«السوق العربية» تكشف بالأرقام كوارث تلوث المياه فى مصر.. وترصد رأى المواطنين ودور الحكومة فى الحفاظ على نهر النيل
بعد أزمة تسرب بقعة "المازوت" فى أسيوط
وقف على ضفاف النيل متعجبًا، كيف يجرى هذا النهر من أقاصى إفريقيا، ليشق صحراء مصر ويقسمها إلى شرقية وغربية، يتوسطها شريان يكون هبة الحياة لهذا البلد، شاهدًا على أقدم وأعرق الحضارات فى تاريخ البشرية.
كان هذا المشهد قبل ميلاد المسيح بنحو 500 عام، عندما وقف هيرودوت، المؤرخ الإغريقى، على ضفاف النيل، ليطلق كلمته الخالدة، التى ما زالت تتردد حتى الآن "مصر هبة النيل"، لكن المؤرخ الإغريقى، لم يتوقع أن يتحول النيل فى مصر إلى سلة نفايات، فبدلًا من أن يكون شريان الحياة فى مصر، أصبح أحد أسباب الموت، بعد حوادث التسمم والتلوث التى لحقت به.
إما مقطوعة أو ملوثة، تلك هى مشكلات مياه النيل فى مصر، خصوصًا خلال السنوات الأخيرة، والتى شهدت انقطاعًا غير مسبوقًا للمياه، أبرزها عندما انقطعت مياه الشرب بشبرا الخيمة لمدة 8 ساعات، للمرة الثالثة، فى أقل من أسبوع، دون التنبيه على المواطنين من جانب شركة المياه بوجود انقطاع للمياه من جانب آخر، وذلك فى ديسمبر عام 2013.
وغرق مركب يحمل 500 طن من الفوسفات فى مياه النيل، لايزال هو الحدث الأكثر خطورة، الذى حاصرته العديد من الشائعات التى نفاها المسئولون، حول تلوث مياه النيل وتسممها وعدم صلاحيتها للشرب، فيما تأتى حادثة غرق ناقلة نهرية فى منطقة أسوان جنوب مصر فى سبتمبر 2010، ما أدى إلى تسرب أكثر من مائة طن من زيت الغاز "الديزل أو السولار" النفطية وتهديد سلامة مياه الشرب فى المنطقة، كإحدى حلقات تلوث مياه النيل.
وفى أكتوبر 2012، اكتشف المواطنون والصيادون فى مدينة إدفو بمحافظة أسوان، ظهور بقعة زيت بطول 6 كيلو، بسبب مخلفات المصانع فى المنطقة، فيما أكد وزير الموارد المائية وقتها الدكتور محمد بهاء الدين، بعد أسبوع من ظهور البقعة أنه تم التخلص من بقعة الزيت، ولم يعثر على أى أثر للبقعة على امتداد مجرى النيل حتى مدينة إسنا، كما أن جميع محطات الشرب بمحافظة الأقصر تعمل بكامل طاقتها دون توقف.
العديد من المناطق فى القاهرة والمحافظات اعتادت على تكرار أزمة انقطاع المياه، وشهدت منطقة فيصل فى الجيزة انقطاعًا للمياه تجاوز الـ12 ساعة، فيما كانت أعمال الصيانة هى السبب فى انقطاع المياه عن مناطق "أحمد عصمت ومتفرعاته– شارع إبراهيم عبد الرازق ومتفرعاته– جنينة الشريف– ميدان الألف مسكن ومتفرعاته– شارع التقوى ومتفرعاته– شارع العشرين ومتفرعاته"، لأكثر من 14 ساعة فى يناير 2013.
ومحافظة الإسكندرية شهدت أزمة من قبل بسبب انقطاع المياه عن 7 مناطق، بعد توقف محطة شرب لتسرب الغاز بالترعة المغذية، وهى مناطق الزهور والنزهة ونادى الصيد والدخيلة والبيطاش والكيلو 21 حتى الكيلو 26 على الطريق الساحلى والطريق الصحراوى حتى الكيلو 34 صحراوى وشوارع أخرى من مناطق بالمحافظة.
وبالقرب من بحيرة ناصر فى محافظة أسوان، فى 7 أبريل عام 2013، ظهرت بقعة زيتية، من جهة السد العالى، فيما كشفت المعاينة الأولية أن المتسبب فيها أحد المراكب النيلية التى تعمل خلف السد العالى "إيزيس" وذلك أمام البانتون الخاص بخدمة قسم السد العالى.
ومنذ شهرين أعلنت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى انفجار فى أحد خطوط الغاز والبترول، التى تمر بعرض إحدى الترع المغذية لعدد 6 محطات لمياه الشرب التابعة لشركتى مياه الإسكندرية والبحيرة، ما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من المواد البترولية.
وأخيرا ما حدث الأسبوع الماضى، حيث شهدت محافظة أسيوط كارثة بيئية إثر تسرب بقعة "مازوت" إلى مياه نهر النيل من وحدة توليد الكهرباء بمحطة التوليد البخارية، بمنطقة "الحمراء"، ما أجبر شركة مياه الشرب على غلق 8 محطات، فضلا عن وجود 3 محطات تم إغلاقها قبلها بأيام، الأمر الذى أدى إلى انقطاع المياه عن مدن وقرى المحافظة بالكامل.
وأكد المهندس ياسر الدسوقى محافظ أسيوط، السيطرة على أزمة تسرب بقعة "المازوت" فى مياه نهر النيل، لافتا إلى أنه تم فتح محطات المياه التى تم إغلاقها بالمحافظة بالتناوب وفقا للعينات المأخوذة.
وقال الدسوقى، فى تصريح لـ"السوق العربية"، إنه تمت محاولات عديدة لاحتواء الأزمة، نتيجة طفح "مازوت" من محطة كهرباء، للحفاظ على سلامة المياه ومنع وصولها لأماكن أخرى، وتم ضخ مياه آبار مرشحة للمناطق التى تأذت من الإغلاق، بالإضافة إلى نشر عربات المياه فى أنحاء المحافظة.
وتابع: أن "منطقة "هيش" تقع بين محطة الكهرباء ومنطقة العبارات، وهى أكثر المناطق تضررا من البقع حيث تشبعت بنسبة كبيرة من الزيت"، مشيرًا إلى أن المحافظة احتوت الأمر بجلب صندل وأدوات أخرى لإزالة الجزء المتضرر وامتصاص الزيت.
بينما قالت الدكتورة كوثر حفنى رئيس الإدارة المركزية للأزمات والكوارث البيئية التابعة لوزارة البيئة، فى تصريحات صحفية: إن الوزارة شكلت لجنة من فرع أسيوط، لمعرفة أسباب ومصدر التلوث، واتخاذ الإجراءات اللازمة، من خلال إغلاق مآخذ المياه فى "منقبات، منفلوط، الألمانى، وبهيج"، وعمل حواجز مطاطية لعدم انتقال البقعة الزيتية لأماكن أخرى، كما أشارت أن المياه قد تكون ضعيفة فى أسيوط، لكن لم يتم قطعها.
وأضافت حفنى، أن التلوث ناتج عن تسرب بقعة من وحدة المازوت إلى مياه تبريد محطة الحمرا فى أسيوط، ومنها إلى نهر النيل، مؤكدة أن التسرب لم يؤثر على جودة المياه.
وتابعت رئيس الإدارة المركزية للأزمات والكوارث البيئية التابعة لوزارة البيئة، أن هيئة مياه الشرب ما زالت تستخدم سيارات السحب لشفط بقعة المازوت الموجودة على جانب النهر بجوار محطة الكهرباء، لافتة إلى أن عملية إزالة التلوث تتم على نفقة المتسبب فيها، وتحت إشراف جهاز شئون البيئة.
وقال رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى بأسيوط والوادى الجديد، محمد صلاح، فى بيان له، السبت الماضى، إنه تم إغلاق عملية المياه بقرية المعابدة التابعة لمركز أبنوب بسبب اكتشاف وجود تلوث زيتى متقطع بمياه النيل بالقرب من محطة مياه المعابدة يبلغ طوله من 300 إلى 500 متر وعرض من 15 إلى 20 سم.
وأضاف صلاح أنه تم اتخاذ كل الإجراءات ومنها إغلاق بعض المحطات ومنها: (محطة مياه جامعة أسيوط، ومحطة مياه الألمانى ومحطة منقباد وبهيج بمركز أسيوط، ومحطة مرشحات منفلوط ومحطة مياه القوصية ومحطة مياه المعابدة والطوابية بمركز الفتح وأبنوب) وتشغيل المحطات الارتوازية بالقرية وإرسال سيارات مياه للمناطق المتأثرة، وأخذ عينات فورية واستمرار الاطمئنان على سلامة المياه وإبلاغ جميع الفئات المعنية مثل وزارة الصحة والبيئة والمسطحات المائية.
وأشار رئيس الشركة إلى أن بقعة الزيت تتجه شرق النيل وتم إخطار جميع محطات الجزء الشرقى من النيل كما تم حساب سرعة المياه لتتبع البقعة وتشكيل غرفة عمليات بالتواصل مع الصحة والمحافظة.
وبالرجوع للحكومة قال الدكتور حسام مغازى، وزير الموارد المائية والرى، انه تم تشكيل لجنه من قطاع حماية النيل ومعهدى بحوث النيل والمساحة فى يناير الماضى، وذلك لإمداد إدارات النيل على مستوى الجمهورية بكل المعلومات التى تمكن المهندسين بسرعة ودقة من تحديد المخالفات المقامة على النيل وحجمها لإدراجها فى اعمال الحملة القومية لإزالة التعديات على النيل.
واشار مغازى، إلى أن الوزارة ستشن حملات لإزالة التعديات المقامة على مجرى النيل، وذلك فى إطار حملاتها التى تقوم بها لإزالة جميع المخالفات، موضحًا انه تمت ازاله 13 الفا و200 حالة تعد على النيل منذ قيام ثورة 25 يناير، منها 4 الاف و700 حالة.
واوضح مغازى ان الوزارة عازمة بكافة اجهزتها، وبالتنسيق مع كافة الجهات المعنية على استكمالها، مشيراً إلى ان هناك متابعة يومية لتلك الإزالات، ويتم التعامل بكل حسم مع المخالفين والمعتدين طبقا للقانون والازالات يتم تنفيذها بشكل فورى دون تهاون من منطلق حماية مواردنا المائية المحدودة من الهدر والتلوث وحفاظاً على حق الاجيال القادمة فى مياه النيل.
وبالرجوع للتقارير نجد الكارثة حيث صدر تقارير حقوقية مصرية أن 38 مليون مصرى يشربون مياها ملوثة، فهذا يعنى أن ناقوس الخطر يدق على رؤوسنا وهذا يجعلنا أن نتحرك سريعا لحماية المواطن المصرى من الموت المحقق بعد إصابته بالأمراض المتوطنة والكبدية والكلوية بسبب تلوث مياه الشرب.
والأسباب متعددة لتلوث المياه فى مصر بداية من وجود 30 مصنعا و310 فنادق يضخون مخلفات كيمياوية فى النيل كما جاء فى تقرير التوصيف البيئى الصادر عن وزارة البيئة المصرية، نهاية بشبكة المياه المتهالكة والتى تسبب الكثير من هذا التلوث.
وفيما أكد تقرير منظمة الصحة العالمية أن نسبة تلوث المياه فى مصر تزيد على ثلاثة أمثال معدلات التلوث العالمية وتتفاقم نسبة التلوث فى محافظات القاهرة الكبرى عن سواها من محافظات الجمهورية، وجاء فى تقرير مركز السموم الإكلينيكية والبيئية بطب قصر العينى ارتفاع نسب التسمم الناتج عن التلوث فى تلك المحافظات، فكان نصيب محافظة القاهرة 35% من حالات التسمم و12% بالجيزة و50% بالقليوبية.
وقد رصدت تقارير وزارة البيئة أن الملوثات الصناعية غير المعالجة أو المعالجة جزئيا ويقذف بها فى عرض النهر تقدر بنحو 4.5 مليون طن سنويا من بينها 50 ألف طن مواد ضارة و35 ألفا من قطاع الصناعات الكيماوية. وأوردت التقارير أن نسبة الملوثات العضوية الصناعية تصل إلى 270 طنا يوميا.
بينما يبلغ حجم الملوثات الناتجة عن المستشفيات سنويا بما يقدر بنحو 120 ألف طن سنويا من بينها 25 ألف طن مواد تدخل فى تصنيف المواد شديدة الخطورة، كما أكد تقرير وزارة البيئة أن هناك تحديات تواجه نهر النيل بوجود من 2.4 إلى 3 مليارات متر مكعب من المياه الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحى.
فيما أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرا تحت عنوان "تلوث المياه قنبلة موقوتة تهدد حياة المصريين" بيّن أن 38 مليون شخص يشربون مياها ملوثة فى مصر.
وأوضح الأستاذ الدكتور أشرف عبدالعزيز منصور عضو الهيئة الاستشارية العليا لمجلس علماء مصر والأمين العام للاتحاد العربى للتنمية المستدامة والبيئة أن تلوث مياه الشرب يرجع إلى تعدد أنواع الصرف فى نهر النيل وإن كان أهمها الصرف الزراعى المشتمل على جميع أنواع الصرف الأخرى، فوجود العديد من المصارف الزراعية التى تلقى بفائض مياه الرى للمحاصيل المختلفة فى نهر النيل ينتج عنها مشكلة صحية وبيئية كبيرة جدًا، وهذه المشكلة تتلخص فى إسرافنا فى استخدام الأسمدة والمخصبات الزراعية بخاصة الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية وإضافتها إلى التربة الزراعية بهدف زيادة الإنتاج الزراعى دون الالتزام بمعدلات تلك الأسمدة، والتى تصب بالتالى فى نهر النيل ويصبح محملًا بكل هذه الأسمدة والمخصبات وجميعها تحتوى على مواد سامة ضارة بالصحة العامة، وبحياة الكائنات الحية كالأسماك التى تعيش فى نهر النيل والتى تصل أيضا كغذاء للإنسان، وهو الأمر الذى يتسبب فى زيادة معدلات الإصابة بالأمراض المختلفة وإن كان أخطرها الالتهاب الكبدى والفشل الكلوى الذى زادت معدلاته خلال السنوات الماضية بطريقة مخيفة.
وأكد الدكتور جمال محمد صيام أستاذ الاقتصاد الزراعى بزراعة القاهرة أن أهم أسباب تلوث مياه النيل تتمثل فى أن جميع المصارف الزراعية تصب فى النيل ويعاد استخدامها فى الزراعة سواء فى الصعيد أو الدلتا محملة بفوائض الأسمدة والمبيدات بل قد تصب فيها مياه الصرف الصحى وقاذورات القمامة، كما أن مياه الشرب يتم ترسيبها وترويقها وإضافة الكلور لها فى محطات التنقية القديمة وهذا ليس كافيًا لتنقية مياه النيل من التلوث أو الشوائب ونجد أن بعض المدن ارتفعت فيها نسبة الإصابة بالفشل الكلوى مثل السويس التى تتغذى من ترعة السويس المثقلة بالملوثات الصلبة وغيرها.
وأضاف صيام فى تصريحات خاصة لـ"السوق العربية"، أن المياه الجوفية فى الدلتا التى يشربها الناس بواسطة الطلمبات مثقلة بالتلوث من خزانات الصرف الصحى المنتشرة فى القرى التى لم تدخلها شبكات الصرف الصحى ومياه الرى المتسربة، كما أن الشك يراود الكثيرين حول مدى دقة قياسات الجهات المسئولة فى الدولة الخاصة بتلوث مياه النيل وفروعه.
ويؤكد ذلك الشك ترسبات الطمى والطين فى الأوانى التى تملأ بالماء، ومن المؤسف أن ترعة السلام التى تروى أرض سيناء البكر مخلوطة بمياه الصرف الزراعى والصحى ما سيلوث تربة سيناء إلى الأبد.
وتابع صيام إن الحزم مطلوب لوقف صرف المياه الملوثة لمصانع الصعيد خصوصا الورق والسكر وغيرها وكذلك مصانع كفر الزيات التى تدمر كل شىء فى السدة الشتوية، لارتفاع نسبة الأمونيا بها ما يؤدى إلى نفوق الاسماك وأمراض البشر، كما يجب أن تنشغل وزارات البيئة والرى والإدارة المحلية بالحفاظ على مياه النيل نظيفة قبل الاهتمام بفصل القمامة من المنبع، ووزارات البيئة والرى والإدارة المحلية والمحافظات والزراعة عليها أن تراقب المبيدات والأسمدة جيدًا حتى لا تتسرب للتربة أو لمياه المصارف والمياه الجوفية مبيدات مسرطنة، كما يجب أن يتوقف استحمام الإنسان والحيوانات فى النيل والترع وأن تتوقف حفلات غسيل أوانى الطعام والملابس التى تقوم بها القرويات على شواطئ النيل والترع بل والمصارف، ويجب أن يتوقف إلقاء الحيوانات النافقة والطيور الميتة فى النيل، وأن يتوقف إلقاء مخلفات المراكب السياحية فى النيل، يجب أن يتم تطهير الترع والمصارف من أكداس القمامة والمخلفات التى أصابت المجارى المائية بالجلطات المزمنة والطويلة.
كما أكد الدكتور عبدالعاطى الشافعى الخبير فى الموارد المائية أن أول مصادر تلوث مياه نهر النيل هى المصادر الصناعية، فقد تحتوى مياه المصانع وفضلاتها على ما نسبته 60 بالمائة من مجموع المواد الملوثة للبحار والبحيرات والأنهار، ويصدر أغلب الملوثات من مصانع مثل مصانع الدباغة والرصاص والزئبق والنحاس والنيكل ومصانع الدهانات والأسمنت والزجاج والمنظفات ومصانع تعقيم الألبان والمسالخ ومصانع تكرير السكر، إضافة إلى التلوث بالهيدروكربون الناتج عن التلوث بالبترول.
وأضاف الشافعى فى تصريحات لـ"السوق العربية"، أن فى القاهرة قد أجريت دراسة على اثنى عشر محطة لمعالجة مياه الشرب ووجدت جميعها تعانى من عدم انضباط فى تصريف النفايات السائلة الصناعية، وتجدر الإشارة إلى أن الطرق التقليدية لتنقية المياه لا تقضى على الملوثات الصناعية (مثل الهيدروكربون) والملوثات غير العضوية والمبيدات الحشرية وغيرها من المواد الكيميائية المختلفة، وقد يتفاعل الكلور المستخدم فى تعقيم المياه مع الهيدروكربونات مكونا مواد كربوهيدراتية كلورينية متسرطنة، ومن أشكال التلوث الصناعى استعمال بعض المصانع ومحطات الطاقة مياه الأنهار والبحيرات فى التبريد، وما ينتج عنه من ارتفاع فى حرارة المياه ما يؤثر سلبا على التفاعلات البيوكيميائية فى المياه وكذلك على الأحياء المائية.
وقد تجولت "السوق العربية" فى محافظتى القليوبية والقاهرة الأكثر ضرراً من تلوث النيل لتكشف مظاهر تلوث مياه الشرب كما يرويها الأهالى بأنفسهم، ففى "بنها" بمحافظة القليوبية، طالب المهندس وليد عبدالرؤف بضرورة تشكيل لجنة فنية متخصصة لبحث ودراسة جميع المشكلات والعوائق التى تواجه قطاع مياه الشرب والصرف الصحى بدائرة المحافظة ووضع الحلول المناسبة لها لتتلاءم مع الصالح العام والحفاظ على البنية الأساسية للمرافق العامة.
وقال المواطن مسعد محمد أن هناك شكوى مستمرة لسكان المدينة من التغير شبه اليومى لمياه الشرب، من عديمة اللون إلى بنية وأشد من ذلك، ما دفع البعض إلى استخدام المرشحات والفلاتر بمنازلهم أو غلى المياه وتخزينها.
وفى مركز "طوخ" بمحافظة القليوبية قال عيسى محمود إن تحاليل مياه الشرب بطوخ من قبل الإدارة الصحية هناك فى شهر أغسطس، أثبتت من خلال 141 عينة مأخوذة من مياه الشرب بالمركز بواسطة وزارة الصحة أنها غير صالحة للاستخدام الآدمى وبها بروتوزوا حية وبكتيريا المجموعة القولونية ونسبة التلوث بها عالية جدا وغير مطابقة للمعايير البكتريولوجية، وأنها لا تصلح للاستخدام الآدمى.
فيما قال محمود إبراهيم أحد أهالى منطقة "أحمد حلمى" بالقاهرة إن مياه الشرب كلها رواسب وأتربة وفى بعض الأوقات نجد بها حشرات صغيرة تقوم بسد فلتر الحنفية، كما أنها كريهة الرائحة لاختلاطها بماء الصرف الصحى.
وقال محمود ناصر أحد سكان منطقة "بنها" "والله أنا فى غاية الخجل حينما أقول لك إن المياه تنقطع بشكل دورى وعندما تأتى المياه فهى لا تصلح للشرب من الأساس، فالمياه بها أملاح زائدة لدرجة أنها تظهر على أجسادنا بعد الاستحمام بها، كما أنها تسبب سقوط الشعر لزيادة درجة ملوحتها.
كما تقول نانيس محمود أحد سكان شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية: إن مياه الشرب لديهم لونها أبيض نتيجة لارتفاع نسبة الكلور بها ورائحتها كريهة جدا وبمجرد أن تقوم بملء كوب من الماء تجد رواسب سوداء تتراكم فى قاع الكوب.
"هنجيب منين يا بيه" هكذا بدأ محمد حسن "بائع متجول" فى الأربعين من عمره بمحافظة القاهرة "قالوا المياه فيها تلوث، ومينفعش نشرب منها، طب أنا راجل على باب الله، المفروض أجيب أكل ولا أشرب؟"، معبرًا عن حزنه الشديد لما وصل إليه حال البلد، وما يحدث فيها من خراب وفوضى، وأضاف: "بكسب من 20- 30 جنيه يوميًا، وبقيت مضطر أجيب مياه معدنية عشان ولادى ما يحصلهمش حاجة".
أما عبدالحميد فرغلى، قال إنه حين سمع بغرق "الصندل" من قبل فى النيل توقع حدوث كارثة، فمن خبرته وعمله بمهنة الصيد، علم أنه ربما يكون ناقلًا للفوسفات، وأوضح فى حديثه "أول ما سمعت عن موضوع غرق الصندل قلت ربنا يستر وميكونش محمل فوسفات"، متابعًا: "أنا جاهل آه ومدخلتش مدارس.. بس عارف خطورة حاجة زى كده إيه".
إصابة مواطنين ووفاة آخرين بحالة تسمم من مياه الشرب، خبر قرأته مى محمد لكنه لم يُصبها بصدمة كما حدث مع البعض، وكانت فى انتظاره عاجلا أم اجلا، وقالت مى إحدى ساكنات مركز كفر شكر بالقليوبية "مش عارفة إيه سبب التلوث بالظبط، لأنى مش متابعة أخبار.. بس كده كده هيوصل"، ولفتت إلى أنها لا تعطى الأمر أهمية، مبررة: "مياه النيل فيها تلوث من زمان جدًا، سواء مخلفات المصانع أو الصرف الصحى وكل البلاوى اللى بنسمع عنها.. عشان كده الموضوع مش مهم بالنسبة ليا".
وتقول فاطمة محمود ربة منزل أحد سكان مركز قها بالقليوبية "من ساعة ما عرفت موضوع صندل النيل اللى كان من 3 شهور، وأنا بجيب مياه معدنية للاحتياط"، وأضافت: "كل شوية المياه تقطع، بس لسه عارفة موضوع التلوث الجديد ده من فترة"، وكشفت فاطمة لـ"السوق العربية" عن أمنية كانت تمنتها منذ سنوات حين بدأت مشاكل التلوث فى التفاقم وهى إنها تريد الهجرة خارج مصر، مبررة: "حاسة إن بلدى مش سايعانى.. هعيش فيها تانى ليه؟"، وتخوفت فاطمة مما سيحدث فى المستقبل من الفوسفات الذى ربما يكون الآن فى طريقه لـ"قها"، قائلة: "هنلاقيها منين ولا منين".
"هو إحنا ناقصين؟" تساءل مندور إبراهيم نفسه، المواطن القليوبى، الذى قال "يا ريتها تيجى على الفوسفات والمازوت، الميه داخلة على الصرف الصحى، وريحتها وحشة باستمرار، زى الزفت طبيعى من غير إضافات، إحنا بنعانى من أزمة المياه دى على طول"، بينما قال الحاج منصور الرجل الصعيدى المقيم فى القاهرة، "الدولة سايبة الصعيد من أكتر من 40 سنة، ومحدش بيسمع عنا غير فى أخبار التار أو الكوارث، أنا جيت أنا وأهلى وعشنا هنا عشان لو كنت كملت فى الصعيد هموت".
ومن هنا نجد أن المواطنين يعانون منذ فترة ليست بالقليلة من أزمة تلوث المياه، والحكومة من جهة اخرى تحاول بقدر الإمكان العمل على حماية نهر النيل ومعاقبة كل من يلوثه سواء بالغرامات أو بالسجن، ولكن من كل هذا نجد أن الحكومة وحدها ليست السبب فى كل ما يحدث بالنيل، فالمواطن أيضا شريك فى هذا فلابد على المواطن أن يراعى ضميره قبل ان يلوث نهر النيل لأنه فى النهاية سيكون المتضرر الأول دون شك ولابد من التكاتف مع أجهزة الدولة بأكملها لكى نحافظ على النيل، وسوف تواصل "السوق العربية" رصد ما هو جديد بخصوص نهر النيل والجهود التى تبذلها الدولة للمحافظة على النيل.