الماي زاد على الطحين
عندما يكون الماء يزيد عن الحاجة إليه في الطحين، فإن الطحين أين كان الغرض منه جميع الاستعمالات أو لاستعمال مخصص كالحلويات، أو نمرة واحد أو نمرة اثنين فالطحين مقدار الماء المطلوب يتناسب مع نوع الطبخة المراد إنجازها، وعندما تزداد كمية الماء يفسد الطحين وتفسد معه الطبخة المراد إنجازها. لم يترك لنا السابقون شيئًا إلا وقد وضعوا له القواعد والأسس التي يبني عليها المراد، ولذلك فهم قد أسقطوا ذلك على أمور الحياة؛ سياسيًا، واقتصاديًا، وماليًا، واجتماعيًا، وثقافيًا، قربوا المفاهيم ولم يأنفوا أن يضربوا المثل بأبسط الأشياء والأقرب إلى الحس البشري الإنساني؛ فنحن نمر بظروف متعددة كأفراد أو جماعات أو بلدان أو أمة؛ فالتوازن مطلوب، وعندما يزداد الأمر عن طاقته والمرسوم له؛ فيصبح الأمر أكثر عرضة للمصيبة أو الكارثة؛ فيصبح الأمر لا يطاق ويحتاج إلى معالجة سريعة وفعالة، إذ إن المصلحة العامة تتطلب الحرص على التوازن، وإيجاد الحلول الناجعة والسريعة والفورية لكي لا تستفحل الأمور ويصعب حينئذ معالجتها.
على الرغم من أن الأجداد والآباء كانت الإمكانات التي عندهم محدودة والطاقة التي يملكونها يواجهونها بتحديات جسام إلا أنهم نذروا أنفسهم للتعاون مع بعضهم البعض للتغلب على ما يواجهونه من تحديات، وأخذوا برأي حكمائهم ودرسوا ما بين أيديهم وكيف يمكن أن يوظفوا ذلك في حل ما يواجهونه في حياتهم.. نظروا إلى الوقت المتاح وفهموا الإمكانات التي تسنت لهم وتنادوا جميعًا لحل ما يقف في طريقهم إيمانًا منهم أن التعاون المشترك طريق الخلاص من الإشكالات والبناء عليها، أخذوا برأي الكبير والصغير ولم يقللوا من شأن الآراء التي ترد إليهم وهم قد تعلموا ذلك من مهنهم في الغوص على لؤلؤ المحار، ومن التجارة مع البلدان المجاورة، والبلدان التي قصدوها لطلب الرزق.. وتمثلوا بما مرت به شعوب تعاملوا معها، فأصبحت الدروس المستفادة من واقع عملي، وليست من نسج الخيال أو الوهم الذي لا يقود إلا إلى الخراب أو ربما ضياع ما بأيديهم. كان الرزق هاجسهم، وكان السعي لطلب الرزق تهون دونه الصعاب والعقبات.
نحن الآن لسنا في مجتمع الغوص أو في تجارة القطاعة البينية، وإنما نحن في عالم التكنولوجيا المتطورة والرقمنة وعالم قواعد المعلومات، وعلينا أن نواكب هذه التطورات والمعطيات العصرية والاستفادة منها، وتوظيفها في حياتنا بما يعود بالخير على المواطن ويسهل أمور تعامله اليومي مع مؤسسات الدولة، والمرافق التي يستخدمها في سكنه أو تنقله أو رسم الحياة بما يعود عليه وعلى أبنائه بالخير.
نعم نسعد ونحن نرى شبابنا يقتحمون هذه المجالات التقنية بثقة وعلم ودراسة والاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية، وإيمان القيادة الحكيمة الرشيدة بإعطاء الشباب الفرص للإبداع والتميز إنما يضع الأسس القوية لبناء المستقبل.
صحيح أننا بحاجة إلى الوقت والصبر، للانتقال من مرحلة إلى أخرى فإن التدرج في مثل هذه الأمور يتطلب الصبر والمثابرة ومن ثم فتح مجالات التدريب لكل فئات المجتمع بناءً على الحاجة الماسة وضمن تنسيق مشترك مع ذوي الخبرة والعلم والتجربة، وقد أثبتت التجارب أن التفاعل مع المستجدات الجديدة يتطلب الوقت والصبر والمشاركة الجماعية والإيمان بحتمية التغيير.. إن الشعار الذي رفع مع بداية جائحة كورونا «مجتمع واعي» هو شعار أثبت نجاعته من خلال الصبر والتجاوب مع كل حملة تقام لتطبيق هذا المفهوم والإيمان بقدرة المواطن على التجاوب والتفاعل مع الجهود المبذولة ورهان ذلك هو الصبر والوقت والاستعداد الفطري للتجاوب مع الدعوات لبناء الإنسان والوطن وبما يعود على الجميع بالخير.
لقد عودنا شعبنا على التجاوب الإيجابي والفعال، ونحن جيل عشنا فترات تحول مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر تغيير المسار على الطرق من اليسار إلى اليمين، والتعامل مع مستجدات العصر بما يعود على الوطن بالخير من خلال إنشاء المصانع المتعددة التي كان المواطن متفاعلاً معها كشركة النفط بابكو، وألمنيوم البحرين «ألبا»، والحوض الجاف، والحديد والصلب وتطوير الموانئ والمرافق التي تسهل على المواطن معيشته، والتوسع النوعي والكمي في الخدمات. وإبراز مكانة مملكة البحرين اقتصاديًا وسياحيًا وثقافيًا وليس بغريب عندما نستمع إلى من يأتون إلى بلادنا زائرين ويقولون إن مملكة البحرين تغيرت كثيرًا، وهذا الشعور بقدر ما يسعدنا؛ فإنه يضيف علينا أعباء كثيرة ويحتم علينا أن لا نقف بل نواصل العطاء والتغيير لما يعود على الوطن والمواطنين بالخير، ويحق لنا أن نقول: بأن بناء الأوطان يحتاج إلى تكاتف الجهود، والإيمان بالقدرة على التغيير.
وعلى الخير والمحبة نلتقي