الحرف اليدوية المصرية تتفوق على المستوردة عشرات المرات
صناعات خان الخليلى.. حرف عريقة تحتاج إلى تشجيع الدولة
تزخر مصر بفنون ابتدعتها أبناؤها الذين عشقوا الأصالة فيما يمارسونه من حرف يدوية، استطاعت أن تبهر العالم وتغرى السياح الأجانب باقتنائها، ومن هذه الفنون "الأرابيسك" و"الفضيات" والنقش على النحاس والصدف والزجاج المعشق المتعدد الألوان، وعلى رغم دخول الميكنة بجبروتها لتحل محل العمالة الفنية المدربة، قادرة على الإبداع فى مواجهة خطر الانقراض، الذى يطرح السؤال عن سبل حماية هذه الحرف اليدوية التى تمتد جذورها إلى أعمق أعماق التراث والحضارة الإسلامية؟ هذا ما حاولنا التعرف عليه خلال جولتنا فى أسواق القاهرة المعزية.
تجولت "السوق العربية" فى خان الخليلى أحد أكبر الأسواق التاريخية الذى يقصده آلاف السياح لشراء تلك التحف التى أبدعتها يد الصانع المصرى، فمن من داخل أحد المحلات الصغيرة بحى خان الخليلى يجلس أحد العمال ليبيع ما تفنن من الفضة وأشد ما يلفت نظرنا شكمجية "علبة تستخدم لحفظ المجوهرات والذهب" كما أنه يجمع جميع أشكال الفضة من العربى والتركى والمصرى والهندى الذى يبهر الناظرين، فى ويدعى محمود السنباطى وعندما تحدثنا معه قال: كانت مصر قديما تشتهر بمنتجات الحفر والنقش على النحاس وصناعة الفضيات، واستمرت كذلك كتقليد من أهم تقاليد الحرف والصناعات اليدوية ولكن الميكنة دخلت على هذه الحرفة التى أعمل بها منذ 25 عاما، من خلال ما يطلق عليه "الزنكوغراف" لإنتاج عدد كبير من القطع واضطر الكثير من أصحاب الورش لاستخدام الميكنة للوفاء بحاجة السوق المتزايدة من الأدوات النحاسية المنقوشة والمحفورة، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لعملية الحفر والنقش اليدوى على النحاس، التى تحتاج إلى براعة فائقة ممن يقوم بها، خصوصا أن عدد العاملين الآن فى هذه الحرفة قليل للغاية، نظرا لأنها تحتاج إلى صبر ودقة وحب وهذه الصفات ليست متوافرة فى أبناء الجيل الجديد الذين شغلتهم المادة عن كل شىء آخر.
ويضيف السنباطى، أن المنتج المصرى يعانى من عدم "التطوير" ففى الخارج يتم تطوير المهنة بماكينات جديدة تسرع من عملية الانتاج، مشددا على ضرورة تشجيع الدولة لهذه الحرفة من خلال دعم الحرفيين بأجهزة تساهم فى صناعة الفضيات بكل أشكالها وستكون أفضل من المستوردة.
وأضاف السنباطى إن هناك أنواعا من الفضيات لم يعد يباع فى مصر مثل الشمعدان لأن أقل سعر له يساوى 4000 جنيه، لأن المصريين لن يشتروها، وهناك تجار يقصدون خان الخليلى لدراسة السوق المصرى ثم يعودون ليصنوع نفس الاشكال لكن الجودة أقل لأن المستوردين.
«الأرابيسك»
وعلى بعد بضعة أمتار بخان الخليلى تقع ورشة تصنيع "الأرابيسك" الذى يستخدم حاليا فى أطقم المكاتب والأنتريهات، كما يستخدم أيضا فى تصنيع إطارات وبراويز للوحات والصور، مطعمة بالصدف وغاية فى الجمال والدقة.. سألنا أحد العاملين عنها فقال: إن سعرها يتراوح بين 1500 و2000 جنيه، وقد استغرقت من صانعها شهورا عديدة حتى خرجت بهذا الشكل الرائع، وعندما سألنا عن هذا الصانع حضر إلينا وهو يصحب ابنه الصغير الذى يحاول أن يعلمه هذه الحرفة التى يقول عنها: الأرابيسك والصدف لا يمكن أن ينقرض، رغم قلة العاملين فى صناعته، لأنها تلبى احتياجات الناس من الأثاث الأصيل فمازال هناك متذوقون للأثاث العربى من الأرابيسك والذى يطلق عليه "الاستيل".
فن التطعيم بالصدف
أما فن "التطعيم بالصدف" الذى اشتهر به الصانع المصرى، فهناك عشرات الورش لصناعة الأدوات والأثاث المطعم بالصدف منتشرة بأحياء القاهرة المعزية، كل ورشة بها ثلاثة أو أربعة أفراد وهو ما يعنى أن هذا الفن أو الحرفة أحسن حالا من بقية الحرف الأخرى، إذ إن العاملين بها يورثونها لأبنائهم وأحفادهم، على رغم أن إتقان هذه الحرفة يحتاج إلى 6 سنوات على الأقل.
التقينا شابا آخر يدعى محمود يعمل بورشة أخرى للمشغولات الصدفية فيقول: هجرت مهنة التدريس واحترفت مهنة والدى لأنها أكثر ربحا من التدريس، خصوصا لمن فى مثل سنى من الشباب هذا إلى جانب خوفى على الحرفة من الانقراض.. وللأسف فالسياح الأجانب أكثر تقديرا لهذا العمل اليدوى الصعب، فعندما أقوم بعرض منتجاتى على أصحاب المحلات والبازارات يقدرونها على أنها خشب مصدف فقط ودون أدنى تقدير لما استغرقته من وقت وجهد كى تظهر بهذا الشكل، أى أن قيمة العمل اليدوى لا تدخل فى حساباتهم، ولولا السياح العرب والأجانب الذين يقبلون على شراء هذه المنتجات، لكنت قد تركت هذه المهنة من زمن.