هل يكفي تطبيق قرار رفع الحد الأدنى للإقامة بالفنادق للقضاء على ظاهرة "حرق الأسعار"؟
تحقيق: سميرة سالم
عبد الوهاب محمد: نحن بحاجة لإعادة تقييم الموقف في ظل المتغيرات الجديدة بعد تحرير سعر الصرف.. والحد الأدنى أصبح أقل من أسعار فنادق الإسكندرية
علاء عاقل: حرق الأسعار ليس فقط بالسوق السياحي.. والحد الأدنى مطبق بالفعل بالفنادق وبأسعار أعلى
هشام وهبة: تطبيق نظام All- Inclusive"" يستحوذ على السائح ولا يمنح فرصة لتشغيل المطاعم والكافيهات
محمد عبد العزيز: تخفيض الأسعار عن الحد المسموح يؤدي لنتائج عكسية ويؤثر على قرارات السائح
بعد ما شهدته بعض الفنادق بمحافظات البحر الأحمر من تدني أسعار الإقامة بها من خلال تقديم عروض مخفضة للغاية لتؤدي إلى ما يعرف بظاهرة "حرق الأسعار"، من بينها على سبيل المثال إعلان لشركة سياحة بريطانية تدعو عملائها لقضاء الشتاء في مصر بأسعار أرخص من تكاليف التدفئة ببلادهم؟!؛ بدا جليًا أهمية عملية تحديد التسعير بما يخدم قطاع السياحة، في ظل بدء تطبيق قرار تحديد الحد الأدنى للإقامة بالفنادق منذ أول نوفمبر الحالي، لنبحث مدى جدوى تطبيق هذا القرار على القطاع بالتزامن مع قرار تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية.
صرح عبد الوهاب محمد، مدير مكتب وزارة السياحة بالإسكندرية، بأن وزارة السياحة والآثار قد أصدرت توجيه بإلغاء تعليق تطبيق قرار تحديد الحد الأدنى، مضيفًا بأن لا يوجد أحد حاليًا يعرض أسعار أقل من الحد الأدنى بل بأكثر منه بكثير؛ وذلك بسبب ارتفاع الأسعار خلال الفترة القريبة الماضية.
وأوضح بأن إلغاء تعليق القرار جاء في توقيت تحرير سعر الصرف وبالتالي ارتفاع أسعار العملات مقابل الجنيه المصري، وهنا نجد سؤال يطرح نفسه، هل نحن بحاجة لإعادة النظر في الحد الأدنى أم لا؟، نظرًا لأنه أصبح أقل بكثير مما يُطبق بالفنادق خاصة بالإسكندرية.
وتابع أننا بحاجة إلى إعادة تقييم الموقف مع الوضع في الاعتبار المتغيرات الجديدة من تحرير سعر الصرف للعملات الأجنبية، مفسرًا بأن الهدف من تحديد الحد الأدنى كان خلق قواعد تتحكم في عملية التسعير لعدم سيطرة الأهواء لرفعها أو خفضها بشكل مبالغ فيه يضر بالقطاع، مشيرًا إلى أن كان هناك متغير لا يمكن التحكم فيه وهو سعر الصرف الذي اصبح بعد تحريره مفعل حاليًا.
وأضاف بأن الجميع كان يأمل في أن يتم تطبيق القرار لإنقاذ القطاع السياحي؛ نظرًا لوجود مشكلة كانت قد أشارت إليها وسائل الإعلام منذ فترة قريبة وهي انخفاض أسعار عروض برامج الرحلات السياحية المصرية بشكل لا يشجع على رواج السياحة بل يسيء لها، مثال على ذلك عرض قضاء أسبوع كامل في أحد فنادق البحر الأحمر مقابل 300 جنيه استرليني هو أمر مؤسف يُقلل من قيمة ما لدينا من مقومات سياحية.
وأشار إلى أن الرحلات السياحية بالخارج لا يُطبق بها مبدأ التخفيض بل العكس أسعار رحلاتهم مرتفعة، موضحًا بأن لا يوجد لديهم أدنى فكرة عن عروض التخفيضات على أسعار الرحلات السياحية ببلادهم بهذا الشكل المجحف؛ ولهذا استغرب أننا لا ندرك قيمة المقومات التي نمتلكها ونصدر فكرة توحي برخصها في حين أنها صورة غير حقيقية نهائيًا.
وأوضح بأن السائح الذي يحصل على برنامج سياحي بإقامة "All- Inclusive" رخيصة للغاية تجعله يتشكك في وجود مشكلة ما، مشيرًا إلى أن بعض تلك التخفيضات أقل من أسعار إقامة السائح بمنزله مع تحويلها بعملته ناهيك عن تكاليف الطعام والشراب.
وتساءل مدير مكتب وزارة السياحة عن سبب اصرار البعض على تخفيض الخدمات والمنتجات ثم يشتكون قلة الإيرادات؟!، مجيبًا بدلًا من عرض تلك الأسعار أن يتم وضع الفارق في زيادة جودة الخدمات وبالتالي زيادة قيمتها.
وأكد عبد الوهاب أن أسعار الإقامة بالفنادق بمحافظة الإسكندرية متماسكة جدًا، فلا يوجد بها مثل تلك التخفيضات المبالغ فيها بل على العكس، وقد اقترحت تنفيذ خطط ترويجية خلال فترات انخفاض الحركة السياحية في فصل الشتاء، واصفًا بأن ما يحدث بمحافظات البحر الأحمر يعد خارج السيطرة لأنه يستقبل سياحة من نوع خاص من حيث الجنسيات المتعددة لذلك فهو مختلف في سياساته وكل شيء ولكن ليس بهذه الطريقة التي تؤدي في النهاية إلى حرق الأسعار وضعف السوق السياحي.
وارجع سبب ارتفاع السياسة السعرية بفنادق الإسكندرية لعدم قدوم سياحة أجنبية خلال فصل الشتاء، وبالتالي رفع الأسعار لتغطية تكاليف التشغيل من عمالة وصيانة بالإضافة لفترات الركود خلال فصل الشتاء، ولذلك صرحت من قبل بأن الإسكندرية بحاجة لعودة الحركة السياحية خلال فصل الشتاء مثلما كانت تتميز من قبل بالحركة السياحية خلال جميع فصول السنة.
وفسر مصطلح "حرق أسعار" بأن التنافس اصبح مطلق، موضحًا بأن المنافسة الشريفة لها ضوابط خاصة فيما يخص الحد الأدنى مع مراعاة تكاليف التشغيل الاساسية، مشيرًا إلى أن من يقوم بعملية حرق الأسعار لا يهتم بالجودة أو الخدمة المقدمة لتغطية تكاليفها، وفي ظل وجود براندات مميزة تكون أسعارها متوافقة مع مستوى الخدمات الذي تقدمه تكون المنافسة في غير محلها وتؤدي لمزيد من الخسائر للجميع.
وعن وسائل ردع من يثبت عليه القيام بـ"حرق الأسعار" أوضح بأن هناك شقين الأول خاص بالمراقبة المؤسسية حيث تقوم غرفة المنشآت الفندقية بتسجيل اعتراضها في صورة الاجتماعات الرسمية ويتم رفع توصياتها للاتحاد المصري للغرف السياحية في حالة ثبوت التلاعب للقيام بحرق الأسعار؛ للقيام باتخاذ إجراء بتعديل الخطة السعرية وضبطها، أم عن الشق الثاني وهو القانوني عن طريق تحرك الوزارة ببدء دراسة إعادة عملية التقييم، أمام بخصوص مفتشي الوزارة قال بأن لا يوجد لدينا نص في القانون حاليًا يقر بمخالفة البيع بأقل من الأسعار المعتمدة بل في حال البيع بأعلى من السعر المعتمد، مشيرًا إلى إمكانية مناقشة هذا الأمر في اللائحة التنفيذية للقانون الجديد لإقرار مادة تنص على توقيع مخالفة على الفنادق في حال الانحراف عن الخطة السعرية العامة، ولكن في النهاية في ظل السياسة السعرية المرنة سيكون من الصعب تطبيقه.
وقال علاء عاقل، رئيس لجنة تسيير أعمال غرفة المنشآت الفندقية، أن ظاهرة "حرق الأسعار" تحدث في أي سوق وليست خاصة بالمنشآت الفندقية، موضحًا أن أي سوق يحدث به حالة ركود في العرض والطلب يحدث به حرق أسعار لإيجاد تدفقات نقدية تتيح للشركة الوفاء ببعض التزاماتها الضرورية الملحة، وهي تحدث في حالات ضيقة وقت مواجهة أزمات، وعندما تنفرج الأزمة من الطبيعي أن يصلح السوق من نفسه والعودة للبيع بالأسعار التي تعود عليه بالربح.
وأشار إلى أن الفنادق قامت بالفعل بتطبيق قرار الحد الأدنى بأسعارها بل وأعلى منه أيضًا، مرجعًا ذلك لعودة الرواج السياحي للمحافظات المصرية، موضحًا بأن القرار الوزاري حدد الحد الأدنى فقط من الأسعار، أما عن الحد الأقصى للأسعار فهو مفتوح لكل منشأة لها حرية الاختيار في تحديد سعر البيع الذي يناسبها ويحقق لها عائد ربح لاستثماراتها.
وحول امكانية حدوث تأثير للمطاعم والكافيتيريات نتيجة قيام بعض الفنادق بعملية حرق الأسعار، قال هشام وهبة، عضو مجلس إدارة غرفة المنشآت والمطاعم السياحية، أن التأثير السلبي الوحيد الذي يمكن أن يحدث سيكون في المناطق السياحية مثل شرم الشيخ والغردقة، مشيرًا إلى أن حرق الأسعار وإتاحة الحجز بنظام All- Inclusive وهو بالمناسبة نظام يشمل تكلفة الإقامة والفطار والغداء والعشاء والمشروبات داخل الفندق، وبالتالي يستحوذ على السائح ولا يعطي فرصة لتشغيل المطاعم والكافيهات خارج الفندق.
وأشار عضو مجلس إدارة غرفة المنشآت والمطاعم السياحية لضرورة أن يقوم القائمين على الفنادق بمراجعة انفسهم وأن يلتزموا بالحد الأدنى الذي أعلنته وزارة السياحة والآثار؛ للارتقاء بالساحين القادمين وإعطاء الفرصة لجميع القطاعات السياحية للعمل وتقديم خدمات أفضل.
وأوضح الدكتور محمد عبد العزيز، وكيل المعهد العالي للسياحة والفنادق بالإسماعيلية إيجوث، أن تخفيض الأسعار عن الحد المسموح به له أضرار كثيرة جدا أولها عدم امكانية الاحتفاظ بمستوى جودة الخدمات المقدمة وبالتالي انخفاض الجودة الذي يؤثر سلبًا على الفندق بشكل خاص والدولة بشكل عام، وذلك للانطباع الذي يكون قد تشكل لدى السائح أن هذا الفندق يقدم منتج معين بجودة معينة وبالتالي يصبح من الصعب العودة لنفس المكان نتيجة لتدني مستوى الخدمة المقدمة.
وتابع" "أيضًا من مساوئ تخفيض الأسعار بشكل مبالغ فيه أنه يؤدي إلى نتيجة عكسية على الدخل، موضحًا بأن زيادة عدد العملاء دون تحقيق هامش ربح معقول، ومثال ذلك حينما يكون سعر الخدمة جيد بنسبة اشغال 10 أو 20% أفضل من نسبة اشغال 70% بعائد ضئيل جدًا الأمر الذي يسبب هالك للفندق وتعب للعمال والموظفين وتزيد من تكلفة المنتج وفي النهاية هامش ربح ضئيل".
وأشار إلى أن هناك فنادق لم تطبق نظام "All Inclusive" وكانت نسب الحجز لديها 10% كانت أفضل ممن أتاح هذا النظام بنسب حجز وصلت إلى 70%، فالدخل لديه كان أعلى والفائدة التي تعود على الفندق والموظف أفضل بكثير؛ لذلك ليس في صالحنا تقليل الأسعار.
وأكد بأن تخفيض الأسعار سلاح ذو حدين، موضحًا بأن تخفيض أحد الفنادق للأسعار ومستوى الجودة لفترة ثم العودة للأسعار الطبيعية يؤثر على قرارات السائح بناءًا على الصورة الذهنية التي تكونت لديه.
ونوه لضرورة تطبيق أسعار عادلة ليست بالمرتفعة ولا المخفضة، وتحديد السياسة التسعيرية لابد أن يتم بعد دراسة السوق المحيط بناءًا على عدة عوامل مثل حجم المنافسين والمكان والمكسب ومستوى الدخل وحجم السوق، مؤكدًا بأن العودة للأسعار الطبيعية بعد تخفيضها أمر يصعب حدوثه وإذا حدث سيكون بقدوم سائحين جدد أما السائح القديم فيصعب رجوعه مرة أخرى.
يُذكر بأن قرار وزير السياحة والآثار رقم 306 لسنة 2021 الصادر بتاريخ 5 ديسمبر 2021 الخاص بتحديد حد أدنى لأسعار الإقامة للفرد في الليلة الواحدة بالمنشآت الفندقية الخاضعة لأحكام القانون رقم 1 لسنة 1973، يكون كالتالي: 50 دولار أو ما يعادلها بالفنادق خمس نجوم، 40 دولار أو ما يعادلها للفنادق أربع نجوم، 30 دولار أو ما يعادلها للفنادق ثلاث نجوم، وفنادق نجمتان 20 دولار أو ما يعادلها، وفنادق النجمة الواحدة 10 دولارات أو ما يعادلها.
وكان قد تم الإعلان عن بدء تطبيق القرار المذكور بداية من شهر مايو إلى أن تم الإعلان عن القرار الوزاري رقم 131 لسنة 2022 الذي ينص على إرجائه على أن يتم العمل به في كافة محافظات جمهورية مصر العربية اعتبارًا من الأول من نوفمبر الحالي، بالتزامن مع تحسن الإشغال الفندقي في مصر خلال النصف الأول من العام 2022، حيث تسعى وزارة السياحة والآثار إلى التصدي لظاهرة حرق الأسعار التي اتجهت إليها بعض الفنادق، وللحفاظ على حقوق الدولة الضريبية، وتنمية عائد السياحة المصرية، بالإضافة إلى رفع جودة الخدمات الفندقية.
وكان قد قرر البنك المركزي تحرير سعر الصرف ليعكس قيمة الجنيه أمام العملات المختلفة، وذلك خلال بيان له يوم الخميس الموافق ٢٧ أكتوبر، أعلن فيه إجراءات إصلاحية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل عقب عقد لجنة السياسات النقدية اجتماعًا استثنائيًا.