مافيا تزوير الكتب فى مصر.. أخطر من تجارة السلاح خسائر دور النشر 35 مليون جنيه سنويا
«القراء»: أسعار مغرية.. ولا مجال للمقارنة
«المبدعون»: المسئولون يرفعون شعار «النوم فى العسل»
بات من الواضح أن يد التزوير والتزييف طالت كل شىء.. فى ظل وجود أزمة ضمير من ناحية لدى البعض وغياب وضعف القوانين من ناحية أخرى، فمن تقليد الصناعات والخامات المصرية ذات الجودة العالية مثل صناعة المنسوجات والجلود وغش فى الأجهزة الكهربائية والإلكترونية وسرقة الأبحاث والاختراعات العلمية وتهميش الأدب والثقافة والفن الهادف وارتفاع نجم أصحاب الضمائر الخرابة منهم من يهدم ثوابت أمة وجيل بأكمله وهو غافل أنه حينما تصبح (عبده موتة وناصر البلطجى وأفلام السبكى) هى المصدر الوحيد والرئيسى للثقافة هنا ننذر بقدوم كارثة حقيقة ويجب أن تكون لنا وقفة.
أزمة حقيقية تدور أحداثها فى تلك الآونة داخل أروقة دور النشر فى مصر سببها حجم الخسائر المتزايد شهريا لهؤلاء الناشرين بسب مافيا تزوير الكتب.
السوق العربية تفتح هذا الملف الشائك للوقوف على أعتاب الأزمة وحجم المشكلة ومدى تأثيرها على الواقع الثقافى وطرق الحل.
أصحاب دور النشر
أكد دكتور مدحت الغول، مدير إحدى دور النشر الخاصة، أن أزمة تزوير الكتب فى مصر تجاوزت كونها قضية سرقة لمجهود الغير من الناحية الأدبية والقانونية فقط بل وصلت إلى حد وصفها "بالشبح" الذى يهدد أكثر من 170 دار نشر بالإغلاق بسب تعرضها لخسائر سنوية تصل إلى ملايين الجنيهات، والمذهل فى الأمر أنهم ليسوا مجرد لصوص يبحثون عن الربح السريع فقط وبأى تصرف ولو عشوائى بل هم منظومة ويعملون بحرفية شديدة أولا بسب اختيارهم نوعية الكتب التى يقومون بتزويرها من ناحية اسم وشهرة المؤلف وحجم مبيعات الكتاب فى الأسبوع الأول من طباعته ومدى الإقبال عليه وسعره الأصلى وفارق التكلفة من حيث الحجم وعدد الإصدارات وأماكن التوزيع ووصل بهم الأمر إلى عمل دراسة استطلاع رأى لبعض القراء قبل الإقدام على عملية التزوير، وكل هذه الدلالات تعطى مؤشرا خطيرا على أننا أمام كارثة حقيقية إذا لم نتداركها بسرعة، ومع الأسف هناك ثلاث من دور النشر الكبرى تقوم بعمل اجتماعات مكثفة لدراسة إمكانية غلق مطابعها أو عرضها للبيع بسبب هؤلاء اللصوص، خاصة أن المعيار الربحى يصب فى جانب المافيا فقط دون وجه حق ودون مبالغة قد وصل حجم الخسائر سنويا أكثر من 35 مليون جنيه لصلح هؤلاء.
أضاف المهندس منصور أبوالمجد، رئيس قطاع النشر والتوزيع بإحدى دور النشر الخاصة: إن السبب الحقيقى وراء انتشار تلك الظاهرة بهذا الشكل المخيف هو ضعف القانون رقم 82 لسنة 2002 الخاص بالملكية الفكرية والذى لا يضع عقوبات قوية ورادعة للمخالفين ما ساهم فى إقدام هؤلاء اللصوص على تلك الأفعال دون خوف من عقاب، حيث لا تتجاوز العقوبة غرامة 5 آلاف جنيه، وذلك فى حالة ثبوت التهمة، خاصة أن تلك التهم ذات طابع خاص وليس من السهولة إثباتها لعدم وجود متخصصين.
وأكد أن هناك تعاونا من إدارة المصنفات الفنية لكن لا تستطيع التصدى لهذا الكم الهائل من السرقات والتزوير. وهم أصحاب نصيب الأسد فى تلك التجارة للأسباب الآتية أولا: لا يتحمل المزور مخاطر طبع الكتب وتوقعات فشلها للعديد من الأسباب منها ما هو خاص بالمؤلف أو ارتفاع سعر الكتاب أحيانا بسبب ارتفاع أسعار أدوات الطباعة بجانب قيامه بطرح كميات كبيرة من الكتب المزورة وزيادة منافذ التوزيع لقلة التكلفة التى لا تتجاوز 20% من قيمة تكلفة الأصلية وبيعه بنصف الثمن مع زيادة هامش ربح الموزعين لضمن حسن العرض والتسويق بصرف النظر عن حقوق دار النشر والمؤلف أو رداءة المعروض حيث يقومون بتصوير الكتب داخل مكتبات تصوير عادية وطباعة غلاف لا يتماشى مع حجم الكتاب ومؤلفه، وربما يبعده عن مضمونه لأن الذين يقومون بعملية القص والترتيب أو التجميع لضمان التوفير هم غير متخصصين ما يقدم كتابا فى غاية السوء شكلا ومضمونا.
وأعرب الدكتور خليل عبدالرزاق مدير إدارة الشئون القانونية بإحدى دور النشر الخاصة عن استيائه لما يحدث داخل اهم واعرق قطاع تجارى فى مصر وهو صناعة ونشر الكتب، حيث تشهد ساحات المحاكم وأقسام الشرطة الآن العديد من المحاضر والقضايا فى هذا الشأن، وهى قضايا من المفترض أنها بمنأى عن تلك المهاترات لكن أباطرة الغش ومافيا التزوير يبدو أن لهم رأيا آخر وعلى سبيل المثل لا الحصر تحرر عن الواقعة المحضر رقم ٥٣٣٢ جنح قسم الموسكى لسنة ٢٠١٤، ومكتبة محسن رقم ٣٤، حيث ضبطت نسخة من كتاب «٣١٣» وتحرر عن الواقعة المحضر رقم ٥٣٣٣ جنح قسم شرطة الموسكى لسنة ٢٠١٤، وبمكتبة الإسكندرية ضبطت نسخة من كتاب «هنا القاهرة» وتحرر عن الواقعة المحضر رقم ٥٣٣٤ جنح قسم شرطة الموسكى لسنة ٢٠١٤، وبمكتبة وائل سمير رقم ٢٨ ضبطت نسخة من كتاب «٢ ضباط» وتحرر عن الواقعة المحضـر رقم ٥٣٣٥ جنح قسم شرطة الموسكى لسنة ٢٠١٤، وبمكتبة فيصل رقم ٨ ضبطت نسخة من قاموس المورد عربى- إنجليزى وتحرر عن الواقعة المحضـر رقم ٥٣٣٦ جنح قسم شرطة الموسكى لسنة ٢٠١٤.
وأضاف عبدالرازق: إن هناك مشاكل وأزمات قادمة لا محالة اذا استمر الوضع على ما هو عليه، خاصة أن هناك بوادر تحريك دعوى من قبل بعض الدول الأجنبية المتضررة من تزوير الكتاب فى مصر والمطالبة بحقوق أدبية ومادية وربما يصل بنا ذلك الأمر إلى تسديد غرامات باهظة التكلفة بجانب اكتساب سمعة سيئة فى هذا المجال. وأضاف: انتهى اتحاد الناشرين المصريين من إعداد مشروع قانون جديد للملكية الفكرية تم إرساله إلى وزارة العدل مؤخرا، كاشفا عن أبرز ملامحه حيث يغلظ مشروع القانون عقوبة التزوير بحيث لا تقل عن 50 ألف جنيه وأن تصاحبها عقوبة الحبس أيضا بحيث تصبح العقوبة الغرامة والحبس معا وليست أيا منهما.
ويرى مصطفى الخولى، كاتب وصاحب احدى دور النشر، أن هناك نوعين من القرصنة: قرصنة تجارية هادفة للربح وقرصنة أخرى غير هادفة للربح وهى التى تصنع لأسباب أيديولوجية أو فكرية لارتفاع سعر الكتاب وعدم توفيره لباقى فئات الشعب، فتتيحه مجانـًا على مواقع الإنترنت.. والتعامل الوحيد المتاح هو التعامل القانونى، فعندما نعلم بوجود مكان ما يبيع هذه الكتب المسروقة نلجأ لتقديم بلاغ ضده ونتركه للسلطات التى تتعامل معه إما بالإغلاق أو المصادرة أو فرض غرامات.
المبدعون
أعرب الكاتب والمؤلف محمد أبوالنجا عن خيبة أمله وشعوره بالخزى جراء تلك الأفعال فى حق الأدب والثقافة فى مصر وتعرض إبداعاتها إلى السرقة والانتهاك من قبل بعض الخارجين عن القانون مستغلين ضعف القانون ذاته، وأقل ما يوصفون به أنهم لصوص عقول وليس أموال فقط وان هذا الأمر له مردود سلبى على الكاتب والثقافة بشكل عام حيث تقلل فرص الإبداع والإنتاج الادبى بسبب عدم إقبال دور النشر على زيادة المنتج الادبى خوفا من الخسارة والتزوير والاكتفاء بعدد محدود من الكتب خاصة لكبار الكتاب ما يضيع الفرصة على المواهب الشابة وإبداعاتهم ولهم العذر أحيانا وذلك رغبة منهم فى سرعة بيع الكتب قبل تزويرها بالإضافة إلى استهانة هؤلاء اللصوص بالكتاب وطرحه بطرق مخزية ورديئة، وهناك كوارث تحدث بعملية التزوير فكثيرا تجد غلاف الكتاب لا يحمل اسم المؤلف والاكتفاء بالعنوان التجارى فقط أو تبديل وتغيير الأسماء ووضع اسم لمؤلف معروف لا علاقة له بالعمل لضمان التوزيع مع إهدار كامل لحقوق المؤلف الأدبية كارثة يجب ان نتداركها قبل فوات الأوان.
أشارت الكاتبة عبير الطحان إلى أن هناك مفارقة غريبة فى عملية التزوير أو نظرية يعتمد عليها هؤلاء اللصوص فى عملية التبرير لجرائمهم، وهى مبدأ الاستفادة والنفع المتبادل من وجهة نظرهم حيث يعتمدون على أن تزوير الكتب يساهم فى انتشارها بشكل أوسع ما يساعد فى شهرة المؤلف وانتشار الكتاب وخفض سعر التكلفة على القارئ ومع الأسف هم على يقين أنهم كانوا سببا فى شهرة كثير من المبدعين حقا إنه (عذر.. أقبح من ذنب) والأكثر غرابة انهم يجهرون بذلك تحت شعار تشجيع القراء والمبدعين الشباب خاصة أن الجميع يعلم أن دور النشر تعزف كثيرا عن النشر للشباب.
وأضاف: هناك أزمة اخرى لا تقل أهمية عن التزوير وهى عزوف وزارتى التربية والتعليم والشباب والرياضة عن الإقدام على شراء الكتب مثلما كان يحدث فى الماضى بحجة انه ليس هناك ميزانية وتوفيرها لأشياء اخرى وانا أتساءل: هل هناك اهم من تثقيف النشء تحت مرأى وبصر الدولة؟ حتى اصبحت بعض المدارس ومكتبات النوادى تخلو تماما من الكتب وذلك برغم تجاوز المكتبات العامة داخل التربية والتعليم أكثر من 30 ألف مكتبة عامة، بالإضافة إلى أن تزوير الكتب أخذ بعدا دوليا حيث رصد الاتحاد تصدير الكتب المزورة لعدد من الدول العربية على رأسها الأردن والمغرب وقد وصل الأمر إلى تخصص بعض المزورين فى تزوير كتب دور نشر بعينها اتسمت مؤلفاتها بالنجاح.
ومن أشهر الدول التى تصدر إليها الكتب المزورة السعودية السودان الأردن والمغرب.
أصحاب المكتبات
أكد الحاج على الدمياطى صاحب احدى المكتبات بوسط البلد أن هناك جريمة منظمة من قبل مافيا التزوير فى مصر ضد الثقافة والكتب تكبد دور النشر خسائر كبيرة ويوميا تعرض عليه المشاركة فى هذا الجرم والصفقات لكن بالطبع يرفض، لكن الغريب ان كثيرا من القراء انفسهم يسألونه عن إمكانية وجود كتب مزورة رخيصة السعر أم لا مقارنة بثمنها الحقيقى وذلك لعدم مقدرتهم على شراء الكتب من المنافذ بسبب ارتفاع ثمنها وللأمانة أعذرهم أحيانا مع الاختلاف على فكرة التزوير.
والتقط أطراف الحديث سمير التونى قائلا أنا أحد هؤلاء الذين يبحثون عن الكتب المقلدة لرخص ثمنها، وأوجه اللؤم إلى اصحاب دور النشر واتهمهم بانهم فى معزل عن الواقع مثلا وصل سعر كتاب "قولى يا استاذ" للكتاب الصحفى انيس منصور 75 جنيها فى حين ثمنه على الرصيف 12 جنيها فقط فأين العدالة فى ذلك مع رفضى لفكرة التزوير من عدمه.
القارئ
جمع العديد من القراء على رفض التزوير تحت أى مسمى أو تبرير خاصة مع هذا المنتج الذى يعد غذاء للفكر وبناء للجيل والنشء وطالبوا بتدخل الأجهزة المعنية بذلك وسرعة إدراك الكارثة مع تقديم دعم للكتاب وزيادة المعارض وعودة مهرجان القراءة مرة أخرى.
الحل
يرى العديد من المثقفين ضرورة تشديد العقوبة وإبرام قانون جديد للقضايا النشر والتزوير وإنشاء نيابات متخصصة فى هذا الشأن مع دعم الكتاب وزيادة المطروحة من الإبداعات الجديدة.
وفى تصريح خاص للسوق العربية صرح الدكتور عبدالحافظ متولى مدير إدارة النشر بوزارة الثقافة بأن الخسائر المادية تقع بالفعل على عاتق دور النشر الخاصة وأنه لا علاقة بإدارة النشر بذلك الأمر وأنه يرفض التزوير فى كافة صوره خاصة فى هذا المجال الحيوى والثقافى وأكد أن الدولة الان فى أمس الحاجة إلى هؤلاء المبدعين والمثقفين وان الهيئة سوف تشهد طفرة فى الأيام القادمة فى مجال النشر خاصة لقطاع الشباب.