التلوث الجوى بمصر .... إلى أين؟!
أشرف كاره
تلوث الهواء في مصر يلتهم صحتنا وإنتاجيتنا في صمت و يكلف تلوث الهواء مصر أكثر من 30 مليار دولار في توفير الرعاية الصحية وفقدان الإنتاجية الاقتصادية كل عام، وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي. حيث توصلت الدراسة، التي تبحث في تأثير التلوث على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن مصر تدفع أكبر تكلفة لسوء جودة الهواء، إذ تنفق ما يقرب من 4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا بسبب ارتفاع معدل الأمراض المرتبطة بالتلوث.
ويعد تلوث الهواء من بين أكبر التهديدات للصحة العامة، حيث أن الأشخاص الذين يتنفسون تركيزات عالية من الجسيمات هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومشاكل الجهاز التنفسي والسرطان ، ويقع اللوم في الغالب على النشاط الصناعي والمخلفات فعلى الرغم من استمرار وجود فجوات في تحديد مسؤولية كل نشاط عن نسبة تلوث الهواء، إلا أن حرق المخلفات الزراعية والنشاط الصناعي واحتراق الوقود الأحفوري هي المذنب الرئيسي في المنطقة.
و تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ثاني أعلى معدل تلوث للهواء عالميا وأكبر معدل للأمراض المرتبطة بالتلوث في العالم، إذ يكلفها التلوث 141 مليار دولار (أو نحو 2% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي) من تكاليف الرفاهية الاجتماعية السنوية وحدها، حسبما ذكر التقرير....لكنه أوضح بشكل خاص بأنه في مصر يوجد أعلى معدل وفيات مرتبط بالتلوث في المنطقة ففي عام 2019، سجلت مصر وفيات مبكرة لأكثر من 150 من كل 100 ألف شخص بسبب الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء، تليها عُمان وقطر (125 حالة وفاة لكل 100 ألف) والعراق (122 لكل 100 ألف). وتشير تقديرات أخرى إلى أن عدد الوفيات في عام 2019 بلغ 90 ألفا، أي ما يعادل 250 شخصا في اليوم تقريبا.
ويتطلب ذلك تكلفة اقتصادية وصحية عالية أيضا، ففي عام 2013، عانت مصر من خسائر في الرفاهية الاجتماعية تعادل 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي بسبب الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء، وهي أعلى نسبة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكذلك تصدرت مصر المنطقة فيما يتعلق بفقدان ناتج العمالة - وهو ما ينتج عن مرض العمال لدرجة عدم تمكنهم من العمل وانخفاض الإنتاجية - والذي قدر أنه يكلف البلاد نحو 0.3% من الناتج المحلي الإجمالي. ويكون التأثير على الأشخاص العاملين في القطاع غير الرسمي في مصر، والذين يشكلون وفقا لأحد التقديرات 63% من العاملين، أكثر حدة بسبب فقدان الدخل الذي يعانون منه عند المرض أو رعاية أفراد الأسرة المرضى.
من ناحية أخرى قد تتأثر السياحة أيضا، حيث يذكر التقرير أن المستويات المرتفعة من التلوث قد يكون لها آثار سلبية على عائدات السياحة في المستقبل، إذ أن "الأجواء المتدهورة قد تلحق الضرر بصورة مدينة معينة في عيون السياح وبالتالي تقلل من رغبتهم في زيارتها". السياحة هي أحد أهم مصادر الدخل في البلاد، وشكلت في عام 2019 19% من إجمالي الناتج المحلي.
و تشير إرشادات منظمة الصحة العالمية إلى أن تعرض الأشخاص للجسيمات يجب ألا يتجاوز 5 ميكروغرام لكل متر مكعب من الهواء سنويا. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتعرض السكان لأكثر من 10 أضعاف هذا المعدل، وفي القاهرة، كانت المستويات 15.2 ضعف هذا المعدل في عام 2018. ، وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك العديد من التطورات ، فعلى الرغم من وجود أسوأ جودة هواء في المنطقة، وجدت دراسة أجريت في عام 2020 أن مصر تعمل بشكل مطرد على خفض مستويات التلوث في بعض المناطق حتى عندما يبدو أنها ساءت في مناطق أخرى.
بينما فى الوقت نفسه ارتبط افتتاح الخط الثالث للمترو بانخفاض بنسبة 3% في تركيز الجسيمات بالقاهرة خلال عام 2019، وفقا للتقرير. كما أن الخط الرابع للمترو والقطار الكهربائي الخفيف، الذي سيربط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة، والمونوريل قد تقلل أيضا من عدد السيارات في طرق العاصمة.
على الجانب الآخر ، ساهم إطلاق مشاريع مثل برنامج التحكم في التلوث الصناعي (EPAP) التابع لوزارة البيئة، والذي جرى تدشينه في عام 1991، لتشجيع الاستثمار في العمليات الصناعية الأقل ضررا من خلال القروض المدعومة من البنك الدولي. وشهدت المرحلة الأخيرة من المشروع في عام 2015 تمديد حد ائتمان بقيمة 120 مليون يورو لتمويل هذه التحولات. وشهدت المرحلة الثانية من المشروع انخفاضا في معدل تلوث الهواء بنسبة 91% عبر 35 مشروعا فرعيا ممولا من برنامج التحكم في التلوث الصناعي، حسبما ورد.
وفى سياق آخر ، كان من الأهمية بمكان العمل على السيطرة على "السحابة السوداء" في القاهرة، فعادة ما ساهم حرق قش الأرز في المناطق الريفية بمصر في الظهور الموسمي "للسحابة السوداء" الكبيرة التي تخيم على منطقة القاهرة الكبرى. ولطالما ساهمت طرق التخلص من النفايات على نطاق واسع في تدهور خطير في جودة الهواء خلال شهري أكتوبر ونوفمبر. في عام 2014، سجل نحو 946 حريقا مرتبطا بحرق قش الأرز في منطقة الدلتا، حسبما ذكر التقرير نقلا عن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. ولكن اعتبارا من عام 2015، فرضت الحكومة غرامات ضخمة تصل إلى 100 ألف جنيه على حرق المخلفات ووسعت الحوافز المقدمة للتجار لشراء النفايات الزراعية وبيعها للشركات الخاصة (التي تتلقى أيضا دعما حكوميا) لاستخدامها في تصنيع السلع.
وساهمت الجهود المبذولة منذ عام 2015 في انخفاض كبير في عدد الحرائق وتحسن ملحوظ في جودة الهواء خلال مواسم الحرق المعتادة، حسبما يشير التقرير.