السوق العربية المشتركة | عفوًا لا نقبل الدفع نقدًا

في زمان الأجداد والآباء كانت الثقة بين المتعاملين ترقى إلى المقدسات.عبارة بدأنا نألفها ونقرأها على محلاتنا الت

السوق العربية المشتركة

الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 02:38
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب
عفوًا لا نقبل الدفع نقدًا

عفوًا لا نقبل الدفع نقدًا

في زمان الأجداد والآباء كانت الثقة بين المتعاملين ترقى إلى المقدسات.



 

عبارة بدأنا نألفها ونقرأها على محلاتنا التجارية وفي مجمعات يغشاها العديد من المترددين بمختلف ثقافتهم وعلمهم ودراستهم وأميتهم، ونتساءل ما مصير من لا يمتلك بطاقات ائتمانية محلية أو عربية أو أجنبية ولا يملك إلا تحويشة العمر نقداً، فكأننا نقول له: «هذا ليس مكانك» فنشعر من حيث نعلم أو لا نعلم إننا نمارس معه الإقصاء ونحرمه من نعمة الاختيار، فالمرء حر في ماله يتصرف فيه كيف يشاء، والمساواة في التعامل بيعاً وشراء من أوجب الواجبات.

قد نضطر مستقبلاً لهذا التعامل الإلكتروني في كل تعاملاتنا المالية والتجارية، وينبري من يقول لنا: «إن هذه هي سنة الحياة، ولابد أن تألفوا ذلك وتتعاملوا معه بكل سلاسة ويسر، وتصبح لديكم بطاقة واحدة بدل أن تحملوا معكم محافظ متعددة في جيوبكم، كما أن المرأة قد تكتفي بحقيبة صغيرة بحجم الكف تحمل فيها بطاقتها وكفى»... كما تصبح المرتجعات «الفكة» لا مجال لها في تعاملنا اليومي مستقبلاً...

تأملت ذلك عندما قرأت العبارة على إحدى محلاتنا في مجمع تجاري يلجأ إليه الكثير من الناس، بغض النظر عن نوع البضاعة؛ فبتأكيد هناك حاجات يحتاج إليها من لا يتعامل إلا بالنقد، وهناك حاجات ألفها أولئك الذين يتعاملون بالبطاقات إلالكترونية على ما فيها من مخاطر نسمع عنها الكثير، وهناك تحذيرات من عدم إفشاء الأسرار المتعلقة بها خشية القرصنة «الهكر» وكيف نأمن عدم تعرضنا لذلك في التوسع باستخدام البطاقات الممغنطة، ونحن نعلم القصص التي أوردها البعض عندما ذهب إلى بعض الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة وخاطبه بنك بلاده بعد عودته بضرورة تغيير بطاقته لأنه قد ثبت لديهم أن هناك من حاول العبث بالبطاقة والسحب منها.

إن الاطمئنان واجب علينا التأكيد عليه ومؤسساتنا الرقابية والمؤسسات المصرفية وبالذات الوطنية مطالبة بحماية أموال المودعين والسهر عليها واتخاذ كل الاحتياطات الواجبة للحماية.

في زمان الأجداد والآباء كانت الثقة بين المتعاملين ترقى إلى المقدسات فالبيع بالسلف كان معمولاً به، بل إن بعض من كان يستخدم عبارة «الدين ممنوع» يعتبر تصرفه مستهجناً، فضيق ذات اليد كان يتعرض لها الكثيرون وحاجتهم إلى بعض الأغراض تحتم عليهم أخذها سلفة لحين استلام المشتري الراتب أو الأجرة إن كان موظفاً أو عاملاً حراً، كنا نسمع من بنى بيتاً بالسلف من خلال شراء مواد البناء من المحلات التي تبيعها في أسواق المنامة والمحرق، فكانت الثقة بين البائع والمشتري ترقى إلى الصداقة والميانة كما كنا نسمع عن انتشار ظاهرة «العميل» ويعنون بها الزبون الدائم الذي يشتري بالسلف كما تطلق على البائع الذي يبيع بالسلف وكل شيء مكتوب أما في أوراق أو باستخدام «الفرض» وهي العصا التي يتم بها تسجيل الدين على من يشتري المواد الغذائية أو الخضروات أو السمك ليتم المحاسبة آخر الشهر أو كلما سنحت الفرصة للدفع نقداً.

وفي المقاهي كنا نشاهد أسماء وتحتها رموز تدل على ما على رواد المقهى من مبالغ نظير شرب الشاي أو العصائر أو بعض المأكولات.

ثقافة الغوص على اللؤلؤ أبرزت في زمانها السلف والتسقام، ووجد حل لأداء السلف من خلال الخدمة والتفاني في العمل.

قطعاً لا نستطيع أن نعود بعقارب الزمن إلى الوراء، ولا أن نعيش ثقة ذلك الزمان، وإن كنا بأشد الحاجة إليها في زماننا؛ فالثقة مطلوبة في تعاملنا؛ لأنها تفرض علينا الإجادة في العمل، والإنجاز وتحتم علينا مد يد العون لبعضنا بعضاً، وتقدير ظروف ومواقف من يعيشون بيننا ونتقاسم معهم لقمة العيش، ويحلمون ونحلم بغد أفضل لنا ولأبنائنا؛ فالتكاتف المجتمعي يخلق فينا الإيثار والبذل والعطاء وعبر الماضي دروس يستفاد منها، وإذا كان الأقدمون قد وجدوا وسيلة بل وسائل لمعيشتهم، فنحن - أبناءهم وأحفادهم - قادرون على إيجاد الأرضية الصالحة التي تخلق التفاهم والتعاون والعيش المشترك.

إن السرعة مطلوبة في التسابق مع الزمن ومعطياته، ونحن نشاهد في أسفارنا الكثير من هذه المنجزات المتسارعة، ولكن علينا أن لا ننسى إن ذلك لا يتم بين عشية وضحاها وإنما كان ذلك يتسم بالتدريج المدروس، وإشاعة العلم التقني الجديد والتجريب وإتاحة الفرصة للخطأ والصواب من خلال المدارس والمؤسسات والبيوت والتعامل الذكي مع تقنيات الحاسوب والإستفادة من معطيات وسائل التواصل الإجتماعي وتهيئة ظروف العمل والوسائل الميسرة للحياة الأسهل والأصوب.

حبذا لو أجلنا لبعض الوقت «لا نقبل الدفع نقداً» لحين تتوفر القدرة على التعامل اليومي التجاري المأمول بيسر وسهولة وأمان.

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي