العربجية يفقدون آخر معاقلهم فى قاهرة المعز

■ جامعيون ورثوا المهنة أبا عن جد.. وشبح البطالة يطاردهم بعد نقل مصانع دباغة الجلد
■ أصحاب المدابغ: لن نتخلى عن العمال فنحن بدونهم لا شىء

عين الصيرة من أهم المناطق الأثرية فى مصر القديمة، وتشتهر بكونها منطقة صناعية كبيرة يمتهن معظم سكانها مهنة دباغة الجلود الحيوانية ويزيد عددهم على 70 ألف عامل، حيث يتمتعون بالمهارة والحرفية والإبداع، كونهم وثروا المهنة أبا عن جد، ومازالوا يورثونها لأبنائهم وأحفادهم.

لكن المنطقة رغم كونها صناعية الا انها تعانى من عدة مشاكل واهمها أنها أنشئت بشكل عشوائى وفوضوى، الشوارع ضيقة، تكاد تكون متلاصقة، ومعظم المنشآت غير مطابقة لمواصفات السلامة، إلى جانب الروائح السامة والكريهة التى تفوح منها، ما يؤدى إلى ضرر للبيئة وصحة الإنسان، وطرد للسياحة. ومن هنا قررت الحكومة المصرية منذ عشر سنوات هدم المدابغ ونقلها إلى منطقة صناعية جديدة، الا ان القرار لم يتم تنفيذه طوال السنوات الماضية لعدم جاهزية المنطقة الصناعية الجديدة.

ومنذ اسابيع أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى اوامره بتنفيذ المشروع وحل جميع مشاكل النقل، وتجهيز منطقة الروبيكى على اعلى مستوى لتكون اكبر منطقة صناعية متحضرة ومتطورة تستوعب عدد اكبر من المصانع والعمال.

العربجية يفقدون آخر معاقلهم فى قاهرة المعز

ذهبت "السوق العربية" إلى عمال مصانع الدباغة للاطمئنان على مصالحهم والنظر إلى مشاكلهم، وكانت البداية مع على صابر "65 سنة" من سكان عين الصيرة، عامل نقل يعمل بواسطة عربة كارو "عربجى"، حيث عبر عن شدة قلقه وانه لا يعلم ان كان بإمكانه العمل فى المنطقة الصناعية الجديدة، خاصة أنه لن يكون هناك مجال لاستخدام عربات الكارو.

وأضاف أحمد كمال "35 سنة" عامل نقل أيضا أنه فى غاية الحزن والحيرة، فلم يتحدث أحد المسئولين عن أمر عمال النقل، مضيفا: "عملت فى المدابغ وانا فى التاسعة من عمرى حتى الآن وتم القضاء علينا بقرار هدم المنطقة والحكومة حاليا تدفع تعويضات لأصحاب المدابغ والورش، ولم تلتفت إلى العمال الذين انتهى عملهم جراء عملية نقل المدابغ إلى الروبيكى، وانا سأضطر إلى بيع عربتى والحصان بالخسارة".

جامعيون ورثوا المهنة أبا عن جد.. والبطالة تصدمهم بعد نقل مصانع دباغة الجلد

قال محمد كمال "35 سنة" عامل: "حصلت على بكالوريوس خدمة اجتماعية، ولم أجد عملا فقررت ان أعمل "عربجى" وارثًا إياها عن ابى وأجدادى، ولم أخجل من عملى لأن الرزق الحلال ليس عيبًا، ولدى أخان حاصلان أيضا على ليسانس حقوق وعملا أيضا كعمال نقل على عربة كارو. ونفخر بذلك لاننا نعيش بالحلال، لكن أصبح يطاردنى كابوس البطالة بعد هدم المدابغ، وأتوجه برساله إلى المسئولين من خلال "السوق العربية" وأقول "خذوا الحصان وعربة الكارو منى ومن اخوتى وزملائى الذين يبلغ عددهم أكثر من 5000 عامل نقل، وأعطونا عملا بديلا كى لا يهدم مستقبلنا مع هدم المدابغ".

مشاكل الصنايعية

وتابع على منصور "66 سنة" عامل، قائلا: "كنت خائفًا من إبداء اعتراضى لكن الرئيس السيسى قال أنه لن يظلم أحد فى عهده، وأشكر "السوق العربية" على اهتمامها بنا وبالعامل الغلبان، أتوجه إلى رئيس الجمهورية مطالبًا بالاهتمام بقضية العمال لأننا أكثر من 20 ألف عامل سينتهى بهم الحال بسبب هدم المدابغ.

وقال إبراهيم حمدى، "32 سنة" صنايعى تشطيب وطبيعة عمله خارج المدابغ، إنه لا يطالب الدولة بتعويض كما يطالب الآخرون، لكنه يريد عملًا ليستطيع الالتزام بمصاريف بيته واطفاله، وانه لا يشترط مكانا محددا لعمله، وانه ينتظر توفير عمل له ولزملائه الذين تضرروا جراء عملية النقل لأنها جاءت على حساب العامل المسكين حسب كلامه.

وقال نبيل حسن "45 سنة" عامل تسمير: "أنا عامل تسمير فى المدابغ وأنا فرد من سبعة آلاف عامل تسمير، وطبيعة عملى أننى اقوم بتسمير الجلود فى الأخشاب واتركها حتى تجف، وإخوتى يعملون بنفس المهنة منذ عشرات السنين، ولا نعرف ان كان بإمكاننا العمل فى المنطقة الصناعية الجديدة أم ان العمل هناك سيتم بشكل آلى وبالتالى يتم الاستغناء عنا.

وأضاف نبيل أنه ليس لديه مصنع أو سجل تجارى أو تأمين، مؤكدا انه وزملاءه يعملون بكل إخلاص وراضون ومكتفون بالرزق الحلال، ومطلبنا يتلخص فى توفير عمل بديل لعملنا الذى ضاع.

صنايعية سيتم نقلهم للمنطقة الجديدة

قال محمد حسن، "35 سنة" مهندس كيميائى فى إحدى المدابغ: "اختار صاحب المصنع الذى اعمل به ان يتسلم مصنعا بديلا فى "الروبيكى" وسيتم نقلى للعمل هناك لكنى قلق جدا من عملية النقل، واعلم اننا سنتسلم شققا للسكن بها، لكن هل يتوافر هناك مستشفيات ومدارس لأولادنا وخدمات لنعيش حياة طبيعية مثل ما حدث فى "مدينة بدر"؟

أضاف محمد خلوصى "34 سنة" صنايعى، انه سيتسلم عمله فى المنطقة الصناعية الجديدة، لكنه يواجه مشكلة فى عملية الانتقال من مكان مسكنه إلى عمله يوميًا خاصة أن فرق المسافة سيستغرق أكثر من ساعتين ونصف الساعة، حيث يقيم بالقرب من منطقة "عين الصيرة" ما سيكلفه مجهودا ووقتا ومصاريف المواصلات، ويطالب أصحاب المدابغ بتوفير وسائل نقل مجانية للعمال والصنايعية.

قرار ظالم من أصحاب المدابغ

بينما قال محمد كامل "49 سنة" صنايعى فى إحدى المدابغ، إنه وغيره سيعانون من قرار أصحاب المدابغ الذين أعلنوا أنه لن يعمل فى مصانعهم من تجاوز "35 سنة"، وبذلك فقد تم حرمانه من العمل لمجرد انه تجاوز السن المسموح بها من قبل اصحاب المدابغ.

أصحاب المصانع والمعارض: لن نتخلى عن العمال

قال غريب الفاو، صاحب مصنع ومعرض فى منطقة مجرى العيون إنه يمثل الجيل الرابع فى المنطقة التى يزيد عمرها على 120 سنة، وانه اختار النقل إلى الروبيكى للاستمرار فى مزاولة صناعة الجلود وتطويرها.

اضاف غريب أن العمال ستقابلهم فى البداية مشكلة الانتقال وفرق المسافة بين عين الصيرة والروبيكى، لذلك يسعى اصحاب المدابغ مع الحكومة لتسليمهم شققا سكنية، وبالنسبة للعربجية يطالب الفاو بإعطائهم قروضا لشراء عربات نقل، ليتمكن العربجى من مزاولة مهنته بشكل متحضر.

وقال سمير يوسف، صاحب مدبغة ومعرض لمنتجات الجلود، إنه لم يقرر بعد إن كان سينتقل إلى الروبيكى أو سيفضل استلام شيكات التعويض، وأضاف يوسف انه لا يرى أزمة من الابقاء على المعارض التى تقوم بتسويق المنتجات الجلدية، فنقل المعارض إلى أماكن التصنيع خطوة غير صالحة، ووجه يوسف رسالة إلى الجهات المسئولة بالإبقاء على المعارض فقط ليتمكنوا من تسويق المنتجات خاصة أن منطقة عين الصيرة ستكون جاذبة للسياحة.

رئيس حى مصر القديمة: نحن بحاجة إلى العمال وهم أهم عندنا من أصحاب المصانع

التقت "السوق العربية" المهندس محمد طويل، رئيس حى مصر القديمة، حيث قال: إن مصر تسير فى الطريق الصحيح تحت إشراف القيادة السياسية الموجودة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وشريف اسماعيل رئيس الوزراء، لإنشاء المدينة الصناعية الجديدة فى مدينة بدر، حيث ستكون مدينة متحضرة ومتقدمة ستؤثر بالإيجاب على الاقتصاد المصرى، على عكس المنطقة القديمة التى كان مخططًا لها بشكل عشوائى وأحدثت ضررًا بالغًا بالبيئة والمنظر العام.

وبالنسبة إلى شكاوى وقلق العمال أكد محمد الطويل أن الدولة تصر على نقل العمال من منطقة متدنية المستوى لمكان آخر عالى المستوى ليحيوا حياة كريمة فى منطقة نظيفة تجذب السياح اليهم، والمنطقة الصناعية الجديدة بحاجة اليهم جميعًا وجميع القائمين على الخدمات لهم اعمال هناك، وجار البحث فى تسليمهم شققًا سكنية.

أما عن عمال النقل "العربجية" الذين يصل عددهم لأكثر من 5000 عامل، وعمال التسمير أيضا الذين يصل عددهم إلى 7000 عامل، فسيكون لهم أعمال فى الروبيكى، وكل من يهمه ان يكون له مصدر دخل سيكون له ذلك كعامل نقل كما كان.

وأكد محمد الطويل لـ"السوق العربية" قائلا: "جاءت ثورة يناير وبعدها ثورة 30 يونيو لتحقيق العدل، ولن يظلم أحد فى عهد السيسى، والرجل الخدمى صاحب العربة الكارو سيكون له عمله فى الروبيكى، وأيضا سيكون هناك حوار طويل مع العمال لتلبية جميع مطالبهم، ولن يغفل حقهم لأننا فى دولة العدل.

ووجه محمد طويل رسالة لمن يشكك فى هذه الخطوة قائلا: "إننا جادون فى عملنا، وتم تسليم الشيكات لأصحاب المصانع الذين اختاروا صرف التعويض وعدم الانتقال إلى الروبيكى، ونحن جميعا نعمل من اجل المواطن الغلبان ليحيا حياة آدمية".

رئيس غرفة دباغة الجلود: الحكومة كفيلة بتأمين عمل لجميع العمال فى الروبيكى

قال المهندس محمد حربى، رئيس غرفة دباغة الجلود- اتحاد الصناعات إنه فى غاية الفخر لأنه حضر المرحلة الاولى من مراحل عملية هدم مدابغ عين الصيرة، فيوم 25 ديسمبر هو اليوم الأول الذى بدأ بهدم 20 مصنعا للذين اختاروا صرف التعويض المالى ورفضوا الانتقال إلى الروبيكى وقرروا استثمار أموالهم فى مشروعات اخرى ووصل عددهم حتى الآن 300 مصنع، بينما هناك 400 مصنع سيتم نقلهم إلى الروبيكى.

أضاف حربى انه سيتم البدء فى عملية الانتقال إلى الروبيكى خلال شهرين، وستنتهى عملية النقل تمامًا خلال سنة أى آخر سنة 2017م، ومن ثم سيتم البدء فى العمل فى المدابغ بشكل جاد.

وبسؤاله عن مصير عمال مصانع الدباغة قال حربى ان العمال هم الاهم لأن المدينة الصناعية الجديدة فى حاجة اليهم، وسيتم تأمين مستقبلهم بصرف شقق سكنية لهم، لكنه يطالب باصطحاب أسرهم إلى مدينة بدر، للتيسير على العمال كما ان المنطقة الصناعية الجديدة تتمتع بخدمات على اعلى مستوى.

حقيقة الخلاف بين حربى والعمال

وأثناء حديث "السوق العربية" مع المهندس محمد حربى، تعالت فجأة أصوات العمال الذين انفجروا ليعلنوا عن غضبهم وعدم رضائهم من عملية هدم المدابغ، معتبرين ذلك هدمًا لآمالهم ومستقبلهم ومستقبل أسرهم، فذهب المهندس محمد حربى اليهم بشكل سريع، وتحدث اليهم قائلًا: "نحن جميعًا بحاجة إليكم، ولن يظلم منكم أحد، والمدينة الصناعية الجديدة لن تعمل من تلقاء نفسها، بل ستعمل بكم جميعًا ولن يتم الاستغناء عنكم أبدًا"، وانتهى الامر بوعد من محمد حربى للعمال امام "السوق العربية" بأن مطالبهم جميعها سيتم تحقيقها بشكل عادل.

محافظ القاهرة: الروبيكى مشروع ضخم سيحدث نقلة لصناعة الجلود

وتحدثت "السوق العربية" مع المهندس عاطف عبدالحميد، محافظ القاهرة، الذى أشرف على المرحلة الاولى من مراحل هدم مدابغ عين الصيرة، وقال إن منطقة عين الصيرة تحتوى على 1066 مدبغة وورشة و250 محلا تحت العمارات، و1450 غرفة سكنية.

أضاف عبدالحميد أنه تم صرف تعويض لكل غرفة سكنية مبلغ 25 ألف جنيه، والمدابغ والورش والمحلات 2310 جنيهات للمتر الواحد، وحجم التعويضات طبقا لهذا الحساب وصل إلى حوالى 34 مليون جنيه، ولم يتم الهدم الا بعد تسليم الشيكات لأصحاب المصانع يدًا بيد، وهذا دليل على جديتنا ومصداقيتنا.

وشدد عبدالحميد على ان الدولة حريصة على إنشاء منطقة متطورة، وهو ما يتم حاليا على قدم وساق، وتتضمن ثلاث مراحل:

1- 160 فدانا وتم إنشاؤها بالفعل وجاهزة للنقل.

2- 116 فدانا جار إنشاؤها.

3- 235 فدانا جار إنشاؤها أيضا.

وأشار عبدالحميد إلى أن هناك مراحل أخرى تشمل إنشاء محطات معالجة عملاقة على مساحة حوالى 282 فدانا، بالإضافة إلى إنشاء غابات شجرية على مساحة تصل إلى 850 فدانا كمطلب بيئى، وسيتم الانتهاء من عملية النقل خلال فترة وجيزة بشكل عادل ومتحضر، وبذلك نكون قد نجحنا فى عمل مشروع متكامل سيحدث نقلة لصناعة الجلود بل على الاقتصاد المصرى.

وعن منطقة "عين الصيرة" فقال المهندس عاطف عبدالحميد، إنه سيكون هناك شركة استثمار كبيرة ستساهم المحافظة فيها بنسبة 40% وجهاز المشروعات التابع لوزارة الصناعة بنسبة 40%، وبنك الاستثمار القومى بنسبة 20%.

وأوضح عبدالحميد أنه ليس لديه تفاصيل للمشروعات التى ستقام فى المنطقة تفصيلًا، لكن سيتم عمل لقاء مع الجهات المشاركة قريبا لمراقبة هذا المشروع، وسوف يتم الإعلان عنه قريبا.