السوق العربية ترصد.. مجانية التعليم الجامعى.. للمتفوقين فقــط!
تبنت سياسات التعليم فى مصر منذ عقود طويلة شعار العدالة الاجتماعية من خلال سياسة مجانية التعليم فى المدارس منذ عام 1952وبحلول عام 1963 تم إلغاء المصاريف فى الجامعات أيضا مما عكس توجهاً واضحاً لتبنى حق التعليم للجميع الذى نص عليه جميع دساتير مصر منذ دستور 1923 وحتى دستور 2014، إلا أنه بعد الإعلان رسمياً عن تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادى عام 1974، بدا جلياً الانحياز الواضح للطبقة الغنية من المجتمع ليس فقط فى صورة امتيازات اقتصادية ولكن تعليمية أيضا.. فبدأ التوسع فى إنشاء المدارس الخاصة وتشجيعها وتوفير التسهيلات لبنائها من قبل الدولة مع تراجع شعار العدالة الاجتماعية.
وكان من الطبيعى أن تطال الخصخصة التعليم العالى أيضا.. حيث بدأت فى الثمانينيات سياسات تخفيض أعداد المقبولين فى الجامعات بدعوى أن الأعداد تفوق حاجة سوق العمل، رافقتها تصريحات صادرة عن وزارة التعليم تتحدث عن التزام الحكومة بمجانية التعليم ما قبل الجامعى فقط.. وبدا كل هذا كتمهيد لإصدار قانون (101) لسنة 1992بشأن إنشاء الجامعات الخاصة فى ظل مخاوف مجتمعية مما قد تفرزه هذه الخطوة من عدم استقرار مجتمعى.
اليوم، يوجد فى مصر (22) جامعة حكومية و(20) جامعة خاصة.. تستوعب الجامعات الخاصة(5) فى المئة فقط من طلاب الجامعات.. إلا أن التوسع فى إنشاء المعاهد الخاصة والتى فاق عددها (230) معهداً، فتح الباب على مصراعيه للقطاع الخاص فى التعليم العالى.. ففى حين يلتحق نحو 35 فى المئة من الفئة العمرية المناسبة للتعليم العالى بالدراسة بها، فإن (20) فى المئة منهم يلتحقون بالقطاع الخاص سواء جامعات أو معاهد.
ولكن مناقشة المجلس الأعلى للجامعات لاقتراح “قصر المجانية” فى التعليم الجامعى على المتفوقين فقط وحرمان الراسبين منها بحيث يحصل على المجانية كاملة من يحصل على أكثر من (70%) ومن يحصل على (60%) يتحمل 10% من التكلفة ومن يحصل على (50%) إلى (60%) يتحمل (20%) وأقل من 50% يتحمل المصاريف كاملة.. قضية شائكة أثارت حالة من الجدل بين أساتذة الجامعات والخبراء حيث تحمست الغالبية ورفضت الأقلية محذرة من العواقب.
المؤيدون يرون أنه قد آن الأوان للتخلص من هذه “التكية” التى تجعل المجانية تصل إلى غير مستحقيها مثل الدعم تماماً رغم ما تتكبده الدولة من مبالغ طائلة.
وأضافوا أن الفئات القادرة يجب أن تتحمل التكلفة الحقيقية للتعليم الجامعى مثلما تتحمل عشرات الآلاف من الجنيهات فى العام الواحد فى المدارس الدولية والخاصة وأن الطالب الراسب ليس من حقه الحصول على أى دعم.
أما الرافضون فيصفون هذا الاتجاه بأنه خاطئ ويضر بأكثر من(90%) من المصريين غير القادرين على استكمال تعليمهم بدون دعم من الدولة.. مؤكدين أن إصلاح المنظومة الجامعية ليس بإلغاء المجانية ولكن بالاهتمام بالتعليم الفنى لتخفيف الضغط على الكليات التقليدية.
أما المجلس الأعلى للجامعات فأكد أن الأمر محل دراسة متعمقة مع الأخذ فى الاعتبار كل العوامل الاقتصادية وتحقيق الجودة بهدف الحصول على خريج جيد وليس مجرد الحصول على أعداد بلا فائدة.
د.حمدى حسن استاذ الإعلام ونائب رئيس جامعة مصر الدولية للعلوم والتكنولوجيا يؤكد أن المطلوب هو ترشيد المجانية بمعنى أن الطالب الذى يقضى مثلاً (10) سنوات فى كليته رغم أن مدة الدراسة بها مثلا 4 أو 5سنوات ليس من حقه الحصول على المجانية فمن يتعثر لسبب غير طارئ عليه تحمل التكلفة لأن عكس ذلك يمثل إهداراً لحقوق المجتمع.
أضاف أننا الآن فى مرحلة تتطلب نظاماً وقيوداً جديدة ليس هدفها الحد من أعداد الطلاب ولكن قيودا علمية منظمة هدفها حماية الدراسة الجامعية وحماية الطالب نفسه بتحفيزه على طلب العلم والفهم والاستيعاب وليس ترك أبواب الجامعة مفتوحة على مصراعيها لكل المستويات التعليمية.
وقال إننا نعانى الآن مما يمكن أن نطلق عليه “تكية” التعليم وليس مجانية التعليم فمنذ عام 1952 متناسين أن الأعداد والتكلفة اختلفت تماماً عن الماضى ولم يكن هناك أى حكومة لديها الجرأة على إعادة دراسة هذا الملف الشائك بسبب المزايدات السياسية التى يطلقها البعض.
أوضح أن ما يقوم بسداده الطالب الآن عبارة عن مبالغ زهيدة لا تتجاوز (100) جنيه وتخصص للأنشطة الطلابية واتحادات الطلاب ويتساوى فى ذلك الجميع الناجح والراسب وهذا ليس عدلاً.
أضاف أننا إذا كنا نحدد مثلاً(95%) للالتحاق بكلية الطب فيجب علينا أيضا أن نحدد معايير للحصول على المجانية لأنها بصورتها الحالية تمثل إفساداً للطلاب والتعليم بينما المطلوب الآن الارتقاء بالتعليم الجامعى وخريجيها لأن هذا يمثل القاطرة نحو المستقبل.
د.هبة نصار استاذ العلوم السياسية ونائب رئيس جامعة القاهرة سابقاًــ تؤكد أنه فى ظل التزايد الكبير فى أعداد الطلاب سنوياً وفى ظل عدم اهتمام الكثير من الطلاب بالدراسة الجامعية من خلال عدم الحضور أو الالتزام بالمحاضرات يجب أن تكون هناك ضوابط ويمكن أن يكون سداد جزء من تكلفة العملية التعليمية لغير المتفوقين جزءاً من هذه الضوابط.
أضافت أن المجانية قد تكون لازمة وأساسية فيما يتعلق بالتعليم ما قبل الجامعى لأنها حق من حقوق الإنسان أما التعليم الجامعى فهو لمن تتوافر فيه الشروط كما يحدث فى كل دول العالم فليس مطلوباً أن يحصل الجميع على شهادات جامعية دون مردود حقيقى.
وطالبت بأن تقتصر المجانية على غير القادرين وعدم المساواة بين الجميع فهناك العديد من الأسر تستطيع أن تدفع لأولادها ما يزيد على (20) ألف جنيه فى العام الواحد فى المدارس الدولية والخاصة ومع ذلك تتكالب على التعليم الجامعى الحكومى وتزاحم غير القادرين فيه.
أكدت أن الجامعات الحكومية لا تحصل على أى مقابل من الطالب بينما الجامعات الخاصة تحصل على مبالغ طائلة وهذا ليس عدلاً خاصة إذا كنا نتحدث عن رفع مستوى الخريج وإعداده بصورة جيدة تتلاءم مع متطلبات السوق والعصر.
وأشارت إلى أهمية التدرج فى إلغاء المجانية بحيث نبدأ أولاً بالراسبين الذين ليس من حقهم الحصول على التعليم الجامعى إلا من خلال رسوم يتحملونها فالجامعات ليست مكاناً للفاشلين أو غير الراغبين فى التعليم وفى نفس الوقت يجب أن تكون هناك حوافز ومكافآت للطلاب المتفوقين والنوابغ.
د.محمد المفتى عميد كلية تربية عين شمس سابقاً يطالب أولاً بالبحث عن مخرج لتعارض الاتجاه الجديد مع دستورية مجانية التعليم التى يتمتع بها أكثر من70% من الدارسين المصريين والتى تمثل حافزاً للكثير منهم على التعلم والخروج من دائرة الأمية والجهل.
واستطرد قائلاً: إذا تم حل هذه المشكلة فالقرار فى حد ذاته يمثل حافزاً للطلاب على الاجتهاد فى الدراسة.. خاصة أن غالبية الطلاب غير مقبلين بجدية على المحاضرات ويفضلون الجلوس فى الكافيتريا أو ممرات الجامعة بينما لو تم تطبيق النظام فإنه سيكون عاملاً مهماً على الالتزام والإقبال على الدراسة.
وأضاف أن حصيلة المصروفات الجزئية التى يتم تحصيلها من الطلاب الراسبين أو غير المتفوقين يمكن أن تستخدم فى تحسين مستوى العملية التعليمية من خلال إعادة تجهيز المعامل والمدرجات ودعم الكتاب والأنشطة المختلفة.
وأوضح أننا ونحن نطبق هذا الاتجاه الجديد يجب ألا نهمل الحالة الاقتصادية لشريحة لا يستهان بها من الطلاب حتى لو كان مستواهم التعليمى والدراسى متواضعا فالكثير منهم لا يستطيع تحمل أى مصاريف دراسية أو حتى شراء الكتاب الجامعى وفى هذه الحالة يجب أن يدرس مكتب رعاية الشباب بالكلية حالته ويعفى من المصروفات إذا ثبت أنه غير قادر بالفعل.
وأشار إلى أن المنظومة التعليمية فى الجامعات فى حاجة إلى إعادة نظر من الألف إلى الياء بحيث تحصل فى النهاية على منتج تعليمى جيد على عكس ما هو حادث الآن من تخرج منتج تعليمى ضعيف جداً فى الوقت الذى تنفق فيه الدولة مبالغ باهظة على التعليم ومواجهة ذلك يمكن أن تكون من خلال تحمل القادر غير المتفوق جزءا من التكلفة وليس مبالغ زهيدة كما هو حادث الآن، وفى نفس الوقت فالمتفوق لحد معين يجب أن يحصل على حافز ومكافأة لتمثل تشجيعاً له وفى نفس الوقت حافز للآخرين لكى يحذو حذوه.
ضوابط ومعايير
د.مصطفى كمال رئيس جامعة أسيوط الأسبق ورئيس جامعة بدر يرى أنه آن الأوان لبحث مجانية التعليم بحيث يحفظ للفئات غير القادرة حقها فى التعليم وفى نفس الوقت تتحمل الفئات القادرة تكلفة تعليمها وذلك من خلال الاكتفاء بعدد الجامعات الحكومية الحالية وعددها (21) جامعة وتخصصا هذه الجامعات للفئات محدودة الدخل من خلال قبول أعداد أقل مما هو حادث الآن من خلال ضوابط ومعايير تضعها كل كلية.
أما الفئات الأخرى فيجب أن نوفر لها التعليم الخاص لكن أيضا من خلال ضوابط يضعها المجلس الأعلى للجامعات الخاصة ويراقب مدى تطبيقها ومستوى أداء هذه الجامعات بحيث يجب أن نعلم أنه عاجلاً أو آجلاً لن تستطيع الدولة توفير تعليم جيد بمفردها خاصة أن الجامعات تستقبل سنوياً ما لا يقل عن (250) ألف طالب من خريجى الثانوية العامة.
وأوضح أن الجانب الاقتصادى والتكلفة أصبحت عوامل فاعلة فى كل مجالات الحياة وهو ما يجب أن نضعه فى اعتبارنا ونحن نخطط للمستقبل خاصة أن هناك فئات كثيرة عددها ليس بالقليل تستطيع تحمل تكلفة التعليم الجامعى الخاص مثلما تحملت مصاريف أولادها لمدة (12) عاماً فى المدارس الخاصة قبل الالتحاق بالجامعة.
د.ضياء القاضى نائب مدير المجلس العربى للدراسات العليا والبحث العلمى قال: إننا فى حاجة ماسة إلى وقفة مع النفس لمناقشة موضوع مجانية التعليم الجامعى فقد ظللنا لعقود طويلة عاجزين عن اقتحام هذا الملف الخطير وكانت النتيجة سوء حالة التعليم وتراجع فى المنظومة كلها مثلما حدث فى قضية الدعم الذى يصل لغير مستحقيه.
ونفس الأمر فى التعليم فهناك فئات عديدة لا تستحق المجانية فى التعليم ومع ذلك تحصل عليها وكانت النتيجة أن التعليم لدينا أصبح نمطياً خالياً من التجديد والابتكار.
وطالب بدراسة تجارب الدول التى نجحت فى الارتقاء بمنظومة التعليم بعيداً عن المجانية الكاملة مع الحفاظ على حق الفئات غير القادرة فى الحصول على التعليم فهذا حق أساسى لا يمكن إنكاره والذى تم إقراره فى سنوات سابقة ولكن فى ظروف مختلفة تماماً عما يجرى الآن.
د.فاروق أبوزيد نائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا والعميد الأسبق لكلية الإعلام قال: إن هذا الاتجاه خاطئ ومرفوض لأسباب عديدة فقبل الحديث عن المجانية يجب أن تتوافر فى التعليم الحكومى عدة شروط منها امتلاك إمكانيات تكنولوجية متطورة مثل المعامل والمكتبات والمرتب المناسب للاستاذ الجامعى بحيث نضمن تفرغه الكامل للتدريس فى الجامعة الحكومية ولا يلجأ للعمل الخاص من خلال إقامة مشروع أو العمل لدى جهات أخرى والشرط الأخير مناهج ومقررات عصرية وهذه ليست اختراعاً فكل مناهج الكليات العملية والنظرية موجودة على شبكة الإنترنت ويمكن التعرف عليها من خلالها مع تطويرها بما يناسب ظروفنا وأوضاعنا حتى لا تكون مجرد نقل.
وأضاف أن الحكومة التى لا تستطيع أن توفر بداية هذه الشروط لا يجب أن تتحدث عن إلغاء المجانية خاصة أن 90% من المصريين من محدودى الدخل و(10%) فقط يستطيعون تحمل مصاريف التعليم الخاص فكيف نطالب 90% بسداد مصاريف الدراسة وهم لا يملكون؟! إلا إذا كان الهدف من هذه المطالبات هذه أن يكون لدينا شعب جاهل وأمى.
وأوضح أن أهم بند فى موازنة الدولة هو التعليم أولاً ثم الصحة ونحن بهذا الاتجاه ننسف ثوابت مجتمعية ودستورية يجب عدم الاقتراب منها.
وشكك فى أن الهدف من وراء طرح مثل هذه الأفكار أن يتم تحويل التعليم بالكامل إلى تعليم خاص وهذا لا يوجد فى أى دولة من دول العالم فالجميع يوجد لديه جامعات حكومية تكون الدولة مسئولة عنها وأخرى خاصة وليس الآن كما يطالب البعض لأن هذا سيؤدى لمخاطر عديدة على كل جوانب المجتمع بسبب تبنى أفكار ما يطلق عليه الرأسمالية المتوحشة.
أوضح أنه من الخطأ أن نرهن مجانية التعليم بعدم تطويره فهما ليسا ضد بعضهما البعض فكل قضية مختلفة عن الأخرى خاصة أن المجانية من المفروض أنها موجهة فى الأساس إلى الفئات غير القادرة وما أكثرهم.
أين المجانية
د.يحيى القزاز الاستاذ بكلية العلوم وعضو حركة (6) مارس يشكك بداية فى أنه يوجد مجانية فى التعليم الجامعى فهناك جزء من الطلاب يدرس فى جامعات خاصة باهظة التكاليف أما طلاب الجامعات الحكومية وهم الغالبية فينقسمون إلى فريقين الأول يدرس ما يعرف بالتعليم المتميز وهو نفس المناهج والكورسات ولكن باللغة الإنجليزية ويدفع سنوياً من (10) إلى (40) ألف جنيه بجانب شراء كل أدوات العمل فى الكليات العملية.
والفريق الثانى يدرس بالنظام العادى وهؤلاء لا يجدون أى نوع من الاهتمام ويقومون بشراء الكتب بأسعار مرتفعة ويحصلون على الدروس الخصوصية التى تفشت فى معظم الكليات وهذه التفرقة حتى بين الدارسين فى الجامعات الحكومية تمثل نوعاً من الطبقية البغيضة بين الطلاب.
وأضاف أن إصلاح المنظومة الجامعية لا يكون من خلال اختزال التطوير فى المجانية ولكن بهيكلة التعليم من جديد بحيث يكون مطابقاً لمتطلبات العصر ولكن فى نفس الوقت نضع فى اعتبارنا أن المجانية ليست بدعة ولكن تأخذ بها معظم دول العالم ولكن بأشكال مختلفة ففى إنجلترا مثلاً هناك عدة طرق لدعم الطالب أولها منح عدد من الطلاب المتفوقين فى الثانوية العامة منحاً دراسية مجانية وثانيها منح قروض للطلاب الذين يتقدمون للدراسة الجامعية يتم ردها بعد التحاق الخريج بعمل وثالثها أن يقوم الطالب بدفع المصاريف إذا كان والده ثرياً على أن تخصم من الوعاء الضريبى للوالد.
وأوضح أن التعليم يجب أن يظل ممولاً من الدولة وفى نفس الوقت يعاد هيكلته بحيث نتجه أكثر إلى التعليم الفنى وأنا هنا أحيى قرار رئيس الجمهورية بإنشاء وزارة مستقلة للتعليم الفنى حيث إن هذا يمثل دفعاً لهذه النوعية من التعليم بشرط أن يتم إلغاء النظرة المجتمعية السيئة للحاصل على مؤهل فنى فهؤلاء هم القادرون على الوصول بنا إلى مستوى ماليزيا والصين وإندونيسيا التى حققت نهضتها من خلال الأيدى العاملة المدربة المدركة لقيمة العمل.
باختصار عندما نرد الاعتبار للتعليم الفنى لن يكون هناك ضغط على الجامعات التقليدية ومن ثم يمكن ساعتها أن نفكر فى إلغاء المجانية عن هذه النوعية من التعليم لأن الأعداد ساعتها ستكون قليلة وسيلتحق به من يرى فى نفسه الإمكانيات المادية والذهنية المطلوبة له وليس لمجرد الحصول على شهادة عليا لا تفيد المجتمع ولا الطالب نفسه.
دراسة مستفيضة
د.عادل زايد أمين لجنة القطاعات التجارية بالمجلس الأعلى للجامعات يؤكد أن القضية مازالت رهن البحث ويقوم حالياً المجلس بدراستها دراسة مستفيضة مع الوضع فى الاعتبار العوامل الاقتصادية وحجم التكلفة وفى نفس الوقت رفع مستوى جودة الجامعات الحكومية وعلى رأسها مدى القدرة الاستيعابية للجامعة فليس معقولاً أن جامعة طاقتها الاستيعابية (10) آلاف طالب ثم نجبرها على قبول أكثر من 25 ألف طالب وبعد ذلك نتحدث عن جودة التعليم.
وأوضح أن المجانية يجب أن تكون للنوابغ والمتفوقين فهؤلاء من حقهم أن تقوم الدولة برعايتهم أما الفئات الأخرى فيجب أن تتحمل جزءًا من التكلفة لأن ذلك سوف يتم استخدامه فى تجهيز وإعداد الجامعات بشكل أفضل وبالتالى تقديم خدمة تعليمية متميزة وهذا لن يحدث إلا من خلال التوسع فى إنشاء جامعات متميزة سواء حكومية أو خاصة لأن المنتج النهائى من الاثنين واحد فنحن نحتاج إلى خريج متميز وليس أعدادا بالآلاف دون مردود حقيقى.
وبينما تمر مصر بمرحلة تحول سكانى يزيد معها عدد المصريين فى المرحلة العمرية من (20-24) من (7) ملايين فى (2005) إلى (9) ملايين فى2035، فإن الطلب على الالتحاق فى الجامعات سيزداد وستزداد معه الحاجة إلى الإنفاق.. وهنا يستلزم التخطيط الاستراتيجى لاستغلال الفرصة العظيمة المتمثلة فى وجود نسبة كبيرة من السكان فى أكثر فترات عمرهم إنتاجية والعمل على تخفيض معدلات البطالة المتزايدة وزيادة الناتج العام لتوفير موارد أفضل للتعليم وغيره من الخدمات.. وعليه لا يفترض أن تتملص الدولة من الدور المناط بها عبر اللجوء إلى طرق مختصرة للتمويل تلقى بالعبء على كاهل المواطن.
ولكن استخدام القدرة المادية فى التعليم كمعيار محدد لأحقية الطالب فى فرصة التعلم فتح باباً خلفياً للطلاب الأغنياء غير المتفوقين لشراء فرص فشلوا فى الحصول عليها باستخدام قدراتهم الأكاديمية، وهو ما قدم ميزة نوعية لفئة من المجتمع على أسس غير عادلة، مما يضر بالمجتمع ككل.. ولا يبدو أن النظام الحالى لديه النية للتصدى لتلك المشكلة، بل هو ماضى قدماً فى التوسع فى سياسات من شأنها التقليص من فرص الفقراء بشكل أكبر من خلال انتزاع حق مجانية التعليم فى الجامعات الحكومية.. والنتيجة ستكون المزيد من غياب العدالة الاجتماعية واستحالة تحقيق البلاد لأى تطور أو استقرار.