«السوق العربية» ترصد حياة «الفواعلية»: عــائــد مــن ليبيــا ويــعمــل فــواعــلى: نعيش أياما بالديون
رحل نظام وجاء آخر وقامت ثورات وتشكلت حكومات، كل ذلك يحدث ولايزال هناك شخص لا يعنيه من حياته سوى يومية بـ60 جنيها قوت يومه ولأبنائه، هذا هو "الفواعلى" الذى يعيش عالم يخشى فيه دقات الساعة التى تنذر بقدوم يوم جديد بقوت جديد، ينتظر على الرصيف هو وعدد من زملائه، فى انتظار من يطلب عاملا لتكسير حمام، أو إزالة أنقاض، أو غيرها من الأعمال الشاقة.
وتجولت "السوق العربية" نحو هؤلاء "الفواعلية" فى أحد مواقعهم فى منطقة "نصر الدين" فى حى الهرم فى الجيزة وكان لنا هذه الأحاديث معهم.
"طلعت طه" حاصل على دبلوم صناعى منذ عام 1985 سرد من رصيف "نصر الدين" حيث تجمع العشرات من الفواعليلة لـ"السوق العربية" المأساة التى يعيشها "الفواعلى" قائلاً: "أنا عايش حياتى بالمديونية، وجاى من أسيوط للقاهرة علشان ألاقى يومية بـ70 جنيها ليا ولعيالى، لدى 5 أبناء منهم بنتان ومهنتى هى النحت وتكسير الخرسانة، ولا أملك من حطام الدنيا شىء سوى المهنة وأبنائى.
وأضاف طه، كل يوم أخرج من مقر سكنى الذى أجرته مع 5 فى المرج إلى منطقة نصر الدين فى الهرم، لأقف فى طابور علشان يختارونى من بين العشرات اللى واقفين هنا زى حالاتى واللى بيقلب فينا شخص يمكن فى سن أولادى".
ويستكمل طه، أن هناك الكثير، من طائفة المعمار كلها فواعلية وكل العاملين بها "متغربين" من المحافظات خاصة محافظات المنيا والفيوم وبنى سويف، يأتون إلى العاصمة تاركين ذويهم أو "هاربين منهم".
ويضيف طه "مراتى وعيالى عايشين فى البلد، لأنى لو جبتهم معايا هيبقوا عايزين أكل وشرب القاهرة وهنحتاج شقة بـ400 جنيه فى الشهر نبات فيها، أنا كده لوحدى خفيف".
ويقول حسن عبدالتواب إبراهيم، الشاب الثلاثينى، العائد من ليبيا عقب اندلاع الاشتباكات بين الفصائل الليبية العام الماضى: "لم أجد سوى هذه المهنة حتى أصرف على نفسى وعلى أبنائى، لكننى اكتشفت أنها لا تختلف عما رأيته فى ليبيا والفرق أن هناك الموت بالنيران أما هنا موت بالمهانة والفقر حيث نجد أحيانا من يقدم لنا "وجبة" رأفة لحالنا الميؤوس.
حسن كان أحد الجالسين على رصيف نصر الدين فى شارع الهرم، فى شارع ترعة الزمر، والذى يأتى كل صباح فى السادسة صباحا ليجلس بين زملائه ممسكا بأدواته أو عدته التى تمثل رأس ماله والتى يتجاوز وزنها عشرين كيلوجراما والتى تتكون من "شاكوش ومطرقة أو مرزبة وعدة تكسير ومسامير".
لا يعرف حسن التواب سوى الانتظار، فهو شىء قد يخيب أمله ولا يحدث بعده شىء، يظل على أمل أن يأتى زبون ويختاره من الناس التى تقضى رحلة تطول أو تقصر حتى يصل إلى مكان العمل أو "الموقع" كما يطلقون عليه، ليكون مطلوبا منه أن يكسر حائطا هنا أو ان يفتح مكانا لماسورة هناك أو أن يزين سورا على باب عمارة.
ويكشف حسن لـ"السوق العربية" "كل يوم من الساعة 6 نتقابل كلنا ونوزع نفسنا على أماكن متفرقة حتى لا يتعب الزبون أنه يلاقينا، ونفضل قاعدين حتى العصر، منعملش حاجة غير نستنى زبون قد يأتى أو لا يأتى" ويتوقف حسن عن الحديث قائلا: "والله العظيم ما ف جيبى إلا 10 جنيه" محاولا استعادة شىء تائه ليقول فى أسى "احنا يوم بنشتغل وعشرة لأ" ويقول مقسما بكل الأيمان "أول امبارح مشيت من غير ما ييجى ولا زبون، ملقيتش قدامى غير انى اشترى بجنيه عيش رحت البيت خمرناه وأكلناه بملح".
وعندما يأتى الزبون، يقول حسن "ننشعر وكأنه طوق النجاة لحالنا ويشرح لنا الشغلانة عايزة ايه، اذا كانت تكسير حائط أو شغل محارة أو مجرد حمل الطوب وتوصيله للأدوار العليا أو تركيب سلم، وكل شغلانة بفلوسها ولكن أعلى مبلغ هو 70 جنيها لكل فرد والزبون يتحكم فينا، يعنى الشغلانة أم 100 نعملها بـ 70 وطبعا منقدرش نقول لأ، لأننا ما بنصدق زبون يأتى لنا".
ويؤكد تعرضه للنصب من قبل الزبائن موضحا "نتفق مع الزبون على مبلغ معين وعندما ننتهى من العمل نجده يكلفنا بأعمال أخرى غير المتفق عليها ولا يحاسبنا على شقانا فيها".
وهنا يقاطعه زميله علاء ليقول "كل يوم على ده الحال وزهقنا مناشدا مسئولى الدولة بمقوله "اسرقوا الدولة بس خلونا ناكل عيش".
وأضاف علاء حسن صاحب الـ25 عاما، ليت أيام مبارك تعود فكان العمل متاحا لنا يوميا ولا نجلس سوى 5 ساعات ويأتينا الرزق أما منذ ثورة 25 يناير ونحن تشردنا فى البلاد كما ترانا الآن".
ويعود حسن ليستكمل قصة معاناته قائلا: "كنت أعمل فى ليبيا وعدت منها بعد اشتعال الأزمة هناك فى إبريل 2014 وكنت ذاهبا لهناك بعقد من وزارة القوى العاملة المصرية، وحينما عدت بعد خسارة 21 ألف جنيه حيث سرقت منى أموال وأدوات العمل من لصوص ليبيون طالبت الوزارة بتعويض لكن الإجابة كانت "فوتو علينا بكرة".
وفى الختام، لخص حال هذه المهنة، الشيخ إمام بأغنيته: "دخلت حارة.. من جوه حارة.. وف كل حارة.. عليت عمارة.. وسط المعاول.. بنا ومناول.. بس المجاول.. كلنى بشطارة.. ولا خلا صرة.. ولا لحمة حرة.. والعيشة مرة آخر مرارة".