
محسن عادل
تطور مفاهيم الرقابة المالية فى أسواق المال
منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، تعرضت الصناعة المالية إلى هجمة شرسة اعتراها الشك والأقاويل والآراء المتفاوتة وسوء الفهم التى ألقت بظلالها السلبية على الأزمة. وفى هذا الإطار، فإن هناك ضرورة إلى التحليل الموضوعى للآليات الأساسية للأسواق والمؤسسات والمنتجات والقواعد، خاصة على خلفية عدم اليقين والترابط المعقد.
إن العديد من الناس بات لديهم اليوم شعور متناقض تجاه القطاع المالى والنقدى. فعلى الرغم من أننا راضون عن الازدهار الذى وصلنا إليه، إلا أننا ندرك أيضاً الطبيعة المتضاربة للصفقة التى أدخلناها حديثاً إلى الاقتصاد المالى والنقدى. فالأمن المالى لدينا يعتمد على نظام مالى مستقر وسياسة نقدية ذات مصداقية، لكن الناس العاديين ليس لديهم أى نفوذ شخصى على ذلك، ولا حتى بالمعنى الديمقراطى الرمزى. فعندما أدرك الكثير من الناس عام 2008 عجزهم عن مواجهة المخاطر المحدقة بالنظام المالى، سادت حالة من الذعر وظهرت بعدها عقلية متناقضة شابها بعض المخاوف والأساطير التى نراها اليوم فى الرأى العام حول تعقيدات النظام النقدى والعالم المصرفى.
باختصار يبدو من الجيد التمييز بين الطبيعة المتضاربة للاقتصاد المالى والنقدى. والسؤال الذى يطرح نفسه هنا، كيف الحكم إما على تشديد الأحكام التنظيمية على قوى السوق والصناعة المالية ومنتجاتها وموظفيها أجدى، أو تركها للأجهزة الخاصة بها.
كل من يقوم اليوم بجمع تشكيلة أسهم ممتازة فمن المحتمل أن تتضاعف القوة الشرائية لديه خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة، متفوقاً بذلك على أداء معظم البدائل الاستثمارية السائلة.
هناك قلق من غياب القواعد التنظيمية الآن، ذلك قد يؤدى إلى حالة من الفوضى والخطر العام. الكثير من الناس يخشون من طلبات الشراء العفوية غير المألوفة، لا سيما إذا كانت ناشئة من قوى السوق. لكن كل واحد من المستثمرين فى السوق الآسيوية المترامية الأطراف يعلم أن هذه الأسواق التى تنظم نفسها بنفسها، تقوم بإنشاء نظم وقواعد عفوية مثيرة للدهشة، حيث الأسواق تسعى دائماً نحو القواعد والنظام، وتبتعد عن الفوضى.
تأتى الحاجة إلى قواعد تنظيمية إضافية من أجل توقع الآثار الخارجية الناجمة عن قوى السوق التى من شأنها أن تؤدى إلى تكاليف إضافية على عامة الناس.
يقدم خطر التكاليف الخارجية وليس الرغبة فى المزيد من التنظيم، تبريراً للتدخل التنظيمى فى الأسواق الحرة. ويجب ألا يحل التنظيم الحذر للسوق محل قوى السوق العفوية. فبدلاً من ذلك، يجب توجيه الطاقة الإبداعية الليبرالية لجعل الأسواق أكثر جاذبية لعامة الناس وليس أقل جاذبية. على الرغم من الحجج الموضوعية وعدم الارتياح تجاه بعض المفاهيم العامة فى الصناعة المالية التى لا تزال قائمة، فإن هناك نوعين من الأساطير التى تنتشر على نطاق واسع، واحدة تقول إن المضاربات المالية تنتج فقاعات الأسعار ونقص الإمدادات، والثانية تلك التى تؤكد أن الصكوك المالية المشتقة تشكل خطراً كبيراً على النظام المالى.
فيما يتعلق بالمقولة الأولى، فليس هناك سبب لافتراض أن المشترين فى الغالب من الأسواق المالية، حيث إن المشترين فى النهاية إما سيربحون أو يخسرون، والشىء نفسه ينطبق على البائعين، وعلى أى حال فإن فقاعات الأسعار ليست نتيجة لزيادة التكهنات، بل على العكس من ذلك، فإن مع زيادة التكهنات تصبح الأسواق أعمق وأوسع أكثر سيولة.
أما فيما يخص المقولة الثانية المتعلقة بالمشتقات المالية التى تشكل أيضاً تحدياً خطيراً، فتكمن مخاطر هذه المشتقات على الأسواق المالية فى تقسيمها إلى عناصر فردية وتخصيص هذه الأجزاء بطريقة تسمح للمستثمرين تحديداً بتحمل المخاطر التى يسعون فقط للتعرض لها. تعزز هذه الميزة للمشتقات قدرة الأسواق المالية على تخصيص وتقويم المخاطر بشكل أكثر دقة. فى عام 2008 لم تكن المشكلة فى المشتقات المالية نفسها.