قانون «الجريمة الإلكترونية».. ظاهره الشدة وباطنه الرحمة
وسط حالة من الشد والجذب حول مشروع قانون الجريمة الإلكترونية الذى وافقت عليه لجنة الشكاوى والاقتراحات بمجلس النواب، وتمت إحالته للجنتى الشئون التشريعية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، جدلًا كبيرًا بين خبراء الدستور والقانون والذين رأى بعضهم أنه ضرورة ملحة فى وقت كثرت فيه الجرائم الإلكترونية، واتسعت دائرة أشكال وأنواع الجريمة الإلكترونية ليس فقط استخدام مواقع التواصل الاجتماعى لنشر أخبار كاذبة، هدفها زعزعة أمن واستقرار البلاد وإثارة الرعب والخوف فى قلوب المواطنين، وإنما تمتد الجرائم فى أشكالها وأنواعها إلى اختراق مواقع البنوك والمؤسسات التى كبدت الدولة خسائر تصل إلى مليارات الجنيهات، كما أن الأخطر من ذلك أنها قد تؤدى إلى تسريب بعض المعلومات العسكرية والخاصة بالأمن القومى المصرى ما يهدد البلاد ويعرضها للاختراق، بينما يرى آخرون أننا بالفعل بحاجة لوجود قانون لمكافحة الجريمة الإلكترونية لكننا فوجئنا بأن القانون المقترح من البرلمان يبتعد تمامًا عن الهدف الرئيسى لفكرة إصداره، كما أن هناك نصوصًا من قانون الإرهاب تم نقلها نصًا إلى قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية ما يؤدى لتقييد الحقوق والحريات بشكل مباشر.
فى البداية، أكد الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، أنه على الرغم من تقدم وسائل الأمان الإلكترونى إلا أن هذا التقدم يقابله أيضا تقدمًا هائلًا فى الجريمة الإلكترونية، كما أن الجريمة الإلكترونية أصبحت فى اضطراد وتطور من حيث وسائلها وأشكالها وأهدافها، الأمر الذى يحتاج حقيقة وبصورة ملحة إلى تدخل تشريعى وفرض صور مختلفة من العقوبات التى تتنوع حسب تنوع الجريمة، سواء من حيث جسامتها أو وسائلها أو حتى المستهدفين من هذه الجريمة ما يعد معه القانون المعروض مطلبًا ضروريًا لضبط استخدام تكنولوجيا المعلومات ومواجهة التطور الهائل فى أشكال الجريمة الإلكترونية والتى أصبحت تمثل عبئًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا على كل المجتمعات حتى المتقدم منها.
وأضاف "عامر" خلال تصريح لـ"جريدة السوق العربية" أن فكرة مشروع قانون الجريمة الإلكترونية جيدة بعدما لوحظ فى الآونة الأخيرة من تجاوزات يقوم بها بعض الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك لوضع قواعد التعامل مع جرائم تقنية المعلومات والجرائم الإلكترونية بشكل عام لأنها أصبحت جرائم تدمر المجتمع، ولذا يجب وضع قوانين لحماية ما يهدد الدولة والمواطنين.
وطالب الدكتور حمدى عامر، الخبير القانونى، بمناقشة قانون الجريمة الإلكترونية أولًا، حتى لا يكون هناك تعارض مع حرية التفكير والرأى، فالقانون يمس قطاعًا كبيرًا من المجتمع، وسيكون له انعكاسات على الدستور، ونحن لسنا ضد حرية الرأى والتعبير، ولكننا مع وضع ضوابط تكفل عدم الإساءة للآخرين ولا أؤيد تقييد حريات التعبير والرأى عبر مواقع التواصل، كما أن قانون العقوبات فيه ما يكفى لردع أى متجاوز لكنه يحتاج للتفعيل، وذلك لأن قانون الجريمة الإلكترونية ضرورة ملحة لمواجهة المؤامرات التى يتم التخطيط لها عبر المواقع الإلكترونية.
ودعا "حمدى" إلى ضرورة أن يتضمن مشروع قانون الجريمة الإلكترونية بنداً لمعاقبة الأشخاص الأجانب- غير حاملى الجنسية المصرية، الذين يمارسون الاختراق الإلكترونى من خارج مصر- إلى جانب وجود تعريف واضح لمفهوم الجريمة الإلكترونية من قبل الخبراء والمتخصصين فى هذا المجال حتى يمكن تطبيقه، مشيراً إلى أنه من الأفضل أن تطلع اللجان المشرعة على القوانين الخاصة بالجرائم الإلكترونية العاملة بها دول الخارج، وأن تمصرها بما يتوافق مع أهداف واستراتيجيات البلاد وأمنها القومى حتى لا يصبح مجرد قانون به الكثير من الثغرات التى تحول دون تفعيله من قبل الجهات المختصة.
وأوضح المهندس وليد عبدالمقصود، استشارى أمن المعلومات وخبير الجرائم الإلكترونية، أن هناك العديد من القضايا والجرائم الإلكترونية التى كبدت مصر ملايين الجنيهات، ومع ذلك تتم إحالتها إلى المحكمة الاقتصادية، وتستغرق وقتاً طويلاً دون البت فيها بشكل قاطع، لعدم وجود تشريع يحكم منظومة الجريمة الإلكترونية، مشيراً إلى أن مشروع قانون الجريمة الإلكترونية جاء متأخراً للغاية فقد سبقنا العديد من الدول العربية فى إصداره لحماية فضائها الإلكترونى مثل السعودية وبعض من دول الخليج العربى.
ولفت "عبدالمقصود" خلال تصريح لـ"جريدة السوق العربية" إلى أشكال وأنواع الجريمة الإلكترونية ليس فقط استخدام مواقع التواصل الاجتماعى لنشر أخبار كاذبة، هدفها زعزعة أمن واستقرار البلاد وإثارة الرعب والخوف فى قلوب المواطنين، وإنما تمتد الجرائم فى أشكالها وأنواعها إلى اختراق مواقع البنوك والمؤسسات التى كبدت الدولة خسائر تصل إلى مليارات الجنيهات، مضيفاَ إلى أن الأخطر من ذلك أنها قد تؤدى إلى تسريب بعض المعلومات العسكرية والخاصة بالأمن القومى المصرى ما يهدد البلاد ويعرضها للاختراق.
ومن جانبه، أعرب النائب اللواء تامر الشهاوى، عن الحاجة الماسة لإصدار قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية بحيث يختص القانون المقترح بمكافحة جرائم تقنية المعلومات وتنظيم حماية الفضاء الإلكترونى ومكافحة الجريمة الإلكترونية وأمن الفضاء المعلوماتى والجرائم المعلوماتية، مشيراً إلى أنه قد قرر مجلس الوزراء فى فبراير عام 2015 تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون فى شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات لكن لم يصدر قانون بشأنه حتى الآن، مؤكداً أن هناك حاجة ملحة لإصدار تشريع يجرم ويكافح الجريمة الإلكترونية ويضيق الخناق على كل العناصر والكيانات من الوصول إلى أهدافها وإجهاض تحركاتها.
واستطرد قائلاً: "إن القانون حدد مفاهيم واضحة لكل من تقنية المعلومات ومزود الخدمة والموقع الإلكترونى والبريد الإلكترونى وغيرها من المصطلحات ذات العلاقة بالجريمة الإلكترونية، وجمع القانون المشار إليه مختلف الأحكام الموضوعية والقوانين والقرارات المتعلقة بالتجريم فى مجال مكافحة الجريمة الإلكترونية".
وتابع: "كما تضمن القانون، العقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين من دخل إلى موقع أو نظاماً معلوماتياً مستخدما حقا مخولا له فتعدى حدود هذا الحق من حيث الزمان أو مستوى الدخول مع تشديد العقوبة إذا وقعت تلك الجريمة على موقع أو نظام معلوماتى يخص الدولة، كما شمل القانون العقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من أتلف أو عطل أو دمر دون وجه حق البرامج أو البيانات أو ما شابه على أى نظام معلوماتى أياً كانت الوسيلة التى استخدمت مع تشديد العقوبة إذا وقعت تلك الجريمة على موقع أو نظام معلوماتى يخص الدولة".
وقد تضمن أيضا القانون العقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من دخل متعمداً إلى شبكة معلوماتية بغرض إيقاف عملها أو تعطيلها أو الحد من كفاءتها مع تشديد العقوبة إذا وقعت تلك الجريمة على موقع أو نظام معلوماتى يخص الدولة، والعقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من تنصت أو التقط أو اعترض دون وجه حق أى معلومات أو بيانات أو رسائل متداولة مع تشديد العقوبة إذا وقعت تلك الجريمة على موقع أو نظام معلوماتى يخص الدولة.
وأكمل: "تضم المواد العقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من أتلف أو عطل بريدا إلكترونيا خاصا بأحد الناس مع تشديد العقوبة إذا وقعت تلك الجريمة على موقع أو نظام معلوماتى يخص الدولة، والعقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من اصطنع بريدا إلكترونيا أو موقعا ونسبه زورا إلى شخص طبيعى أو اعتبارى مع تشديد العقوبة إذا وقعت تلك الجريمة على موقع أو نظام معلوماتى يخص الدولة.
وشمل القانون العقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل مزود خدمة أفشى بغير إذن أو طلب من إحدى جهات التحقيق البيانات الشخصية لأى من مستخدمى خدمته أو أى معلومات أخرى تتعلق بالأشخاص أو الجهات التى يتواصل معها، والعقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من أنشأ موقعا بهدف الترويج لارتكاب جريمة، كما تضمن المقترح، حق جهات التحرى والتحقيق حال رصد قيام مواقع تبث من داخل الجمهورية أو خارجها من شأنها تهديد الأمن القومى أن تتخذ كافة الإجراءات الكفيلة بحجب الموقع طبقاً للإجراءات الفنية والقانونية بمعاونة جهات الاختصاص الأخرى فى الدولة.
وطالب فى مقترح القانون، العقاب بالسجن المؤبد كل من أنشأ أو استخدم موقعا بغرض إنشاء كيانات إرهابية أو الترويج لأفكارها أو تبادل الرسائل والتكليفات أو التمويل أو حيازة ونقل وتوفير أموال أو أسلحة أو ذخائر أو متفجرات أو خلافه، كما شمل المقترح العقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من قام بالاستيلاء لنفسه أو غيره على أموال أو سندات خاصة بالغير باستخدام طرق احتيالية أو انتحال صفة غير صحيحة وكان من شأن ذلك جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة وتم خداع المجنى عليه بموجبها.
كما تضمن العقاب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين كل من زور أو اصطنع أو قلد أداة من أدوات الدفع الإلكترونى أو ما فى حكمها، وقد تضمن القانون توفير الحماية المناسبة للمجتمع حال الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامته للخطر أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها أو الأضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى.
وأوضح الدكتور عيسى سعد، أستاذ القانون العام، أن مشروع قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية يتضمن تجريم الممارسات الإلكترونية المجرمة، والتى لا يوجد ما يجرمها فى القانون المصرى، ومنها التزوير الإلكترونى وإنشاء مواقع للتشجيع على الإرهاب أو نقل المعلومات، وتتراوح العقوبات من السجن شهرا حتى الإعدام.
وكشف "سعد" خلال تصريح لـ"جريدة السوق العربية" أنه فى حالة الإعدام قد تصل فى حالة الجرائم الإلكترونية التى يترتب عليها وفاة شخص أو أشخاص أو تهديد الأمن القومى والسلم الاجتماعى، الإضافة إلى عقوبات الاختراق الإلكترونى والتزوير وغيرها من الجرائم، كما ينص القانون على عقوبات بحجب مواقع أو إلغاء تراخيصها بأحكام قضائية.
وأشاد الدكتور الشحات إبراهيم منصور، عميد كلية الحقوق بجامعة بنها، بمشروع قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذى تقدم به النائب تامر الشهاوى، مؤكدًا أن القانون يساعد فى ضبط المواقع الإلكترونية، ويقضى على الشائعات التى توجه ضد مصالح الدولة، كما أنه جاء فى وقته المناسب فى ظل حالة عدم السيطرة والمؤامرات التى يروّج لها البعض على المواقع الإلكترونية، مشيراً إلى أن مشروع قانون "الجريمة الإلكترونية" يستهدف معاقبة كل من يهدد الأمن القومى عن طريق الإنترنت، كما أن هناك بعض المواقع الإلكترونية تحرض على الانضمام لتنظيمات إرهابية وتحرض ضد مؤسسات الدولة، ولابد أن نقف أمام هذه المحاولات التى تهدف لهدم الدولة.
وأوضح "منصور" أنه لا بد من وجود رقيب على جميع المواقع الإلكترونية، وأن تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بحجب أى موقع يهدد الأمن المصرى بالمعاونة مع الجهة المختصة بذلك، ومشيراً إلى أن القانون يساهم فى الحفاظ على الأمن القومى، مشددًا على أن القانون سيمنع نشر الأخبار الكاذبة وتدشين موقع بهدف الترويج لارتكاب الجريمة، لافتاً إلى أن الغرض من تطبيق قانون "الجريمة الإلكترونية" ليس تقييد الحريات، ولكن الحفاظ على الأمن القومى، مؤكدًا أنه سيتم وضع ضوابط وأطر لضبط سلوك المستخدمين.