الصناعة فى خطر.. والمدخن فى خبر كان.. والتاجر يلتهم الأرباح
تجارة السجائر المهربة تكلف الدولة خسائر بالمليارات
خمسة مليارات حصيلة تجارة التهريب فى خمس سنوات
فى الوقت الذى تستهدف فيه الدولة زيادة الحصيلة الضريبية من عائدات تجارة الدخان «السجائر والمعسل» الرسمية إلى نحو 41 مليار جنيه العام المالى الحالى بزيادة تتجاوز 7 مليارات هناك باب خلفى يهدد بعدم الوصول للرقم المستهدف من عائدات الضرائب على تصنيع التبغ إذا شهدت سوق السجائر حالة انقسام حادة بين الشركات الأجنبية الأربع حول طريقة رفع الأسعار خلال الفترة المقبلة وبعيدا عن تعقيدات أرقام الموازنة العامة للدولة وميزانيات شركات الدخان الخمس العامة فى مصر فإنه لا أحد ينكر أن هناك تأثيرا سلبيا على المستويين الاقتصادى والصحى من هذه التجارة الرائجة، خاصة الجانب المظلم منها والمتعلق بدخول كميات رهيبة من السجائر المهربة غير المطابقة للمواصفات القياسية ووفقا لتقديرات مراقبين سوق الدخان فى مصر فإن إجمالى الخسائر التى تكبدها الشركات المنتجة للسجائر بما فيها الشركات الوطنية الوحيدة التى تنتج التبغ وهى الشركة الشرقية للدخان تجاوزت 5 مليارات جنيه سنويا بسبب التهريب شعبيا ودون إنذار رفع تجار الدخان الأسعار بطريقة عشوائية تراوحت ما بين 3 جنيهات و5 جنيهات لبعض أنواع السجائر دون مبرر الأمر الذى نفته الشركات المنتجة ليبقى المدخن أسير «الكيف» مستكينا لجشع التجار.. انتعشت التجارة غير الشرعية للسجائر نتيجة حالة الانفلات الأمنى التى ضربت عددا كبيرا من قطاعات الدولة فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011 بعد تمكن بعض المستوردين من تهريب كميات كبيرة من السجائر المقلدة ومجهولة المصدر عبر حاويات مرت من الجمارك دون الخضوع لضوابط الاستيراد المعمول بها لدى أجهزة الدولة ومن ثم حقق العاملين بها أرباحا تتجاوز مليارات الجنيهات فى الوقت الذى خسرت فيه الدولة مبالغ مالية موازية لتلك الأرباح.
يقول محمد إسماعيل صاحب شركة استيراد وتصدير بعض مستوردى السجائر فى مصر هربوا خلال الآونة الأخيرة ما يزيد على 120 ماركة سجائر أجنبية أصلية ومقلدة داخل حاويات بضائع أخرى تأتى من الصين وتركيا وغيرها من بعض دول الاتحاد الأوروبى مثل نجيلة الملاعب الصناعية والأثاث وبعض الأجهزة الطبية ويتم تمريرها من الجمارك بالاتفاق مع بعض موظفى «الكشف» الذين يتواطأون مع أصحاب تلك الشحنات، وأضاف الشاب الثلاثينى السجاير المهربية إلى داخل مصر تشمل نوعين الأول يتمثل فى سجائر الماركات الأصلية وهذه يتم تهريبها لعدم دفع الضرائب المقررة عليها فى موانئ البلاد المنتجة لها وكذلك الموانئ المصرية خاصة أن قيمة تلك الضرائب تفوق سعرها الأصلى، فبعض علب السجائر الأجنبية لا يزيد سعرها عن 17 جنيه وتصل إلى 32 جنيها بعد دفع ضرائبها والمبالغ اللازمة للإفراج عنها الأمر الذى يحدد سقف أرباح المستوردين ويجعلها تجارة غير مربحة بالنسبة لهم والثانى خاصة بماركات السجائر المقلدة وغالبيتها تأتى من الصين التى اشتهرت فى السنوات الأخيرة بـ«ضرب» غالبية الماركات بدرجات متفاوتة فأحيانا يقلد الماركة الأصلية وتطلب من المستورد طباعة أوراق «وهمية» بتراخيص وزارة الصحة وأختام التحذير وأحيانا أخرى تورد إلينا منتجات غير معروفة الهوية ونتيجة انخفاض أسعارها حقق المتعاملون فيها على مدار الخمسة أعوام الماضية أرباحا تتجاوز مليارات الجنيهات عن طريق تجار التجزئة وأصحاب الأكشاك والباعة المتجولين.
وأشار صابر عبدالتواب مستورد إلى أن الفترة التى أعقبت قيام ثورة 25 يناير 2011 شهدت حالة من الهرج بالنسبة للمتعاملين فى تجارة السجائر بعد انتشار عمليات «تسليك» البضاعة من الجمارك عن طريق «التظبيط» مع بعض المسئولين فيها للإفراج عن بضائعهم بعد دفع مبالغ مالية «رشاوي» لهم وهو الأمر الذى تسبب فى انهيار سوق السجائر محلية الصنع والماركات الأجنبية على حد سواء لدرجة أن أحد المستوردين المشهورين فى محافظة القاهرة قام بـ«ضرب» السجائر محلية الصنع بعد استيراده المواد الخام من الصين وتوزيعها على الأكشاك والباعة الذين لا يحملون رخص بيع وتمكن من بيع ملايين «العلب» قبل أن يتم اكتشافه وعلى الرغم من معرفة الأجهزة الأمنية والرقابة بمافعله هذا التاجر فى سوق السجائر على حد قوله وتحقيقه المليارات من تجارتها غير المشروعة لا يزال هذا الشخص يحتكر سوق السجائر المستوردة حتى الآن فى غالبية محافظات مصر دون أن يتمكن أحد من الاقتراب منه أو محاسبته، وأضاف «المستورد» سوء الأحوال الاقتصادية والارتفاع المستمر فى أسعار السجائر نتيجة زيادة الضرائب عليها دفع بشريحة كبيرة من المدخنين إلى شراء السجائر الصينية والمقلدة والبحث عنها فى كل مكان دون النظر إلى المخاطر الصحية أو الاقتصادية التى قد تنتج عنها ومن ثم وقعوا فريسة سهلة لتلاعب بعض المستوردين الدارسين لطبيعة السوق المصرية الذين يعلمون أن السعر هو المحرك الرئيسى لأى تجارة شعبية فى مصر وسوق يستمر هذا الأمر حتى تتعافى أجهزة الأمن وتضبط حركة الجمارك مرة أخرى ومن ثم غلق باب التهريب نهائيا.
فى شارع ضيق يعرف باسم باب البحر فى العتبة اتخذ بائعو السجائر الصينية من جانبه مقرا لهم ليفرش كل منهم فاترينة التى امتلأت عن آخرها بأنواع السجائر المختلفة هناك وقف كل منهم يتحدث إلى زبونه حول الأنواع التى يريدها وأسعار راميا بطرف عينيه فى الوقت ذاته إلى المدخل الرئيسى للشارع يترقب تلك الحملات الأمنية التى قد تزورهم فى أى وقت ويكون نتيجتها الحبس.
ويقول حمادة يونس «باب البحر» السجاير دية أنواع كتير فيها منها الألمانى والإنجليزى واليونانى والفرنسى يعنى مش صينى خالص زى ما الناس عمالة تقول الفكرة بقى إن السجاير دية أول ما ظهرت ما كانوش عارفين يصنفوها إزاى ولا يسموها إيه فطلعوا عليها اسم السجاير الصينى وخلاص على أساس إن كل حاجة موجودة فى مصر صينى لكن بصيت عليها مش هتلاقى علبة واحدة مكتوبة عليها أنها مصنوعة فى الصين وأضاف السجاير دية برة مصر بتتشرب عادى جدا أو موجودة فى كل حتية إنما هنا ما نعرفش بيعملوا معانا كده ليه كل يومين نلاقى المباحث جاية تاخد مننا ناس يتحبسوا ويتعمل لهم قضايا بتهمة إن هما بيتاجروا فى سجاير مسرطنة ومتهربة.
واستدرك قائلا أنا مش حابب الشغلانة دى أكيد بس أنا بزود بيها دخلى مش أكثر وباكل عيش يعنى لما أكون شغال فى شركة بقبض 800 جنيه آخر الشهر بدفع منها مية ونور وغاز وإيجار 500 جنيه هعيش ازاى وأنا متجوز وعندى طفلة، وعند مصدرها قال البائع السجاير دية بتتهرب من على حدود مصر كلها ما بتجيش من حتة معينة واحنا هنا فى الشارع ما بنروحش نجيبها هى بتيجى لحد هنا كل فترة تاجر بيجى بعربية كبيرة فيها الأنواع كلها واللى عايز حاجة بيأخذها منها ومالناش إن احنا نسأله السجاير دية مصدرها إيه بالضبط لأننا لو اتكلمنا معها فى حاجة زى كده ممكن يرفض ينزل لنا سجاير أصلا وهو ده نفس النظام اللى يتم مع كل اللى بيتاجروا فى السجاير زينا كده فى أى منطقة تانية وتابع احنا فى الشارع هنا زيادة عن ألف شاب شغالين فى بيع السجاير بالجملة وحرام كل الناس دى حالهم يقف بحجة أن السجاير دية مسرطنة يعنى هيا السجاير دى بتجيب السرطان والسجاير المصرى بتجيب القناة الأولى وبعدين المساواة فى الظلم عدل يعنى لو عايزين يوقفوا بيع السجاير دية يوقفوا بيع السجاير كلها بقى أحسن.
يرى البائع أن أسعار هذه الأنواع مناسبة بشكل كبير للمواطن المصرى لرخصها لذلك يكون الإقبال عليها.. المواطن مش لاقى ياكل وحالته أصلا زى الزفت فلما يجى يشرب سجاير هيجيب العلبة أم خمسة ستة جنيه ولا هيجيب أم خمستاشر جنيه وكمان المكسب لينا احنا فى كرتونة السجاير دية ممكن يوصل لـ100 جنيه فى الوقت اللى كرتونة السجاير العادية ما بيعديش المكسب فيها 10 جنيه ده غير إن فيه أنواع من السجاير دية خفيفة وبنكهات بيشتريها البنات أو الناس اللى عايزة تبطل تدخين واستدرك قائلا أسعار السجاير دية ماشية مع أسعار السجاير المصرى يعنى مثلا لو سعر السجاير العادية زاد تلاقى التاجر زود سعر الكرتونة علينا 100 جنيه ولا حاجة واختتم حديثه قائلا احنا بيتعامل معانا زباين من طبقات مختلفة فيه صاحب المحل اللى بيجى ياخد عشان يبيعها عنده وفى ناس اللى من طبقات عالية بتيجى تاخد بالخرطوشة من أنواع معينة وتابع أنا نفسى بس يسيبونا ناكل عيش وكلنا هنا مش عايزين أكثر من كده لو حتى هياخدوا مننا أى حاجة تحت أى مسمى حتى لو تحت مسمى صندوق تحيا مصر، ومن جانبه يقول بخيت على أحد الباعة أنا عندى فى المحل ببيع النوعين السجاير المصرى والسجاير دية وكل نوع منهم ليه زبونه اللى بيطلبه وبالرغم إن المعروف عن السجاير دية أنها رخيصة بس بتلاقى فيها أنواع أغلى من السجاير المصرى وأضاف رغم أن نسبة بيع السجاير المصرى فى المحل عندى أعلى بس أنا باجى هنا أخد أنواع معينة زباينى بيطلبوها أو لو عندى نواقص فى الأنواع التانية، واستكمل حديثه قائلا فى النهاية كلها سجاير وكلها بتضر.
قال خبراء الطب إنه لابد من مواجهة الترويج للتدخين فى الأفلام والدراما التليفزيونية أولا قبل توفير وسائل الإقلاع عن التدخين، مؤكدين أن الترويج للتدخين خاصة فى دراما رمضان يساهم فى ازدياد أعداد المدخنين وأوضح الأطباء أن ظاهرة مشاهد التدخين ليست عشوائية لكنها نوع من الإعلان المقنع. منوهين إلى أن شركات التدخين تدعم تلك المسلسلات التى تربط بين التدخين والمشاعر الإنسانية كالفرح والغضب والتركيز والتفكير وغير ذلك وطالب الخبراء بضرورة التطبيق الحازم للقوانين وعدم التحايل على القانون للحد من أعداد المدخنين والتشجيع على الإقلاع عن التدخين، مشددين على ضرورة التوعية بأضرار التدخين بكل الوسائل المتاحة.
وطالب الدكتور ناصر لوزة عضو الهيئة التحريرة الدولية للطب النفسى بضرورة أن يتم السماح بالتعامل مع البدائل الإلكترونية بتفتح للتقليل من مخاطر تدخين التبغ خاصة أن أضعاف عدد المدخنين يعانون من آثار التدخين السلبى مؤكدا أن البدائل الإلكترونية لها دور كبير فى الإقلاع عن التدخين، وأوضح أن البدائل المتاحة مثل السجائر الإلكترونية قليلة الانتشار لعدة أسباب منها أسباب قانونية واقتصادية واجتماعية لكن لها تأثير كبير فى الإقلاع عن التدخين، مشيرا إلى أن الدورة الـ16 للمنتدى العالمى للنيكوتين التى عقدت مؤخرا فى القاهرة ناقشت ضرورة اللجوء إلى البدائل الإلكترونية لمواجهة المخاطر السلبية التى يسببها تدخين التبغ.
وقال الدكتور محسن سلامة أستاذ أمراض الكبد أن هناك بعض الأدوية والمركبات الكيمائية التى تحتوى على النيكوتين والتى تساهم فى الإقلاع عن التدخين لكن لابد من تناولها تحت إشراف الطبيب لتؤدى الغرض منها خلال فترة زمنية محددة، وأوضح محسن أن السجائر الإلكترونية لا تساهم فى الحد من الإقلاع عن التدخين لأنه من الجائز أن يدمنها الشخص كما أن هناك دراسات تشير إلى أنها غير آمنة ولها أضرار سلبية على صحة الإنسان، ولفت إلى أن إرادة الشخص سبب رئيسى فى الإقلاع عن التدخين مع اقتناع الشخص التام بأضرار التدخين.
وتقدم وزارة الصحة والسكان المساعدة فى الإقلاع عن التدخين عن طريق تقديم المشورة من خلال إدارة مكافحة التبغ وتوفير إخصائيين اجتماعيين لمساعدة المدخن وتقديم النصائح المتمثلة فى شرب الماء الكثير والعصائر والمشى الكثير وممارسة الرياضة للانشغال عن التدخين، وأوضحت الوزارة أن هناك بعض الأدوية تساهم فى الإقلاع عن التدخين لكنها غير مسجلة بمصر باستثناء نوع واحد من الدواء محذرة من الاستخدام العشوائى له وطالبت بضرورة اللجوء للطبيب للمساعدة أو المراكز التى تساهم فى الإقلاع عن التدخين بالمركز القومى للبحوث وجامعة عين شمس، وأكدت الوزارة أن السيجارة الإلكترونية تهدف إلى المساعدة فى الإقلاع عن التدخين لكنها فى ذلك على أرض الواقع ومن الممكن أن تزيد نسبة النيكوتين التى يحصل عليها المدخن، مؤكدة أنها لم تعط أى تصاريح بتداول السيجارة الإلكترونية.
يقول محمود المحامى إن تحقيق تجارة السجائر غير الشرعية أرباحا تتجاوز الخمسة مليارات جنيه على مدار الخمس سنوات الأخيرة من خلال ضرب الأسعار الرسمية المعتمدة من الدولة والبيع بأسعار مخفضة بعد تمكن التجار من الهروب من دفع الضرائب المستحقة.
وأكد محمود أن غياب الرقابة هو السبب الرئيسى فى ازدهار سوق تهريب السجائر التى تحقق أرباحا لأصحابها تفوق تجارة المخدرات على حد تعبيره وتتسبب فى تكبيد الدولة خسائر موازية تقدر أيضا بالمليارات نتيجة عدم حصولها على كامل مستحقاتها من الإشراف على عمليات البيع والشراء التى تتم فيها الأمر الذى يستلزم ضرورة تعاون أجهزة الأمن مع جهاز حماية المستهلك من أجل إعادة ضبط شبابيك ومنافذ الاستيراد باستخدام نظام الدوريات الدائمة على بائعى التجزئة والأكشاك الصغيرة على حد سواء.
وعن الأضرار التى تلحق باقتصاد الدولة نتيجة تجارة السجائر غير الشرعية أشار أيضا أستاذ القانون التجارى إلى أن السجائر التى تصل إلى مصر من الصين وباقى الدول غير المعتمدة تكون مجهولة المصدر وتمثل ضررا بالغا على صحة الإنسان ونظرا لانخفاض أسعارها تضطر شريحة كبيرة من المواطنين اللجوء إليها، خاصة أن السجائر تمثل الأهمية الأولى لدى شريحة كبيرة من المدخنين، وأحيانا تفوق فى أهميتها لديهم الطعام والأدوية ومن ثم تخلق اقتصادا موازيا لا يقوم على أسس معروفة بعيدا عن أنظمة مؤسسات الدوةل وهو الأمر الذى يسبب خسائر مادية ومؤسسية للدولة.