكافحة الفساد وتفعيل مشاركة المجتمع المدنى فى الرقابة الشعبية لمواجهة الفساد.
يرى الدكتور منير الجنزورى، مدير مركز الدراسات الاقتصادية، أن الاقتصاد المصرى دفع ثمن الفساد المتفشى فى جميع قطاعات الدولة والتى تطورت آلياته لدرجة من التقنية والتنظيم ليصبح أقوى من أجهزة المكافحة والرقابة عليه لتحقيق التنمية المستدامة، مشيرا إلى أنه رغم الأرقام الكبيرة التى تصدرها الجهات المختصة عن حجم الفساد فى مصر وتأثيره على الاقتصاد المصرى إلا أن تكلفته الحقيقية ليست مادية وإنما تكلفة ثقة.. ويضيف الجنزورى أنه لا توجد ثقة من قبل المستثمرين فى الاقتصاد المصرى وأن 100٪ من تكلفة الاستثمار تهدر فى الفساد، الأمر الذى يؤثر على إقبال المستثمرين المصريين والعرب والأجانب، حيث إن هناك فسادا داخل أجهزة مكافحة الفساد لعدم تفعيل القوانين، موضحا أن أقوى أنواع الفساد منتشر بالمحليات بالإضافة إلى صدور قرارات وقوانين اقتصادية خلال العشرين عاما الماضية لخدمة فئات معينة ضالة هى الفئة التى كانت مسيطرة على مقاليد الحكم والحياة السياسية والاقتصادية فى ذلك الوقت مشيرا إلى أن الأموال التى حصلت عليها هذه الفئة الضالة بالفساد كان من الممكن الاستفادة منها فى إيجاد مشروعات جديدة تخلق فرص عمل جديدة.
يتفق معه فى الرأى الدكتور يحيى عبدالسلام، خبير التمويل والاستثمار، ويضيف أن الفساد داخل مؤسسات الدولة يؤثر على عوامل التنمية الاقتصادية ويؤدى إلى تدنى كفاءة الاستثمار العام وإضعاف جودة البنية التحتية، كما يؤثر سلبا على العدالة فى توزيع الدخول لصالح الفئات الأكثر قوة على حساب الفئات الفقيرة، لذلك لا بد من ضرورة وجود إجراءات لمواجهة هذا الفساد، مشيرا إلى أنه رغم وجود العديد من الهيئات والجهات الرقابية فى مصر إلا أنه لا يوجد تمديد واضح لاختصاصاتها وبالتالى لا بد من ضرورة العمل على مراجعة القوانين واللوائح التى تحارب الفساد وتقوية الأدوار الرقابية وإعداد كوادر بشرية هائلة لمكافحة الفساد وتفعيل مشاركة المجتمع المدنى فى تكوين رقابة شعبية قادرة على مواجهة الفساد.