حديث الذكريات
11:19 م - الأربعاء 1 فبراير 2023
ما أجمل الذكريات، خصوصًا إذا جاءت من إنسان عايش الكثير من التجارب الحياتية، واستطاعت ذاكرته أن تحتفظ بأمور مرت عليه في حياته، واستفاد منها ووظفها في الكشف عنها لأجيال تأتي بعده ويصبح ولله الحمد كنزًا من كنور هذه الحياة التي لا تقدر بثمن، فالأجيال التي سبقت كان عليها أن تنقل لمن يأتي بعدها تجارب بحلوها ومرها، وبقيت في النفس حاجات وحاجات، حتى إذا استدعت الظروف يبوح بها لأبنائه وأحفاده لكي يعرفوا حقيقة ما يجري وجرى في حاضر الأيام وسابق الأيام، فالحديث لا يمل لأنه نابع من الفكر والقلب الذي يحتضن التجارب ويفيض بحنانه وعطفه على من حوله بكل الحب والعرفان.
كنا قد طرحنا في أكثر من مجلس من مجالسنا الأهلية في مملكة البحرين، أهمية الأستفادة من رجالنا ونسائنا الذين خبروا الحياة وأسسوا الكثير من الإنجازات، ولازالوا يعتزون بما حققوه لوطنهم ولمن يعيش بينهم، وكذلك حياتهم من خلال الأسفار والتنقلات وقد تطوع الكثير منهم في سرد أشياء من الذاكرة، وأبدى الآخرون استعدادًا لخوض هذه التجربة، وكان التسجيل مطلوبًا لكي يتم توثيق ما يقال؛ لأن تجارب الحياة وإن تكررت إلا أن كل واحد منا له تجربته الخاصة من خلال معايشته للأحداث ومن خلال ما سمعه من الأجداد والآباء.
وبطبيعة الحال فإن الناس يتباينون في التركيز على ما يهمهم، وقد يغفلون عن بعض الأشياء لتزاحم الذاكرة بالكثير من الأحداث، غير أننا لا نعدم من يصحح المسار، ويضيف الجديد أو يسهب في إيراد شيء عزيز عليه، ويحفظ به كزاد لمواجهة متطلبات الحياة... استطاعت بعض المجالس تسجيل حديث الذكريات لرجالنا ونسائنا وظلت الحاجة ماسة إلى مواصلة مثل هذه السوانح... فقد شعر من تم التسجيل لهم بأهمية ذلك واكتشفوا إن الآباء لم يبيحوا لأبنائهم معرفة أدق الأشياء صغيرها وكبيرها، فكان ذلك بمثابة إغناء لذاكرة الأفراد والجماعات والتي هي بالضرورة ذاكرة الوطن...
تشجع الصديق السيد مبارك عبدالله المغربي وأصدر كتابًا حول «إضاءات في حياة مبارك المغربي» وهي إضاءات سطرها من خلال عمله التطوعي وعمله الرسمي في أكثر من وزارة، ابتداء من وزارة التربية والتعليم إلى الإسكان إلى الشباب والرياضة، ويومها بدأ حديثه في «جمعية دار المنار لرعاية الوالدين» بمدينة عيسى ليطلع رواد الدار على تجربته ويتيح المجال لمن يعرفونه كيف بدأ حياته والمحطات التي استفاد منها وكان ذلك بمثابة حافز ودافع لأبنائه وأحفاده. وأحسب أن مجالسنا ولله الحمد تزخر بالرجال الذين أفنوا أعمارهم في الأعمال التي يعود مردودها بالخير على الوطن وأهله.
حسنًا أن تأخذ دار المنار لرعاية الوالدين بمدينة عيسى هذه الفكرة وتطورها لما يعود على رواد الدار بالخير ويشعرهم بأن لهم أدوارًا في التوعية المجتمعية ولوسائل الإعلام دور في تسجيل مثل هذه الذكريات ولا نستثني من ذلك الإذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة وكذلك الكتب التي صدرت مؤخرًا في مملكة البحرين وقامت بدورها الوطني في تسجيل ذاكرة الوطن، كما نعلم بأن ذاكرة الوطن تتكون من رجال يروون مشاهداتهم والظروف التي عاشوها، وكذلك الأعمال التي تقلدوها وصلتهم الوثيقة بين بعضهم البعض وأصدقائهم وجيرانهم، والبلدان المجاورة لهم، حيث كانت تتم الزيارات في المناسبات وطوال العام، والوسائل الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة لمعرفة الكثير عن رجالات بلادنا، ولذلك فعلينا استثمار هذه التقنية في تحفيز الناس على تسجيل ما علق بالذاكرة... ولقد قامت إذاعة وتلفزيون البحرين بتسجيل الكثير من هذه الأحاديث على مدى عمر الإذاعة والتلفزيون في بلادنا ولازالت الحاجة ماسة لمواصلة ذلك، فهناك مجالات متعددة لازالت عالقة في ذهن رجالنا ونسائنا.. وستظل أحاديثهم منارات لتأصيل القيم الإنسانية التي يتحلى بها مجتمعنا ووطننا الحبيب، ولعل في المؤسسات الأخرى مثل هذا التوجه الوطني، ولذلك علينا أن نتعاون جميعًا في تسجيل ذاكرة الوطن، واحيي أولئك الرجال الذين نذروا أنفسهم في تسجيل هذه الوقفات وهو واجب وطني علينا دعمه وتشجيعه والسير على خطى من آل علي نفسه تسجيل ذاكرة الوطن في هيئة كتاب أو برنامج إذاعي أو برنامج تلفزيوني، أو تخصيص وقت من أوقات مجالسنا الأهلية للحديث إلى رواد هذه المجالس بتجربة ومعايشة أجدادنا وآبائنا لكل ما هو جميل في وطننا العزيز وصلته بجيرانه وأشقائه من دول الخليج العربي والوطن العربي على اتساعه...
فالتاريخ بمجريات أحداثه وشخوصه يظل شاهدًا على العصر، وفي الواقع إن هذه الاتجاه ليس حكرًا على دول نامية ودول متقدمة لأن هذه الذاكرة مهما تعددت فهي ذخيرة لأي وطن ولأي شعب...
وعلى الخير والمحبة نلتقي