نعم هم يستحقون الوفاء
أجيال من أبناء الوطن الذين عملوا من أجل التربية والتعليم في بلادنا عبر مراحل التعليم المختلفة يشاركهم أساتذة من بعض دولنا الخليجية والعربية، فكانت البحرين حاضنة لهؤلاء الذين خدموا بإخلاص وتفانٍ، شاعرين بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وكنا ونحن في بداية التعليم الابتدائي نلتقي بهؤلاء من مختلف مدننا وقرانا، وكانت المدارس الابتدائية في كل قرية ومدينة، وثم تخصصت المدن تقريبًا بالمدارس الإعدادية والثانوية، وكانت وسائل المواصلات المدرسية تنقل الأساتذة من سكناهم إلى حيث توجد المدارس الإعدادية والثانوية للبنين والبنات، فاختصت مدينة المحرق باستقبال الطلبة والطالبات من مدينة الحد وقلالي والدير وسماهيج والبسيتين وعراد، كذلك الحالات «سلطة» و«نعيم»، بينما احتضنت المنامة طلبة القرى على امتداد شارع البديع والجسرة والرفاع والزلاق.
كانت مرحلة انتقالنا من مرحلة إلى أخرى بمثابة الإحساس بمسؤولية أن نكون طلبة مقبلين على حياة جديدة فيها تحدٍ وإثبات الذات وكانت فرصة للقاء زملاء جدد ومعارف تزيدنا قربًا كأبناء وطن واحد، وبالفعل كانت مدارسنا مجتمعًا فيه كل تجارب الحياة، وكان اللقاء مع بعض الأساتذة الذين أنهوا الدراسات الجامعية، فكانت مهنة التدريس هي أكثر المهن استقطابًا لهم ولخبرتهم.
وأنا أقرأ أسبوعيًا ما يقوم به الدكتور عبدالله بن يوسف المطوع وكيل وزارة التربية والتعليم سابقًا من جهد طيب ومقدر في استعراض شخصيات ممن خدموا في سلك التعليم من رجال ونساء، مستعرضًا سيرتهم الشخصية وجهودهم في مهنة التدريس بحسب اختصاصهم والمواد التي اضطلعوا بها، إضافة إلى من شغلوا مناصب في التربية والتعليم إداريين ومشرفين ومراقبين.
وقد تناول الدكتور عبداالله بن يوسف المطوع سيرة ومشوار حياة في التربية والتعليم لما يقرب من 180 شخصية رجالاً ونساءً، وهو جهد يقدر بما بذله الباحث من سعي حثيث للبحث عن المعلومات الشخصية والمهنية.
فالدكتور عبدالله حاصل على دكتوراه دولة في القياس والتقويم من الجامعة اللبنانية وماجستير في القياس والتقويم من الجامعة الأردنية، وليسانس آداب تخصص جغرافيا من بيروت العربية، ودبلوم الدراسات العليا في التربية الجامعية للعلوم والآداب والتربية (جامعة البحرين حاليًا) ودبلوم المعهد العالي للمعلمين رياضيات وعلوم (بمملكة البحرين).
وقد تدرج الدكتور عبدالله في الوظائف التي شغلها، فقد كان مدرسًا ومشرفًا إداريًا بمدرسة الرفاع الغربي الابتدائية الإعدادية، بالإضافة إلى الانخراط في نظام معلم الفصل، كما عمل في التوجيه بنظام جزئي في مراكز التعليم، كما تولى مسؤولية شؤون الطلاب بمجلس العائلة الحاكمة الكريمة بالديوان الأميري سابقًا، وبالإضافة إلى أعماله الإدارية بمختلف التخصصات، فقد قام بالتدريس للمقررات التربوية والتقييم والمناهج في جامعة البحرين، بالإضافة إلى رئاسة جلسات عدد من المؤتمرات التربوية التي تعقد في البحرين وخارجها، وهو خبير في تقديم الاستشارات التربوية لعدد من الباحثين في مجال المقاييس والتقويم ومناهج البحث، ومثَّل وزارة التربية والتعليم في عدد من اللقاءات التربوية والمؤتمرات خارج مملكة البحرين، بالإضافة إلى التفويض بالقيام بمهام وزير التربية والتعليم في عدد من المؤتمرات التربوية.
شارك في العديد من البحوث التربوية التي أعدت في مركز البحوث التربوية والتطوير، كما شارك في الموسوعة الثقافية «المسح الثقافي للبحرين في ثلاثة عقود»، وتأليف كتاب «تحليل مضامين الكلمة السامية من مقاربة تربوية»، وكذلك المشاركة في العديد من الأوراق في العديد من المؤتمرات التربوية والمشاركة في وضع إستراتيجية تربوية بمكتب التربية لدول الخليج العربي..
بالإضافة إلى عضويته في الجمعيات التطوعية وعضويته في المجلس التنفيذي لمكتب التربية العربي لدول الخليج العربية، وعضو المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الألسكو، وترؤسه للمكتب لفترتين متتابعتين، وهو حاصل على ميدالية جوقة الشرف الفرنسية، وحاصل على وسام الكفاءة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، بالإضافة إلى حصوله على التكريم من المؤسسات التربوية العربية والخليجية.
إن تصدي الدكتور عبدالله بن يوسف المطوع للكتابة عن من خدموا في سلك التربية والتعليم يعيدنا إلى ذكريات اهتمام الرعيل الأول من المدرسين بأبناء وطنهم وحرصهم على أن يكون التعليم في مراحله الأولى ممهدًا للدراسات العليا والتخصص في الجامعات بالخارج قبل أن يكون لدينا في مملكة البحرين العديد من الجامعات المتخصصة.
ونحن كأبناء مملكة البحرين نفخر بما حققه أهلنا من المدرسين والمدرسات، وما بذلوا من جهود مقدرة، فقد نالوا ثقة مواطنيهم فتحملوا المسؤولية كاملة، ولازلنا نذكر صنيعهم لأجيال تعاقبت فكانوا بالإضافة إلى التعليم الحريصين على التربية، ويحضرني قول المربي الفاضل يرحمه الله الأستاذ أحمد بن علي العمران وزير التربية والتعليم الأسبق مثواه الجنة ورضوان النعيم عندما قابلته وأنا في أول مشواري الصحفي وكان الحديث عن المعلمين البحرينيين وإسهامهم فقد قال لي: «يا ابني نحن وإن كنا في أمس الحاجة للمدرسين البحرينيين إلا أنه عندما طلب منا الأشقاء في دول الخليج مساعدتهم والاستعانة بمدرسين بحرينيين، لم نتوانَ في تلبية طلبهم لأن هذا هو واجبنا الوطني والقومي».
سيظل المدرس البحريني في جميع مراحل التعليم وفيًا لمهنته حريصًا على البذل والعطاء لخير هذا الوطن وأهله.
وعلى الخير والمحبة نلتقي..