النخلة عمر مديد وعطاء يزيد
إذا كانت خيرات النخلة لا تعد ولا تحصى فإن أفراد مجتمعنا في زمانهم القديم عرفوا كيف يستفيدون من هذه الخيرات في بناء منازلهم وعمل أماكن كلفتها قليلة وفوائدها كثيرة، وهي على سبيل المثال «العرشان» من خوص النخيل الجافة والجريد واستغلالها في أيام الصيف الحارة، وفي الشتاء يلجأون الى الكبر، والكبر من مكوناته يستفيد من خيرات النخلة وما تجود به البيئة من طين يحمي من البرد ويقاوم سقوط المطر، فالبحريني عرف كيف يتعامل مع معطيات البيئة الطبيعية وكيّف نفسه معها في عيشه وسكنه، وموارد رزقه من البحر ومن بينها عمل الحظور التي يستخدم في تشكيلها ونصبها جريد النخل والحبال التي تعمل يدويا من ليف النخيل..
وإذا كان موضوعنا هو «العسو» فالعسو هو الذي ينبت عليه الرطب من أول تشكيلته كالحبمبو، والخلال الى الرطب، وأحيانا يترك الرطب الى أن يجف في عذوق النخلة ويوزع أو يباع فيما يسمى «بالتمر النثري» قبل أن يوضع في القلال من سعف النخيل ليحفظ في المنازل أو يوزع على الأصدقاء، أو يكون سلعة رائجة عند تجار التمور في بلادنا أو يصدر للدول المجاورة التي تنقصها نوعية التمور التي تمتاز بها مملكة البحرين على مدى تاريخها، حتى أن التاريخ القديم يذكر فخار ديلمون كما يذكر تمور ديلمون، فالنخلة هي الرمز والواقع التي تثري الحياة في العهود التاريخية المتعاقبة.
العسو في استخدامات البحرينيين لاغنى لهم عنه، فالمرأة تستخدمه في تنظيف البيت وغرف المعيشة، كما يستخدم في تنظيف السجاد بعد وضعه لفترة في الماء، وقد يستخدم في إبعاد الحيوانات أو الحشرات غير المرغوب وجودها في أماكن المعيشة، وحماية الأطفال. أما الرجال فقد تعاملوا مع العسو إما وسيلة للدفاع عن النفس أو لتلقين الأولاد دروسا في السلوك السوي أو التهديد بالضرب عند الغضب.
ولطالما شبعنا ضربا بالعسو عندما كانت الطفولة بشقاوتها أو لعصيان أوامر شرب «العشرج» الذي كان المجتمع يستخدمه علاجا شعبيا للإمساك أو عسر الهظم أو لتنظيف المعدة قبل حلول شهر رمضان، فالخيار كان أمامنا صعبا أما العشرج أو الضرب بالعسو!! وأحيانا تقودنا الشقاوة وسوء التقدير إلى أخذ الاثنين معا. و«العشرج» نبات طبيعي وجد في البيئة الطبيعية في البحرين وقد يجلب من الدول المجاورة، ويبيع العشرج بعد تحضيره وإضافة المواد الطبيعية الأخرى إليه «الحواج» الذي يسمى في بعض دولنا العربية «العطار».
إن العسو كمثال يقودنا الى القول إن لا شيء في البيئة الطبيعية يستغنى عنه أو تكون استخداماته لغرض واحد فقط إلا فيما ندر، ولذلك يتطلب الأمر منا الحرص على الاستفادة من معطيات البيئة قدر المستطاع، وأن نعمل العقل في الاستفادة مما حولنا، والتفكير في دراسة معطيات كل موروث وتعاقب الأجيال في استخدامه. صحيح أن البيئة اليوم هي بيئة التكنولوجيا واللغة المستخدمة هي الأرقام والرموز وأصبحت الطلبات من الخارج لا تستغرق وقتا طويلا، ولكننا بالمقابل ندهش عندما نزور الصين مثلا كيف اهتمامهم بالأعشاب والنباتات ومزارع الشاي الأخضر بأنواعه وطرق الاستفادة منه والتباهي به أمام السياح والزائرين الرسميين الى بلادهم، بالإضافة الى اهتمامهم بالطب الشعبي أو ما يسمى بالطب البديل (Alternative medicine)، واهتمامهم بالتطور التكنولوجي والتسابق لإحراز قصب السبق في المعطيات الحضارية الإلكترونية الجديدة.
لقد سعدت كثيرا بالانجازات التي يحققها شبابنا في سعيهم لتطوير أنفسهم وتنويع مصادر دخلهم فيما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير، فقد ضرب شبابنا المثال في الاعتماد على النفس والاستفادة من مشاريع الدولة المتاحة لهم من خلال مؤسسة (تمكين) التي تأسست في العام 2006 وفق القانون رقم 57 مؤسسة وطنية شبه حكومية تهدف الى دعم تنمية القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي، «ويأتي تأسيس تمكين انسجاما مع أهداف رؤية البحرين الاقتصادية 2030 ومبادئها الاساسية، المتمثلة في الاستدامة والعدالة والتنافسية».
«وقد أطلقت تمكين أكثر من 330 برنامجا ومبادرة في مجالات عدة، شملت التمويل والتدريب والتوجيه وتشجيع ريادة الأعمال وغيرها، وأسهمت في دعم أكثر من 230 ألف فرد ومؤسسة».
إن تشجيع الدولة ودعمها للشباب وللجهود التي تبذل لتطوير الاقتصاد الوطني واستغلال معطيات البيئة الطبيعية والتركيز على الشباب ودورهم الحضاري مدعاة فخر واعتزاز لكل مواطن يسعى لخدمة الوطن والمواطنين، وبما يحقق النجاح في بيئة واعدة بالنجاح.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..