سوق السيارات الصينية تحت دائرة الخطـــــــر
تقرير - أشرف كاره
تواجه الأسواق الصينية مؤخراً عدداً من الأزمات والتحديات والتى بدأتها من ما يزيد عن عام مضى مع أزمة القطاع العقارى والتى تتشابه فى تركيبتها مع أزمة الرهن العقارى الأمريكى التى أرخت بظلالها على الإقتصاد العالمى عام 2008 وما تسبب عنها من أزمة إقتصادية كبيرة ليست فقط داخل الأسواق الأمريكية ، بل وأيضاً بالعديد من الأسواق العالمية والتى شهدت حينها إشهار العديد من الشركات والبنوك لإفلاسهم .
واليوم تأتى الصين لتعيش صورة كربونية من تلك الأزمة التى واجهتها الولايات المتحدة عام 2008 – مع الأخذ فى الإعتبار عوامل الإختلاف بالنظام السياسى الصينى عنه بالأمريكى – حيث كشرت هذه الأزمة عن أنيابها بقوة بالأيام الأخيرة وخاصة بعد عودة الصينيين من عطلة (السنة الصينية القمرية) .. ليتفاجأ الكثيرين منهم بمجموعة من الصدمات التى كان أقلها تلقيهم لخطابات تخفيض لرواتبهم بهوامش تتراوح بين 30 – 50% ، وآخرين بتسريحهم من وظائفهم – سواء بمنحهم تعويضات هزيلة لا تكفيهم لشهور قليلة قادمة ، أو حتى بدون أية تعويضات !! – لينتج عن ذلك تضاعف بعدد الباحثين عن وظائف جديدة إلى أربعة أضعاف بأيام قليلة بعد تلك العطلة وبخاصة بقطاعات مبيعات التجزئة ، التعليم والصحة .. وبالقطاع العقارى بطبيعة الحال وكافة الفروع الصناعية والتجارية المرتبطة به ، وليس هذا فحسب بل وأكدت البورصة الصينية على مزيد من الإنخفاضات المستمرة (وربما الحادة) فى أسهم شركات العديد من القطاعات.
وعن قطاع السيارات – وهو أحد أهم قطاعات الصناعة الصينية ، وخاصة مع تصدر الصين للدولة الأولى عالمياً فى الصناعة والإستهلاك من السيارات – فقد ساهمت الأزمة بشكل كبير بتأثر أغلبية الشركات العاملة بالقطاع سلباً ، وبخاصة الشركات الناشئة (Startups) سواء كبيرة الحجم منها أو الأصغر حجماً ، والتى يتخصص أغلبها بصناعة السيارات الكهربائية ومستلزماتها وصناعاتها المغذية.
فبالرغم من تحقيق كل من BYD و TESLA (فقط) للأرباح داخل هذا السوق الضخم بعام 2023.. إلا أن باقى الشركات قد سجلت معاناتها بقوة ، بل وتعرضها لخسائر كبيرة.
فبالنسبة لـ BYD التى تعد الصانع الأهم والأكبر عالمياً للسيارات الكهربائية فقد تمكنت من مضاعفة إنتاجها ليصل إلى 3 مليون سيارة كهربائية بالعام الأخير مع إجمالى إستثمارات بلغت 4,5 مليار يوان صينى ، كما تمكنت من الدخول لـ 15 سوقاً أوربية خلال عام 2023 ، وأستطاعت أيضاً زيادة عدد مصانعها فى البرازيل إلى 3 مصانع ، فى الوقت نفسه الذى تسعى فيه بقوة للدخول والإستثمار بسوق المكسيك (كبوابة لأسواق أمريكا الشمالية) ما سيمثل تهديداً صناعياً صريحاً بقطاع السيارات للولايات المتحدة الأمريكية ، وهو أمر ينعكس على قدرات الشركة المتنامية فى قطاع التصدير والذى نمى بنسبة 67% بالعام الأخير مع تمكنها من تصدير 5,2 مليون سيارة منها 1,8 سيارة كهربائية.
ومع إستثناء تلك الأرقام الإيجابية بالسوق الصينية لصانع ضخم مثل BYD ، فقد سجلت باقى الشركات معاناتها الواضحة بنقص الطلب على سياراتها ، وإشتعال "حرب الأسعار" بين المصنعيين ، لتطول النتائج السلبية كل من الصناع والموردين وحتى التجار ، وهو الأمر الذى بدأ يطفو على السطح مع الربع الأول للعام الجارى بشكل عام ، وبعد إنتهاء عطلة السنة الصينية الجديدة بشكل خاص، فقد أظهرت تقارير بيع وتصدير الشركات الصينية لعدد 2,4 مليون سيارة وبنسبة إنخفاض بلغت 23% بشهر يناير 2024 بالمقارنة بمثيله بالعام الماضى ، فيما بدأت تتوالى "رسمياً" تصريحات رؤساء الشركات الكبرى للسيارات فى الصين بمعاناة شركاتهم من نقص الدعم الحكومى الذى إعتادوا الحصول عليه لدعم نشاطهم الصناعى (وخاصة) منذ عام 2010 والذى زاد من وقتها عن 200 مليار يوان وبمعدلات كانت تصل إلى 40 مليار يوان سنوياً .. مما أثر سلباً على حجم إنتاج تلك الشركات وما تبعها من إنهيارات بالعديد من الأسعار بالسيارات الصينية وبخاصة الكهربائية منها، والتى أصبحت مشابهة بأسعارها للسيارات العاملة بالبنزين أو حتى أحياناً إنخفضت بأسعارها عن تلك العاملة بالبنزين ليتم رفع شعار (Electricity is cheaper than Gasoline) .. بل ووصلت تلك التخفيضات الكبيرة على أسعار السيارات العاملة بالبنزين نفسها مع شهر فبراير المنصرم.. ما أدى ذلك جميعه لبدء العديد من الشركات الصغيرة للإنسحاب من السوق لعدم قدرتها على مجاراة تلك المصاعب الإقتصادية وتأثيراتها السلبية على إستمرارية أعمالها ، ولتبدأ ظاهرة (مقابر السيارات الجديدة) فى الإنتشار بشكل ملحوظ بالدولة الصينية وخاصة للسيارات "النظيفة" منها ، الأمر الذى وضع الحكومة الصينية فى موقف محرج إضطرها لخفض صور الدعم التى كانت تقوم بتقديمه لهؤلاء المصنعيين.
وأخيراً، يترقب الجميع داخل الصين وبهذا الأسبوع بالتحديد لنتائج مؤتمر الحزب الشيوعى الحاكم بالصين والذى سيناقش كافة تلك الأبعاد الإقتصادية .. فيما هل ستتنازل الحكومة الصينية عن توقفها عن دعم هؤلاء ومعاودة الضخ لتلك الحوافز المالية لكافة القطاعات الإقتصادية بالدولة الصينية (ولو جزئياً) ، أم ستترك الوضع على ما هو عليه إنتظاراً للمرحلة المقبلة وما سيتنج عنها من تأثيرات ونتائج؟؟.
وبدورنا فى مصر، ومن منطلق تأثرنا بما يحدث بالصين بطبيعة الحال .. كان لنا بعض الإتصالات بالعاملين والخبراء بالسوق لإستقاء آراءهم حول هذا الأمر ، والتى كانت من التعليقات التى وردت لنا ما يلى:
يقول الكابتن/ عمرو الشرقاوى – الرئيس التنفيذى لمجموعة الشرقاوى للسيارات : " لا شك بأننا كأحد المستثمرين بمشروع إستيراد وتجميع إحدى العلامات الصينية الشهيرة ، نتابع عن قرب كل ما يجرى بالسوق الصينية بشكل عام وبسوق السيارات بشكل خاص، وهو الأمر الذى رفع من درجة حرصنا فى إختيار التوقيتات المناسبة لإطلاق المراحل المختلفة لمشروعنا هذا ، فلا شك أن أستثماراتنا الكبيرة التى قمنا بضخها بهذا المشروع بدءاً بالدراسات غير العادية للمشروع ووصولا إلى التوقيع مع الشركة الأم على الوكالة وتحضيراً لمراحل البيع والتصنيع ... جميعها يجعلنا أكثر ترقباً وحرصاً على القيام بخطواتنا بالوقت الصحيح وبنفس الوقت بالتنسيق المستمر مع الشركة الصينية الأم".
من جانبه أشار خبير وإستشارى السيارات الأستاذ/ أحمد المزاحى قائلاً: " إن هذه الأزمة الإقتصادية الكبيرة التى تمر بها الدولة الصينية تجعلنا أكثر حرصاً خلال المرحلة الجارية فى تعاملاتنا المختلفة مع الجانب الصينى ، فمن جانب على الشركات الراغبة بالإستثمار فى توكيلات لسيارات جديدة وبخاصة الكهربائية منها أن تكون أكثر حرصاً ودراية بالمعطيات المتأرجحة بالسوق الصينية وخاصة أن عدد لابأس به من الشركات بهذا القطاع داخل السوق الصينى قد يتعرض للتوقف المفاجىء وآخرين سيكون لديهم خيار الإندماج فيما بينهم لإنقاذ الموقف، فيما تأتى على الجانب الآخر أهمية حرص الوكلاء الحاليين على حصولهم على مخزون معقول لسياراتها المستوردة من الصين سواء تامة الصنع منها CBU أو كأجزاء للتجميع المحلى CKD حتى لا يتعرضون لأية مفاجآت بنقص الكميات الواردة لنا فى مصر ما سيؤثر بدوره على أعمالهم وكذلك على عملاءهم بالتبعية .. بكل من نقص بمبيعات السيارات أو حتى نقص بقطع الغيار اللازمة لصيانات ما بعد البيع".
أما المهندس/ عماد رسمى – رئيس مجلس إدارة كينج لونج إيجيبت فقد علق قائلاً: " لا أنكر أننا على المدى القصير قد إستفدنا من التخفيضات التى حصلنا عليها على السيارات الكهربائية (Golf Cart) والتى نقوم بإستيرادها من الصين ضمن أعمالنا بقطاع السيارات ، إلا أننا قد عانينا على الجانب الآخر وبشكل كبير من عدم مرونة فتح الإعتمادات المستندية لإستيراد مايكروباصات كينج لونج سواء تامة الصنع أو الأجزاء التى نقوم بتجميعها محلياً بخطوط إنتاجنا بمصنع مجموعة الأمل للسيارات، وهو الأمر الذى إنعكس علينا فى تحمل العديد من الخسائر التصنيعية بسبب نقص الكميات المنتجة من جانب وبسبب التغيرات المستمرة بأسعار الدولار. أما تأثيرات ما يحدث فى الصين من أزمة متعددة الجوانب فأعتقد بأننا لم نتأثر بها بشكل ملحوظ وخاصة لما ذكرته من إنخفاض ملحوظ بأرقام إستيرادنا منهم".
وعلى مستوى المنطقة العربية ، كان لنا إتصال بالشيخ/ عيسى المطيرى – وكيل سيارات (زوتى) و(كايى) بالسوق الكويتية والذى أفاد قائلاً: " نعم إن السوق الصينية وبخاصة بقطاع السيارات الكهربائية تعانى بصورة واضحة خلال هذه الفترة ولكن شأنها فى ذلك كل من السوق الأمريكية والألمانية واللتان غيرتا من خططهما التصنيعية بهذا المضمار وهو ما أثر على رؤى إنتاجاتهم الصناعية بهذا القطاع من صناعة السيارات، فإنخفضت نسبة مبيعات السوق الألمانية للسيارات الكهربائية من 16% إلى 10% خلال الشهرين الأخيرين ، فيما تسعى (تسلا) الأمريكية لتطوير تصنيع السيارات الكهربائية إلى العاملة بالهيدروجين ، أما عن مدى تأثر الشركات الصينية فبلا شك ستتمكن الشركات الأكثر تجذراً وملكية مع الحكومة من الصمود ، فيما ستتأثر الشركات الخاصة الصغيرة".
وأضاف المطيرى قائلاً: " كما تعلم أن العقلية الصينية بهذا المجال تتمتع بحلول سريعة، وهو ما نراه هذه الأيام من سعى الشركات الصينية من منح أسعار مخفضة بشكل واضح للأسواق الأكثر قدرة على الإستيعاب بهذه الفترة شأن الخليجية منها والأسواق الأفريقية ، وهو الأمر الذى سيعالج بصورة إيجابية من هذه الأزمة ، كما سيعد مكسباً لكافة الأطراف".
بالنهاية لا يمكننا التنبأ "الدقيق" بما هو قادم بالسوق الصينية وخاصة مع الوضع فى الإعتبار البعد السياسى والإستراتيجى للحكومة الصينية وقرارات حزبها الحاكم المنتظرة ، إلا أن أغلب خبراء الإقتصاد بالعالم يقولون بأن دولة بمثل هذه الضخامة عندما تعانى من أزمة ديون وإنخفاض بقدرات الأفراد الشرائية ومن ثم تزايد الضغط على الشركات من تراكم بالإنتاج بدون مبيعات وكذا تزايد بالديون وتوقف عن دفع رواتب وتسريح عمالة ، علاوة على التخوف الكبير من إنهيارات محتملة بالأسهم .. فذلك جميعه يجعلنا فى حالة ترقب (غير إيجابية) لحين ورود ما هو جديد؟.