سوق المزارعين والتجربة الناجحة
06:50 م - الأربعاء 16 فبراير 2022
في زيارة لسوق المزارعين بحديقة البديع التي كان يطلق عليها في الستينات حديقة التجارب الزراعية وشهدت تطورًا يدعو للفخر والاعتزاز، فقد كان لي شرف حضور أول معرض للسوق في بداية انطلاقته من وزارة البلديات والزراعة وكان الأمل أن يتطور هذا السوق الأسبوعي ليصبح علامة مميزة للمزارعين البحرينيين وفرصة سانحة ليعرضوا منتجات مزارعهم من خيرات وعطاء هذه الأرض الطيبة في مدن وقرى مملكة البحرين، وليثبت المزارع البحريني انه على قدر المسؤولية ويتفاعل مع التوجه الذي نادت به الدولة بأن نعيد للبحرين خضرتها وشهرتها بلد المليون نخلة.
جهود طيبة بذلت منذ التفكير في هذا المشروع الرائد إلى خطوات عملية تستجيب للدعوات الكريمة، ومن بينها دعوة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله بالاعتناء بالزراعة في مملكة البحرين، والتأكيد على الإمكانات المتوافرة في أرض الخير والبركات مملكة البحرين، فسوق المزارعين اليومي في هورة عالي أصبح شاهدًا على هذا التطوير، وجدنا منتجات متنوعة تبدأ من ثمار النخيل إلى الخضراوات إلى اللوز والكنار (النبق) والصبار، إلى شتى أنواع الشتلات الزراعية وأنواع الزهور وأشجار الزينة، بالإضافة إلى مناحل النحل التي بدأت تعطي ثمارها ويصبح المزارع قادرًا على التنوع في معطيات الزراعة.
نعلم أن الدول الصناعية الكبرى بقدر ما تهتم بشتى أنواع الصناعات الخفيفة والثقيلة إلا أن الزراعة لا تقل اهتمامًا عندهم عن الصناعة بل إنها الرديف الأساسي، فالأمن الغذائي هو المطلوب وإمكانية الاستفادة منه لا حدود لها ويتم التأكيد على استراتيجية الغذاء. إننا بالفعل نتطلع في بلداننا العربية عمومًا إلى هذا الاهتمام بالزراعة وتطويرها طالما وجدت الإمكانات ومع تطور العلم في إمكانية وفرة إنتاج ما هو موجود والتطرق إلى مجالات متنوعة في الزراعة.
فقديمًا كان اهتمام الأجداد والآباء بالزراعة حتى في بيوتنا تلقى الاهتمام والعناية، فلا يخلو بيت من بيوتنا من نخلة أو أكثر، بالإضافة إلى مختلف الأشجار كاللوز والتين والصبار والكنار «النبق» والرمان والترنج والليمون والمشموم والريحان والورد المحمدي، وبالفعل وجدنا ونحن صبية تعلقنا بالنخلة والتعايش مع التطور الذي تشهده مع بداية النمو حتى يصبح رطبًا ثم تمرًا، بالإضافة إلى ما كنا نشعر به من متعة تسلق النخلة والقيام بواجب السقي والتنظيف، والاستفادة من كل ما فيها لحياتنا المعاصرة وقتها والاستمتاع بصوت البلابل والعصافير.
قطعًا أن سوق الزارعين الأسبوعي في حديقة البديع يشهد هذا التطور في الإنتاج الزراعي وينعكس ذلك في موسم الزراعة عندنا، وإذا كنا اليوم نشهد بعض أنواع الخضراوات والطماطم فعما قريب سنشهد ما تجود به النخلة من عطاء ويتمثل في النمو الطبيعي للنخلة ومنتجاتها إلى أن نصل إلى شتى أنواع الرطب كالخلاص والخنيزي والغرة والشيشي والبرحي وخصائب العصفور والهلالي، والحلاو والمرزبان وغيره، إلى أن يأتي موسم التمر فيتفنن المزارع البحريني في استغلال إمكانات التطوير المتاحة ومن بينها طبعًا دبس التمر أو ما يطلق عليه البعض في دولنا العربية عسل التمر، والبحريني في غذائه يستخدم الدبس مع الرز المحمر ومع شتى أنواع الحلويات.
في اللقاءات التي أجراها تلفزيون البحرين مشكورًا مع زوار سوق المزارعين بالبديع أشاد المواطنون وزوارنا من مجلس التعاون لدول الخليج العربية الشقيقة ومن الدول الأجنبية الصديقة بالمنتجات الزراعية البحرينية، ولم يتصور البعض أن هذه الإمكانات الزراعية موجودة في مملكة البحرين، وهذا ينهض دليلاً على أن الجهود الطيبة أتت ثمارها ويحق لنا أن نفخر بما حققه المزارع البحريني وإصراره ورغبته في التنوع والحرص على أن يكون الإنتاج الزراعي ملبيًا للحاجة. إننا كمواطنين نتطلع إلى أن يكون لدينا الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التشجيع والدعم والتعاون الوثيق بين الدولة بأجهزتها المختلفة والمزارعين.
ويذكر لنا السابقون كيف كان البحرينيون يتعالجون بالطب الشعبي من خلال النباتات البرية والعشبية والمزروعات المتنوعة وكيف كانت نتائجها مفيدة ومبهرة، ولعلنا ندرك أن مثل هذه الأدوية «الشعبية» طبيعية ولا تخالطها الكيماويات، فالتجارب الحياتية علمتهم فائدة كل عشبة لنوع من المرض، خصوصًا أيام الغوص على محار اللؤلؤ فكان ربان السفينة الحريص على أن يكون من بين رفقاء رحلة الغوص من يفهم في الطب الشعبي ويحضر معه بعض الأعشاب الطبيعية.
إن الحديث عن الزراعة حديث يطول والتجارب علمتنا إن الجهد الذي يبذل في تطوير الزراعة مقدر ويأتي بنتائج طيبة ومثمرة.
فتحية لكل من اهتم بسوق المزارعين الدائم بهورة عالي وسوق المزارعين الأسبوعي بحديقة البديع.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..