مدابغ مصر القديمة.. أحياء على جلود ميتة
“المدابغ” منطقة صناعية ذات طابع خاص حيث تحمل بين طياتها الكثير من الاسرار والحكايات حول اقدم صناعة فى الشرق الاوسط بدأت منذ قدوم الانجليز إلى مصر.. حتى تصدرنا اولى قائمة الدول المنتجة للجلود من حيث الكم والجوده فى العالم حيث
تختبئ مدابغ مصر القديمة بين أحجار سور مجرى العيون التاريخى لتنشئ بذاتها عالما خاصا بمفرداته. وينتج هناك 80 فى المئة من احتياجات مصر من الصناعات الجلدية بطرق تقليدية عمرها مائة عام أو أكثر. وتعتمد هذه الطرق التقليدية على العمالة اليدوية المباشرة التى تتراوح تقديراتها بين 30 و60 ألف عامل. وتعيش المدابغ واقعا صعبا بالنسبة لظروف العمل التى يفقتد أغلبها إلى التأمين الصحى والاجتماعى والسلامة المهنية بالإضافة إلى عمالة الأطفال. وتعتبر المدابغ فى شكلها الحالى إحدى أبرز الصناعات الملوثة للبيئة لاعتمادها على الكيماويات بشكل رئيسى وصرف المخلفات دون معالجة فى شبكة الصرف الصحى العمومى.
واقع مؤلم يعيشه اهالى المنطقة والقائمون على تلك الصناعة المهمة منذ عشرات السنين
وتخبط فى القرارات منذ فترات تجاوزات 15 عاما ما بين نقل تلك الصناعات إلى المدن الجديدة فى اطار مهنى وصناعى وصحى جيد ومدروس ما يساعد على الحفاظ على صحة وأرواح القائمين على المهنة من ناحية وبجانب رفع الانتاجية والوصول للحد الاقصى الذى يضمن لنا المنافسة وسط حالة الاغراق التى يشهدها سوق المنتجات الجلدية خاصة القادمة من الصين.
وشهد أصحاب المدباغ على سلبية بعض المسئولين فى سنوات متعاقبة وحصلوا على الكثير من الوعود التى لا تثمن ولا تغنى من جوع سواء من ناحية الرعاية الصحية او تجويد وتحديث الالات الصناعية المستخدمة ورفع الجمرك عنها للحصول على احدث تكنولوجيا فى مجال دباغة وصناعة الجلود خاصة اننا نمتلك مقومات النجاج من مواد خام وعمالة مدربة لكن لا حياة لمن تنادى واستمر الوضع على ما هو عليه وبدأت بارقة امل مرة اخرى عقب ثورة 25 يناير ومع مرور مصر انذاك بحالة اقتصادية وسياسة مرتبكة لم يتم الاستجابة لمطالب اصحاب المدابغ بسرعة تنفيذ مشروع مدينة الروبيكى الصناعية الخاصة بصناعة ودباغة الجلود وحتى جاء القرار الحاسم من الرئيس “السيسى“ بسرعة الانتهاء من المنشآت والمرافق الخاصة بالمدنية وتسليمها لااصحاب المدباغ والورش مع ضمان توفير كافة المطلب لهم لضمان زيادة الانتاجية من تلك الصناعة الهامة والرائدة فى مصر وتوفير حوالى 1100 ورشة داخل المدنية وزيادة فى الدقة الزام وزارة الصناعة بضرورة تسليم المصانع والورش دفعة واحدة بدل من الثلاث مراحل التى كان من المفترض ان تسلم عليها (السوق العربية) كان لها هذه الجولة داخل منطقة المدابغ “بمصر القديمة“ لرصد معاناة ومطالب اصحاب المصانع ومدى قبول ورفض قرار النقل لمنطقة الروبيكى الصناعية الجديدة بمدنية بدر.
أصحاب المدابغ
يقول سيد دقدق صاحب مدبغة: نحن لسنا ضد نقل المدابغ إلى الروبيكى فمن المؤكد انها افضل من حيث الامكانات والبنية التحتية من توفير مياه وصرف صحى. لكن يجب ان تكون عملية النقل مدروسة اكثر من ذلك من حيث مدد مهلة نقل المعدات والالات الثقيلة والتى تستغرق شهور وليست ايام كما يعتقد البعض بالإضافة إلى مساهمة الدولة فى مصروفات النقل الباهظة التى لا يستهان بها وتصل إلى الاف الجنيهات مع ضرورة توفير مساحات اكبر للورش والمدابغ من الموجودة حاليا لسهولة ادخل معدات جديدة فى المستقبل تتماشى مع تطور المهنة ونؤيد قرار الرئيس السيسى فى ان يتم نقل جميع الورش على مراحلة واحدة فهذا يمنع الكثير من المهاترات والمشاكل المادية والانتاجية لنا. لكن نعيب على المسئولين تجاهلنا تماما فإلى الان لم نلتق باى منهم للتنسيق فى هذه الخطوة المهمة والحيوية واكثر ما نخشاه هو القرار المفاجئ للنقل فقد لا يحمد عقباه.
اكد الحاج على عبدالمعطى عويضة: صاحب مدابغة على ان قرار نقل المدابغ هو قرار حكيم وكثيرا ما انتظرناه منذ اكثر من 15 عاما برغم من عدم مشاركتنا فى هذا القرار المصيرى الا اننا لا نمانع لما فيه مصلحة المهنة وخدمة العاملين بها وزيادة دخلهم وتحسين اوضاعهم المعيشية وعودة الريادة لصناعة ودباغة الجلود فى مصر.
واضاف عويضة ان هناك مشكلة يجب الانتباه اليها هى بعد المسافة بين مصر القديمة والروبيكى فهذا يتطلب مواصلات بتكلفة باهظة للعمالة التى هى اساس المهنة وليست الآلات ونحن نعلم ان الحكومة قد قامت بتوفير سكان لهم ولكن هذا لا يكفى فهم مجتمع مصغر واسر تحتاج للرعاية الصحية ومدارس وتأمين وكل هذا يضيف اعباء اخرى على اصحاب المدابغ لا نستطيع ان نفى بها.. بجانب شراكة المستثمار الاجنبى الايطالى او الاماراتى فى بعض الورش والمدابغ المتبقية يجب اولا تدريب العمالة على الالات المتطورة ومواكبة المهنة حتى تتزن المنافسة وتصبح عادلة.
اشار خليل المهدى صاحب ورشة.. إلى تأييده الكامل لقرار النقل ومع تطور سور مجرى العيون التاريخى وانه يتعجب حينما يرى الاعجاب والاهتمام من الاجانب بهذا الاثر الهام ونحن نهمله وتلك المنطقة الاثرية الشهادة على الكثير من الاحداث الهامة مع الفائدة التى سوف تعود على المهنة من حداثة ومنافسة وغزو الجلد المصرى الاسواق العالمية كما كان وانه مطمئن لقرار الحكومة فى تعويضنا التعويض العادل عن تلك الورش.
لكن سوف تواجهنا صعوبة فى عملية نقل الماكينات الخاصة بالدباغة والتصنيع، فبعض الماكينات ربما تتعرض للتدمير عند نقلها لأنها عبارة عن براميل خشبية كبيرة يوضع فيها الجلد الخام وتحتوى على مواد كيماوية للدباغة
ولذلك نطالب بضرورة مساهمة المحافظة فى عملية النقل
مخاوف مشروعة
اعرب صلاح خلف الله: صاحب مدابغه عن شعوره ببعض المخاوف خاصة بقرار النقل من عدم استكمال جميع المرافق الخاصة بمنطقة الروبيكى الصناعية إلى الان وان تتم عملية النقل سريعا ويصبح الامر واقعا مفروضا علينا ما يعود بالضرر على المهنة والعاملين بها بالإضافة إلى عدم توجيه الدعوى لنا حتى الان لزيارة المنطقة والمعيشة على ارض الواقع لتوفيق اوضاعنا حسبما نرأى وهذه نقطة فى غاية الاهمية بجانب ضرورة وجود المهن والصناعة المكملة للدباغة مثلا لا غنى عن وجود العربات (الكارو) فى هذه المهنة فى عملية نقل الجلود من ورشة إلى اخرى لا استكمال مراحل الدباغة لا ان جميع الورش لا يوجد بها كافة المكينات لمراحل الدباغة والجميع يعلم ذلك بجانب ورش صناعة (الجلاتين) وهى صناعة تكميلية ولا نعلم هل لها ورش ام لا؟ لكنى على ثقة فى انه لا احد يتخاذل فى تنفيذ قرار الرئيس ووعده لنا بالنقل الامن.
اكد محمد حربى رئيس مجلس ادارة غرفة دباغة الجلود ان “مدينة الجلود بالروبيكى” ستعد اولى المدن الصناعية المتخصصة بالشرق الاوسط وتكلفتها ما يقرب من 3 مليارات جنيه.. وستكون مزودة بكافة الخدمات التى تهم صناع الجلود او المستهلكين وحول مشاكل صناعة الجلود فى مصر.
اضاف: هناك 3 مشاكل رئيسية وهى تتمثل فى انقطاع الكهرباء والمياه عن الورش وتجاوزات المنطقة الحرة والخاصة التى غالبا لا تدفع ضرائب وتؤثر على الصناعة المحلية.. اما المشكلة الثالثة فتتمثل فى المنتج الصينى الذى ضرب المنتج المحلى تماما بسبب رخص اسعاره وجودته ضعيفة لا يتحمل كالمنتج المصرى.. وان الكارثة الكبرى اننا نصدر الجلود خاما ثم نعود لاستيرادها بأسعار باهظة.
الروبيكى فى سطور
إنشاء مدينة صناعية متكاملة متطورة متخصصة فى دباغة الجلود وصناعتها بالروبيكى كمدينة جاذبة للصناعة الوطنية من خلال تشجيع انتقال المدابغ القائمة بمنطقة مجرى العيون إلى المدينة الجديدة لتطوير القطاع وزيادة القيمة المضافة للمنتج المصرى على مساحة اجمالية نحو 1629 فدانا.
أهم مرجعيات المشروع
مشروع الروبيكى يعتبر من المشروعات القومية التى سوف تعود على الدولة والمجتمع بفوائد متعددة، ويرجع موضوع نقل المدابغ من مصر القديمة إلى عام 1995، حيث أصدر محافظ القاهرة القرار رقم 161 لسنة 1995 بتغيير استعمال الموقع شمال مدينة بدر من استصلاح واستزراع الأراضى إلى منطقة صناعية وتخصيصها لنقل المدابغ ومصانع الغراء بمصر القديمة إليها وبتاريخ 10/5/2003 أصدرت اللجنة الوزارية الخاصة بنقل المدابغ المنعقدة برئاسة رئيس مجلس الوزراء القرارات التالية:
1:التأكيد على نقل المدابغ من مصر القديمة إلى منطقة الروبيكى بمدينة بدر
2:الاستفادة من مبلغ 158 مليون جنيه الذى نتج عن مبادلة الدين الإيطالى وتحويله إلى منحه فى تمويل أعمال البنية الأساسية والمرافق الخارجية ومحطات المعالجة للمشروع
3:تعتبر محافظة القاهرة هى الطرف المستفيد من هذا المشروع، وتعتبر وزارة الصناعة هى الجهة المنفذة
تمول المحافظة نصف ثمن الارض المقامة عليها المدابغ حالياً بعد إعادة تخطيطها لحساب المشروع بوزارة الصناعة والتنمية التكنولوجية وعلى ان يكون التمويل من المنحة الإيطالية ومن مصادر اخرى.
الهدف من المشروع
- من الناحية الفنية:
تطوير قطاع دباغة الجلود من خلال:
- زيادة الإنتاج من 125 مليون قدم2 نصف مشطب إلى 350 مليون قدم2 كامل التشطيب/ سنويا
وزيادة القيمة المضافة باستكمال مراحل التشطيب خاصة أن 85% من الصادرات الحالية للجلود غير المشطبة.
2:ارتفاع معدل النمو الصناعى بقطاع الجلود ليصل إلى 10% سنويا.
وخلق 25000 فرصة عمل مباشرة جديدة باستكمال مراحل المشروع.
3:زيادة الاستثمارات الصناعية إلى 5,766 مليار جنيه (تشييدات + معدات).
4:مضاعفة الصادرات الصناعية (من 100 مليون دولار إلى 350 مليون دولار) سنوياً.
5:رفع الإنتاجية من 60 قدم2 / عامل/ يوم إلى المعدل العالمى 250قدم2/ عامل/ يوم.
- من الناحية الاجتماعية
1:تحسين ظروف وبيئة العمل
2:رفع مستوى دخول العاملين
حماية العاملين فى هذا القطاع عن طريق توفير بيئة عمل صحية
من الناحية البيئية:
إزالة التلوث الناتج عن عمليات الدباغة حيث لا يوجد محطة معالجة لمياه الصرف الصناعى فى منطقة مصر القديمة.
وزير الصناعة
فى تصريحات للمهندس طارق قابيل، وزير الصناعة، اشار إلى: منطقة الروبيكى الجديدة، سيكون بها صرف صناعى على أعلى مستوى.
وأضاف قابيل، انه سيتم توفير 1000 وحدة سكنية من الإسكان الاجتماعى بمدينة بدر للعمال بمدينة الروبيكى، لافتا إلى أن المشروع سينفذ خلال هذا العام 2016 بعد 15 عاما من عدم التنفيذ، موضحا أنه سيكون هناك ورش تطويرية، وأنه سيتم العمل حاليا على الصورة النهائية لكافة التعويضات. المستحقة لاصحاب المدباغ والورش.