السوق العربية المشتركة | أطفال الحجارة بالمنيا.. صناعة القتل بين صخور الصحراء

السوق العربية المشتركة

الإثنين 18 نوفمبر 2024 - 00:36
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

أطفال الحجارة بالمنيا.. صناعة القتل بين صخور الصحراء

محاجر المنيا
محاجر المنيا

17 طفلا فقدوا حياتهم و2000 مصاب بالربو خلال عام فى محاجر المنيا

على مشارف الهضبة الشرقية فى الجزء المتاخم لمحافظة المنيا، هنالك توجد الكارثة الحقيقية لأطفال المنيا، القضية التى طالما قتلت بحثاً ورفعت شكواها دون مجيب أو رقيب، هناك ترى الأطفال تغطيهم السموم لا تستطيع تمييز ملامح وجوههم التى كستها “غبرة” الحجارة وقسوتها ورسمت على وجوههم شقوق المرض والآلام التى جعلتهم كهول فى عمر الزهور.



توجهت “السوق العربية“ إلى محارق الأطفال، إن جاز التعبير، فى محاجر شرق النيل بمحافظة المنيا، والتى يشكل الأطفال 80% من نسبة العمالة فى تلك المحاجر، التقينا الأطفال والمسئولين وأصحاب المحاجر.. رسمت آثار الأحزان على ملامح الطفل سليم عبدالغفار (13 سنة) وهو يروى فقدانه كامل ذكورته فى المحجر فى يناير 2013، حين توجه إلى مكان التفجير ليعرف سبب تأخر انفجار الألغام التى وضعها بين الصخور، فباغته الانفجار التى تطايرت شظاياه لتقضى على مستقبل هذا الطفل! وإلى جواره يجلس خالد حفنى (11 سنة)، قصة فقدانه ساقه اليمنى أثناء محاولة هروبه قبل انفجار خلطة المتفجرات التى يسمونها باللغم، موضحا أنه سقط أرضا قبل الهروب فقطعت ساقه، وينتظر تركيب طرف صناعى لأنه لا يمتلك ثمنه.. ويشرح الطفل دسوقى خليل (13 سنة) والموكل إليه عملية التفجير فى أحد المحاجر، أن التفجير يتم من خلال الديناميت أو بخلطة خاصة ابتكرها ملاك المحاجر وتتكون من بعض الأسمدة الكيميائية مع حطب السمسم المحروق وبعض المواد العضوية، يتم وضعها فى بطن الهضبة وإشعالها بفتيل لإتمام عملية التفجير. ورغم خطورة هذه التفجيرات، ورغم خطورة الأمر برمته إلا أن دسوقى يؤكد أن “العيال الفتوات” فقط هم من يتم إيكال هذا الأمر لهم لأننا نتعرض لخطر كبير، وقد توفى زملاء كثيرون أو أصيبوا بعاهات مستديمة.

فيما لا يوجد حصر لهؤلاء الضحايا، لأن الحوادث تقع لهم بشكل متفرق فى مختلف محاجر المنيا ولا يتم تسجيلها لدى أى جهة حكومية كما لا تهتم أى جهة حكومية بالبحث عن وجود ضحايا من عدمه!

وعلى الرغم من تجريم تلك التفجيرات قانونا إلا أنها من الأعمال اليومية فى المحاجر. بل إن العديد منها لا تقوم إلا على أعمال التفجيرات، إذ يفضلها أصحاب المحاجر لاستخراج بلوكات الرخام من الصخور غالية الثمن سريعة الربح، لأنها لا تكلفهم شيئا إلا قتل أو تشويه بعض الأطفال أحياناً ! وهذا لا يهمهم فى شىء إذا كان لا يهم المسئولين بالمحافظة!

ويؤكد عبدالحميد سليمان، المشرف على مشروع رعاية عمال المحاجر، الذى تنفذه مؤسسة رعاية عمال المحاجر التنموية والحقوقية، أن جميع عمال المحاجر غير مؤمن عليهم.. كما أنهم يعملون دون أى مظلة قانونية تحميهم وأنهم لا يملكون أى وسائل أو أدوات تمكنهم من الدخول إلى المحاجر بهضبة المنيا الشرقية وضبط الأطفال العاملين فيها حيث لا توجد سيطرة للأمن على هذه المناطق.

ويقول خالد تونى وكيل نقابة العالمين بالمحاجر، إن مسئولى التأمينات الاجتماعية والمحليات بالمحافظة أو المجلس المحلى لا يطلبون مستندات تثبت التأمين على هؤلاء العمال بل يطلبون فقط قيمة التأمين على خمسة عمال وغالبا ما تكون الأسماء المقيدة لبعض أقارب صاحب المحجر وليست أسماء عمال فعليين. أما الأطفال فهم خارج المظلة التأمينية أساسا لأنه يجب ألا يعملوا فى هذه الأماكن وهذا العمر!

كما يشير محمد خاطر وكيل مكتب التأمينات الاجتماعية، أن دور المكتب يقتصر على التفتيش على المؤمن عليهم لدى صاحب أى جهة عمل.. بموجب عقود تأمينية فقط وليس له دخل بعمالة الأطفال أو منعها أو اتخاذ أى إجراء تجاه ذلك الأمر وأن مكتب العمل لا يستطيع الوصول إلى أطفال المحاجر، وإن وصل إليهم أنكروا أنهم يعملون فى المحاجر،

فيما يبرر جابر سيد، أحد أصحاب المحاجر غير المرخصة استخدام الأطفال وعدم التأمين عليهم بأنه إذا كان الحجر يباع بسهولة فلماذا اللجوء للتراخيص! “والعمال عايشين وأنا مبشغلش حد بالعافية وبياخدوا مبالغ كويسة ولا حاجة لى للتأمين عليهم لأنهم يعملون لدى ولدى غيرى. وإذا كنت أنا شخصيا مش مأمن على نفسى ولا مرخص المحجر فكيف لى بالتأمين عليهم، وهم أصلا عيال مش فى سن التأمين“.

وتؤكد ولاء يوسف، من المركز الدولى لحقوق الإنسان، أن حصيلة مأساة أطفال المحاجر بالمنيا هذا العام 2014 فقط حتى الآن وصلت إلى وفاة 17 طفلا منهم 6 تحولوا إلى أشلاء بشرية بفعل المتفجرات، إلى جانب إصابة ما يقرب من 2000 طفل بأمراض مختلفة أبرزها الربو، دون أن يلتفت أى مسئول فى أى جهة إلى تلك المحرقة البشرية، ولا توجد عقوبة رادعة لتشغيل المحاجر دون ترخيص، فالغرامة بسيطة وتُحتسب طبقا لقانون المحاجر 86 لسنة 1956 وهى أنه فى حالة ضبط محجر يعمل بدون ترخيص تطبق عليه غرامة قدرها 20 مليما للدشمة الحجرية (قالب الطوب الحجرى)، أى 0.020 جنيه، و100 مليم للحجر الجيرى و75 مليما للطفلة (من أنواع الرخام). ويقوم بعدّ هذه الأحجار محصل الكشك الذى ليس له علاقة بالأمر فى الأساس، ويبدو أن المسئولين غير قادرين على منع تشغيل المحاجر بدون ترخيص ولا وقف تشغيل الأطفال فى هذه الأعمال الخطرة بالمحاجر أو حتى توفير الحماية التأمينية لهم. فهم يعملون فى بيئة نائية خارج نطاق سيطرة الدولة ومع انخفاض تكلفة تشغيلهم سيبقى أصحاب المحاجر يرون فيهم مصدرا رخيصا يحققون من خلاله ثرواتهم الضخمة التى لا يدفعون عنها حق الدولة.

فيما وصلت تجاوزات أصحاب المحاجر التى يصل عددها إلى 3000 محجر، ومحاضر إدارة المحاجر، وتشمل الاعتماد على عمالة الأطفال فى مخالفة لقانون الطفل المصرى 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008 الذى يحظر تشغيل الأطفال فى الأعمال الخطرة مثل المحاجر دون سن 18 عاما. يتم ذلك وسط تجاهل مؤسسات الحكم المحلى بل أجمعت جميع الأجهزة الحكومية على “صم الآذان“ تجاه تلك القضية.

وقد كشف الواقع تجاهل المسئولين والمفتشين تواجد الأطفال داخل المحاجر، إذ لم ينص أى تقرير رقابى على تشغيل الأطفال ولم يثبت هذا الوضع إلا فى تقارير المنظمات غير الحكومية العاملة على رعاية عمال المحاجر، وسط غياب كامل لوزارة الداخلية عن هذه القضية والمسئولين يبررون تركهم الأطفال بلا حماية إما لأنه ليست لديهم القدرة على ذلك أو لأن ذلك ليس من اختصاصهم الوظيفى !

فيما ينتظر الأطفال وسط مهالك الصحراء، من يعلن أنهم من اختصاصه الوظيفى؟!