
محمود زاهر
دور حاسم ومتجدد
أعاد مؤتمر إعادة إعمار غزة، الذى استضافته مصر مؤخرًا، القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث، خصوصًا فى ظل هذا الزخم الدولى الذى لم تشهده القاهرة منذ سنوات. المؤتمر شكَّل خطوة مهمة لدعم الجهود المصرية التى حملت على عاتقها مسئولية حقن الدماء والحفاظ على الأرواح ورأب الصدع ورعاية جهود المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الفلسطينى.
الجهود المصرية المتواصلة التى لم تتوقف طيلة عقود من أجل التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة وشاملة لدعم الشعب الفلسطينى والاهتمام بقضيته العادلة، لاقت صدىً إيجابيًا من جميع القيادات فى “فتح” و”حماس” وجميع الفصائل.
ولعل إدراك مصر المخاطر والتحديات التى تحيط بالمنطقة، جعلها تسارع إلى عقد هذا المؤتمر الذى حضره وفود 50 دولة، إلى جانب ممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية، ما يؤكد أن التحرك الأخير للقاهرة، يأتى انطلاقًا من دورها التاريخى والإقليمى ورؤيتها القائمة على المبادئ الثابتة والقيم الراسخة لإنهاء الصراع.
يبقى التساؤل المشروع، بعد انتهاء مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، بشأن الوعود التى أطلقها المانحون ومدى التزامهم بها، فى ظل تشكك بأن تلقى تلك الوعود تجاوبًا من “إسرائيل”، خصوصًا أن إعادة الإعمار قد تستغرق سنوات طويلة.
التعهدات العربية والدولية، بالمساهمة بنحو 5.4 مليارات دولار لإعادة إعمار القطاع، تتوقف على مدى جدية والتزام المانحين، الذين لم يفوا بوعود سابقة أطلقوها فى مؤتمرات عدة، لكننا نعتقد أن الأمر قد يبدو مختلفًا هذه المرة، بعد تحديد اختصاص حكومة الوفاق الفلسطينية وحدها بإدارة وإنفاق الأموال والمساعدات التى سيقدمها المانحون.
للمرة الأولى يتفق المشاركون فى المؤتمر بالإجماع على مساندتهم المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، والتأكيد بأن عملية إعادة الإعمار لا يمكن أن تتم إلا بفتح إسرائيل المعابر، والتخلى عن تعنتها المعهود.
إننا نأمل أن تساهم قرارات المؤتمر فى تعجيل إعادة بناء آلاف من المنازل والمبانى إضافة إلى البنية التحتية التى دُمرت جراء العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة، ونجاح الجهود الدولية المبذولة لإعادة الإعمار.
كما نتمنى أن تتبدد المخاوف والتحفظات التى تسود المجتمع الدولى، من تجدد العمليات العسكرية “الإسرائيلية”، ضد الشعب الفلسطينى على النحو الذى يحول دون إمكانية تكرار الحشد الدولى، للمساهمة فى رفع المعاناة عن الفلسطينيين وإعادة الإعمار. إننا نعتقد أن عملية الإعمار قد تستغرق وقتًا طويلًا، يقترب من 5 سنوات، ولكن يبقى الأمر مرهونًا ببدء فورى لعملية الإعمار مباشرة دون مواجهة تحديات متوقعة، إذ ليس مستبعدًا أن تحاول “إسرائيل” عرقلة الجهود المصرية والدولية لإعادة الإعمار.
إن عدم مشاركة “إسرائيل” فى المؤتمر، جاء برغبة مصرية خالصة، حيث لم توجه القاهرة، الدعوة إلى “تل أبيب”، لأنه لم يكن مستساغًا أن يشارك الاحتلال فى إعادة إعمار ما كان هو سبب فى تدميره، ما يؤكد أن مصر لن تقبل إعاقة جهودها المبذولة لحلحلة الصراع القائم منذ عقود. برأينا، لم يكن المؤتمر الأخير بشأن غزة، إنشائيًا؛ كما جرت العادة؛ بعد وجود رغبة “مصرية إقليمية دولية” مشتركة، لإعادة إعمار القطاع، والتخفيف من معاناة سكانه، لأن الوضع بالمنطقة مشتعل، ولم يعد يحتمل انفجارًا جديدًا.
الدور المصرى أثبت عمليًا أنه ضرورى وحاسم لحل أى صراع بالمنطقة، كما أثبت أن القاهرة هى اللاعب الأساسى والرئيس فى الشرق الأوسط، ومحور ارتكاز لأى جهود للتسوية العادلة والشاملة، كما برهن بشكل قاطع أن لا حل يبدو فى الأفق من دون مصر.