التعليم فى مصر حلقة مفقودة وتحول لمافيا وبيزنس ممنهج
الشارع: المعلمون مصاصو دماء.. والطلاب فتوات وأرباح المدارس الخاصة تفوق تجارة المخدرات
الإعلام والتعليم جناحا الهوية للدولة لا تختلف فى ذلك دائما وفى كل العصور عندما استطاعت خلق التوازن والتواصل الإعلامى مع نبض شعبها وجمع بين شبابها أنماط تعليم قوية ومتقاربة تعمق الانتماء بآمال الوطن وأحلامه كانت رائدة وقائدة والعكس صحيح أيضا.. حدث ذلك فى أيام محمد على وجمال عبدالناصر رغم الفارق فى الهدف من التعليم فى تلك الأيام البعيدة قفزت للأمام طفرات هائلة حققت الكثير وقادت محيطها العربى والإفريقى حتى جاءت السبعينيات بانفتاحها الاقتصادى ومدارسها الأجنبية وباحتقار العلم والعلماء وتمجيد المكسب السهل والثراء السريع فهاجرت الكفاءات واستمر التدهور لأكثر من أربعة عقود تحول فيها التعليم من خدمة وأمن قومى لسلعة يحصل عليها من يملك المال، تدهور تعليم الدولة فلم تعد ميزانيته تزيد على 4٪ 80٪ منها للمرتبات وانخفض عدد المدارس الحكومية لـ50 ألف مدرسة يدرس فيها 20 مليون طالب بكثافة تصل لـ120 طالبا فى الفصل الواحد ولأول مرة فى تاريخ التعليم المصرى.. يتسرب سنويا ما يزيد على 26 ألف طفل والنتيجة تعليم مواز فى السناتر والبيوت وطلبة يحفظون ما يملى عليهم وبعد الامتحان ينسونه للأبد.. الشريحة العليا من الطبقة الوسطى وأثرياء مصر أدركوا أن أبناءهم لن يحصلوا على تعليم جيد فانتشرت من أجهلم المدارس الخاصة بمصروفات تبدأ من خمسة آلاف جنيه حتى 100 ألف جنيه سنويا حتى وصل عددها 9 آلاف مدرسة و20 جامعة تقدم تعليما يخضع بشكل صورى لرقابة الدولة لكنه يلقى كل عام بعقول ترتبط بفكرها وانتمائها للنموذج الأجنبى وعندما تصطدم بسوق العمل تجد نفسها مؤهلة للأفضل فيكون السفر للخارج هو الهدف- الخبراء أجمعوا على أننا فى مأزق حقيقى يهدد هوية الوطن، فتعدد أنماط التعليم كارثة تكرس للانقسام، قالوا أيضا أنه علينا الاعتراف بأننا فقدنا هويتنا مطالبين بثورة فى نظم التعليم لا تهمل معايير تطور العالم لكنها ترتكز بالدرجة الأولى على قيم وأهداف فى الداخل من الحضارة الفرعونية إلى «التجربة اليابانية».
مافيا ممنهجة
تحول التعليم خلال الآونة الأخيرة لبيزنس كبير بداية من أولياء الأمور الذين يصرون على إعطاء أولادهم دروسا خصوصية والمدرس الذى لا يشرح بالمدرسة ليوفر مجهوده للسناتر والجامعات الخاصة التى تخدم شريحة بسيطة من المجتمع ولا تساهم فى حل أزمة التعليم وقلة إمكاناته.
يقول محمد مصطفى تاجر وولى أمر: التعليم فى السنوات الأخيرة تحول لسبوبة وبيزنس فالمدارس الحكومية لا تقدم أى تعليم، والطالب بينجح بالدروس الخصوصية وانتقلت العدوى للمدارس الخاصة التى أصبح كل مدرس بها ينهج نفس طرق المدارس الحكومية وفى النهاية ينجح الطالب ويتخرج بشهادة بلا علم.
ترى ألفت فوزى ولية أمر طالب أن المدارس الخاصة تقدم تعليما متميزا ذا جودة عالية وتساهم فى تخريج طلاب لديهم مهارات وخبرات تناسب احتياجات سوق العمل ولكن ذلك يقابله المصروفات العالية مما يدل على أن التعليم تحول لسلعة حسب قدرة الإنفاق عليها يكون الناتج.
يتفق معها عيد مكرم قائلا: لا غنى عن الدروس الخصوصية بالسناتر وسعر الحصة وصل 40 جنيها بالمرحلة الابتدائية و100 جنيه للحصة ليلة الامتحان ودون الدروس الخصوصية لا يستطيع الطلاب النجاح.
وتضيف مها موسى: هناك مدارس وكليات تحصل مصروفاتها بالعملة الصعبة وتحتاج لوساطة حتى يتم القبول بها وهذا ما تعرضت له عندما تقدمت لإحدى المدارس بالقاهرة الجديدة بالرغم من توفير المصروفات لجأت لطرف ثالث يتوسط القبول لأولادى بالمدرسة حتى أوفر لهم تعليما جيدا فالمدارس الحكومية لا تقدم شيئا للطلاب ويخرجون منها بمجرد شهادة.
تلتقط طرف الحديث بسمة ميخائيل مؤكدة أن الوضع بالجامعات الخاصة لا يختلف كثيرا حيث يتقدم لها آلاف الطلاب مجبرين بسبب ارتفاع درجات القبول بالجامعات الحكومية وكلما زاد المجموع قلت المصروفات مشيرة إلى قيام إحدى صديقاتها بعمل جولة على بعض الكليات بتلك الجامعات فوصلت مصروفات كلية الإعلام عربى لـ18 ألف جنيه وإنجليزى 20 ألف جنيه وبالجامعات الدولية وصلت 45 ألف جنيه وكلية الطب البشرى تعدت 55 ألف جنيه والصيدلة وصلت لـ47 ألف جنيه وهذه المبالغ تحول بالعملة الصعبة للطلاب الوافدين والأجانب ما يدل على أن التعليم تحول لبيزنس فمن يملك المال يستحق التعليم.
تفضل نجاة حسن ربة منزل إلحاق أولادها بالتعليم الخاص لأنه يقدم تعليما حقيقيا دون اللجوء لدروس خصوصية حيث مصروفاته تبدأ من 16 ألف جنيه ويصل إلى 50 ألف جنيه حسب ما تقدمه المدرسة للطالب.
بينما يرى عفيفى فاروق أنه لا يوجد فرق بين المدارس، فالمدرسون لا يشرحون داخل المدرسة لذا يفضل المدارس الحكومية ويوفر أمواله للدروس الخصوصية حتى يعلم أولاده تعليما جيدا بعد أن تحول لبيزنس.
وتؤكد هبة فهيم ربة منزل أنه دون الدروس الخصوصية لا ينجح الطالب سواء بالنقل أو الشهادات لذا قررت البدء من الأسبوع المقبل فى الدروس لأولادها الثلاثة واتفقت مع مجموعة متميزة من المدرسين مشهود بكفاءتها حتى يتسنى لهم الحصول على مجموع كبير علما بأن سعر الحصة للمادة الواحدة تعدى 50 جنيها للشهادة الإعدادية و35 جنيها بالسنتر من 15 جنيها إلى 25 جنيها.
يقول فايز بشرى إن هذا بخلاف المصروفات التى تنفق على الأنشطة المدرسية أثناء العام الدراسى والكتب الخارجية وملابس الرياضة وخلافه فلم يعد التعليم مجانيا هذا بالإضافة للمعاهد الخاصة التى تنهب أموال الغلابة وتتاجر بأحلامهم وتعطى شهادة غير معتمدة بآلاف الجنيهات.
يقول ماهر تامر مدير عام سابق بالتربية والتعليم يؤكد أن التعليم الخاص تحول لمافيا وبيزنس ممنهج بالمدارس والسناتر التى يمتلكها شخصيات مهمة بالدولة لما تدره من عائد ودخل يصل للملايين هذا بخلاف تخلى المعلمين عن مسئوليتهم التربوية والعلمية لاعتماد الطلاب على السناتر مرجعا ذلك لسياسات الدولة الخاطئة، حيث إننا نقلد الخارج بغض النظر عن أسلوب حياتنا بدليل أننا نقلنا الجودة والتخطيط الاستراتيجى على الورق ولم نطبقها فعليا بمدراسنا فهى مسميات فقط لذا لابد من إعادة تطوير التعليم بداية من المرحلة الابتدائية وعودة المدارس العسكرية للبنين بالإعدادية والثانوية لعودة الانتماء للوطن مع جعل التعليم الفنى تابع للشركات والمصانع لتطبيق الأسلوب العلمى وعن ميزانية التعليم وأيضا الفساد يبدأ من هيئة الأبنية لتعليم ومحو الأمية حيث الميزانية تضيع على المكافآت.
الشارع يؤكد
أكد الشارع المصرى أن تراجع التعليم السبب الرئيسى وراء الأزمات المتكررة على جميع المستويات والأصعدة سواء الاجتماعية أو الأخلاقية أو الاقتصادية بعد أن كان من أفضل المنظومات الممنهجة فى الستينيات يكتفى فيها المدرس براتبه ويؤدى مهامه بضمير يقظ ويلقى احتراما من الطالب الذى يقدس مدرسته، أما الآن فقد تحولت إلى إمبراطوريات للدروس الخصوصية والمدرسون لمصاصى دماء والطلاب لفتوات وبلطجية والامتحانات لفوضى والفصول لعلب سردين والمدارس الخاصة لبورصة لتحقيق الأرباح من دماء أولياء الأمور.
يقول كامل عبدالناصر على المعاش: التعليم فى أيام الزعيم جمال عبدالناصر كان مجانيا دون سداد أى رسوم أو مصروفات دراسية إلى جانب حصول الطلاب على وجبات أثناء اليوم الدراسى وكان المدرسون يشرحون بضمير ولا يخرج من الفصل إلا بعد حصوله على جرعة المادة التعليمية كاملة ولكن المنظومة التعليمية تعانى من خطأ فادح بداية من ارتفاع المصروفات سواء بالمدارس أو الجامعات ووصولها إلى 20 ألف جنيه فى الخاصة بالذات مضيفا أنه حصل على قرض بمبلغ 10 آلاف جنيه لإنفاقه على الدروس الخصوصية لابنته الطالبة بالثانوية العامة.
ويضيف باسم عادل: فى الستينيات كان هناك احترام متبادل من الطالب للمدرس والتزام كامل من الطرفين بالحضور يوميا للمدرسة لتلقى العلم وكان يحرص المعلم على الشرح مرات عديدة حتى يستوعب الطلاب الدروس وفى تلك الآونة تخرج العلماء والمثقفون وحصلوا على وظائف بعد ثلاثة أشهر من تاريخ التخرج عن طريق القوى العاملة وهو ما يؤكد أنه كان يوجد ربط بين وزارتى التعليم والقوى العاملة فى زمن عبدالناصر.
يقول عماد منير: هناك خلل واضح بالعملية التعليمية حيث يفتقد المدرسون الكفاءة فى توصيل المعلومة للطالب ويركزون على الدروس الخصوصية لجلب الأموال ما جعل مهنة التدريس تجارة وليست مهنة سامية ظلت لسنوات طويلة لها قدسيتها واحترامها لكن بدأت تمر بمراحل تغيير شاسعة ليست لصالح التعليم وإنما للحصول على الأموال بطرق سريعة فقد تعرضت لموقف حينما تقدمت بأوراق ابنتى لإلحاقها بإحدى المدارس وهناك عملت أن المدرسة تجرى اختبارات للطلبة وبالرغم من اجتيازهم للاختبارات إلاأن إدارة المدرسة لا تقبلهم إلا بعد تقديم التبرعات.
ويضيف عاطف العجوز أن التعليم بالمدارس الحكومية يكاد يكون معدوما منذ بداية المرحلة الابتدائية فالطلبة تعودوا على الغياب من الصف الثالث الابتدائى نتيجة عدم وجود رقابة والانضباط مما تسبب فى إصابة المنظومة التعليمية بالفشل ما اضطرنى إلى سحب أوراق ابنى من المدارس الحكومية والحاقه بمدرسة خاصة لضمان حصوله على التعليم فى مكان نظيف وبعد فترة قصيرة سوف أقوم بتقديم أوراق ابنى الأصغر بنفس المدرسة ومن هنا بدأ التغيير فى خريطة الحياة بالسعى للعمل بمكان إضافى وترشيد الإنفاق من أجل توفير المصروفات الدراسية.
ويضيف أحمد الشبراوى أن عدم وجود رقابة ومتابعة مستمرة من المسئولين جعل الطلاب فى حالة غياب ولا يذهبون إلى المدارس طوال العام ويعتمدون على أخذ الدروس الخصوصية وحين يريد ولى الأمر إلحاق أولاده بمدارس جيدة فمصروفاتها تبدأ من 5 آلاف دولار وتصل إلى عشرين ألف دولار ونجد بالمدارس الحكومية معاملة سيئة من المدرسين للطلاب ووصل الأمر لكراهيتهم الذهاب للمدرسة.
ويقول ماجد إدوار هناك عجز بالمنظومة التعليمية يتمثل فى الثغرات التى تظهر دائما أثناء امتحانات الثانوية وتبديل الدرجات أو حصول الطلب على صفر كل ذلك يرجع إلى غياب الضمير والمراقبة ويوضح أحمد صلاح أن المنهج الذى يتم التعامل به داخل المدارس الحكومية هو التعليم بالدروس الخصوصية والاستعانة بالكتب الخارجية ما جعل الطلبة يهجرون المدارس والكتب المدرسية بناء على توجيهات المدرسين فمنذ اليوم الأول فى الدروس الخصوصية يقوم المدرس بإصدار تعليمات للطالب بشراء نوع معين من الكتب الخارجية ما يفقده الانتماء للمدرسة.
يتفق معه يوسف فتحى قائلا: للأسف يجبر المدرسون الطلبة على أخذ الدروس الخصوصية وفى حالة عدم الاستجابة يكون نصيب الطالب الضرب وحين يذهب للإدارة المدرسية للشكوى لا يهتمون بالأمر نتيجة حصولهم على نسبة من عائد الدروس وهو ما جعل الطالب يتراجع عن موقفه وينضم إلى المجموعات الخاصة.
ويؤكد عصام صدقى أن ابنته طالبة بإحدى المدارس الحكومية وقام المدرس بإجبارها على دفع مبلغ 50 جنيها مقابل حصولها على الشهادة رغم مستوى التعليم الهابط والإجبار المستمر للأولاد على أخذ دروس خصوصية وهو ما جعل المدرسين من أصحاب العمارات والسيارات الفارهة.
ويشير حسن عبدالله إلى سوء الأوضاع بالتعليم بداية من مرحلة رياض الأطفال حتى الجامعة وهو ما يحتاج إلى تطوير وهيكلة العملية التعليمية بما يتناسب مع متطلبات العصر ومواكبة التقدم التكنولوجى.
أكد خبراء التنمية البشرية وأعضاء مجلس الشعب أن الحل الأمثل لمشكلة التعليم فى مصر هو تعليم موحد فى المرحلة الأساسية وفق رؤية استراتيجية تتبعها مناهج تحتوى على برامج علمية مرتبطة وتكون وفق معايير علمية محددة مع وضع رقابة صارمة ومتابعة من متخصصين ووضعوا شروطا للتعددية فى حدود احترام الهوية المصرية واللغة العربية والتاريخ، وطالبوا أيضا بتشكيل لجنة مكونة من كبار الأساتذة وفى مختلف التخصصات لوضع منهج دراسى فعال يساهم فى تحقيق رؤية سلمية مع توافر الإرادة السياسية القوية للإصلاح، فالمشكلة الحقيقية التى يواجهها المجتمع هى التعددية فى أنظمة التعليم وتخلف المناهج الدراسية مع استخدام الحشو والتلقين والحفظ لمجرد النجاح، ما يؤدى إلى خروج أجيال دون خبرات علمية وعملية الأمر الذى ساهم فى حدوث فجوة كبيرة بين متطلبات المجتمع وبين المهارات التى حصل عليها الطالب من المناهج والأساليب التعليمية.