السوق العربية المشتركة | 22 مليار جنيه قيمة بيزنس الدروس فى العام الواحد تتحملها الأسر المصرية

السوق العربية المشتركة

السبت 16 نوفمبر 2024 - 03:36
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

22 مليار جنيه قيمة بيزنس الدروس فى العام الواحد تتحملها الأسر المصرية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مع بداية العام الدراسى.. من يسدد فاتورة الدروس الخصوصية فى مصر؟!

خبراء اقتصاد: قرارات الوزير لن تحل المشكلة ونحتاج لتغيير المفاهيم
22 مليار جنيه قيمة بيزنس الدروس فى العام الواحد تتحملها الأسر المصرية
الحصة وصلت مائة جنيه للمدارس الحكومية ومائة وخمسين لللغات


أصدرت وزارة التربية والتعليم فى الأيام الأخيرة فقط أكثر من خمسين قرارا خاصة بمحاربة الدروس الخصوصية، منها أكثر من خمسة وعشرين قرارا خاصة بمراكز الدروس الخصوصية وحدها للشهادات العامة خاصة بعد انتشارها كالسرطان بأنحاء الجمهورية، وأعلن المتحدث الرسمى للوزارة أكثر من مرة انه مع بداية العام الدراسى الجديد سوف تودع مصر ظاهرة الدروس الخصوصية إلى الأبد، ولن يكون هناك مكان واحد لاى مركز من هذه المراكز على ارض مصر.

تصريحات وتعليمات ولوائح لا ينفذ منها شىء وحلول طرحها خبراء للقضاء على مافيا الدروس الخصوصية بعضها يصلح للتطبيق لكن بمعايير مختلفة غير ما تم تناوله، والآخر لا يصلح للتطبيق حتى فى الأحلام!

من بين الأفكار التى طرحت عمل محاضرات مجانية داخل المدارس، وفتح فصول تقوية بأسعار رمزية، ورفع مرتبات المدرسين وتحفيزهم من اجل سد حاجاتهم المادية التى من اجلها يلجأون لإعطاء الدروس الخصوصية للتلاميذ، ومراقبة أداء المدرسين من خلال لجان تفتيش دورية، ومنح بعض الموظفين بالوزارة والإدارات التعليمية الحق فى تحويل اى مدرس يثبت إعطاؤه درسا خصوصيا إلى التحقيق، وما شابه ذلك من الإجراءات التى قد يرى بأنها كفيلة لمواجهة مافيا الدروس الخصوصية.

لكن الحقيقة على ارض الواقع تجعل الصورة مختلفة تماما فإعلانات الدروس تملأ جدران الشوارع العامة والطرق الرئيسية والبعض منها قريب جدا من مبنى وزارة التربية والتعليم ذاتها وإغلاق المراكز الخاصة بالدروس الخصوصية لم يتم إلا فى بعض المحافظات وبنسب قليلة جدا!

عالم السناتر

السناتر هو المصطلح المتعارف عليه بين الطلبة وهو جمع لكلمة سنتر او مركز لإعطاء الدروس الخصوصية، المركز غالبا ما يكون عبارة عن مبنى من طابقين او طابق أرضى مجموعة من الغرف كل مدرس يؤجر غرفة كبيرة تتسع لاكثر من مائة طالب، والعدد قابل للزيادة أيام المراجعات النهائية والامتحانات، على باب كل سنتر يوجد مساعد للمدرس يسأل من يدخل عن المدرس الذى يريده ثم يشير له إلى مكانه، على بعد خطوات يوجد فتاة غالبا طالبة جامعية وهى أيضا من طقم مساعدة المدرس سكرتيرة مهمتها فقط تحصيل الفلوس عن كل طالب داخل الحصة الواحدة تختلف من المناطق الراقية ومناطق العشوائيات رغم أن المدرس قد يكون ذات الشخص وتجد حصته فى عشوائيات حلوان بخمسة عشر جنيها بخلاف الملزمة وهو نفس المدرس يعطى الحصة لذات المادة وبنفس الوقت بثلاثين جنيها فى المعادى!

وبعد دفع الأموال للسكرتيرة يتم الدخول إلى الغرفة التى سيكون بها الحصة ومن خلال المساعد الثالث للمدرس يقوم شخص بمساعدة الطلاب وإرشاد كل منهم إلى مكانه المحدد، ويقف على الباب مساعد رابع يعد المتواجدين حتى يقارنهم بمن دفعوا فلا يمكن لاى طالب الدخول دون أن يدفع ثمن الحصة، وفى الموعد المحدد يدخل المدرس ويتبعه مساعد خامس يرافقه يعطيه الأدوات يساعد فى تهدئة الجو والتدخل وقت اللزوم اذا حدثت اى مشاجرات بين الطلبة!

يبقى ان نعرف ان راتب كل مساعد يتجاوز الفى جنيه شهريا، وان الملزمة التى تمنح للطالب اثناء الشرح ليست من خارج المنهج او ابتكار من المدرس هى فقط مجموعة أوراق من الكتب الخارجية يتم تصويرها للطلبة وتوزيعها بمقابل مادى لا يقل عن عشرة جنيهات كل مرة.

داخل السناتر يكون هناك حساب آخر لأيام المراجعات النهائية ومراجعة ليلة الامتحان وهناك مراجعة فجر الامتحان وكلها لا تقل عن مائة جنيه فى المرة الواحدة، ولا يقل العدد فيها عن مائة طالب فى الحصة الواحدة، وبالطبع يتم تأجير قاعات أفراح وسينمات ومراكز شباب من اجل استيعاب الأعداد وكله بثمنه!

ملايين مهدرة

يقول الدكتور حاتم عبداللطيف زيدان استاذ الاقتصاد بجامعة طنطا: ان ظاهرة الدروس الخصوصية لم تعد مجرد عبء على الأسر المصرية فحسب، لكنها تخطت هذا الحاجز منذ زمن طويل وأصبحت عبئا كبيرا على الدولة، فهناك ملايين من الجنيهات مهدرة بسبب هذه الظاهرة، واموال ضرائب لا تحصل من المدرسين الذين يجنون الملايين ولا يعطون للدولة حقها.

ويشير عبداللطيف إلى اخر تقرير صادر عن جهاز التعبئة والإحصاء والذى احتوى على ارقام مفزعة منها أن تكلفة الإنفاق على الدروس الخصوصية تجاوز حاجز العشرين مليار جنيه، وان هذه الظاهرة تعمل على تهميش دور المدرسة النظامية وتهدد المؤسسة التعليمية، وتفرغ عملية مجانية التعليم من مضمونها، وتؤدى إلى ضياع جزء من موازنة الدولة من دون نفع، والانحدار نحو هاوية التجارة بالتعليم مما يخلق نوعا من السلوكيات التى تهدد السلام الاجتماعى للوطن، كما ان أرقام مصلحة الضرائب هذا العام أكدت أن نشاط الدروس الخصوصية تجاوز الستة مليارات جنيه ولا تزيد حصة الضرائب منها على مليون جنيه فقط نتيجة تهرب المدرسين وأصحاب مراكز الدروس الخصوصية من دفع حقوق خزانة الدولة.

ويرى الدكتور سامح مصطفى علم الدين استاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات سابقا والخبير الاقتصادى أن لا بد من وقف بيزنس الدروس الخصوصية فى مصر من المنبع وليس عن طريق سياسة المسكنات التى تود الوزارة استخدامها مثل كل عام ومع اقتراب العام الدراسى لان ما يتبع الان لا يعنى ان هناك تعليما مجانيا بل هو يقضى على فكرة مجانية التعليم من الأساس، كما ان الاموال المهدرة على الدولة وعلى الأسرة المصرية والتى يكون مصيرها دائما جيوب المدرسين لا بد من إحكام السيطرة عليها، ولا بد من إغلاق مراكز الدروس الخصوصية ومنح العاملين فى وزارة التربية والتعليم صفة الضبطية القضائية وإلقاء القبض على اى مدرس يثبت انه يجبر التلاميذ على الدروس، وفى ذات الوقت لا بد من تجريم هذا العمل وتغليظ عقوبته إلى جانب تغيير نظام الامتحان الذى يعتمد على التلقين والحفظ ولا بد من ادخال لغة الابتكار فى الامتحانات، والاهتمام بالتعليم الفنى ومنحه الفرصة فى المجتمع وتشجيع الطلبة على الاشتراك فيه لوقف نزيف وشبح الدروس فى الثانوية العامة.

خريطة المراكز وأسعارها

كان لا بد من عمل جولة داخل أسواق الدروس الخصوصية بمراكز الدروس للتعرف على الجديد وعلى الأسعار خلال العام الدراسى الجديد 2016/2017 توالت المفاجآت، فجولة بسيطة بالأسواق فى مراكز القاهرة فقط أسفرت عن وجود اكثر من 600 مركز كبير تقريبا خمسة عشر مركزا فى كل حى من احياء القاهرة تتراوح الاسعار فى الاحياء الراقية كالمعادى والمهندسين بين 60 جنيها للحصة الواحدة لمدارس اللغات والمدارس الخاصة وتصل إلى 120 جنيها فى المراجعات النهائية هذا للطالب الحاجز فى السنتر منذ بداية العام اما الطالب الغريب عن السنتر فيدفع عشرة جنيهات زيادة كل حصة وتسمى أرضية ونظير حصوله على كرسى يجلس عليه، الحصة الواحدة لا يقل العدد فيها عن خمسين طالبا وهذا بالنسبة للمواد العلمية واللغات اما اللغة العربية والمواد الادبية فتقل عشرين جنيها عن مثيلتها العلمية، ولا يوجد سوى مركزين فقط فى هذه المناطق للمدارس الحكومية بسبب قلة هذه المدارس بل وندرتها بالأماكن الراقية.

وفى احياء السيدة زينب والخليفة، يصل سعر الحصة الواحدة داخل السنتر إلى 30 جنيها بخلاف الملزمة، وتصبح أربعين جنيها فى المراجعات النهائية.

وهذا بحسبة اقتصادية بسيطة يعنى أن الحصة الواحدة يدفع فيها 1500 جنيه فى الأحياء الشعبية وثلاث آلاف جنيه بالمناطق الراقية، كما ان الحصة تكرر لثلاث مجموعات فى اليوم اى أن دخل المدرس الواحد فى السنتر يصل إلى 4500 جنيه لمناطق الشعبية وتسعة آلاف جنيه للمناطق الراقية وهو بذلك يتعدى ربع مليون جنيه فى الشهر الواحد!

وطبعا المحافظات أيضا تنال من المراكز جانبا، حيث اعترفت وزارة التربية والتعليم مؤخرا بان هناك اكثر من 912مركزا للدروس الخصوصية موزعة على باقى محافظات الجمهورية وان سعر الحصة الواحدة يتجاوز 30 جنيها للمواد الأدبية ويصل إلى 50 جنيها للمواد العلمية وان عدد الطلبة داخل الحصة لا يقل عن مائة طالب ويصبح 200 طالب فى المراجعات النهائية، وعن الدروس فى المنازل فرغم تقلصها بعد ظهور المراكز إلا أنها إذا وجدت فان الطالب الذى يريد ان يحضر له المدرس فى المنزل ليشرح له بمفرده فلا بد ان يدفع ثمن الحصة كلها اى من 250 إلى 500 جنيه حسب الوقت الذى يريده الطالب.

يعلق على إبراهيم صاحب احد المراكز بحلوان على الظاهرة مستنكرا مطاردة الدولة له قائلا: لماذا تحاربنا الدولة المركز يوفر المكان المناسب للطالب وللمدرس من اجل الشرح بعد أن أصبحت المدرسة مكتظة بالطلبة ولا تستطيع أن تؤدى دورها على الوجه الأكمل، كما أن المركز يحصل سوى على 15% فقط من قيمة الحصة والباقى يحصل عليه المدرس، والطالب يحضر للمدرس المشهور بصرف النظر عن المكان، ومع ذلك نقوم بالإنفاق على المراكز وتطويرها وتزويدها بما يحتاج له الطالب أثناء الشرح وبعده.

أولياء الأمور: ندفع للمدرسة

اولياء الامور هم العنصر المظلوم فى هذه المنظومة فهم المطالبون بالدفع ودون اعتراض، لكنهم يرون ان المدرسة تركتهم يحاربون بمفردهم مع المدرسين ولو ان المدرسة قامت بدورها لقضى على الظاهرة من مهدها، فتقول سهير جمعة ربة منزل: انا على استعداد ان انفق نصف ما انفقه فى الدروس الخصوصية للمدرسة لكن بعد ان تقوم بعمل ما عليها وبعد ان يراعى كل مدرس ضميره، وياريت يتم تطبيق قرار رئيس الوزراء بان تفتح المدارس ويعطى فيها الدرس بمقابل رمزى رأفة بميزانية الاسر التى لم تعد تستوعب هذه التكاليف الباهظة.

وتشاركها الرأى سهام رمضان موظفة قائلة: احد اهم اسباب ظاهرة الدروس الخصوصية هو عدم المتابعة والرقابة على المدرس والطالب فى المدرسة، ونحن لا نملك الدخول التى تمكنا من دفع فواتير الدروس والمدرسة والمواصلات والملابس وخلافه حرام ولا بد من اتخاذ الاجراءات المناسبة مع المدرس المقصر.

الجدير بالذكر أن وزارة التربية والتعليم حصرت أكثر 1628 مركزا للدروس الخصوصية على مستوى جميع المحافظات، منها 452 فى محافظة القاهرة و227 مركزاً فى بنى سويف، و111 فى المنيا و193 فى كفر الشيخ، و126 فى القليوبية، وان العدد قابل للزيادة بعدما قامت الوزارة بتخصيص خط ساخن لتلقى بلاغات المواطنين ضد هذه المراكز.