التأمين الصحى فى غيبوبة ومستشفيات القاهرة رحلة عذاب للمرضى
الأطباء اختفوا تماما والجراحات مؤجلة.. وقوائم الانتظار تصل لعامين
خمسون عاما هى عمر التأمين الصحى، تلك التجربة الرائدة فى حياة المصريين التى بدأت عام 1964 بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر لتوفير الرعاية الصحية المجانية لأكثر من 140 ألف مواطن معدم فى ذلك الوقت وعندما نجحت التجربة التى قادها مستشفى جمال عبدالناصر بالإسكندرية قرر الرئيس أن تضم العاملين بالحكومة والقطاعين العام والخاص مقابل نسبة اشتراك لا تتعدى 1٪ من الأجر الشهرى على أن تتحمل الحكومة أو صاحب العمل النسبة الباقية وهى 3٪ وكان المصرى يحصل على خدمة صحية متميزة طوال فترة الستينيات وحتى منتصف السبعينيات حين بدأت المشروعات الاستثمارية والتى سحبت الخبرات المتميزة من مستشفيات التأمين الصحى الحكومية والجامعية فبدأت تلك المستشفيات تعانى تدريجيا من نقص الخبرات والميزانيات نتيجة دخول مصر مرحلة اقتصاديات السوق المفتوح الذى ترتب عليها تقليل دعم الخدمات المقدمة للمواطن بشكل عام وجاءت الضربة القاصمة لمنظومة التأمين الصحى عام 1992 حينما قررت الدولة تطبيق النظام على الطفل منذ ولادته وحتى انتهاء دراسته بالمرحلة الثانوية، فانضم للتأمين 20 مليون منتفع جديد ولم تزد الميزانيات بنفس القدر وزادت الأعباء بزيادة عدد السكان، بعد ذلك وبالتالى العاملين بالدولة المؤمن عليهم فارتفع العدد إلى 54 مليونا وظلت الميزانية لا تتزحزح عن 6 مليارات جنيه فأصبح نصيب كل منتفع 100 جنيه فقط ومع ارتفاع تكلفة العلاج عالميا انهارت المنظومة تماما وتحولت المستشفيات ومراكز التأمين الصحى فى القاهرة والمحافظات لسلخانات للمرضى ورحلة معاناة لمن لا يملكون البديل، اختفى الأطباء والأساتذة وتحول التمريض لحالة من الإهمال لحد الجريمة، نقصت الأدوية وتعطلت الأجهزة وزادت نسب الأمراض المزمنة كالقلب والكبد والسرطان والفشل الكلوى، وكان طبيعيا أن تطال يد الإهمال المستشفيات الجامعية حائط الصد الأخير لمرضى التأمين الصحى للحصول على الخدمة المتخصصة للأمراض المزمنة والخطيرة، خبراء التأمين الصحى أكدوا أن المنظومة بشكلها الحالى غير قابلة للاستمرار فهى لا تقدم خدمة حقيقية وقد تم إصلاح ما أصابها من عوار فى قانون جديد للتأمين الصحى الشامل معطلا منذ عشرين عاما فى انتظار التمويل الذى يمكن توفيره عبر بعض الإجراءات منها زيادة نسب الاشتراك مقابل تحسين الخدمة ورفع الضرائب على السجائر والخمور وضم ميزانية العلاج على نفقة الدولة لمنظومة التأمين الصحى.
رغم مرور سنين طويلة على إنشاء التأمين الصحى مازالت الفوضى تسيطر على مستشفيات القاهرة بسبب الإهمال المزمن وتدنى الخدمات وغياب الرقابة ودائما المسئولون يعلقون ذلك على شماعة نقص الإمكانات وزيادة أعداد المشتركين مقارنة بميزانية الهيئة، تجولت عدسة جريدة «السوق العربية المشتركة» وسط مستشفيات التأمين الصحى لرصد مظاهر الإهمال والمهانة التى يعيشها المرضى لنضعها أمام المسئولين أو لمن يهمه الأمر فى محاولة للإصلاح.
أمينة مصطفى: مستشفى صيدناوى بشارع الجمهورية نموذج سيئ للغاية للتردى وغياب المتابعة وسوء المعاملة للمرضى، فالأطباء لا يلتزمون بالمواعيد المقررة ويجلس المرضى من كبار السن وأصحاب المعاشات منذ السادسة صباحا انتظارا لوصول الأطباء حتى الثانية ظهرا، أما عن سوء العيادات المختلفة كالأورام والباطنة والكبد فحدث ولا حرج، فالتلوث يعج بأرجاء المكان، مؤكدة أن القائمين على العيادات يجبرون المرضى على دفع تذكرة ورسم دمغة إجبارى حتى فى حالات صرف العلاج إضافة إلى دفع الإكراميات لتسهيل الدخول وعدم الانتظار للدور المحدد.
ويضيف رشاد كامل بالمعاش التأمين الصحى يستهين بصحة المرضى، فعيادة المخ والأعصاب بمستشفى التأمين الصحى بوسط البلد يأتى بها أطباء ويعتذرون طوال الأسبوع، كذلك عيادة العظام ويجبرون المواطنين على صرف الأدوية البديلة بعد انتظار لساعات أمام الصيدليات للصرف والتى يديرها مجموعة من الشباب والفتيات وغير مؤهلين ويقومون بصرف الأدوية بالخطأ بالإضافة إلى عدم مقدرتهم على التعامل مع المرضى الذين يتعرضون للذل والإهانة خاصة كبار السن الذين ينتظرون يوميا حتى الرابعة والخامسة مساء.
فى مستشفى الجمهورية يشكو سمير يوسف قلدس من كبار السن ومرضى السكر من عدم وجود حمامات نظيفة يستعملها المرضى، فالتلوث والقذارة وعدم النظافة أسلوب فى التعامل مع المرضى وقد قام العاملون بنزع صنابير المياه حتى لا تسرق وبالتالى لا توجد مياه فى الحمامات غير عابئين بمرضى السكر ومعاناتهم.
وتؤكد مبروكة عبدالماجد على المعاش وتأتى لصرف علاجها فى التأمين الصحى مجزرة المرضى وطريقة للموت السريع وتضيف: جميع الموظفين والعاملين والأطباء لا يلتزمون بمواعيد العمل لعدم وجود رقابة كافية عليهم بجانب سوء المعاملة التى يلاقيها المرضى وكبار السن، أما عن سرق الأدوية فحدث ولا حرج، حيث شهد المستشفى حادث سرقة الأدوية المستوردة حيث قام ممرض بحقن المريض بمحلول يصرف مع الكيماوى دون المادة الفعالة التى يصل ثمن الإبرة لألفى جنيه وقد قامت الإدارة بفصل الممرض بعد معرفة السرقة بسنوات.
وتقول أم جابر: أعانى من مرض السرطان وتجولت بين عيادات التأمين الصحى لإجراء جراحة بالصدر دون جدوى فعيادة شبرد بشبرا قررت تأجيل العملية وعيادة الجمهورية وناصر وضعونى على قائمة الانتظار وأجريت العملية بأحد المستشفيات الخاصة ونصحنى بإجراء العملية فى هذا المكان لقصور النظافة والتعقيم فى مستشفيات التأمين وأحضر لصرف العلاج فقط ويصرف أحيانا البديل واضطر للشراء من الصيدليات الخارجية لعدم وجود البديل.
وتؤكد صفاء خالد أن زوجها لقى حتفه داخل مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر بسبب الإهمال وسوء التصرف من الأطباء فقد كان يعانى من جلطة بالساق ولم يتواجد الجراح فى ذلك اليوم وانتظر لليوم الثانى وكانت الجلطة قد أدت لمضاعفات وقصور شديد فتوفى بالمستشفى قبل العملية لعدم إعطائه مذيبات للجلطة.
وتروى رحمة دياب قصتها مع الإهمال والاستهتار بأرواح المواطنين بالتأمين الصحى موضحة موت زوجة أخيها بمستشفى التأمين بمدينة نصر أثناء ولادة قيصرية دون أسباب.
ويصف عبدالرحمن حسن التأمين الصحى بأنه سلخانة للمرضى قائلا: توفيت أمى لعجز الأطباء عن إجراء جراحة لورم سرطانى بالظهر ونصحوها بانتظار الموت بالمنزل دون أن يصرف لها علاج.
محمد عبدالشافى موظف يقول عن مأساة نجله داخل مستشفى التأمين الصحى بالبعوث: ابنى البالغ من العمر سنتين مصاب ببلغم على الصدر وقرر الأطباء إجراء عملية شق حنجرة لشفط البلغم وقال الطبيب الذى أجرى الكشف أن الجراحة لن تستغرق ساعة ولم يتردد الأب فى القرار لعلمه أن أطباء المستشفى من الأساتذة ولم يتصور أن ابنه الوحيد سيصاب بضمور فى خلايا المخ بسبب خطأ وتقدم بالعديد من الشكاوى دون جدوى.
أما المستشفيات الجامعية التعليمية التى يجب أن تقدم الخدمة المتخصصة لمرضى التأمين الصحى والتى يصل عددها لـ88 مستشفى فأصابها الإهمال العمدى لتسليط سيف الخصخصة على رقبتها ليصبح واقعها مخيفا بعد أن كانت حائط الصد الأخير أمام المرضى للحصول على خدمة طبية وصحية متطورة والخطأ مشهد متكرر أعطال أجهزة الأشعة وماكينات الغسيل الكلوى أزمة تواجه المرضى يوميا.
تقول نجلاء عبدالحميد حضرت بوالدى فى منتصف الليل لمركز الغسيل الكلوى بقصر العينى لإجراء جلسة غسيل كلوى بسبب ارتفاع السكر فى الدم ونسبة الكرياتين وفوجئت بمركز الكلى يرفض إجراء الغسيل قبل استيفاء الأوراق اللازمة وذقنا الأمرين لإجراء جلسة واحدة.
وتصرخ نجلاء فاروق من الإهمال بالمستشفيات الجامعية وبالأخص مستشفى الدمرداش فقد دخلت لإجراء جراحة استئصال مرارة وقام الطبيب بقطع القناة المرارية أثناء الجراحة وشعرت الأسرة بحركة غريبة بعد الجراحة وظلت المريضة 20 يوما بالمستشفى وفوجئنا أنها لم تجر المرارة وتم خياطة القطع بالقناة المرارية.
وتضيف أميمة مصطفى أعالج ابنتى بمعهد الأورام من سرطان بالدم وحضرت بها السادسة صباحا حتى استطيع أخذ الجلسة سريعا وأكون فى أول الطابور وأعود إلى بيتى سريعا لكن للأسف أجلس للثانية لتتلقى ابنتى جلسة الكيماوى الزرقا التى تؤخذ للحالات الخطرة وعند سؤالى يفيدوننى أن الكيماوى الأزرق غير موجود وسيتم جمع تبرعات لشرائه من الخارج لعدم وجود جرعات بالمعهد.
ويستغيث سامى محمد قائلا حضرت إلى المستشفى قصر العينى فى حادث وأنا مريض بالسكر وتم وضعى على قائمة الانتظار بمعنى الوسطة والمحسوبة كان لها الأسبقية فى دخول غرفة العمليات لأنى انتظرت أكثر من 21 يوما حتى يتم إدخالى غرفة العمليات عن طريق الواسطة والمحسوبية.
ويقول حسين سعد حضرت بزوجتى لمستشفى قصر العينى لإجراء جراحة فتق سرى بالبطن وشعرنا بالضيق من التلوث وانعدام النظافة بالمستشفى فالحمامات لا تطهر إلا بالماء دون المنظفات المعتادة عليها ولا نجد خدمة إلا بإكرامية بالرغم أن الفرنساوى مستشفى خمس نجوم.
تعانى سارة أبوالفتوح من سوء الخدمة والإهمال بمعهد الأورام التعليمى بفم الخليج قائلة: الطرقات مليئة بمخالفات المرضى من الشاش والقطن المختلط بالدماء والغريب أن الحمامات منعدمة النظافة ولا يقف الأمر عند ذلك بل الكارثة أن جميع صنابير المياه بالحمامات غير صالحة للاستعمال والأدهى من ذلك مما يؤدى لنقل العدوى خاصة أن هناك مرضى سرطان وفيروس C كما يتعرض جميع المرضى لأسوأ معاملة من التمريض.
ويقول محمد.ص أعانى من غضروف فى العمود الفقرى وتوجهت إلى قصر العينى لعمل عملية الغضروف وتمت العملية بعد رحلة معاناة شديدة وبعد الإكرامية وفى الآخر تم وضعى على الأرض وأنا فى أشد المعاناة بعد العملية وعندما تحدثت إلى الأطباء والممرضين قالوا سنكتب لك على خروج إذا تحدثت كثيرا.
ويصرخ أحمد عاشور من الإهمال بالمستشفيات الجامعية مركز الطب النووى بقصر العينى قائلا: حضرت لإجراء علاج إشعاعى على الكبد لإصابتى بسرطان الكبد وبعد عذاب فى إنهاء أوراق علاجى فوجئت بعطل جهاز التخطيط الذى يقوم بإجراء التخطيط على مكان تلقى الإشعاع المصاب بالخلايا السرطانية وأن الجهاز سيتم إصلاحه بعد شهر وأنا لا استطيع تحمل آلام المرض ما اضطرنى للاقتراض لعمل التخطيط بمركز خاص من الخارج بمبلغ 1100 جنيه.