المشتركات الاجتماعية والثقافية
عندما نجتمع مع إخواننا العرب من شتى أقطارنا العربية يدور الحديث حول المشتركات الاجتماعية والثقافية التي تجمعنا كأفراد أو جماعات أو أمة، قد تختلف صيغ الأمثال أو الأقوال الحكيمة لكن الظروف تحتم ذلك غير أن التعلق بقيم الماضي تظل الأثيرة إلى النفوس المشتاقة إلى ما كان يمر به الأجداد والآباء وكيف تعاملوا مع ما قد يطرأ عليهم في مجتمعهم، وعلى سبيل المثال كان للمرأة في مجتمعنا العربي الدور الكبير في السهر على كيان الأسرة رغم صعوبة العيش وتعقد الظروف لكن التقدير للزوج والأبناء وربما الأحفاد يحتم عليهن أن تكون لهن الأدوار في توفير الحياة الكريمة الهانئة، وإذا كان تعليمهن بسيطًا غير أن تجارب الحياة ودور الجدات كان بمثابة دروس لا غنى عنها في الحياة، فمجتمعاتنا العربية تؤمن بالأسرة الممتدة، وتقدر النساء الدور الذي يقوم به الرجال في مجالهم كما أن النساء استفدن من الأخريات في عدة مجالات ومن بينها طبعًا تربية الأبناء والطبخ ومعالجة الأمراض التي قد تطرأ على فلذات أكبادهن وهم في مقتبل العمر، وتخصصت في مجتمعاتنا نساء كن يعالجن بعض الأمراض السارية في ذلك الوقت، وكانت الثقة المتبادلة هي عنوان سير الحياة لما هو أفضل للجميع، كذلك كان الرجال من خلال خبرة بعضهم يقومون بعلاج بعض الأمراض التي قد تطرأ على الكبار والصغار، وكان الطب الشعبي أو البديل كما أطلق عليه فيما بعد يمثل تجارب متبادلة يستفيد منها الجميع.
كانوا مثلاً يقولون لنا في الشتاء «لا تجلسون في الشمس كثيرًا في النهار خشية أن تبردوا في الليل»، فقد كانت ظروف التدفئة في ذلك الوقت ليست كما هو معمول به عندما جاءت الكهرباء إلى البيوت، فتجارب الحياة علمتهم أشياء كثيرة في حياتهم العامة وظروفهم الخاصة. نحتاج فعلاً لأن يلقى الضوء على بعض المسلكيات في زمانهم لعل في ذلك فائدة لتنمية قيم يحتاجها المجتمع، لقد تطور العلم وأصبح التخصص في مجالات الطب لا حصر له وباتت ولله الحمد الثقة في أطبائنا كبيرة خصوصًا إذا ما أتيحت لهم فرص الحصول على المعرفة والعلم من شتى بقاع العالم، وتم تزويدهم بأدوات العلاج المتطورة والخبرات في مجال التشخيص والعلاج والممرضين والممرضات المؤهلين ليكونوا الذراع الأيمن للطبيب المعالج.. نحيي كل من يعمل في مهنة الطب ومن يتخصص فيها ويلتحق بأرقى كليات الطب العربية والأجنبية.
نعم نحن عندما نجتمع لنتبادل الرأي في التجارب والخبرات التي عاشها الأجداد والآباء وربما كان لنا نصيب من الاستماع إليهم وحديثهم عن تجاربهم العملية، وكان التواضع في نقل المعرفة والمعلومات قائمًا على أساس الثقة في الفهم والاستيعاب لتعم الفائدة. لعل وسائل التواصل الاجتماعي أضافت بعدًا آخر للتواصل بين الناس غير أن الحذر الواجب والتنبه إلى ما يفيد والابتعاد عن كل ما يشين ويمرر الجوانب السلبية على من يتعاملون مع هذه الوسائل؛ فالتقنية كما يقال لنا دائمًا إنها «حيادية» ولكن المضامين التي تبث من خلالها تستلزم الحيطة والحذر.
كان القول الشائع في مجتمعنا: «إن في البيوت أسرارًا» والبيت بالفعل عندهم كان محاطًا بكل معاني القيم التي تحافظ على كينونته، ورغم صعوبة ما قد يمر به رب الأسرة إلا أن التعفف والترفع عن الدنايا وعزة النفس كان هو الهدف الأسمى. تعاونوا مع بعضهم بعضًا لمواجهة ظروف الحياة الصعبة، وكان كل فرد يشعر بواجبه نحو المجموع ويعمل جاهدًا لكي لا يغرد خارج السرب.. أتذكر قول أستاذنا بجامعة الكويت في السبعينات الأستاذ الدكتور محمد زكي العشماوي أستاذ النقد الأدبي وابن الإسكندرية رحمه الله عندما كان يصف لنا ضرورة الانسجام والتناغم مع بعضنا البعض وتعاوننا لما فيه المصلحة العامة بالفرقة الموسيقية التي تلتزم بالنوتة الموسيقية رغم تعدد العازفين والآلات إلا أن الجميع في تناغم وانسجام والتزام بالموسيقى المعدة والمرسومة بحيث يكون الانسجام والوصول إلى الغاية المنشودة من المقطوعة الموسيقية، وأي انفراد بما يسمى بالعزف المنفرد يكون بموافقة قائد الأوركسترا والتوزيع الموسيقي المرسوم والمعد للمقطوعة الغنائية أو الموسيقية.
نحتاج فعلاً أن يكون أداؤنا منسجمًا لخير الجميع، وندرك بعين بصيرة أن التعاون مع بعضنا بعضًا هو أساس نجاح كل عمل نقبل عليه ويناط بنا تنفيذه أو متابعته...
وعلى الخير والمحبة نلتقي