وقفة إعلامية
08:54 م - الأربعاء 1 مارس 2023
ستظل الصحافة الورقية تطل علينا كل صباح لنتصفح أوراقها، ورقة ورقة ونقرأ أعمدة كتابها وإن وصلت إلينا في هذا الزمن عبر وسائل التواصل الاجتماعي وباتت مصادرها متعددة ممن أدمنوا إرسالها من خلال المجموعات عبر الإنترنت، وهي مهمة خصوصا والذين هم بعيدون عن أوطانهم أو أنهم لا يتمكنوا من الاطلاع عليها، فقد تنوعت وتعددت في كل الدول، سواء كانت عربية أو أجنبية، أما القنوات الفضائية فقد أصبحت مطلوبة في أجهزتنا التليفزيونية وتعددت وتنوعت وتخصصت، فبعضها قنوات إخبارية، وبعضها مسلسلات تستند إلى كتاب الدراما التليفزيونية، وبعضها تخصصت في برامج الطبخ والتفنن في موائد الطعام، وهناك القنوات الرياضية بكل أنواع الرياضات الفردية والجماعية والبطولات الدولية والقارية والقطرية.
وعندما يأتي شهر رمضان، وهو -ولله الحمد- قريب جدا علينا، نستبشر بهذا الشهر الفضيل بالخير ونترقب مجيأه بكل الترحاب، فهو شهر الخير والبركات، شهر البذل والعطاء في سبيل الخير والتسهيل على ذوي الحاجة، ويتسابق أهل الخير لتقديم ما تجود به نفوسهم من عطايا الخير، وهو شهر المغفرة والرضوان، وشهر يتقرب فيه الصائمون إلى كل ما يشيع في نفوسهم الاطمئنان، ويسعون إلى الجوامع لتأدية الصلوات المفروضة بالإضافة إلى صلاة التراويح.
في مواقف كثيرة صادفتنا أيام كنا في موقع المسؤولية عن التليفزيون والإذاعة وهو كيف نحقق رضا المستمع والمشاهد في هذا الشهر الفضيل، فكانت البرامج الدينية، والمتحدثون المختصون في الفتاوى يظهرون على شاشات التليفزيون ومن خلال القنوات الفضائية والإذاعات بموجاتها المتعددة على المشاهدين والمستمعين وهم يتصدون لأسئلتهم للإجابة عليها، فهم أهل الاختصاص ورمضان فرصة لتقديم مثل هذه البرامج، ونترحم على أولئك المشايخ الذين كان لهم الدور في وطننا العربي لإشاعة المعرفة الدينية والتشريع الإسلامي المستنير، وهذه البرامج -ولله الحمد- لا يختلف عليها اثنان؛ لأهميتها ودورها الرائد في التثقيف الديني والتشريعي.
أما إذا جئنا إلى المسلسلات الدرامية، فالحديث عنها يطول، فقد تفننت الشركات الخاصة والقنوات المملوكة للدولة وشركات الإنتاج الخاصة في إنتاج المسلسلات الدرامية بكل الأشكال والأنواع وأصبحت متابعتها من المشاهدين والمستمعين سواء للتليفزيون أو الإذاعة مرتفعة وتكاد تقترب من جل الوقت للمتابعة وحتى في غير أوقات المشاهدة يكون الحديث دائرا بين المشاهدين خصوصا عن أحداث المسلسل المتابع من قبلهم.. كانت ظروف الإنتاج صعبة على بعض الأجهزة التليفزيونية، كون الإنتاج يكون التسابق حوله محموما، والرغبة في إبراز أدوار الكتاب والمخرجين والممثلين مطلوبا ومحمودا حتى جاز لنا أن نعبر يوما عن هذه الظاهرة بالقول، «في رمضان يكرم التليفزيون أو يهان» على غرار القول «في الامتحان يكرم المرء أو يهان» ففعلا مسلسلات رمضان الإذاعية والتليفزيونية كم المشاهدة والمتابعة كبير جدا، وهناك من تخصص في ثقافة التقييم لكي يكون له القول الفصل في المستوى الإبداعي والدرامي بكل عناصره ومعطياته ويصبح القائمون عليه والمشاركون فيه أمام امتحان صعب يوميا وحتى نهاية الشهر الفضيل.
كانت التليفزيونات تسعى من خلال ميزانيتها لاقتناء المسلسلات الدرامية من الدول المنتجة على سبيل المثال من جمهورية مصر العربية ودور القطاع الاقتصادي في الترويج لهذه المسلسلات الدرامية بأنواعها وكذلك شركات الإنتاج في سوريا والأردن ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكانت في الكثير من هذه المسلسلات يتم اقتناؤها من قبل المحطات دون أن تستكمل كامل حلقاتها، وكان المنتجون في سباق مع الزمن يعملون ليل نهار لإنتاج حلقة بحلقة ويتم شحنها إلى المحطات الراغبة في اقتنائها في صراع يومي وبذل جهد خارق لاكتمال الحلقات، وأتذكر موقفا واجهناه من ضمن اقتناء حلقات مسلسل يصلنا تباعا من خلال الشحن الجوي يوميا ليتم تسليمه أو استلامه من المطار ليتم برمجته ضمن المسلسلات، وإذا إحدى الشحنات تذهب إلى دولة أخرى فما كان علينا إلا طلب الحلقة من المسلسل من المصدر عن طريق الستلايت «الأقمار الصناعية» مهما كلف ذلك من ثمن فالالتزام برضا المشاهد الكريم فوق أية تكلفة مالية وموقف آخر حدث لنا في جهازنا الوطني فقد كان المسلسل ينفذ بشكل يومي وهو مدرج على برامج الدورة وإذاعته وبثه بعد الإفطار مباشرة، وإذا أحد الزملاء من مخرجي هذا المسلسل يتصل بي في وقت متأخر من الليل ليبلغني بأنه لن يتمكن من إنجاز حلقة اليوم لأسباب عدة، فقد كان هو الحريص على إتقان عمله ويدرك أن دوره في تقديم الإخراج المميز حفاظا على سمعته وجدارته وتمكنه، وكنت الحريص أيضا على شعور المواطن أو المشاهد عموما في أن يلبي جهاز التليفزيون الرغبة لديه، فكنت في نقاش للمصلحة العامة مع الصديق العزيز المخرج، فكان عند حسن الظن به، فلم يخيب أمل المشاهد الكريم وأنجز تنفيذ الحلقة وإن كان قد تنازل عن بعض عناصر إبداعه، ولكن التزامنا الأدبي مع المشاهد فوق أي اعتبارات فنية أو تقنية.
يظل التليفزيون أو قل أجهزة الإعلام المتعددة المقروءة والمسموعة والمرئية في رمضان أمام امتحان صعب فإما أن تكرم أو تهان، فالقارئ والمستمع والمشاهد دائما على حق وهو في نفس الوقت الحريص على أن تظل أجهزته الوطنية عند مستوى المسؤولية وتلبي حاجته إلى المعرفة والمتعة والترفيه، فالقارئ والمستمع والمشاهد دائما على حق.