ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
قال الله تعالي في محكم التنزيل: «اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا» سورة فاطر الآية (43).
كلما تأملت في هذه الآية الكريمة زاد إيماني بقدرتنا كبشر على تحمل مصائب الزمن ومن يريدون بنا شرًا كأفراد أو جماعات أو دول أو أمة، طالما آمنا بالله سبحانه وتعالى وأخذنا بأسباب المنعة وحصنّا أنفسنا وديارنا من غائلة الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر.. فنحن أمة ننشد الخير والأمن والسلام لنا ولغيرنا؛ فالتحديات التي نواجهها كثيرة وقد درسنا من الأجداد والآباء قدرتهم على الصبر وتحمل المشاق، والتعاون مع بعضهم البعض من أجل أن يعيشوا بأمن وسلام، وأن يصونوا بيوتهم ويحافظوا على أرزاقهم وكانوا يقولون عبارة بسيطة طالما سمعناهم يرددونها على مسامعنا وهي: «لا تقلق من رزق الغد، فالله يرزق من يشاء بغير حساب، ومثلما قدمنا لكم غداء اليوم فغدًا إن شاء الله نوفيكم حقكم من رزق الله».
أتذكر رجال البحر عندنا في البديع الذين يذهبون في الصباح الباكر لطلب الرزق من خلال الحظور التي نصبوها في البحر من جريد النخيل والتي بإمكانها استيعاب السمك من مختلف الأنواع والأحجام أو التحري عن «القراقير» والتي هي معدة لصيد السمك من الشباك المعدنية أو من أشجار الأسل، فيعرفون مكانها ومراعي الأسماك فيأتون إلى القرية برزقهم الذي كتبه الله لهم، فأحيانًا يكون الصيد قليلًا لأهل الصياد فقط، وأحيانًا يكون وفيرًا فيباع على أهل القرية خصوصًا أولئك الذين أصبح على الصياد التزام توفير السمك لهم، والمحاسبة النقدية إما في اليوم نفسه أو خلال تجميع ما عليهم طوال الأسبوع. وعندما يشح الصيد في القرية كان سوق المنامة للسمك حاضرًا وتتوافر فيه الأسماك من كل مصائد البحرين المعروفة، والسعر مرتبط بالندرة والوفرة، فالجزاف وهو الرجل المتعهد ببيع ما يجلبه البحارة من أسماك ويتكفل ببيعه بما يملك من خبرة وتجربة ويتحلى به من ثقة البحارة والبائعين والمشترين، ولم يكن سوق المنامة للسمك مقتصرًا على أسماك البحرين بل كان البحارة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية الشقيقة يجلبون ما زاد عن حاجتهم من الأسماك لسوق المنامة أو سوق المحرق، وكذلك كان يفعل الأشقاء من سلطنة عمان على كثرة الأسماك عندهم ونوعيتها وحجمها، فكان سوق المنامة بمثابة السوق الحرة الذي تباع فيه الأسماك من كل نوع وحجم، وكان الشعور عند الباعة «الكل يأخذ رزقه الذي كتبه الله له».
قيم اجتماعية بسيطة في طلب الرزق والتعاون في ما يحتاج إليه الجيران والأشقاء فكان التعاون قائمًا والأسواق مفتوحة والحدود البحرية معروفة والتسهيلات متاحة من الجهات المسؤولة عن تأمين سلامة البحارة والسفن المبحرة..
نحن في هذا الزمان بحاجة فعلًا للتعاون المنقطع النظير وأصبحت الحاجة ملحة لتلبية طلباتنا الحيوية في الرزق والمعيشة والأمن والأمان والاستقرار، وبات الشعور بضرورة التعاون لما فيه الخير لنا جميعًا وضمان أمننا كأفراد ودول حتمي؛ فالمستقبل مليء بالمفاجآت وقراءة الحاضر والتنبؤ بالمستقبل من واجب القائمين على الشأن العام وممن يقرأون التاريخ بعناية فائقة، فالحمد لله إننا نعيش جميعًا من أجل خير بلادنا وشعبنا ونتطلع لأن نساعد بعضنا بعضًا؛ فالتحديات لن تقف عند حد، وشبابنا أخذوا عل عاتقهم طلب العلم والمعرفة والأخذ بالأسباب التي تقودهم لفهم معطيات التقنيات الحديثة، ومن بينها وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية التعامل معها بحذر شديد لمصلحة أمتنا وحماية أجيالنا عدة المستقبل ورجال البذل والعطاء لخير الوطن والمواطنين.. سنظل ساعين لطلب الرزق الحلال وبات من الضروري تنويع مصادر الدخل، وعلى اتساع وطننا العربي نلمس هذه الإمكانات والخيرات، صحيح إنها تتفاوت من بلد إلى بلد، ولكن ما كنا ننادي به من تكامل اقتصادي والاستفادة من إمكانات كل دولة وتوظيفها في صالح المجموع يفرض علينا اليوم التعجيل بما يضمن مستقبلنا فتطوير وسائل النقل والمواصلات والربط البري والبحري والجوي بات من الأمور الحيوية المطروحة في المؤتمرات والندوات والملتقيات الدولية والقارية والإقليمية، وبات أمر التكتلات الاقتصادية والسياسية مطروحًا بقوة من أجل النمو الاقتصادي والنجاري والمالي والتغلب على ظواهر بدت مقلقة على هذا الكوكب من تصحر وندرة في المزروعات وتغير في المناخ وخطر من المجاعة التي يعاني منها كثيرًا أولئك الذين هم ضحايا الحروب والأزمات السياسية وعدم الاستقرار في بلادهم وتغير المناخ.
إن إرادة الشعوب هي القادرة على التغلب على المشاكل، وطالما آمنا بالله وحده وقدرتنا على الإنجاز فلن نعدم الوسائل الكفيلة بأمننا واستقرارنا وتعاوننا لخير البشرية جمعاء.
وعلى الخير والمحبة نلتقي