أزمة الدولار ما بين التأثير السلبى والإيجابى على مصر
تحقيق إيمان شهاب
الخبراء: الحل فى المؤتمر الاقتصادى والاكتفاء الذاتى والصناعة
مصطفى بدرة: التقارير الدولية أثبتت أن الدولار سيرتفع مرة أخرى
خالد الشافعى: الحل لهذه الأزمة فى التشجيع على الصناعة الوطنية
شهدت مصر فى الفترة الأخيرة حالة من الاستياء بعد القرارات الأخيرة التى أصدرها البنك المركزى فيما يتعلق بخفض قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار فى السوق الرسمية وتنفيذ سياسة الصرف المرن، مما نتج عن ذلك مشاكل تحاول ذبذبت الاقتصاد المصري، لذا تحاول الدولة المصرية مواجهة هذا الوضع من خلال اتخاذ عدة استراتيجيات، كالترشيد فى استهلاك مواردها، ومحاولة الاكتفاء الذاتى، وفتح الاستيراد وغيرها من الأمور التى تحاول بها استقرار الوضع الاقتصادى لحين إنتهاء الأزمة، والخروج من هذه المشكلة بأقل الخسائر.
على الرغم من استياء العديد من هذه الأزمة التى لا تعيشها مصر فقط بل العالم بأكمله تأثرا بالظروف العالمية الراهنة، إلا أنها لم تؤثر على الحالة الاقتصادية المصرية بشكل سلبى فقط بل أثرت بشكل إيجابى أيضا من خلال فتح باب الاستثمارت الأجنبية، ومحاولة الاكتفاء الذاتى، وزيادة الإنتاجية وغيرها من الأمور الإيجابية التى صرح بها سيادة الرئيس فى بداية الأزمة، ولهذا تم إجراء ذلك التحقيق لاستطلاع آراء الخبراء حول مدى تأثر الاقتصاد المصرى بهذا الوضع العالمي، وكيفية مواجهته لحين إنتهاء الأزمة
فى البداية، قال الدكتور مصطفى بدره، أستاذ التمويل والاستثمار، بأن ارتفاع الدولار ارتفاع عالمى من بداية السنة بدأ يتحرك أمام سلة العملات الآخري، وكان هذا هو المؤشر الأساسى لارتفاعه مع سعر الفائدة بدأ يتحرك الدولار تحرك كبير مما أدى إلى انخفاض تقريبا كل عملات العالم مما أثر بشكل كبير على اقتصاديات العالم، وعلى سوق السندات، وسوق الأسهم، والأسواق فى العالم، مضيفاً بأن ارتفاع معدلات الفائدة فى السوق الأمريكى أدى إلى انعكاسه على وضع الدولار لتحريك السوق الأمريكى وشراء الدولار أمام العملات الآخرى بمنتهى البساطة، مشيراً إلى أن ارتفاع الدولار كان نتيجة لزيادة الفائدة حيث انعكس ذلك على الأسواق العالمية مما أدى إلى انخفاض الأسواق كلها.
وأكد أستاذ التمويل والاستثمار، بأن الدولار سيرتفع أكثر من ذلك نتيجة للتقارير الدولية التى تقيس الوضع للعملات فى العالم، وأثبتت بأن الدولار الأمريكى سيرتفع مرة أخرى أمام العملات الآخرى، خاصة أن سعر الفائدة الأمريكى يمكن أن يصل لـ ٥٪ فى نهاية السنة، وهو ما قد يجعل الدولار يرتفع، وحينها سيؤثر بشكل كبير على العالم كله بما فيه الأسواق المتقدمة _السوق الأوروبي_ والأسواق الناشئة.
ولفت بدره إلى أن العالم الآن يعانى من التضخم، ومصر بشكل خاص تحاول التكيف مع هذا الوضع بوضعها للعديد من الإطارات المتمثلة فى زيادة المعاشات والمرتبات، وتثبيت أسعار البنزين والكهرباء، وعملت على معارض للسلع التموينية والغذائية بأسعار منخفضة وما إلى ذلك، مضيفاً إلى أن المواطن عليه أيضا التكيف مع هذا الوضع العالمى بالترشيد فى نفقاته حتى تستقر الأسعار والأسواق ويصبح الاقتصاد مستقر.
بينما قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادى، أن الدولار ارتفع نتيجة تحرير سعر الصرف الذى كان ناتج عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع سعر الفائدة لـ ٤٪ لأول مرة فى الفيدرال الأمريكي، فذلك عمل على سحب كل السيولة وكل الاستثمارت التى كانت موجودة لأجل الدين، خاصة أن الصندوق النقد الدولى يؤثر علينا، والمصادر ضعيفة المتمثلة فى الصادرات، وتحويلات العاملين بالخارج، وقناة السويس، والسياحة، والاستثمار المباشر، وكل ذلك لم يعطى ثماره لسد الاحتياجات فنقص الدولار فى السوق، مضيفاً بأن لدينا عجز فى الميزان التجارى لأن الواردات أكثر من الصادرات فكان ذلك أصل المشكلة، ولذلك لابد من الصناعة الوطنية، والدعم لخفض العجز المزمن فى الميزان التجاري، وهذا ما تعتمد عليه مصر فى الفترة الأخيرة لتقليل الفجوة بين الواردات والصادرات باعتماد الناس على المنتج المحلى الذى يكون قادر على تلبية احتياجات المصانع من مواد الخام والمستلزمات المطلوبة وغير ذلك، مؤكداً بأن الحل لمشاكل الدولار فى الصناعة لذلك نجد اهتمام الرئيس بالرخصة الصناعية، وبكل ما يحتاجه القطاع الصناعى ومجتمع الأعمال.
وأشار الشافعي، بأن الحل لهذه الأزمة هو التشجيع على الصناعة المحلية التى تكون قادرة على تلبية احتياجات المواطنين، وحينها يمكن أن تستقر الأوضاع، وبالتالى سيستقر السوق، ويستقر طلبات الاستيراد، ومن ثم سيتحقق التوازن، ولكن ليس شرطاً لذلك بأن ينخفض سعر الدولار ولا يرتفع بل يمكن أن يرجع مرة آخري، ولكن كل هذه محاولات للتصدى وحل الأزمة ولو بشكل بسيط، منوهاً بأن قوة السوق هو الذى يحدد السعر يرتفع أم ينخفض أو يحدث له توازن أو يثبت تسعيرته مثلما حدث فى فترة تعويم الجنيه سابقاً حيث ظل ينخفض الدولار حتى وصل لـ ١٤ جنيه، ولولا جائحة كورونا كان سينخفض أكثر من ذلك.
كما أوضح الخبير الاقتصادى، بأن عدم استقرار سعر الدولار أثر بالسلب على الحالة الاقتصادية وعلى الأسعار، ولكن ليس على المستوى الوطنى فقط بل العالمى أيضاً، وهو ما يحدث الآن، ولذلك يزداد معدل التضخم وارتفاع فى تكلفة المنتجات نتيجة لاستيراد المادة الخام والآلآت والمعدات، وبالتالى الإنتاج سيكون غالي، والمنتج النهائى سيكون أغلى خاصة ان الحرب قد عملت على رفع أسعار الغاز والطاقة أيضا، فكل ذلك يؤثر ويرفع من أسعار النقل والشحن عالمياً، ونتيجة لذلك تأثر الاقتصاد المصرى بشكل عام والمواطن المصرى بشكل خاص، مؤكداً بأن المواطن المصرى هو الضحية لهذه الأزمة لذلك عليه ترتيب أولويات احتياجاته فى ضوء احتياجاته الأساسية فقط، والتنازل عن الرفاهيات فى الوقت الحالي، مشيراً إلى أن الدولة المصرية حالياً تحاول المحافظة على استقرار الأسواق من تلبية احتياجات المواطنين بالسلع الأساسية ،لذا لابد من التعاون بين المواطن والدولة لتخطى هذه الأزمة بأقل الخسائر.
ومن جهه آخري، يرى الدكتور أحمد شوقي، الخبير المصرفى وعضو الهيئة الاستشارية لمركز مصر للدراسات الاقتصادية، بأن هذا الوضع يمكن القول عليه بإعادة تقييم الجنيه المصرى وليس ارتفاع الدولار، فقد تأثر نتيجة لعاملين أولهما الظروف العالمية، وثانهما اعتماد الدولة على الاستيراد بشكل كبير، وهما أهم العوامل بالإضافة إلى الفجوة التمويلية، فكل هذا كان من الأمور الدافعة لإعادة تقييم الجنيه مرة آخرى، وهذا ما قام به البنك المركزى فى الفترة الماضية ولكن بشكل حذر، مضيفاً إلى أن كان من متطلبات صندوق النقد الدولى أن يتم ترك الجنيه أمام العملات الأجنبية بتحرير كامل، ولأن كل ما نقوم باستيراده يكون بالدولار فبالتالى أثر على الموازنة العامة للدولة، ومن ثم تم ترك سعر الصرف الذى كان من الأمور المطلوبة فى ظل احتياجاتنا، لذلك لابد أن نعيد النظر فى موضوع الاستيراد فى ظل الفجوة التمويلية التى لدينا مشكلة فيها.
وتابع الخبير المصرفي، بأن المشهد أمامنا لا نستطيع من خلاله نتوقع إن كان سيرتفع الدولار مرة آخرى أم سينخفض خاصة أننا من الدول المستوردة لذلك نحاول أن نكتفى بذاتنا، ولكنه يكون لفترات قصيرة لمدة لا تتعدى الـ ٦ أشهر، فبالتالى كل هذا قد يصاحبه ارتفاع ولكن سيتبعه انخفاض أيضاً ولكن متى لا ندري!، مشيراً إلى أن التراجع للدولار لن يكون بنفس الارتفاع أى سيكون بشكل بطئ.
ولفت أحمد شوقي، إلى أن إعادة تخفيض الجنيه المصرى لا يعنى هذا بأن اقتصادنا ضعيف ولا مؤشر سلبى بالعكس من الممكن أن يكون هناك إيجابيات ناتجة عن إعادة تقييم العملة أبرزها ملف الاستثمار الغير مباشر الذى يدعم ملف البورصة بالتحديد، بالإضافة إلى أن معدل العائد على أدوات الدين المصرية أصبح مرتفع، وبالتالى نستطيع جذب المستثمرين لشراء أدوات الدين، وذلك لإدارة ملف الدين فى ظل الأزمة التى يعانى منها العالم، مضيفاً بأن هذه الأزمة أثرت أيضاً بالسلب على الحالة الاقتصادية المصرية من خلال الضغط على الموازنة العامة للدولة وارتفاع الأسعار، كما أثر على معدلات التضخم، وفاتورة الاستيراد، وملف الدين وما إلى ذلك، موضحاً بأن العلاج لن يكون جذري، وإنما مسكنات لحين ابتداء الدولة لجذب استثمارات مباشرة تدفق مبالغ هائلة بالدولار تساهم فى معالجة الوضع.
كما دعا شوقى، المواطن المصرى بالترشيد فى احتياجاته، والتركيز على الأولويات، والتقليل فى الاستهلاك، فمهما قامت الدولت بزيادة المرتبات أو المعاشات فالمواطن من يقوم بدفع الفواتير، لذلك لابد عليه من الزيادة فى المعدلات الإنتاجية، والتعاون مع الدولة حتى تنتهى هذه الأزمة.
وجاء رأى الدكتور هانى أبو الفتوح، الخبير المصرفي، بأن الدولار يصعد لحين التوازن ما بين العرض والطلب عليه بوجود حصيلة من النقد الأجنبي، وآليات السوق هى من تستطيع حل هذه المشكلة، ولذلك فإن تحرير سعر الصرف كان الحل الأفضل ولم يكن هناك خيارات آخرى سوى هذا الخيار، مشيراً إلى أن البنك المركزى لو لم يتخذ هذا القرار كان سيقوم بضخ واستنزاف الاحتياطى النقدى لديه لدعم الجنيه، وهو مقاوم بأكثر من قيمته الحقيقية، ولذلك الخيار الأفضل كان أن تكون العملة متوفرة، ولكن بسعر عالى أفضل من أن لا تتوافر العملة نهائياً.
كما أردف الخبير المصرفي، بأن البنك المركزى قام بـ (الدولاره) وهو التحول لاجتياز دولار البنك المركزى من خلال عدة خطوات تتمثل فى عمل شهادات بعائد مميز مما جعل من معه دولار يقوم بتحويله للجنيه المصرى ووضعه فى هذه الشهادات بالبنوك الحكومية، بالإضافة إلى شهادات الدولار التى وضعتها البنك الأهلى بعائد مميز أيضاً، وذلك حتى لا يتسرب الدولار إلى خارج مصر، موضحاً بأن هذه الخطوات نتائجها لن تحدث بشكل فوري، وإنما تتفاعل مع عناصر السوق وآلياته حتى تظهر نتائجه.
ونوه أبو الفتوح إلى أن ارتفاع الدولار أثر فى الواردات، ولذلك ارتفعت الأسعار والأشياء المستوردة، وبدلاً من أنها كانت غير موجودة أصبحت متواجدة ولكن بسعر أغلي، وذلك أفضل من عدم وجودها نتيجة لوقف الاستيراد الذى كان متوقف من شهر فبراير، ولكن الآن أصبحوا يُفرجوا عن الشحنات المتكدسة بالمواني، لافتاً إلى أننا يمكن أن ننتهز ارتفاع الدولار من ناحية أن تكون حصيلة مصر الصادرة تكون بالنقد الأجنبي، مشيراً إلى أن القطاع السياحى من أكثر القطاعات المستفيدة بانخفاض الجنيه.
وأكد أبو الفتوح بأن الحل لهذ الأزمة متمثل فى التوصيات التى خرجت من المؤتمر الاقتصادى لو تفعلت ستعمل على حلها، موضحاً بأن هذه المشكلة مشكلة عالمية والغلاء موجود بالعالم ولكننا تأثرنا به كان أصعب وأشد لأن الدخول لا يواكب الأسعار، وبعض السياسات المحلية وضعت مصر فى وضع حرج، وهذا ما أشار إليه تقرير (فيتش) إلى وضع مصر فى التصنيف الائتمانى عند P+ وخفض النظرة المستقبلية إلى سالب بعدما كانت مستقرة، فالظروف العالمية بالإضافة إلى المشاكل الداخلية كل ذلك أثر على الاقتصاد، متمنياً بأن التوصيات التى خرجت من المؤتمر الاقتصادى تحل من بعض هذه المشاكل، داعياً المواطن المصرى والدولة بأن يقوما بالترشيد فى الإنفاق، والتخلى عن الرفاهيات، والإعتماد على الذات، والالتزام بالأشياء الأساسية والضرورية فقط.
ومن ناحيتهم يرى محمود مؤمن، صاحب شركة برمجيات، بأن ارتفاع الدولار أثر بشكل كبير إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر على حياته وعمله، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار فى كل شئ، ويكون المبرر تحت جملة "سعر الدولار زاد"، مضيفاً إلى أن تعامله فى مشاريعه بداخل شركته يكون بالدولار، ولذلك فرق الدولار تحملته الشركة بالخسارة مما أثر عليه وعلى مكسبه بشكل سلبي، بالإضافة إلى زيادة مرتبات العاملين، وحجم المصروفات المنفقة بالشركة، وبالتالى زاد سعر الخدمة المقدمة التى نفر منها البعض، مشيراً إلى أنه دائما مهيأ نفسه لمثل هذه الأزمات، والتى يصاحبها حالة من الترشيد فى المصروفات الخاصة بالشركة أو فى المنزل لحين انتهاء الأزمة.
أما عن محمود نصار، مدير علاقات عملاء قطاع الأعمال بأحد البنوك الاستثمارية، فقد تأثر بشكل كبير من ارتفاع الدولار من خلال ارتفاع الأسعار التى أصبحت غير مستقرة نتيجة لجشاعة بعض التجار واستغلالهم للأزمة لمصلحتهم بزيادة الأسعار بشكل مبالغ فيه، وبالتالى حدث انخفاض فى القوة الشرائية وفى السيولة المحلية، مؤكداً بأن الحل فى مراقبة الأسواق والتجار، ومحاولة المواطن المصرى الحفاظ على تكاليفه ومصروفاته حتى نهاية هذه المشكلة، والتقليل من الإنفاق على السلع الترفيهية، والإقتصار على السلع الأساسية فقط حتى تنتهى هذه الأزمة العالمية.