محمول ويترفس؟!
حبانا الله بأجداد وآباء تركوا لنا تراثاً مادياً وشفاهياً غير مادي من خلال تجاربهم وما تعرضوا له في حياتهم من مواقف إيجابية أو سلبية أو تعرض له غيرهم، والصيغة التي تركوها لنا مفتوحة لكل الاحتمالات، وعلينا تكييفها فيما نتعرض له، ولكي نوضح الفكرة فالمحمول قد يكون طفلاً لا يقدر على المشي أو هو قادر ولكن ليس لمسافات طويلة أو هو من قبيل العطف والحنان، فلا يجوز لهذا المحمول أن «يترفس» أي يضرب بأقدامه من تبرع بحملة وهذا هو التفسير البسيط الذي أورده لنا من سبقونا خبرة وتجربة وبُعد نظر، ولكنهم يرحمهم الله كانوا يسقطون هذا القول على أمور أكثر أهمية وابعد خطراً قد تشمل أفراداً، وقد تشمل جماعات أو قد تشمل مجتمعاً أو دولة، فنحن نعلم أن كل فرد من أفراد المجتمع عليه مسؤوليات وواجبات كما له حقوق، فالتعاون مطلوب من المجتمع لكي تسير سفينة الحياة في بحر آمن وبلوغ مرافئ الأهداف المبتغاة ونحقق ما نصبو إليه كأفراد وجموع في بلاد آمنة مطمئنة «يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ» سورة النحل الآية (112) فما أجمل التكاتف والتعاون والقيام بالمسؤوليات خير قيام، نعلم بأن هناك من النفوس الضعيفة التي لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب، وتنظر دائماً إلى الأمور بنظرة سوداوية، والله أعلم بما تحمله في قلبها من حقد وضغينة، ولكن الحمد لله أن من يحملون هذه الصفات قليلون وأن ظننا أن أصواتهم مسموعة؛ فالحياة والناس الطيبين فيها أكثر بكثير من تلك الأصوات النشاز التي لا تريد خيراً فتلجأ إلى الأقوال والافعال التي تتنافى مع الفطرة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى عليها وهي «الخيرية في النفس البشرية» ولا نلتمس العذر لهم كالتربية والظروف الاجتماعية والبيئية الي نشأوا فيها وتأثيرها على سلوكهم وتصرفاتهم وافعالهم، فعملية الإصلاح لهذا الخلل قائمة طالما كانت هناك النية الصادقة والفعل الإيجابي والسعي للتناغم والانسجام المجتمعي والأخذ والعطاء لصالح الأفراد والجماعات والأوطان.
من هنا فالجميع مطالبون بأن يلعبوا الأدوار الإيجابية في إصلاح الخلل وتقويم المعوج والسير في الطريق الصحيح، الأوطان التي تضمنا جميعاً وستضم أولادنا وأحفادنا علينا أن نفديها بالمهج والأرواح ونسعى جاهدين لرفعتها وعلو شأنها فما توفر لنا من رعاية اجتماعية وثقافية وصحية واقتصادية وسياسية مدعاة تأمل وإدراك بأن هناك جهودا وطنية بذلت ومساعي خير يقف المرء تجاهها بكل احترام وتقدير.
قد يكون هناك عوائق ومصاعب ولكنها هي هكذا الحياة تتطلب منا التكاتف من أجل أن نكون صانعي الخير والمبشرين به ولسنا منفرين، وندرك بأن الأهداف العليا للمجتمع لا تأتي بالساهل فلابد من البذل والعطاء، والتعاون وصفاء النية لكي نصل إلى بر الأمان والغاية السامية والمبتغاة، كان الأقدمون يوقرون كبار السن لما لهم من تجربة وخبرة، ولما بذلوه أيام شبابهم ومقتبل عمرهم من جهود مضنية في الوظائف التي تقلدوها أو في المهام التي اضطلعوا أبها وكانت غايتهم أن يخلصوا ويتفانوا في المهام الجسام التي أنيطت بهم ومن واجبنا ومسؤولياتنا أن نقدر عطاءهم وبذلهم وتضحياتهم، وكنا مع الزملاء يوماً نستعرض أسماء من بذلوا في مجتمعنا في مختلف المهن والوظائف مستعرضين تلك الجهود، منهم من اختاره المولى جلت قدرته إلى الدار الآخرة ومنهم من لا يزال على قيد الحياة، سعيد بين أولاده وأحفاده ويمتع ناظريه بكل ما يحققونه ويتوصلون إليه، لكننا بحاجة كمجتمع أن لا نترك هؤلاء لعزلتهم وتفكيرهم في الأيام الخوالي، فإشراكهم بالأنشطة التي نقيمها بدعوتهم والاستئناس بوجودهم قطعاً سيشعرهم بقيمة عطائهم وبذلهم وتضحياتهم، طبعاً مفهوم التقاعد في زماننا اختلف عن السابق، فهناك اليوم من تقاعد اختيارياً، وهناك من تقاعد مبكراً وهؤلاء بالتأكيد قادرون على أن يعطوا ما دام الله سبحانه وتعالى قد منحهم الصحة والعافية؛ فالتفكير في طرق ووسائل وأنشطة تجعلنا نستفيد من خبرتهم وتجربتهم، ولا تشعرهم يوماً بأنهم قد أصبحوا «خارج الخدمة» فالمجتمعات التي تنشد الاستفادة من كل أبناء المجتمع تجد الطرق والوسائل التي تجعل القادرين على العطاء لا يتوقفون بطرق ووسائل مختلفة.
لقد تربينا ونحن نجل ونقدر الأجداد والآباء وننزلهم المنزلة اللائقة بهم واليوم المجتمع بكل فئاته وطوائفه وخبراته بحاجة إلى أن يدفع تجاه التقدير والاحترام لعطاء من أخلص في مهنته، فالتقدير المعنوي اليوم لهؤلاء هو قمة الأمور التي علينا الحرص عليها.
تجربة مجالس أهالي البحرين يجب أن تدرس بعناية، فهذه المجالس إذا قيَّمت تقييماً عادلاً ومنصفاً فإننا بالفعل نعتبرها مدارس كما كان يطلق عليها في مجتمعنا وتبناها مشكورين ومقدرين حكام البحرين من آل خليفة الكرام الراحلين طيب الله ثراهم، وتتمسك بها القيادة الرشيدة لهذا الوطن حفظهم الله ورعاهم في مناسبات كثيرة.
ما أجمل أن نعيش مجتمعين كل له دوره ومسؤولياته ونشعر بأن عطاءنا البشري والإنساني لم ولن يتوقف، والكل له الدور في الحياة والمجتمع الذي ينتمي إليه.
وعلى الخير والمحبة نلتقي