مفاجأة.. الكتب المعروضة فى الأكشاك «شمال»
عادل المصرى: خسائر الدولة والناشرين بالملايين بسبب المزورين
يبدو أن السوق الموازى للاقتصاد غير الرسمى لم يقف عند السلع والمنتجات التى تهم المواطنين بشكل مباشر وأساسى، ولكن وصل الأمر إلى الكتب والثقافة بشكل عام، فقد ظهرت السوق الموازية منذ فترة ليست بالبعيدة وظهر العديد من مزورى الكتب من الذين لا يدفعون الضرائب للدولة ويبيعون الكتاب بأقل من سعره عند الناشر الأصلى.
وكثيرا ما لا يعبأ القارئ بتزوير الكتاب وذلك لأنه يتحصل عليه بسعر أقل، كما أنه لا يهم أن تخسر الدولة من هذا العمل أم لا لأن المسألة متوقفة على المراد تحصيله، ويرى بعض القراء أن ذلك يعد صفعة قوية ومهمة لمعظم دور النشر التى تحتكر عددا من الكتب، وتبيع الكتب بسعر مبالغ فيه بهامش ربح خيالى، واللافت للنظر فى هذا الأمر أن أغلب الكتب التى تكون فى الشارع وعلى أرصفة القاهرة وأسوارها مزيفة ولا يعلم معظم القراء مما يجعل التجار يستغلون جهل الغالبية بعملية التزوير والسعر الحقيقى للنسخة المزيفة.
وأكد بعض الناشرين أن خسائر الدولة تعد بالملايين بسبب ذلك السوق الموازى للكتب كما يرى البعض أن أهم سبل الحل للإنهاء على تزوير الكتب والسيطرة على هذه النوعية من الأعمال المنافية للقانون يكون بتغليظ عقوبات التزوير وإيصالها للحبس الوجوبى، بالإضافة إلى الغرامة، كما يرى آخرون أن دور النشر عليها العامل الأكبر فى القضاء على تلك السوق وذلك بعدم المبالغة فى أسعار بعض الكتب وتقليل هامش الربح والوصول به إلى 25 % فقط.
فى البداية يقول نائب رئيس اتحاد الناشرين عادل المصرى أنه تم تخصيص لجنة من الاتحاد لمكافحة الكتب المزورة وذلك منذ 4 سنوات ويرأس هذه اللجنة أحمد بدير عضو الاتحاد وتقوم هذ اللجنة بجمع المعلومات عن هذه النوعية من الكتب وأماكن طبعها وتوزيعها ويتم إبلاغ الجهات المختصة ممثلة فى مباحث المصنفات الفنية بالمعلومات التى تم جمعها لاتخاذ اللازم.
وأشار المصرى إلى أن هناك حملات أمنية مكثفة على هذه الأوكار لكن أعدادها تفوق إمكانيات اللجنة وأنه بالفعل تم ضبط عدد من المزورين.
ويضيف المصرى أن الأزمة ليست فى السلطة التنفيذية التى يرى أنها تقوم بدورها لكن الأزمة فى القوانين الخاصة بحماية حقوق النشر وخاصة قانون 82 لسنة 2002 الذى لا يتناسب مع حجم الجرم والذى يفرض غرامة قدرها 500 جنيه أو الحبس.
ويقول نائب رئيس الاتحاد أن أغلب القضايا إن لم يكن كلها تنتهى بتوقيع الغرامة التى لا تتناسب تماما مع الأرباح التى يجنيها المزورون.
ويؤكد المصرى أن انتشار هذه الظاهر يؤثر سلبيا على الحركة الثقافية فى المجمل وتؤثر أكثر على المبدع الذى يشعر بالإحباط بسبب عدم حصوله على أرباحه المتوقعة مما يؤثر سلبيا على إبداعه.
ويؤكد المصرى أنه لابد من محاربة هذه النوعية من الاقتصاديات العشوائية غير الرسمية لأنها تكبد الدولة خسائر تصل إلى الملايين من الجنيهات وذلك بسبب عدم تحصيل ضرائب من المزورين بطبيعة الحال، كما أنها تمثل خسارة كبيرة للناشرين وليس فقط عليهم، بل على قطاع واسع من المنتجين، فالأمر ليس خاصا لصناعة الكتاب ولكن المسألة متعلقة بصناعات أخرى كثيرة كالأفلام والأغانى التى يخسر منتجوها ملايين بسبب انتشار النسخ المقلدة والمزورة وعدم حماية حقوق المؤلف وحق الملكية الفكرية.
ويقول المصرى إن المزورين لا يمتلكون فواتير وكذلك البائعون ولا يتحملون أيضا الأعباء الأخرى مثل حق المؤلف وتكلفته ولا مصممو الجرافيك ولا نوعية الورق الجيدة، ما يؤدى إلى رخص سعرها وإقبال عدد كبير من القراء على شرائها.
ويقول المصرى إن الاتحاد تقدم بمقترحات لتعديل القانون لمجلس الشعب السابق الذى لم يكمل دورته وتم حله قبل النظر فى تلك التعديلات، وعن أبرز ملامح التعديلات التى يتبناها اتحاد الناشرين يشير المصرى إلى أنها تعتمد على تغليظ العقوبة ورفع الغرامة، على أن يكون الحبس فى هذه الجرائم وجوبيا حتى تكون العقوبة رادعة لمن يفكر فى اقتراف مثل هذه النوعية من الجرائم.
كما أضاف نائب رئيس الاتحاد أنهم تقدموا بتلك المقترحات لوزير الثقافة الذى شكل لجنة لبحث مقترحات تعديل القانون مؤكدا أن قانون 82 بوضعه الحالى لا يحمى الإبداع.. وعن أسباب ارتفاع أسعار الكتب يرى المصرى أن الناشر يتحمل تكاليف وأعباء كثيرة أهمها أجر المؤلف وكذلك تكلفة الطباعة من حيث ارتفاع أسعار الورق، كما أن هناك تكاليف ثابتة على الكتاب تتناسب عكسية مع عدد النسخ، وأنه كلما زادت كمية المطبوع قلت التكلفة، مضيفا أن الناشر لا يجازف بطبع كميات كبيرة من الكتاب وذلك لأن عدد المشترين سيكون قليلا، وبالتالى ترتفع تكلفة الكتاب، ويشير إلى أنه فى السابق كانت المكتبات العامة ووزارتا التربية والتعليم والشباب يقومون بشراء أعداد كبيرة من الكتب المطبوعة وكانت أعداد هذه المكتبات كبيرة وكانت وزارة التربية والتعليم تملك 25 ألف مكتبة وحدها بخلاف مكتبات وزارة الشباب وكان ذلك يدفع الناشرين لطبع أعداد كبيرة من الكتاب لأنه يضمن بيع عدد كبير منها فى تلك المكتبات وكان سعر الكتاب فى المتناول لذلك السبب، أما الآن فمنذ 5 سنوات على الأقل لم تشتر تلك المكتبات أى كتاب من دور النشر ما أدى إلى قلة المعروض ورفع تكلفة الكتاب، وبالتالى ظهور السوق الموازى للكتاب.
ويقول المصرى أنه إذا كان عدد الطبعات من كتاب معين وصل 10 طبعات فهناك على الأقل عشرون طبعة «شمال»، ويؤكد أن النشاط الثقافى غير معفى من أى ضرائب وأنه يعامل مثل أى نشاط تجارى آخر.
أما عم سيد بائع الجرائد والكتب فيؤكد أنه يتاجر فى الكتب المزورة ويشير إلى أن كل الكتب التى لديه ليست أصلية إلا ما يتم توزيعه من الأهرام وغيرها من المؤسسات القومية، ويشير سيد إلى أن بعض الزبائن لا يفرقون بين الكتاب الأصلى والمزيف وأنه يبيع الكتاب بأقل من سعره بنسبة قليلة إلا إذا كان الزبون- على حد قول عم سيد- يعرف أن هذه الكتب «شمال»، فساعتها يصل الأمر إلى بيعه بسعر مقارب لسعر شراء هذه الكتب من الموزع.
ويضيف عم سيد أن نسبة الكتب المباعة تزيد منذ فترة وذلك بسبب رخص سعرها بالمقارنة بمثيلتها وأن هناك حالة رواج للكتب فى الفترة الماضية ما يجعله أكثر ربحا.
ويقول عم سيد أن أغلب الكتب إن لم يكن كل الكتب المباعة على «الفروشات» وسور الأزبكية مزورة وليس بها كتاب واحد أصلى.
وعن الحملات الأمنية يقول الحاج رجب أنه لم يعد يرى أى حملة أمنية منذ فترة كبيرة وأنه يتمنى أن يتاجر فى الكتب الأصلية وذلك لتجنب تلك الحملات وأضرارها، لكن بعد تقليل أسعارها ولو قليلا حتى يكون هناك إقبال عليها.
ويقول أحمد حفظى أحد القراء والمهتمين بشراء الكتب أنه يعرف تماما أن هذه الكتب مزورة ولكنه يقبل عليها بسبب قلة سعرها وأنها تحتوى على نفس المحتوى الداخلى وأنه لا يفرق معه شكل الكتاب ولا نوعية الورق ولكن ما يهمه محتوى الكتاب.
ويقول حفظى أن هذه النوعية من الكتب تحارب جشع بعض الناشرين الذين يحتكرون بعض الكتب ويغلون فى سعر كتبهم، مشيرا إلى أن الثقافة لابد أن تخضع لمبدأ العرض والطلب الذى يتبناه الكثير من الناشرين.
كما أضاف أن الناشر يستطيع أن يقلل نسبة أرباحه ليصل الكتاب إلى سعر مناسب جدا للقارئ ذو الإمكانيات المادية البسيطة، ويرى حفظى أن الكتب المزيفة تقدم نفس المادة التى بالكتاب الأصلى وأنه لا ينظر إلى شكل الكتاب أو نوعية الورق ولكنه يهتم بالمحتوى الذى يرى أنه واحد فى الحالتين، كما يعتقد حفظى أن ما يفعله مزورو الكتب يعد ضربة قاصمة لنوعية الناشرين التى ترفع الأسعار وتحتكر الكتاب المشهورين، كما أشار إلى أن الدولة بمقدورها محاربة محتكرى الكتاب وأيضا مزورى الكتب وذلك بتفعيل دور الهيئات الحكومية التى لا تزال تدار بنفس الأسلوب الماضى والذين يعملون موظفى حكومة لا يهمهم سوى الراتب آخر الشهر.
ويضيف أنه لابد من دراسة السوق ومعرفة متطلبات الناس خاصة أن هناك كتبا كثيرة نادرة وقيمة جدا طبعت بمكتبات هيئة الكتاب لصالح مكتبة الأسرة مثل قصة الحضارة لـ«وول ديو رانت» التى بيعت بأكملها ولا يزال البعض يريد الحصول عليها واقتناءها إلا أن الدولة لا تعيد طباعتها مرة أخرى على الرغم من كثرة الطلب عليها وكذلك هناك مئات من العناوين التى لا تريد الهيئة إعادة طبعها مرة أخرى، وأيضا يجب على الدولة أن تقوم بمنافسة الناشرين بشراء عمال كتاب مهمين ومطلوبين والمنافسة بقوة من خلال توفير طبعات شعبية وبأسعار منخفضة مع هامش ربح معقول.. فى هذا الوقت سيضطر الناشر الذى يبالغ فى أسعار كتبه للنزول إلى الأسعار الطبيعية وإلا فليتحمل نتيجة أفعاله، وهذا الأمر لابد أن يسرى على كل الصناعات وليس صناعة الكتاب فقط.. لكن الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية.
فيما قال أحمد مرجان صاحب دار نشر أن الحل لمواجهة الكتب المزورة ليس بتكثيف الحملات الأمنية على المزورين بل بتقليص هامش ربح الناشر.. فالناشر يقوم باستغلال الحاجة لبعض النوعيات من الكتب ويرفع سعرها بأضعاف كثيرة، ويؤكد مرجان أن سعر الكتاب بعد الطبع وإضافة حق المؤلف لا يتجاوز 20 جنيها، وذلك بالنسبة لكتب من الحجم المتوسط لكن الناشرين يقومون برفع السعر إلى 50 و60 جنيها الأمر الذى يؤدى إلى عزوف القراء عن القراءة واللجوء إلى الكتب المزيفة الرخيصة والتى تحتوى على نفس المادة.
وأشار مرجان إلى أن مزورى الكتب يربحون أرباحا كبيرة وذلك لأنهم يقدمون نفس الكتب بنفس التكاليف عدا حق المؤلف الذى يرى مرجان أنه لن يتجاوز بأى حال من الأحوال 3 جنيهات لكل نسخة بأسعار أقل بكثير من الناشرين الأصليين مما يعنى أن الناشر الأصلى برفع السعر بطريقة مبالغ فيها، ويضرب مرجان المثل على صحة رأيه بكتب التراث التى تنتشر بمكتبات منطقة الأزهر حيث يكون الكتاب كبيرا ومطبوعا طباعة جيدة بغلاف جيد ويصل سعره إلى 20 جنيها.. كما يؤكد مرجان أن سوق الكتاب يستوعب الكثير وأن القراء فى ازدياد ودلل على ذلك بكتب الهيئة العامة للكتاب وقصور الثقافة التى يتم بيعها بكثافة كبيرة وذلك لقلة سعرها مما يعنى أيضا أن قطاعا كبيرا يهتم بالثقافة واقتناء الكتب بشرط أن تكون الأسعار ملائمة ومن المفترض فى الدولة بحجم مصر أن تنشر بها الكتب الثقافية لأن الأيام القادمة لابد أن تشهد ثورة ثقافية واسعة.
ويرى مرجان أن أى حل لن يكون له جدوى إلا إذا جففنا المنابع الخاصة بتزوير الكتاب وتقديم كتب للقارئ بسعر قريب من أسعار الكتب المزورة وفى هذا الوقت لن نلجأ إلى شرطة المصنفات لمكافحة تزوير الكتب لأن المزورين لن يجدوا من يبيعون لهم، وعن حق المؤلف الذى يرى بعض الناشرين أنهم يبالغون فى أسعارهم يؤكد مرجان أن الأمر برمته بيد اتحاد الناشرين الذى من الممكن أن يتفق على سقف محدد لأعلى كاتب فى السوق ولا يتجاوزه أى عضو بالاتحاد.. ويرى أن ذلك سيضطر الكاتب لتقليل سعره لكى يتسنى له نشر كتبه وإبداعه، كما يرى مرجان أن المسألة برمتها عبارة عن دائرة مفرغة لن تعرف المسئول الرئيسى عن رفع أسعار الكتاب.
ويرى مرجان أن الدولة تقوم بكامل دورها فى دعم الكتاب لكن الأزمة تكمن فى العدد الكبير الذى يعمل بالوزارة الذى يستنفد أكثر من 90 ٪ من قيمة الدعم المقدم للكتاب وبالرغم من ذلك تقدم هيئات الدولة كتبا بأسعار زهيدة مقارنة بدور النشر الخاصة وانتقد مرجان معظم دور النشر التى لا تقدم حتى طبعات شعبية للكتب بحيث يتسنى للقارئ الذى لا يستطيع شراء الكتب مرتفعة السلع باقتناء هذه الطبعات الشعبية بدلا من اللجوء إلى الكتب المزورة.
ويضيف مرجان أن تكلفة طباعة الكتب متوسطة الحجم لا تتجاوز الـ500 جنيه للخمسمائة نسخة أى أن سعر النسخة يكون 1 جنيه وبعد إضافة حق المؤلف وهى نسبته من توزيع الكتاب وستكون بأى حال من الأحوال 3 جنيهات على كل كتاب بالإضافة إلى هامش ربح 30 ٪ أى 3 جنيهات أخرى وبإضافة تصميم الغلاف بواقع 3 جنيهات أخرى يكون سعر الكتاب النهائى بعد كل الأرباح من 19 إلى 20 جنيها وهى نسبة تقارب كثيرا سعر الكتاب المزور الذى ينقص بمقدار حق المؤلف وتصميم الغلاف، وكل هذه الحسابات باعتبار أن المؤلف من الطراز الأول وصاحب أجر مرتفع.