السوق العربية المشتركة | التمويل متناهى الصغر وإحياء الأمل الاقتصادى

السوق العربية المشتركة

الإثنين 18 أغسطس 2025 - 15:12
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
التمويل متناهى الصغر وإحياء الأمل الاقتصادى

التمويل متناهى الصغر وإحياء الأمل الاقتصادى

لا تزال معالجة الفقر أحد أكبر التحديات التى تواجه الحكومات فى جميع أنحاء العالم حالياً لذا فإن التمويل متناهى الصغر يمكن أن يساهم بشكل فاعل فى الحد من ظاهرة الفقر المتفاقمة حول العالم وتمويل المشاريع إلا أنه على الرغم من هذا الدور المرتقب فلا يزال الانتشار التمويلى لهذا النوع محدودا للغاية.



يقصد بالتمويل متناهى الصغر الخدمات والمنتجات المالية المختلفة التى تستهدف الفئات ذات الدخل المحدود والمنخفض. وتشمل هذه الخدمات الإقراض والتأمين والادخار وتحويل الأموال بما يلاءم احتياجات وقدرات هذه الفئات.

ويعتبر التمويل متناهى الصغر وسيلة رئيسية من وسائل تشجيع مساهمة الفئات محدودة الدخل فى النشاط الاقتصادى، فالوصول إلى وسائل تمويلية مختلفة للأفراد وأصحاب المنشآت متناهية الصغر يسهم فى الحد من البطالة والمساهمة فى تحسين دخول الأسر الأكثر فقرا، ويحقق أثرا إيجابيا على زيادة حجم الاستثمار والتشغيل فى الاقتصاد القومى.

ويتسم التمويل متناهى الصغر وفقا للتجارب السائدة فى مختلف بلدان العالم بأنه يعتمد على الاتصال الشخصى والمباشر بين جهة التمويل والعملاء، وعلى توفير مبالغ أو خدمات محدودة القيمة، بما يتطلب وجود كيانات منظمة للتواصل الشخصى مع الأفراد والكيانات والمشروعات متناهية الصغر.

فى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى، ظهرت برامج الإقراض المدعمة من قبل الحكومة والتى استهدفت صغار المزارعين فى المقام الأول. ومع بداية السبعينيات من القرن الماضى، ظهرت تجربة الدكتور محمد يونس فى بنجلاديش والتى اعتمدت على أن ذوى الدخول المحدودة والمنخفضة لديهم القدرة والجدارة الائتمانية الكافية للحصول على الائتمان المصمم لتلبية احتياجاتهم وبما يلائم مقدرتهم على السداد. وكانت هذه التجربة هى بداية انتشار برامج الإقراض متناهى الصغر فى العالم فى العقود التالية.

وفى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بتقديم الدعم الفنى والمالى لكلٍ من البنك الوطنى للتنمية وجمعية رجال الأعمال بالإسكندرية لتقديم الإقراض متناهى الصغر لمحدودى ومنخفضى الدخل النشطين اقتصادياً والمنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر. وفى عام 2001، قدم بنك القاهرة برنامجاً للإقراض متناهى الصغر تلاه بعد ذلك كل من بنك مصر فى عام 2003 وبنك الإسكندرية فى عام 2007. وعلى مدار العامين الماضيين، أنشئت شركتان مصريتان لتقديم خدمات الإقراض متناهى الصغر (شركة ريفى وشركة تنمية) بالاشتراك مع بنكين من القطاع الخاص. كما عمل الصندوق الاجتماعى للتنمية على إتاحة التمويل للعديد من الجمعيات الأهلية لتقوم بتقديم الإقراض متناهى الصغر.

تستحوذ حاليا فى مصر ست جمعيات وبنك على الحصة الأكبر من العملاء الحاليين للإقراض متناهى الصغر وتبلغ حوالى 65 بالمائة وهى جمعية رجال الأعمال بأسيوط، والجمعية المصرية لتنمية وتطوير المشروعات (ليد)، وجمعية رجال الأعمال بالإسكندرية، والجمعية المصرية لتنمية المشروعات الصغيرة والحرفية، وجمعية رجال الأعمال والمستثمرين لتنمية المجتمع بالدقهلية، بنك القاهرة، وبرنامج التضامن، بينما تستحوذ باقى الجمعيات (أكثر من 395 جمعية) على 25 بالمائة وباقى البنوك (ثلاث بنوك والشركتين) على 10 بالمائة من العملاء الحاليين.

وتنتشر فى السوق المصرية آليتان للإقراض متناهى الصغر: الإقراض التضامنى والإقراض الفردى. يعتمد الإقراض التضامنى على وجود مجموعة من المقترضين (يتراوح عددهم بين ثلاثة وخمسة أفراد) يحصلون على قرض واحد يقسم بينهم بالتساوى. ويكون كل أفراد المجموعة ضامنين بعضهم البعض فى السداد ويتم سداد القرض أسبوعياً أو نصف شهرياً فى فترة تتراوح بين عشرة أسابيع وأربعين أسبوعا. ويتراوح مبلغ القرض بين 50 جنيها إلى 1500 جنيه للفرد الواحد داخل المجموعة ويستخدم القرض لتمويل الأنشطة المدرة للدخل، والتى يقع معظمها فى القطاع غير الرسمى.

أما الإقراض الفردى فيعتمد على منح قرض لفرد واحد- والذى يكون عادةً مالكاً لمنشأة صغيرة أو متناهية الصغر قائمة لمدة تزيد على عام- على أن يكون لديه ضامن شخصى. ويتراوح حجم القرض بين 500 جنيه و25 ألف جنيه ويصل فى بعض الأحيان لحوالى 100 ألف جنيه. ويتم السداد شهرياً فى مدة تتراوح بين أربعة أشهر وعامين.

ونظرا لضرورة هذا النوع من التمويل، فإنه لا يوجد مجتمع يخلو من وجود أشكال غير رسمية من التمويل متناهى الصغر والذى لا تتوافر فيه حماية كافية للحاصلين على التمويل ولا الوسائل الكفيلة بالرقابة على الجهات التى تمنحه، لذا يتطلب وضع إطار قانونى للجهات التى تتولى تقديم هذا النوع من التمويل واهمهم: الشركات، الجمعيات والمؤسسات الأهلية، إلى جانب الجهاز المصرفى والصندوق الاجتماعى للتنمية.

ففى إطار قيام الهيئة العامة للرقابة المالية بدورها فى تنظيم القطاع المالى غير المصرفى طبقا لأحكام القانون رقم (10) لسنة 2009 بتنظيم الرقابة على الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية، قامت بإعداد قانون لينظم نشاط التمويل متناهى الصغر، بهدف العمل على زيادة قدرة الفئات المستهدفة والمشروعات متناهية الصغر على الوصول لوسائل التمويل المختلفة، وذلك بالاستعانة بأفضل الممارسات الدولية فى هذا الشأن.

وباستقراء ملامح هذا القانون فإنه يهدف تنظيم نشاط التمويل متناهى الصغر بما يتضمن مصالح الأطراف المعنية والرقابة على الشركات التى تقدمه لضمان الكفاءة والشفافية وإدارة للمخاطر التى قد تتعرض لها وذلك مع عدم المساس بدور البنوك والصندوق الاجتماعى للتنمية فى تقديم التمويل متناهى الصغر وفقا للتشريعات المنظمة لأنشطتها، واستمرار قيام الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمزاولة نشاط التمويل متناهى الصغر بنفسها بعد الحصول على موافقة الوزارة المختصة بالإشراف والرقابة عليها.

كما سعى القانون لتطوير المعايير المهنية لنشاط التمويل متناهى الصغر للنهوض بها وبالعاملين بها بما يتماشى مع المعايير الدولية وجذب المزيد من الجهات الراغبة فى تقديم التمويل متناهى الصغر من المؤسسات المالية المهتمة بإتاحة التمويل لأصحاب المشروعات متناهية الصغر بما يؤدى إلى التافس بينها بما يحقق مصلحة العملاء مع التوسع فى تقديم الخدمات المالية للمشروعات متناهية الصغر وللفئات المستهدفة من العملاء للتقليل من الفجوة التمويلية بهذا القطاع.

6- تشجيع وتنظيم التأسيس والترخيص لشركات التمويل متناهى الصغر وإتاحة موارد التمويل لها.

ويؤدى هذا القانون لتمكين الشركات المرخص لها من العمل بكفاءة أخذا فى الاعتبار التشريعات الضريبية السارية المرتبطة بنشاطتها وبما لا يعيق تلك الشركات نظرا لصغر حجم التمويل الممنوح وقصر فترة دورة التمويل مع تدعيم دور الجهات ذاتية التنظيم من خلال إنشاء اتحاد يضم الجهات العاملة فى نشاط التمويل متناهى الصغر بهدف المساهمة فى تطوير المعايير المهنية لهذه الجهات.

خلاصة الأمر هى أن قانون تنظيم نشاط التمويل متناهى الصغر الذى أصدره رئيس الجمهورية يهدف إلى المساهمة فى إيجاد فرص عمل والحد من الفقر من خلال تنظيم وتفعيل وسيلة تمويل يستفيد منها المواطنون البسطاء الساعون لإقامة مشروعات تجارية أو حرفية أو خدمية خاصة بهم ممن قد لا تتيسر لهم القروض التقليدية فى ظل أن وجود نظام إشرافى يتمتع بالمصداقية وتطبيق قواعد واضحة لإدارة المخاطر وحماية المتعاملين واشتراط معايير للملاءة المالية وتحديد متطلبات إفصاح للجهات المرخص لها كلها عوامل جذب للمستثمرين والممولين المهتمين بنشاط التمويل متناهى الصغر سواء الشركات أو الجمعيات الأهلية.