السوق العربية المشتركة | ليلة من ليالي الستينات

كنا في بيت الجد للوالد يرحمه الله محمد بن صالح الذوادي بشمال البديع على البحر من أرض وهبها له المغفور له بإذ

السوق العربية المشتركة

الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 04:02
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب
ليلة من ليالي الستينات

ليلة من ليالي الستينات

كنا في بيت الجد للوالد (يرحمه الله) محمد بن صالح الذوادي بشمال البديع على البحر من أرض وهبها له المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ سلمان بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها طيب الله ثراه. كان الجد وجدتي لأبي لطيفة بنت حجي بن عامر الذوادي تسكن في هذا البيت وكذلك الوالد (يرحمه الله) إبراهيم وأخواه سلمان بن محمد وصالح بن محمد، أما العمة شمة بنت محمد فانتقلت إلى بيت زوج ولد العم صالح بن علي الذوادي (يرحمه الله) في دارين بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية الشقيقة.



 

كانت ليلة من ليالي الشتاء لم تكن معهودة في شتاء البحرين، إذ فجأة اشتدت الرياح مع برودة شديدة وهاج الموج ولما كنا قريبين جدًا من البحر، فأخذت بعض أمواج البحر تصل إلى نوافذ الحجرات، وكان كعادة أهل البحرين يبدأ منامهم بعد صلاة العشاء بقليل ولكن تلك الليلة العاصفة لم تجعل نومنا مبكرًا، وكنت أنام مع عمي صالح في غرفة الجدة لطيفة وإذا بالعاصفة تطرق أبواب الحجرة ونوافذها، والجدة تصرخ خشية علينا وتحاول أن تبعدنا عن نوافذ الغرفة خشية أن تنفتح، وحاولت أن تسند يديها (يرحمها الله) على النوافذ، وأمرتنا أن نسند باب الغرفة لكي لا ينفتح من شدة الرياح، ونادينا الوالد إبراهيم (يرحمه الله) الذي كان هو يغالب الريح خشية أن تنفتح نوافذ غرفته التي يسكن فيها، وكان الجد (يرحمه الله) يسكن في الغرفة الشرقية من البيت والتي لم تكن أيضًا في وضع أحسن من غيرها. وكان دعاؤنا من الله سبحانه وتعالى أن تهدأ الرياح ويسكن الموج لنرى في الصباح نتيجة هذا الإعصار الذي زارنا على حين غفلة، ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالى ومشيئته، وتنفسنا الصعداء في الصباح بعد أن خفت الرياح وهدأ موج البحر، وكانت النتيجة أن ماتت الكثير من الأسماك بأنواعها المختلفة وأحجامها المتباينة وأصبح الساحل مليئًا بالأسماك الميتة، والبعض منها في البحر ولكنه شبه مخدر يسهل اصطياده من شدة البرودة. وتنادت قرية البديع والقرى المجاورة إلى السيف على طول امتداد ساحل البديع شرقًا وغربًا، وكان الساحل أيضًا قد استقبل بعض الأغراض التي أُلقيت كما يبدو من السفن التي كانت تحمل البضائع خشية أن تغرق بحمولتها، وكان الأقدمون عندما توشك السفن على الغرق يخففون من الحمل بإلقائه في البحر، وبالفعل في تلك الليلة وبعد أن هدأت الرياح وجد البحارة صناديق البرتقال وبعض المواد الغذائية الطازجة والمعلبة، واعتبر البعض ما تم الحصول عليه نعمة من الله، والبعض أفتى بأن ذلك يعتبر أمانة يجب البقاء عليها وتسليمها لمن يسأل عنها.. نعم هي أرزاق ولكن السفن التي تحمل هذه البضائع هي لتجار المواد الغذائية واضطرار النواخذه لإلقائها في البحر هو تجنب الغرق، فالأرواح مقدمة على البضائع.

 

كان جارنا المرحوم إبراهيم بن أحمد النصار -مثواه الجنة ورضوان النعيم- يملك دكانًا متواضعًا في شمال البديع وكان يومها قبل العاصفة بأيام قد وضع بعض المكسرات على سطح بيته لتجف ويبيعها بعد ذلك، وإذا العاصفة تلقي بكل ما وضعه على سقف منزله في الشارع والأطفال يجمعون ما تساقط منه وكان يرحمه الله يقول: حلال عليكم.. وبدأت الأخبار تترى من كل مناطق البحرين قراها ومدنها عما تركته العاصفة من آثار لم يكن أحد يتوقع ذلك، خصوصًا وخيرات البحر الذي كان له النصيب الأوفر قد فاجأت بعض الناس، خصوصًا أولئك الذين لا علم لهم بخيرات بحر البحرين. وفي اليوم التالي ذهبنا إلى سوق السمك بالمنامة وإذا كميات من السمك بأنواعها موجودة وبأسعار زهيدة، والبعض يسأل هل وجدت هذه الأسماك ميتة على السيف «الساحل» أم تم اصطيادها حيّة؟! وكأن السائل لديه فتوى بين الحل والتحريم وكان من الصعب الإجابة عن هذا السؤال. وسمعنا فيما بعد من العمال الذين يعملون في شركة النفط «بابكو» أن الصقيع شكل كتلاً من الثلج على أشجار عوالي، وربما كان هذا هو أول ثلج ينزل على البحرين في العوالي، وطبعًا تم تصويره ونشره في جريدة الشركة «النجمة الأسبوعية» وتصويره سينمائيًا من خلال نشرة الشركة الإخبارية المصورة، وقد تحتفظ بذلك شركة النفط في ذاكرتها بهذه المناسبة.

 

هذا العام 2022م، تسنى لأهلنا في البحرين أن يشهدوا زخات المطر الشديدة ويروا بأعينهم البرك التي وجدت نتيجة الأمطار الكثيفة خصوصًا في بعض المدن التي لم تكتمل فيها وسائل الصرف الصحي أو أن الصرف الصحي في بعض قديم، ما حدا بالمسؤولين بوزارة الأشغال والزراعة بذل الجهود المقدرة في تلافي ما هو أشد، وجاءت دعوة القيادة الرشيدة إلى رفع الضرر عن المتضررين وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بمنازلهم وممتلكاتهم. وهكذا عندما تغضب الطبيعة فإننا نتأثر وندعو الباري عز وجل ان يخفف الضرر عن الناس ولكن هذه الظواهر وغيرها تظل ذكرى لنا ولأجيال تأتي بعدنا ولا نقول إلا أن إرادة الله سبحانه وتعالى ترأف بالعباد والخير فيما اختاره الله، وعلينا الشكر والثناء ونقول مثل ما كان يقوله الأجداد والأباء «اللهم لطفك بعبادك وأنت أرحم الراحمين» ونعم الله علينا كثيرة وعلينا الشكر والثناء والإيمان بالقضاء والقدر.

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي..