«شروق» يضع مصر على خريطة الأمل ويمنح قبلة الحياة لصناعات تعانى نقص الطاقة
مصر تسجل أكبر كشف للغاز الطبيعى فى تاريخها
"شروق".. ليس مجرد اكتشاف لحقل غاز، بل يمثل مخزونًا هائلاً وعملاقًا من الغاز الطبيعى أسفل مياه البحر المتوسط، يدفع بمصر إلى تحقيق الاستقلال فى مجال الطاقة بعد عدة سنوات عجاف تراجعت خلالها احتياطيات البلاد من النفط الخام والغاز الطبيعى إلى مستويات ضعيفة، وهو ما يعمل على تخفف الضغوط السياسية التى كانت تتعرض لها الحكومات السابقة، بسبب الزيادة الهائلة فى معدلات استهلاك الغاز الطبيعى ومسألة رفع الدعم من عدمه، كما يرفع عن كاهل الحكومة مسألة توفير مليارات الدولارات لاستيراد المحروقات، بالإضافة إلى توقعات خبراء الاقتصاد بأن "شروق" يمكن أن يكون له انعكاسات على البحر المتوسط وباقى أوروبا، من خلال الإمداد الجديد المحتمل، والذى يقلل من اعتماد أوروبا على الغاز القادم من روسيا إذا ما تم بناء خط أنابيب.
شروق جديد للمصريين
فى تقرير سلمته شركة "إينى" الإيطالية للمهندس شريف إسماعيل، وزير البترول والثروة المعدنية، أوضحت الشركة خلاله عن تحقيق أكبر كشف للغاز الطبيعى فى المياه العميقة بالبحر المتوسط فى منطقة امتياز شروق بالمياه الاقتصادية المصرية، والمسمى بـ"شروق"، التى تم توقيع الاتفاقية البترولية الخاصة بها فى يناير 2014 مع وزارة البترول والشركة القابضة للغازات "إيجاس" بعد فوزها بالمنطقة فى المزايدة العالمية التى طرحتها مصر.
وحول نتائج الكشف الجديد، أوضحت المعلومات السيزمية والبيانات أنه يتضمن احتياطيات أصلية تقدر بحوالى 30 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعى- تعادل حوالى 5,5 مليار برميل مكافئ- ويغطى مساحة تصل إلى 100 كيلومتر مربع، وبذلك يصبح الكشف الغازى "شروق" أكبر كشف يتحقق فى مصر وفى مياه البحر المتوسط، وقد يصبح من أكبر الاكتشافات الغازية على مستوى العالم.
من أهم الأحداث التى مرت بها مصر فى الفترة الأخيرة.. بهذه الكلمات عبر حسام عرفات، رئيس شعبة المواد البترولية، عن رأيه بشأن اكتشاف حقل الغاز الجديد فى البحر المتوسط، مشيرًا إلى أنه شروق جديد للمصريين؛ حيث يعد مصدرًا كبيرًا للتفاؤل بالخير والأمل فى مستقبل راق وقوى اقتصاديًا وصناعيًا، لافتًا إلى أن الحقل سيساهم فى تحقيق طفرة بترولية كبيرة لمصر لأن معدل إنتاجه خرافى، وألمح إلى أن المدة الزمنية التى تحتاجها شركة "إينى" الإيطالية لخروج حقل الغاز ومنتجاته للنور هى 4 سنوات، أملاً فى التخطيط الجيد ووضع خطة قوية من أجل الاستفادة المثلى من حقل الغاز الجديد، ومعرفة الاحتياجات وعوامل الضعف والقوة والأماكن التى تحتاج ضخ الغاز وما الوسيلة الناجحة من أجل الاستفادة من المتبقى منه.
"شروق" فى أرقام
تم حفر الكشف الجديد فى عمق مياه 1450 مترا ووصل إلى عمق 4131 مترا ليخترق طبقة حاملة بالهيدروكربونات بسمك حوالى 2000 قدم (تعادل 630 مترا) من صخور الحجر الجيرى من عصر الميوسين، كما يتضمن تركيب الكشف طبقة أعمق واعدة من العصر الكريتاوى وسوف يتم حفر بئر أخرى فيما بعد للوصول إلى هذه الطبقة، وستقوم شركة "إينى" باستكمال أنشطة الحفر أوائل العام القادم بحفر 3 آبار لسرعة تنمية الكشف على مراحل بالاستفادة من البنية الأساسية المتاحة، ومن المخطط أن تستغرق عمليات تنمية الكشف حوالى 4 سنوات ليسهم بشكل كبير فى تلبية احتياجات الاستهلاك المحلى من الغاز الطبيعي؛ حيث إن الشركة تدرس حاليًا عدة بدائل من أجل ضغط البرنامج الزمنى لتنمية الكشف ليكون فى فترة زمنية أقل من المعلنة.
مستقبل استثمارى مشرق
قال المهندس شريف إسماعيل، وزير البترول والثروة المعدنية، إن هذا الكشف هو إحدى النتائج الإيجابية للاتفاقيات البترولية التى تم توقيعها خلال العامين والنصف العام الماضيين، والتى بلغت 56 اتفاقية باستثمارات حدها الأدنى أكثر من 13 مليار دولار وحفر 254 بئرًا بحد أدنى بالإضافة إلى 21 اتفاقية جديدة وتعديل فى المراحل النهائية للإصدار، مضيفًا أن الكشف يفتح آفاقًا جديدة لاكتشافات أخرى، ويؤكد أن منطقة البحر المتوسط بمصر من أهم الأحواض الترسيبية الحاملة للغاز الطبيعى على المستوى العالمى، ويؤكد أيضا أن مصر دولة واعدة، ويسهم الكشف الذى تحقق فى جذب المزيد من الاستثمارات لتكثيف عمليات البحث والاستكشاف لدعم الاحتياطيات وزيادة معدلات الإنتاج التى توليها وزارة البترول أهمية أولى فى أطار هدفها الاستراتيجى لتأمين احتياجات البلاد من المنتجات البترولية والغاز الطبيعى.
مكاسب اقتصادية مضيئة
أوضح الدكتور إبراهيم زهران، الخبير البترولى، أن الكميات المكتشفة التى تم الإعلان عنها رسميًا تعد نصف الاحتياطى المصرى من الغاز الطبيعى ستوفر عائدًا للخزانة العامة للدولة بقيمة 100 مليار دولار، مضيفًا أن هذا الكشف يساوى عشرة أضعاف قيمة قناة السويس الجديدة التى تم حفرها بسواعد المصريين، وتم افتتاحها مطلع أغسطس الماضى؛ حيث إن ذلك الاكتشاف سينقل مصر إلى مراحل اقتصادية أكبر داخليًا وخارجيًا.
وتابع "زهران" أن الدعم المصرى- القبرصى- اليونانى، كان نتاجا للاكتشاف المعلن عنه بالمنطقة الاقتصادية؛ حيث إن الاتفاقات السابقة بين الحكومة المصرية والشركة الإيطالية تفيد بأن المخطط القادم سيكون هناك التزام بين الطرفين للعمل على تطوير حقول الغاز وزيادتها بمنطقة "شروق"، بجانب خطط لتسييل ومد الغاز بسرعة بما يعزز الاستثمارات الأجنبية لمصر خلال الفترة القادمة، لافتًا إلى أن الحقل المكتشف له أبعاد ايجابية، لاسيما فيما يتعلق باحتياج الشارع المصرى من الغاز الطبيعى وتقليل الاعتماد البترولية من الخارج والتى تشكل ضغوطا على الميزانية العامة للدولة والعملة الأجنبية أيضا لارتفاع تكلفة الاستيراد.
توقع خالد عبدالبديع، رئيس الشركة القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، أن يبلغ إجمالى استثمارات "إينى" التى ستضخها فى حقل الغاز "شروق" نحو 7 مليارات دولار، موضحًا أن الاستثمارات المبدئية فى تطوير الكشف الغازى الضخم فى المياه المصرية تبلغ نحو 3.5 مليار دولار ومع اكتمال عملية التنمية بالكامل للحقل ستزيد الاستثمارات إلى 7 مليارات دولار؛ حيث سيتم حفر 20 بئر إنتاج فى الحقل على مدار 3 سنوات.
من جهته، أوضح الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن نقص المواد البترولية من الأسواق يؤثر على الاستثمار الموجود على الأراضى بالفعل وخروجها من نطاق الدولة، حيث إن نقص الغاز الطبيعى على وجه الخصوص أثر بالسلب على قطاع صناعة الأسمدة الزراعية خصوصًا اليوريا، الأمر الذى أدى إلى زيادة سعر المنتج بنسبة 70%، لافتًا إلى أن توفير الغاز الطبيعى يعنى إعادة تشغيل أكثر من 18 مصنعًا لأسمدة فى مصر، بما يدعم فى النهاية القطاع الزراعى.. بالإضافة إلى توفير سلعة البوتاجاز وتقليل فاتورة الاستيراد من الخارج.
توفير الغاز يدعم البوتاجاز بالمناطق الحدودية المحرومة وتحديدًا فى سيناء ومطروح وغيرها، بهذا أوضح الدكتور رشاد عبده؛ حيث أفاد بأن ذلك يتحقق من خلال ربط شبكات الغاز المصرى فيها بكثرة، بالإضافة إلى دعم صناعة البتروكيماويات كالأدوية وصناعة الهياكل البلاستيكية والسيارات والكابلات الكهربائية والأدوات الصحية، معتبرا ان تلك الصناعات عانت كثيرًا من الكساد بسبب نقص المحروقات البترولية لاسيما الغاز الطبيعى.
توزيع حصة الحقل
كشف حمدى عبدالعزيز، المتحدث الرسمى باسم وزارة البترول والثروة المعدنية، عن أبرز بنود الاتفاق الذى وقعته الوزارة مع الشركة، بعد الكشف عن بئر "شروق" أكبر حقل غاز طبيعى بالبحر المتوسط فى منطقة امتياز مصرية؛ حيث أوضح أن بنود التعاقد بين الحكومة المصرية وشركة "إينى" الإيطالية تنص على استحواذ الشركة على 40% من إنتاج بئر حقل "شروق" مقابل قيمة الاستثمار فى البحث والتنقيب والدراسات والبحوث التى نجحت فى الكشف عن البئر، متوقعًا عملية استرداد قيمة استثمارات البحث والتنقيب لـ"إينى" فى فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات لتؤول نسبة الـ40% إلى مصر.
وقال المتحدث الرسمى باسم وزارة البترول والثروة المعدنية، إن توزيع نسبة الـ60% الباقية من الإنتاج بين الحكومة المصرية والشركة الإيطالية يتم بنسبة 65% لصالح الجانب المصرى و35% لصالح الشركة الإيطالية، لافتًا إلى استغراق مقاول الإنتاج– إينى الإيطالية- من 30 إلى 36 شهرًا للبدء فى عمليات الإنتاج الفعلى للغاز الطبيعى، إلا أن الشركة الإيطالية تكثف من جهودها لتقليص المدة المتوقعة والبدء فى الإنتاج فى أقل من ذلك، حسب قول المتحدث الرسمى باسم وزارة البترول والثروة المعدنية.
الشركة تتنازل
من جانبه، لفت كلاوديو ديسكالزى، الرئيس التنفيذى لشركة إينى الإيطالية، إلى أهمية الشراكة الاستراتيجية لمصر الممتدة طوال فترة عملها بمصر على مدى أكثر من 60 عامًا ويمثل إنتاجها حوالى 30% من إجمالى إنتاج مصر من الزيت الخام والغاز مشيرًا إلى أن الكشف الجديدة سيحقق تحولاً محوريًا فى سيناريو الطاقة فى مصر.
وعن حصة الشركة فى كمية الغاز المتوقع استخراجها من حقل "شروق"، قال الرئيس التنفيذى لشركة "إينى" إن الشركة من حقها بيع حصتها فى كشف الغاز الكبير الذى حققته فى مصر، لافتًا إلى أن بيع هذه الحصة يعد بابًا مفتوحًا لإعطاء قيمة ومتانة لميزانية "إينى" العمومية، مؤكدًا أن الشركة لن تقوم بهذا قائلا: "لن نفعل ذلك بالضرورة".
بدء العد التنازلى
لفت حمدى عبدالعزيز إلى أن الكشف الجديد سيدخل حيز الإنتاج بعد 4 سنوات من الآن، فى مطلع عام 2020، ما يغنى مصر طيلة سنوات ويلبى احتياجاتها فى كافة القطاعات، مضيفًا أن وضع الفرص الاستثمارية أمام الشركات الأجنبية والتزام وزارة البترول دائمًا بدفع مستحقاتها، كان له أثر إيجابى فى خلق الطمأنينة والثقة بالتنقيب والبحث فى المياه العميقة، ودلتا النيل بالبحر المتوسط.
حقول إسرائيل فى مهب الريح
فور إعلان مصر عن الكشف، خرجت تقارير إعلامية إسرائيلية تشير إلى أن حقل الغاز الطبيعى الجديد سيؤدى إلى تحول دراماتيكى فى أسواق الطاقة بالشرق الأوسط، لاسيما لإسرائيل وتركيا، مؤكدة أنه خطوة إلى تقويض فرص تنمية حقل "ليفياثان" للغاز الطبيعى– أكبر حقول الغاز الطبيعى فى إسرائيل فى البحر الأبيض المتوسط- لأنه كان قائمًا بالفعل على تسويق إنتاجه إلى مصر بوصفها مستهلكا كبيرا للغاز الطبيعى.
وأشارت تلك التقارير إلى أن شركاء إسرائيل فى حقل غاز "تامار" كانوا يأملون فى تصدير ربع إنتاج الحقل إلى مصر، لافته إلى أن حقل "تامارا" مملوك لـ"فينوسا جاز" الإسبانية، الذى تمتلك فيه "اينى" الإيطالية 40%، وسيؤدى اكتشاف الحقل الجديد للغاز الطبيعى فى مصر إلى تراجع تلك الآمال بشكل محبط.
"إينى" فى سطور
إينى أو الوكالة الوطنية للمحروقات هى شركة إيطالية عملاقة لاستكشاف واستخراج النفط لها وجود فى أكثر من 85 بلدا؛ حيث تأسست بعد الحرب العالمية الثانية لسد احتياجات دولة إيطاليا من النفط، وأصبحت الآن مجموعة نفطية من أكبر الشركات الأوروبية تضم عددا من الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويرى البعض أنه قد يكون سبب نمو الشركة بهذه السرعة يكمن فى استثمارها فى كل من الاتحاد السوفيتى سابقًا وأوروبا "الشيوعية" وليبيا وإيران خلال الحرب الباردة، كما أن الشركة تقوم أيضا بتصنيع وإنشاء منصات لاستخراج النفط والغاز من أعالى البحار.