بناء على توجيهات الرئيس القوات المسلحة حققت «العبور الثانى» بتطهير مصر من الألغام
مليار برميل بترول و500 فدان زراعة تحت الألغام فى الصحراء الغربية
أصبح من المؤكد أن هناك طفرة تنموية تشهدها الدولة فى تلك الآونة على كافة المحاور التنموية وخاصة الاقتصادى الذى هو عصب الدول والشعوب. وكما ذكر كارل ماركس فى مقدمة أحد كتبه حول دور التنمية الاقتصادية فى تحقيق السيادة السياسية والاجتماعية للدول حيث قال: إذا انصلح اقتصاد إحدى الدول فيجب أن ننظر إليها بعين السيادة والقوى والاحترام وأنها الأقرب إلى حجز مكانها وسط العظماء.. وإن أهملت مقومات النجاح الاقتصادى بها على حساب الزعامة والحضارة فهنا يجب أن نعلم أنها على بداية الموت البطىء والانهيار بأيدى أبنائها
وقد دخلت مصر مضمار التنمية الشاملة حيث أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى أوامره بإنشاء المشروعات القومية الكبرى التى أحيت الأمل لدى المصريين لاسترجاع دورها الريادى فى كافة المجالات، بالإضافة إلى السعى الجاد نحو حل المشاكل والعقبات التى تعرقل عجلة التنمية واتضح ذلك فى البيان الرئاسى الصادر عقب اجتماعه برئيس الوزراء ووزير الدفاع وزير التعاون الدولى.. الذى نص على ضرورة الإسراع فى تنمية الساحل الشمالى الغربى ليستوعب 5 ملايين مواطن وتطهير الصحراء الغربية من الألغام فى خلال جدول زمنى محدد وذلك عقب تقديم الأمانة العامة لإزالة الألغام تقرير يفيد بانها قامت بتطهير 57 فدانا من الألغام وأصبحت صالحة للزراعة والإسكان وذلك ضمن 200 فدان موضوع لهم خطة تستغرق 3 سنوات بادارة القوات المسلحة.
حيث يرجع تاريخ الألغام فى مصر إلى عام 1943 مع بداية نشوب الحرب العالمية الثانية بين دول الحلفاء والوفاق والتى شهدت أحداثها الصحراء الغربية حينما قام روميل بزراعة أرض الصحراء بما يسمى (بحدائق الشيطان) عن طريق زراعة 3 ألغام فى المتر المربع الواحد على ثلاثة أبعاد مختلفة لضمان حدوث انفجارات وخسائر للعدو بحيث إذا تم تفادى الأول ينفجر الثانى أو الثالث، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت منطقة العلمين والصحراء الغربية منطقة شبه معزولة وتخلو من أى مظاهر للتنمية والإعمار.
وصرح اللواء فؤاد فيود الخبير العسكرى والاستراتيجى بأن منطقة الصحراء الغربية كانت تسمى بمنطقة (سلسلة الأغلال الرومانية) حيث كانت تتمتع بمناخ مخالف لما عليه الآن من وجود ثروات زراعية وخصوبة للأراضى بدرجة عالية بسبب التساقط المستمر للأمطار لكن الظروف المناخية والجغرافية تغيرت وجعلتها صحراء، اما المسئولية الأدبية والتاريخية فتقع على عاتق الدول المتصارعة ألمانيا وبريطانيا وباقى دول المشاركة فى الحرب العالمية الثانية لأنهم السبب الرئيسى فى تواجد هذه الألغام.
وأضاف فيود أن الخرائط ما هى إلا مجرد علامات استرشاد ليس أكثر لا أن عوامل المناخ والسيول ربما غيرت كثيرا من أماكن هذه الألغام بالإضافة أن هذه الدول المتصارعة قد حمت انفسها عقب انتهاء الحرب مع وضعهم ميثاق الأمم المتحدة الذى خلا من أى التزام تجاه الدول المتضررة من الحرب لمنع دفع التعويضات وأن القوات المسلحة لديها إمكانات تساهم فى التخلص من الألغام مثل نظام ضغط الهواء عن طريق الطيران والذى يحدث انفجارا للألغام عن بعد، فلو استطعنا أن نطهر تلك المنطقة الغنية بالثروات لحدثنا تقدم هائل فى الاقتصاد المصرى، خاصة أن هناك منظومة نجاح مرتبطة بهذه المنطقة خصوصا فى مشروع منطقة الضبعة ومنها يتم إحداث سيول إلى منخفض القطارة الذى يصل منسوبه إلى أكثر من 180 مترا والذى يمكن أن يولد كهرباء وتستخدم المياه فى تغير المناخ الجغرافى للمنطقة مثلما كانت عليه سابقا وما تقوم به القوات المسلحة من تطهير للألغام هو جهد عظيم يضاف إلى تاريخ العسكرية المصرية المعروف.
يقول ماجد عبدالكريم الخبير الاستراتيجى: إن مصر تعد من أكثر دول العالم تضررا من الألغام حيث يوجد بها حوالى 22 مليون لغم من جملة 110 ملايين من الألغام المنتشرة بالعالم خاصة فى منطقة سيدى عبدالرحمن وسيد حبيش ومطروح والعلمين والسلوم بالإضافة إلى الألغام التى زرعتها اسرائيل عقب نكسة 67 فى سيناء وقناة السويس وعلى حدود خط النار، كما تعد مشكلة الألغام هى أحد معوقات التنمية بالصحراء الغربية التى تمثل خُمس مساحة مصر وهى أغنى صحراء بترولية فى العالم حيث تحتوى على 9 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعى وأكثر من مليار برميل بترول و100 مليون متر مكعب من الثروات المعدنية بالإضافة إلى كنز من الأراضى الخصبة الصالحة للزراعة والمتوافر بها كافة المعادن الغذائية للحصول على أجود أنواع الزراعات خاصة الفاكهة الجبالية بمساحة تتجاوز نصف مليون فدان إذا أحسن استغلاها سوف تحدث طفرة فى جميع المجالات الزراعية والصناعية والإنتاج الحيوانى واستعياب عدد هائل من العمالة وزيادة الدخل القومى بالميارات لولا عبث الدول بمقدرات الشعوب.
واكد محسن بدرى الخبير الاستراتجى والمتخصص فى علوم مكافحة الألغام الأرضية على أنه لولا مجهودات القوات المسلحة وبعض الأجهزة المعنية ومجهودات البدو منذ أكثر من 13 سنة ما تم إزالة لغم واحد من الألغام الموجودة بالصحراء برغم من زراعة إنجلتر وألمانيا لتلك الألغام إلا أنهم مازالوا فى حالة تعنت وعدم إمداد مصر بجميع الخرائط والبيانات الدالة على أماكن تواجد الألغام، خاصة ألمانيا حتى لا تقع عليها مسئولية الإضرار بدول أخرى وتعاقب ومع الأسف لا يوجد نص فى القانون الدولى يلزم الدول المتحاربة بمنح أو إزالة آثار الدمار الذى يقع على الدول الأخرى من قبل الدول المتحاربة ومما زاد من حجم المشكلة هو إزالة اللوحات الاسترشادية والأسلاك الشائكة التى وضعتها القوات الألمانية والبريطانية لتحديد أماكن الألغام حتى يتفدها جنودهم بالإضافة إلى العوامل الجغرافية والطقس والرياح التى حركت عددا كبيرا من الألغام من أماكنها خاصة الجزء الذى يقع ببحر الرمال الأعظم ما صعب عملية التنقيب والبحث.
وأضاف مصطفى بدرى الخبير العسكرى والاستراتيجى أن أول محاولات نزع الألغام كانت عام 1955 وكانت من الجيش رغبة منه فى جمع مكونات الألغام والاستفادة منها فى السلاح والذخائر بالإضافة إلى دور تجار الخردة فى جمع الحديد والأسلاك ونفايات الحروب ما ساهم فى ضياع معالم أماكن الألغام وهناك إحصائية تفيد بأن مصر بها حوالى 22 مليون لغم منها 16 مليونا فى الصحراء الغربية وحوالى 6 ملايين فى سيناء زرعتها اسرائيل ثم توالت المحاولات خاصة عام 75 وتطهير قناة السويس والتى ساهمت فيها أمريكا وفرنسا خوف على مصالحهما من عبور السفن والتجارة ويعد عام 81 هو أول محاولات منظمة من قبل قوات حرس الحدود وسلاح المهندسين فى عملية نزع الألغام حيث استطاعوا نزع 10 ملايين من الألغام من عام 81 إلى 1991 ثم بدأت القوات المسلحة والخارجية المصرية فى طرح المشكلة على الصعيد الدولى مطالبة بضرورة مساعدة الدول التى قامت بزراعة الألغام فى عملية التطهير نظرا إلى ارتفاع التكلفة وعدم توافر الامكانات الفنية والمعدات مثل اجهزة الاشعاع الحررى مع المطالبة بتقديم كافة الخرائط الدالة على أماكن الألغام ثم محاولات ومناقشات الهيئة العامة للأمم المتحدة عام 93 ثم مؤتمر جنيف 95 و96 والتى من خلاله استطاعت القوات المسلحة أن تسجل اسم مصر كاكبر دولة متضررة من الألغام على مستوى العالم.
الجدير بالذكر هو أن تكلفة عمليات التطهير قد تصل إلى أكثر من 300 مليون دولار حيث يكلف المتر المربع الواحد من 150 إلى 300 دولار برغم أن تكلفة اللغم الواحد لا تتجاوز 10 دولارات، وقد قدمت ألمانيا بعض المعونات البسيطة المادية والمعنوية والخبراء والتى لا تتناسب مع حجم الخسائر وعدد الألغام ولكن كما عهدنا دائما قواتنا المسلحة أنها لا تنتظر العون بل هى صانعة المعجزات فقد قامت بفتح ملف الألغام مرة اخرى مع بداية حكم الرئيس السيسى ومحاولات جادة لتطهير الصحراء الغربية ما شجع الحكومة على فتح باب الاستثمار فى العلمين ومنطقة مرسى علم.
الخسائر الاقتصادية
صرح عبدالعظيم الطماوى الخبير الاقتصادى بأن وجود هذا الكم الهائل من الألغام فى الصحراء الغربية عائق حقيقى أمام خطط التنمية والاستثمار أولا لإزالة الألغام سوف تستنزف موارد مالية كبرى من الدولة حيث ترصد ملايين الجنيهات لعملية التطهير خاصة انه ليس لدينا ذنب فى زراعتها مما يترتب عليه تأخر خطط التنمية العاجلة إلى سنوات قادمة وجعلتنا لا نستفيد من المليارات المهدرة الموجودة داخل ثروات التعدين بالصحراء والغاز الطبيعى بالإضافة إلى توقف مشروع منخفض القطارة لتوليد الكهرياء والذى بدأ عام 1979 بين مصر وألمانيا الغربية.
وهناك مخاطر أخرى على الأمن القومى بسبب قيام الجماعات الإرهابية الدارسين للمكان ويعرفون أماكن تواجد الألغام بجمع المواد المتفجرة من الألغام واستخدامها فى عمل قنابل والقيام بأعمال تهدد الأمن القومى بالإضافة إلى الخسائر البشرية خاصة من بدو الصحراء وتوقف السياحة ولكن يبدو أنه فى إطار خطة الحكومة لتنمية الساحل الشمالى جعل كثيرا من المستثمرين يعرضون على الحكومة المساهمة فى المشاركة لتطهير الصحراء خاصة شركات التنقيب على البترول للاستفادة من الثروات المتاحة.
كشف دكتور سعيد شلبى، نائب رئيس جامعة المنوفية للدراسات العليا والأبحاث، عن دراسة علمية بالجامعة لكيفية التخلص من الألغام بالأراضى المصرية وتحديدا بمنطقة العلمين دون الدخول بالعنصر البشرى لحقول الألغام، وذلك بواسطة طيارة دون طيار من خلال التحكم عن بعد بظهور خرائط عبر الكمبيوتر لتحديد مناطق ارتكاز الألغام وتتولى القوات المسلحة عملية تفجيرها.
وأشار نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا إلى أنه فى حال تطبيق الدراسة فإنها سوف تساهم فى تنمية وزراعة مساحة 3 ملايين فدان من الأراضى المصرية ودخولها لحيز التنمية، ومن ثم لا نحتاج للأيادى الغربية خاصة أن تلك المناطق تتميز بخصوبتها وكثرة أمطارها ومياهها الجوفية.
وعلى هامش التحقيق كان لنا حوارات مع بعض أهالى العلمين وسيناء ومن المتضررين من الألغام حسين أبوعبيد البربرى وعوض السيناوى اكدا أن جميع أهالى مطروح وسيناء قد تضرراء من وجود حقول الألغام داخل اراضيهما سواء بطريق مباشرة أو غير مباشرة فكثيرا من أهالينا قد تعرض لحوادث انفجار الألغام فمنهم من فقد حياته وهؤلاء وصل عدهم إلى ما يقرب من 1000 قتيل بالإضافة إلى التزايد المستمر فى اعداد المصابين، فمنهم من فقد جزءا من جسمه مثل بتر فى الساق أو الأيدى أو اصابة بعاهة مستديمة ونحن الآن فى رحلة علاج لوالدى المصاب منذ حوالى 7 سنوات فى ساقه إثر انفجار لغم أثناء قيامه برعى الأغنام وبتر ساقه اليسرى وقمنا بتركيب أكثر من جهاز وطرف صناعى له وتقدمنا بطلب علاج على نفقة الدولة منذ وقت الحادث ولم يأتنا الرد الا عقب خطاب الرئيس السيسى وتوجيه عناية خاصة إلى مصابى الحرب والألغام حيث بدأ اللواء بدر طنطاوى محافظ مطروح بالتنسيق مع مركز الطب الطبيعى والتأهيلى التابع لوزارة الدفاع لتلقى شكاواى المصابين وصرف أطراف صناعية وصيانة الاطراف القديمة للمصابين فيكفى أن نقول أن فى محافظة مطروح وحدها حوالى 13 مليونا من الألغام شديدة الانفجار والتى جعلتنا لا نستطيع استغلال موارد المحافظة بشكل جيد بجانب المخاوف التى تسربت إلى الأهالى بسبب قربهم من الموت فى أى لحظة وعدم الأمن ونطالب الدولة وقواتنا المسلحة العظيمة بأن تستكمل مشروع تطهير العلمين وسيناء من الألغام ونحن على أتم استعداد لتقديم العون لهم.