بعد رفض الحكومة مشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو
«تجارة الشرقية» تؤيد.. والخبراء: الفكرة «وهم وحلم» صعب تحقيقه!
بعد أن أعلنت مصر رسميا رفضها التام لمشروع ربط نهر النيل بنهر الكونغو لوجود صعوبات وعراقيل فنية وهندسية وسياسية تحول دون تنفيذه على أرض الواقع فضلا على التكاليف الباهظة للمشروع ومرور المجرى المائى المقترح بمناطق صعبة ويعانى بعضها من الحروب الأهلية وعدم الاستقرار الأمنى.
كذلك أكدت دراسة للغرفة التجارية بالشرقية أن فكرة الاتصال مع نهر الكونغو مجرد فكرة لم تطرح للنقاش بشكل علمى كامل، ولا توجد عنها أى دراسة علمية متخصصة من جهات ذات خبرة، ونجد المتحمسين لهذا الأمر متحمسين للفكرة فى حد ذاتها، ولم يجذبهم نحوها سوى القرب النسبى لرافد نهر الكونغو مع نهر النيل بدولة جنوب السودان “600 كيلو متر كحد أدنى“، وهم يأملون أن ربط النهرين سوف يؤدى إلى ضخ كميات هائلة من المياه من نهر الكونغو العظيم الذى يعادل إيراد النيل أكثر من 13 مرة “بضخ جزء منه بين 95:120 مليار متر مكعب من المياه سنويا” وبالتالى إيجاد نهر جديد فى مصر، ربما أعظم من نهر النيل، بل أيضا سيأتى محملا بالطمى. إلا أن أغلب الخبراء المتخصصين وعلى رأسهم د.مغاورى شحاتة- استاذ جيولوجيا المياه والخبير المياه العالمى- ود.محمد عبدالمطلب– وزير الرى والموارد المائية السابق- وغيرهما من العلماء والمتخصصين الأجلاء، يجدون أن هذه الفكرة مجرد وهم أو على الأقل حلم صعب جدا تطبيقه، ويستندون فى ذلك إلى عدد من النقاط:
أن القانون الدولى لا يتيح إمكانية نقل مياه الأنهار إلى دول أخرى خارج حوضه.
إن إقدام مصر على مجرد طلب نقل مياه الكونغو إلى نهر النيل سوف يعتبر ذريعة قوية لإثيوبيا تدفع بها أمام المحافل الدولية لاستكمال بناء سد الألفية، متذرعة بأن أمام مصر بدائل.
التكلفة الهائلة للمشروع بما يجعل تكلفة إيصال المتر المكعب من المياه مرتفعة، أعلى من تكلفته فى حال مقارنتها بتحلية المياه اعتمادا على الطاقة الشمسية، فالأخيرة أقل كثيرا، خصوصا مع التطور المتنامى فى مجال تحلية مياه البحار المالحة.
الصعوبات الجيولوجية الهائلة، حيث إن التركيب الجيولوجى لحوض نهر الكونغو يختلف عن حوض نهر النيل، وهناك مرتفعات قد تصل إلى أكثر من 1 كيلومتر فى بعض الأماكن بين المنسوبين.
عدم قدرة فرع (النيل الأبيض) على استيعاب الكميات الهائلة التى ستتدفق عليه من نهر الكونغو (يحمل فرع النيل الأبيض 12 مليار متر مكعب، بينما المخطط ضخ 95 مليار متر مكعب فيه)، وهذا أمر مستحيل، وإذا كان البديل هو إقامة أنابيب ومواسير عملاقة تحمل هذا القدر الهائل من المياه تسير فى صحراء إفريقيا.. فالإجابة كيف ذلك؟! وكم سيكون قطرها لتحمل مياها محملة ببعض الصخور الركامية والعوالق “الطمى” فهى ستكون ذات وزن رهيب..وكم ستبلغ التكلفة؟ كما لم توجد سابقة فى كل دول العالم المتقدم منها والنامى لتنفيذ أمر بهذا الحجم.
الصراعات الدائمة والمشتعلة فى جنوب السودان، وفى الدول الإفريقية جنوب الصحراء، سوف تهدد هذا المشروع العملاق، حتى إذا تمت إقامته، فهناك استثمارات ستتكلف عشرات المليارات سوف تكون مهددة بالتوقف أو الفناء، وكما نعلم فإن رأس المال جبان.
ضرورة الحصول على موافقات من دول حوض نهر الكونغو والدول المجاورة ودولة جنوب السودان وشمالها، وقبل ذلك موافقة دولية على المبدأ.
لم تتم دراسة الموضوع أو عمل مشروع بحثى متكامل يتسم بالجدية، فالاستناد إلى أفكار لا يؤخذ به أبدا، حيث توجد عشرات الأفكار الأخرى فى كل مناحى الحياة لتطوير الكثير من الأمور داخل مصر، لكن الفيصل هنا هو الدراسة التى تستند إلى منهج علمى وذات مرجعية، تقوم بها جهات ذات كفاءة.
توجد بدائل كثيرة لزيادة إيراد نهر النيل، تم عمل دراسات مبدئية عنها، كما لا يختلف عليها اثنان، بعمل مشروعات متعددة متفرقة فى أنحاء جنوب السودان على وجه الخصوص أو فى منطقة البحيرات الإفريقية، أو بحيرات وأنهار إثيوبيا الفرعية ربما تستطيع زيادة إيرادات النهر بشكل كبير جدا، خصوصا لحصة مصر منها.
وعن رأى الغرفة فى فكرة مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل يقول أ.ياسر الشاذلى مدير القسم الاقتصادى بالغرفة: باستعراضنا لما سبق يتضح أن الفكرة صعبة للغاية فى تنفيذها، وبفرض الحصول على الموافقات القانونية والدولية اللازمة، فإن التكلفة الهائلة تجعلها مستحيلة فى الوقت الحالى.
نرى الالتفات والتركيز الشديد على الكارثة التى تلوح بالأفق والمتمثلة بمشروع سد إثيوبيا الذى يجرى تنفيذه على قدم وساق.. بدلا من التشتت والعيش فى أوهام، لأن المسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر خصوصا للأجيال القادمة، فالمعارك القادمة هى معارك مياه لا شك!
الالتفات نحو المشروعات الممكنة والتى نستطيعها فى ظل الإمكانيات والأوضاع )السياسية والاقتصادية والاجتماعية) ليس فى مصر وحدها لكن فى دول حوض نهر النيل بالكامل، بل الكثير من دول العالم خصوصا الكبرى منه، على أن يتم قبل كل شىء تجديد الدراسات العلمية والعملية المتخصصة لها، أو إنشاؤها فى حال عدم وجودها “تستغرق تلك الدراسات شهورا.” مد العلاقات وتوثيقها بقوة مع جميع دول حوض نهر النيل، فكما يقول د.جمال حمدان: فإن نيل مصر له بعدان، البعد الهيدروليكى الفنى، والبعد السياسى، لأن مياه النيل تنبع خارج حدود القطر على بعد آلاف الأميال وتنبع من أكثر من دولة، على أن كميات المياه التى يحملها نهر النيل تجعله من أقل مياه الأنهار تصريفا على الرغم من كونه أطول أنهار العالم قاطبة.
إعلان الحرب بكل ما فى الكلمة من معنى على جميع مظاهر الإسراف للمياه، مع ضرورة تغيير نظم الرى الزراعية العتيقة والتى تستهلك النسبة الأغلب من مياه
النهر، ورفع تسعيرة المياه بشكل مؤثر، بما يشعر المواطن العادى والفلاح البسيط بأهمية كل نقطة ماء.