السوق العربية المشتركة | رحلة الأعوام الثلاثة.. تمهيد طريق مسار العائلة المقدسة يضع مصر على الخريطة السياحية الدينية

مسار العائلة المقدسة مشروع سياحى ودينى لإحياء الرحلة فى مصررحلة المتاعب تتحول إلى مسار مقدس بعد 2000 عام من مغ

السوق العربية المشتركة

السبت 23 نوفمبر 2024 - 07:23
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

مسار العائلة المقدسة مشروع سياحى ودينى لإحياء الرحلة فى مصر

رحلة الأعوام الثلاثة.. تمهيد طريق مسار العائلة المقدسة يضع مصر على الخريطة السياحية الدينية

مسار العائلة المقدسة مشروع سياحى ودينى لإحياء الرحلة فى مصر



رحلة المتاعب تتحول إلى مسار مقدس بعد 2000 عام من مغادرة أورشليم

كنيسة أبو سرجة بمصر القديمة شاهدة على احتماء المسيح 3 أشهر

دير المحرق "أورشليم الثانية".. ومحطة الإقامة الأساسية للعائلة المقدسة

كنيسة العذراء بالمعادى استراحة العائلة المقدسة قبل الرحيل إلى الصعيد

تنفرد مصر دون بلاد العالم برحلة العائلة المقدسة، إذ خص الله مصر وحدها بلد الأمن والأمان أن تحظى بمباركة العائلة المقدسة لنيلها وأرضها، ولهذه الزيارة أهمية تاريخية ودينية كبيرة لدى المصريين، كما أنها تعد من التراث الديني العالمي والذي تنفرد به مصر عن سائر بلدان العالم، وبفضلها تبوأت الكنيسة القبطية المصرية مكانة دينية خاصة بين الكنائس المسيحية في العالم، لارتباطها بهذه الرحلة المباركة لأرض مصر الغالية والتي مكثت فيها حوالي 3 أعوام، باركت خلالها العائلة المقدسة أكثر من 25 بقعة في ربوع مصر المختلفة تحمل ذكراهم العطرة، إذ تنقلت بين جنباتها من ساحل سيناء شرقًا إلى دلتا النيل حتى وصلت إلى صعيد مصر.

بدأت رحلة العائلة المقدسة إلى مصر بأمر إلاهي تلقاه يوسف النجار، وانتهت كما بدأت بأمر إلاهي.. إذ تجلى ملاك لمرافق السيد المسيح وأمه مريم العذراء وأمرهم بالعودة، لذلك تحظى رحلة العائلة المقدسة في مصر ومحطاتها بأهمية كبرى من الناحية التاريخية والدينية الذي تنفرد بها عن سائر بلدان العالم، وتتضمن مجموعة من المزارات الدينية التي يبحث عنها قاصدي السياحة الدينية العالمية، وتكتسب قيمتها العالمية الاستثنائية من مباركة السيدة العذراء، والسيد المسيح لها.. كما أن محيط هذه المواقع الأثرية يعبر عن تراث ثقافي روحاني.

ثلاثة ورابعهم حمار.. لجأوا إلى مصر الآمنة المطمئنة طلبًا للحماية من ظلم هيرودس الملك.. عبارة عن طفل صغير هو السيد المسيح، وسيدة ضعيفة هي مريم العذراء، برفقة القديس يوسف النجار، نظرًا لدوره الكبير في توفير الحماية والمساعدة للسيد المسيح وأمه مريم البتول.. بركة هذه العائلة المقدسة حلت على أرض مصر منذ أن دخلوا أرض مصر المحروسة، هذه الرحلة لم تكن سهلة واتخذت عدة مسارات ومراحل متعددة لأنهم كانوا مطاردين من ملك أورشليم ومن عيونه التي تتبعتهم إلى مصر.

ولكن، قوة إيمان السيد المسيح كانت تعصف وتقصف الأصنام فى كل قرية يدخلها حتى أضطرت الأسرة إلى الهروب مرارًا من الشمال الشرقي للعاصمة ثم إلى الشمال الغربي قبل العودة للعاصفة واتخاذها نقطة انطلاق نحو الصعيد في مصر.. وبعد ما يزيد على 2000 عام من رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر أعطيت الإشارة لنحو 2 مليار مسيحى من الكاثوليك حول العالم للحج إلى أرض الكنانة، واعتبارها قبلة للحج المسيحى وهو الأمر الذي يجعل انتعاشة كبيرة في قطاع السياحة.

"السوق العربية المشتركة".. تعرض من خلال هذا الملف مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، وأسباب الهروب من أورشليم، وأبرز الأماكن التي حل بها المسيح وأمه مريم العذراء، ورفيق رحلتهم القديس يوسف النجار، سعيًا لحماية الأم وطفلها باعتبارها مهمة مقدسة سعى من خلالها الحفاظ على حياة الطفل الذي بحث عنه الملك هيرودس فى كل مكان ليقتله.

لماذا مصر؟ أصل الحكاية

يتساءل البعض عن سبب ترك السيد المسيح وأمه مريم العذراء الأرض التي كانوا يعيشون بها ويرتحلون، ويزيد البعض بالتساؤل عن سبب التوجه إلى مصر.. إذ يقول مؤرخون إن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر كانت عبارة عن نبوءة فى الكتاب المقدس قبل مئات السنين من حدوثها فى العهد القديم ومسارات الرحلة الحقيقية وتفاصيلها وما وقع خلال أحداث كانت مجهولة ولا يعلم عنها أحدًا أي شيء، واستمر هذا الوضع حتى القرن الرابع الميلادي.. إلى أن ظهرت السيدة العذراء مريم للبابا توفيرس الثالث والعشرين، فى رؤياه وشرحت له كل التفاصيل المتعلقة بالرحلة، حتى أن الأمر عرض عليه، ورأه كما لو كان يشاهد فيلمًا سينمائيًا.

ويجيب الأب بطرس دانيال، مدير المركز الكاثوليكي للسينما، على ذلك التساؤل قائلاً إن: "الهدف من رحلة العائلة المقدسة كان الهروب من بطش هيرودس، ملك أورشليم، الذي أبلغ بأن أحد الصبية سوف يأخذ ملكك، فأمر بقتل جميع الأطفال من سن يوم واحد وحتى سنتين".

وزاد: "لم يعلم هيرودس أن المسيح لم يأت من أجل السلطة ولا يريدها.. إنما جاء من أجل نشر المحبة والتسامح بين الناس"، مضيفًا أن ملاك تجلى للقديس يوسف النجار أمره بالهروب إلى مصر، واصفًا إياها بواحة الأمن والأمان، بعيدًا عن الحروب والمشاكل، وبطش الملك هيرودس، فرحلت العائلة المقدسة إلى مصر، وهي السيد المسيح وأمه، مريم العذراء، ومعهم يوسف النجار في رحلة استمرت أكثر من عامين".

25 نقطة تشكل مسار الرحلة

سارت العائلة المقدسة من بيت لحم إلى غزة حتى محمية الزرانيق الواقعة غرب العريش بـ ٣٧ كم، ودخلت مصر عن طريق صحراء سيناء من الناحية الشمالية من جهة الفرما الواقعة بنين مدينتى العريش وبورسعيد.

دخلت العائلة المقدسة مدينه تل بسطا بالقرب من مدينة الزقازيق في الشرقية، بعدها توجهت نحو الجنوب.. إذ وصلت إلى مسطرد، ثم عادت شمالاً إلى الشرقية ولكن هذه المرة في بلبيس، ومنها إلى منية سمنود في الغربية، ثم إلى البرلس وسخا فــى محافظة كفــر الشيخ.. ومنها عبرت نهر النيل، فرع رشيد، إلى غرب الدلتا وتحركت جنوبًا إلى وادى النطرون.

ومن وادى النطرون، ارتحلت جنوبًا ناحية القاهرة واستقرت فترة في المطرية وعين شمس.. ثم سارت متجهه ناحية مصر القديمة، وارتاحت قبلها لفترة في الزيتون، ووصلت إلى المعادى، ومنها بدأت رحلة الصعيد إذ وصلت إلى قرية ارجانوس التابعة لمركز مغاغة في المنيا، ثم بنى مزار، وقرية البهنسا، ثم سمالوط ومنها إلى جبل الطير، واستقرت هناك، قبل أن ترحل إلى أشمون الثانية، ومنها إلى ديروط، ثم قوصيا، وبلدة مير ميره، وجبل قسقام، ودير المحرق.. وفى طريق العودة مرت العائلة المقدسة بجبل أسيوط المعروف بجبل درنكة.. ثم وصلوا إلى مصر القديمة مجددًا ثم المطرية ثم الشرقية، ومنها إلى سيناء ثم فلسطين، واستقرت في قرية الناصرة بالجليل.

مشهد مضطرب وتكليف إلاهي

وصف القس بولس، راعى كنيسة السيدة العذراء مريم والأنبا إبرام بفيصل للأقباط الأرثوذكس، المشهد المضطرب الذي عاشه السيد المسيح، وأمه مريم العذراء، في أورشليم قبل الهرب إلى مصر، فقال: "السيد المسيح وعائلته واجهوا الكثير من المتاعب قبل رحلتهم التي شرفوا مصر بها، إذ كانت الأصنام تتساقط في كل مكان يدخله المسيح، فكانوا يضطرون للهرب كثيرًا، وهيرودس ملك أورشليم، أرسل خلفهم جواسيس لقتل المسيح".

وعن سر عداوة ملك أورشليم للسيد المسيح، أوضح القس بوليس أن ذلك كان بسبب نبوءة كانت موجودة فى العهد القديم، ونبوءة للفرس الذين ذهبوا إلى أورشليم ليسألوا: "هل ولد ملك اليهود؟ فقد رأينا النجمة التى كانت فى النبوءة وقد ظهرت من الغرب عكس سير النجوم التى تظهر من الشرق".. لافتًا إلى أن رحلة هروب السيد المسيح من ظلم الملك أعطت البشرية درسًا عظيمًا، إذ هرب من الشر رافضًا محاربته ومواجهته بنفس أسلوبه.

ولم يكن قرار الرحيل عن أورشليم واختيار مصر عن سار البلدان الأخرى يرجع لشخص، بل هو قرار إلاهي.. إذ قال الأب بولس إن: "ملاكًا ظهر ليوسف النجار، رفيق عيسى عليه السلام ووالدته في رحلتهم إلى أرض مصر، بعد ولادة السيد المسيح وأمره بالهروب من الشر إلى أرض مصر، وبدأت الرحلة من بيت لحم فى فلسطين، مرورًا بمدينة غزة، تمهيدًا لدخول الأرض المباركة، مضيفًا أن هناك محمية تسمى الزرانيق بجوار مدينة العريش دخلت العائلة المقدسة من خلالها إلى منطقة الفرما البلزيوم الواقعة حاليًا فى نطاق مدينة بورسعيد.

لم تتوقف الرحلة عند الفرما البلزيوم.. إذ روى الأب أنطونيوس ظريف، راعي كنيسة السيدة العذراء مريم بالمقطم للأقباط الأرثوذكس، جزء هام من الرحلة، قائلاً إن: "العائلة المقدسة اتجهت بعد ذلك إلى تل بسطا، فى محافظة الشرقية، وهذه المحافظة بها أماكن أثرية كثيرة متبقية منذ بداية الرحلة، ومنها نبع السيد المسيح والتي تمثل عين ماء ليشرب منها مع الأسرة، وكعادة الأماكن التي يدخل بها تسقطت الأوثان، وهو ما جرى فى الشرقية، ولهذا اتجهت الأسرة من مكان إلى آخر، فانطلقت العائلة المقدسة لتترك خلفها الشرقية وتسير حتى استقرت في منطقة مسطرد التابعة لمحافظة القليوبية.. إذ يوجد ما يعرف بالمحمي، المكان الذي استحم فيه السيد المسيح وغسلت العذراء ملابسه، بالإضافة إلى بئر ماء نقى أثرية موجودة داخل الكنيسة حتى الآن".

مسارات متعدد لنشر المحبة

اتخذت رحلة العائلة المقدسة مسارات متعددة شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا.. ويدلل هذا على ما أكده الأب أنطونيوس، الذي قال: "عادت العائلة المقدسة إلى الشرقية، ولكن هذه المرة في بلبيس، وهناك شجرة تسمى شجرة العذراء مريم في نفس المدينة، ثم انتقل السيد المسيح وأمه مريم العذراء والقديس يوسف النجار إلى سمنود في محافظة الغربية".

وعن فترة بقاء العائلة المقدسة في الغربية، قال راعي كنيسة السيدة العذراء مريم بالمقطم للأقباط الأرثوذكس: "شعب سمنود استقبل المسيح استقبالاً لائقًا به، وأن السيد المسيح باركهم، إذ مكث هناك فترة أطول من تلك التي مكثها في البقاع الأخرى، فأخذت مريم العذراء إناء وصنعت العجين، مازال هذا الإناء موجودًا هناك حتى الآن".

تركت العائلة المقدسة أثرها الطيب في سمنود ورحلت، إذ قال الأب أنطونيوس إن: "انتقلت العائلة بعد ذلك إلى مدينة سخا فى محافظة كفر الشيخ، حيث كنيسة العذراء هناك والتي توجد بها صخرة عليها آثار قدم السيد المسيح، وهى الصخرة التي سرقت ولكن أعيد اكتشاف مكانه ثم تم اكتشافه مرة أخرى منذ حوالي 13 عامًا.

ومن الدلتا إلى غرب مصر.. إذ قال الأب أنطونيوس إن "رحلة العائلة المقدسة اتجهت إلى وادى النطرون، وهناك وعد السيد المسيح والدته إلى كل مكان ستحل فيه أقدامها سيكون به كنيسة أو دير للعبادة، لتنتهي بذلك مرحلة من مسار العائلة المقدسة قبل أن يعودوا إلى القاهرة من جديد في منطقتي المطرية وعين شمس".

الرحيل جنوبًا عبر النهر الخالد

بعد أن عادت العائلة المقدسة إلى العاصمة، بدأت مسارًا جديدًا عند حصن بابليون.. فقال الأب أنطونيوس إن العائلة المقدسة تركت مصر القديمة واتجهت إلى المعادي، ومنها إلى الصعيد متخذة أحد القوارب وسيلة لها، وبلغت مغاغة في محافظة المنيا، ومنها إلى أسيوط، حيث استقرت هناك في جبل درنكة. وقد انتهت الرحلة كما بدأت، إذ وفى ظهر ملاكا ليوسف النجار فى منامه وقال له: "قم وخذ الصبي وأمه، وعد إلى أرضه لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي".

مصر.. أرض السلام والمحبة

عن الصعوبات التي قابلت السيدة العذراء وطفلها في رحلتهم، يروي الأب بطرس دانيال، مدير المركز الكاثوليكي للسينما، أن وسيلة التنقل التي استخدمت في الرحلة كانت الحمار، تحركت به العائلة المقدسة طوال هذه الرحلة، ولاقت من مشقة السفر الشديدة ما لاقت حتى وصلت أرض مصر، لافتًا إلى أن كل مكان رحب فيه بالمسيح أنشئت به كنيسة.. فهناك كنيسة المغارة المعلقة في منطقة مصر القديمة إلى جانب كنيسة المعادي على كورنيش النيل.

لفت الأب دانيال إلى أن المعنى الذي تحمله رحلة العائلة المقدسة أن مصر بلد السلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت ربوعها بالبركة، مشددًا على أن كل الأديان السماوية أكدت أن مصر هي واحة الأمان، كما أن العظة الكبيرة من هذه الرحلة تتمثل فى الاقتداء بهؤلاء العظماء في طريقة عيشهم البسيطة وتعاملهم بالمودة مع الناس.

كنيسة المعادي.. هنا ولد موسى وهنا مر عيسى

في ضاحية المعادي، وعلى شاطئ نيل القاهرة مباشرة، تقع كنيسة السيدة العذراء مريم، بطرازها الأثري المميز، شاهدة على رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، والتي اتخذ من سردابها مرفأ لعبور العائلة عبر النيل إلى الصعيد، وتحديدًا إلى جبل قسقام بأسيوط، حيث يقع دير المحرق.

يروي القص زوسيما عادل، راعي كنيسة السيدة العذراء في المعادي، تاريخ المكان، قائلاً: "يعود إلى موسى النبي الذي ولد في منطقة طرة، وحينما جاء فرعون وأراد قتل كل أطفال بني إسرائيل وضعته والدته في قفص من البرى وألقت به في النيل وأخته سارت بجوار النيل تتابعه حتى رأته زوجة فرعون في موضع منطقة كنيسة العذراء حاليًا التي كانت تتخذها منطقة للاستحمام في النيل، وهي من أطلقت عليه اسم موسى، وتعني ابن النيل".

وأضاف زوسيما أن العائلة المقدسة سارت في طريق الهروب لمصر إلى كنيسة أبوسرجة بمصر القديمة قبل أن تصل إلى كنيسة العذراء بالمعادي، ومكثوا فيها في طريق الهروب لمدة 3 أيام أثناء توجههم إلى جبل قسقام بأسيوط، دير المحرق، ومكثوا فيه أيضًا أثناء عودتهم إلى بيت لحم، ولكن لم تعرف المدة التي مكثوها في تلك المنطقة المعروفة بمنطقة العدوية.. وفيما يتعلق ببناء الكنيسة قال زوسيما عادل إن "الملكة هيلانة والدة الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير التي اكتشفت الصليب المقدس الذي صلب عليه المسيح طلبت من ابنها أن يبحث عن كل مكان ذهبت إليه العائلة المقدسة وأن يبني فيه كنيسة باسم العذراء مريم، ومن بين هذه الأماكن كانت كنيسة العذراء مريم بالمعادي في القرن الرابع الميلادي، والتي رممت على مر العصور، وكان آخر ترميم لها في القرن الحادي عشر الميلادي.. إذ كانت هناك قافلة مارة بالنيل محملة بالأسلحة فانفجرت أمام الكنيسة، ما أدى إلى تدميرها بالكامل واعيد بناؤها مرة ثانية في نفس المكان".

كنيسة المعجزات.. أبو سرجة رائحة البخور التي تعانق التاريخ

داخل مغارة في منطقة مصر القديمة بنيت كنيسة أبو سرجة الأثرية، رائحة بخور القداسات تفوح في أرجاء المكان لتعانق عبق التاريخ، فكل موضع فيها يحكي فصلاً من فصول رحلة العائلة المقدسة لمصر هناك، حيث احتمت السيدة العذراء ووليدها من بطش الرومان لمدة 3 أشهر قبل أن تواصل رحلتها، وهنا أيضًا باركت البقعة نفسها أثناء عودتها إلى بيت لحم.

وفتح القمص أنجليوس جرجس، راعي كنيسة أبو سرجة، صندوق الذكريات لـ"السوق العربية المشتركة"، قائلاً إن: "الكنيسة بنيت على المغارة التي مكثت بها العائلة المقدسة أثناء رحلة هروبها إلى مصر، وأيضًا أثناء العودة إلى فلسطين، حيث بنيت الكنيسة داخل حصن بابليون، وأطلق عليها الرومان اسمي اثنين من القديسين اللذين استشهدا بسبب دفاعهما على إيمانهم المسيحى، وهما سرجيوس وأخيس، وبعد الفتح الإسلامي لمصر، بدل الاسم إلى أبوسرجة، وتعرضت الكنيسة للأضرار أكثر من مرة، وتم ترميمها إلا أنها احتفظت بطابعها الأثري والتاريخي".

وواصل القمص أنجليوس جرجس حديثه قائلاً إن: "الكنيسة صممت على الطراز الروماني فانتشرت الأعمدة البازيليكية يعلوها سقف خشبى على شكل قبو فوق صحن الكنيسة الرئيسي، وتوجد قبة كبيرة فوق الهيكل الشمالي تم تشييدها عام 1171 ميلادية، وصحن الكنيسة به ممر أوسط وممران على الجانبين الأيسر والأيمن، ويعلو الممرات الجانبية بلكون محمول على أعمدة من الرخام والجرانيت تفصل بين الممرات وصحن الكنيسة الرئيسي، وهذه الأعمدة لها تيجان كورنثية يرجع تاريخها غالبًا إلى القرن السادس الميلادي بجانب الهيكل البحري يوجد غرفتان من الجهتين الشمالية والجنوبية وهاتان الغرفتان يوجد بهما سراديب تؤدي إلى المغارة الأثرية".

وأضاف راعي كنيسة أبو سرجة أن الكنيسة صارت مقصدًا للحجاج الأقباط من جميع أنحاء العالم، ويتوافد عليها السياح باستمرار، وكان آخر ترميم لها عام 2015، ويقام بها سنويًا الاحتفال بعيد دخول العائلة المقدسة لمصر في شهر يونيو من كل عام.

وعن سبب تسميتها بكنيسة المعجزات، قال القمص أنجليوس جرجس: "فى داخل الكنيسة يؤمن الأقباط بالمعجزات فتجد عمودًا رخاميًا محاطا بفاترينة زجاجية يقال إنه نزف دمًا فى أثناء نكسة 1967، ولم يتوقف عن النزف إلا بوضع البابا الراحل كيرلس السادس إصعبه على مكان النزيف فتوقف وظلت علامة إصبع البابا محفورة في العمود".

وبجانب المكانة الدينية للكنيسة، قال القمص أنجليوس جرجس إنها تحمل مكانة تاريخية أيضًا لأنها كانت المكان الذي يجتمع فيه الأساقفة والأراخنة كبار الأقباط لانتخاب البطريرك في العهود القديمة حتى أوائل القرن الثانى عشر الميلادى، ومن أبرز من انتخب فيها البطريرك الأنبا مكاريوس الثاني عام 1103 ميلادية.

دير المحرق.. أورشليم الثانية التي يقدسها الأثيوبيون

أطلق عليه الأحباش اسم أورشليم الثانية، ويقدسون ترابه الذي سار عليه المسيح.. إنه دير المحرق، أهم نقطة في مسار رحلة العائلة المقدسة، والتي مكث فيه السيد المسيح قرابة 6 شهور و5 أيام، وهذه أطول فترة مكثتها العائلة المقدسة في مكان واحد خلال رحلتها بين أرجاء مصر، وفيه أقدم كنيسة على الإطلاق، وهى الكنيسة الوحيدة التي دشنها المسيح مع تلامذته.

بهذه الكلمات بدأ القمص فليكسينوس المحرقي المسؤل الإعلامي لدير المحرق، حديثه مع "السوق العريبة المشتركة"، مؤكدًا أن الدير عرف في الماضي باسم دير السيدة العذراء بجبل قسقام، قبل أن يشتهر باسم دير المحرق، وترجع تسميته بهذا الاسم إلى أنه كان متاخمًا لمنطقة تجميع الحشائش والنباتات الضارة والتي كان الأهالي يحرقونها، ولذلك دعيت بالمنطقة المحروقة أو المحترقة، ومع مرور الوقت استقر اسم دير المحرق عليه.

وعن سبب التسمية بأورشليم الثانية، قال القمص فليكسينوس المحرقي: "الدير يحيط به سور يبلغ ارتفاعه 12 مترًا يشبه سور أورشليم القديم في فلسطين، شيده الأنبا باخوميوس أول أسقف للدير فى أوائل القرن العشرين، ويضم الدير 5 كنائس مازالت باقية حتى الآن وهي كنيسة الملاك ميخائيل بالحصن، وكنيسة ماري جرجس، وكنيسة العذراء الجديدة، وكان يضم عددًا آخر من الكنائس القديمة التي لم تعد موجودة، ولكن تم التعرف عليها من تاريخ الدير ووثاىقه، ومنها كنيسة القديس يوحنا المعمدان، وكنيسة القديسين بطرس وبوليس.. كما يوجد بالدير كليات ومعاهد دينية مثل الكلية الاكليريكية ومعهد ديديموس للعرفاء والمرتلين".

ولفت إلى أن الدير انفرد بسمة خاصة عن غيره من الأديرة الأخرى في ذلك الزمان وهي سمة الخدمة الروحية للمترددين والزوار، مؤكدًا أن الذين أحبوا السيد المسيح من قلوبهم من الآباء الرهبان وغيرهم من القاطنين بالدير دأبوا عن التفاني وبذل الذات لأجل تخفيف الآلم عن المكروبين والمنكوبين ومعونة المرضى الملتجئين في طلب الشفاء من ماء البئر المقدسة مع الوعظ والإرشاد للحث على حياة التوبة وخلاص النفوس دون أن يؤثر ذلك على حياة الراهب الداخلية وروحانيته.

وأوضح أن كنيسة السيدة العذراء الأثرية تنفرد ببساطة بنائها، رغم ما طرأ عليها من تعديلات وترميمات، فهى لا تدخل تحت المنهج العلمي للفن المعماري في الآثار القبطية، أو بمعنى آخر انفردت في بنائها المعماري، حيث إنها البيت الذي سكنته العائلة المقدسة، وشكل ككنيسة على مدار 20 قرنًا، وهو عمر الكنيسة، وهي عبارة عن بناء بسيط غير متكلف من الطوب اللبن والحوائط غير منتظمة، ولا توجد عليها أية نقوش زخرفية أو رسومات قبطية، لافتًا إلى أن الدير يستقبل رحلات الحجاج الأثيوبيين مرتين سنويًا لأداء نصف تقديسة، عوضًا عن الحج إلى القدس المحتلة، حيث يعتبرون الكنيسة الأثرية في دير المحرق بالقوصية في أسيوط ثاني أقدس مكان على وجه الأرض بعد القدس.. لذا يحرصون على زيارة الدير سنويًا في شهري أغسطس ونوفمبر من كل عام، ويتم تجهيز الكنيسة لاستقبالهم، حيث يؤدون الترانيم، وعقب ذلك يلقي القساوسة الأثيوبيين المرافقون لهم العظة الدينية الخاصة بالقداس، ثم يخرجون وبحتفلون باتمامهم نصف التقديسة".

دير العذراء في درنكة.. آخر محطات العائلة المقدسة

على جبل يرتفع فوق سطح الأرض بنحو 120 مترًا، وعلى بعد 9 كيلومترات جنوب غرب مدينة أسيوط، يقع دير السيدة العذراء في قرية درنكة، آخر محطة في رحلة العائلة المقدسة في مصر، ومنه انطلقت رحلة العودة إلى أورشليم.. واحد من أهم المزارات السياحية والدينية على جبل أسيوط الغربي يضم مغارة أثرية يرجع تاريخها إلى سنة 2500 قبل الميلاد وتوجد داخل المغارة كنيسة يرجح أنها أقيمت في نفس المكان الذي أقامت به العائلة المقدسة، وبحسب أحد الرهبان في دير السيدة مريم العذراء والسيد المسيح بصحبة القديس يوسف النجار، بعد أن تركت وطنها في فلسطين واتجهت نحو مصر قاطعة صحراء سيناء حتى وصلت إلى شرق الدلتا، إذ اجتازت خلال رحلتها عددًا من القرى في الوجه البحري، ثم توجهت إلى القاهرة ومنها إلى صعيد مصر حتى مدينة أسيوط، ثم إلى جبلها الغربي، ومكثت في المغارة المعروفة التي حلت بها العائلة المقدسة، وكان ذلك في شهر أغسطس وهو الذي يحل فيه صوم العذراء، ولهذا يقيم الدير احتفالاته سنويًا من يوم 7 إلى 21 أغسطس من كل عام، والذي يتناسب مع النهضة الروحية.

وقال القس لوقا، الراهب فى دير درنكة، إن دير العذراء يضم مجموعة من الكنائس أقدمها كنيسة المغارة التي يبلغ طول واجهتها نحو 160 مترًا، وعمقها حوالي 60 مترًا، ويعود تاريخ إنشائها إلى نهاية القرن الأول المسيحى، بينما يعود تاريخ المغارة إلى سنة 2500 قبل الميلاد.. كما يوجد الكثير به من الأبنية التي يصل ارتفاع بعضها إلى 5 أدوار، وبها قاعات كبيرة للخدمات الدينية والاجتماعية والأنشطة الفنية وحجرات للضيافة والإقامة.

وأكد أن للدير رسالته الدينية، فمنذ فجر المسيحية استمر المسيحيون يتوارثون الإقامة به ولما بدأت الحركة الرهبانية في القرن الرابع المسيحي قامت بهذه المنطقة أديرة كثيرة للرهبان وللرهبات، لافتًا إلى أن من أشهر الذين عاشوا فب الدير القديس يوحنا الأسيوطي.. أما عن الصلوات وسر العماد فتقام في دير العذراء يوميًا من السادسة صباحًا حتى السادسة مساء، ويمكن أن تمتد الصلوات إلى الساعة 11 مساء خلال شهر أغسطس.

وزاد على ذلك عثمان الحسيني، مدير الهيئة الإقليمية للتنشيط السياحي بأسيوط، قائلاً إن: "احتفالات دير العذراء في درنكة تعد من أهم الاحتفالات الدينية بالمحافظة، ولها دور كبير في تنشيط الحركة السياحية سواء الداخلية أو الخارجية، إذ تجتذب آلاف الزائرين من جميع محافظات مصر، بالإضافة إلى آلاف السائحين من مختلف دول العالم".

وأضاف الحسيني، في تصريح خاص لـ"السوق العربية المشتركة"، أن هناك 3 محطات يتوقف فيها الزوار والسائحون بأسيوط ضمن رحلة العائلة المقدسة التي تبدأ بشجرة مريم، الموجودة في دير الأنبا صرابامون بقرية ديروط الشريف مركز ديروط على بعد 60 كيلومترًا شمال أسيوط، وترجع أهميتها إلى أنها استظلت تحتها العائلة المقدسة أثناء مرورها بمصر، ومازالت موجودة حتى الآن، ثم المحطة الثانية ومقرها دير جبل قسقام، الذى سمي بعد ذلك بدير المحرق، وأنشئ في القرن الرابع الميلادي، مشيرًا إلى أن للدير أهمية عظيمة، إذ مكثت به العائلة المقدسة نحو 185 يوميًا، وأنشئت به كنيسة أثرية تعتبر أقدم كنيسة دشنت في العالم المسيحي عام 38 ميلادية، وتبعد نحو 48 كيلومترًا شمال غرب مدينة أسيوط.

دير جبل الطير.. صخرة منحوتة بأمر ملكي

روى القمص متى كامل، راعي كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير، تاريخ الدير وتفاصيل رحلة العائلة المقدسة للدير، قائلاً: "ظلت مغارة دير جبل الطير مجهولة إلى أن جاءت الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين الكبير إلى سمالوط سنة 328م والتي كانت تتبع رحلة العائلة المقدسة لمصر، وتيقنت أن العائلة المقدسة لجئت إلى هذه المغارة وأقامت بها، فأمرت بنحت صخرة على المغارة، وشيدت الكنيسة الأثرية الموجودة إلى الآن، والدور الأول كله من الكنيسة عبارة عن صخرة منحوتة في الجبل، أما الدور الثاني والثالث تم إنشاءه حديثًا في عهد الأنبا ساويروس، مطران المنيا والأشمونين، سنة 1938م.

وعن الآثار الموجودة بالدير قال القمص متى كامل: "تحتوي على المغارة التي لجأت إليها العائلة المقدسة وأقامت بها نحو 3 أيام، وهي السبب في بناء الكنيسة، بالإضافة إلى المعمودية الأثرية وهب منحوتة في إحدى أعمدة الكنيسة ويرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، ولا يوجد مثيلها في جميع الكنائس، ويوجد أيضًا اللقان الأثري في صحن الكنيسة وهو عبارة عن تجويف تستخدمه الكنيسة 3 مرات في السنة، عيد الغطاس، وخميس العهد، وعيد أبائنا الرسل، فضلاً عن الحجاب الأثري، أو حامل الأيقونات، ويوجد في الكنيسة بقايا الحجاب الأثرى الذي كان مكون من حجاب من الصخر منحوت علية صورة 12 تلميذ وبعض الرموز القبطية، وبسبب بساطة الناس كان يقوم البعض بأخذها على سبيل التبرك فضاع غالبيتها، وأثناء تجديد الكنيسة في عهد البابا ساويرس قام بتجميع بقايا الحجاب فوجد حوالى 7 قطع من صور للتلاميذ المنحوتة على الصخرة، وبعض الرموز القبطية، ووضعها في الباب الغربي للكنيسة، وقام بعمل الحجاب الخشبي الحالي.

أما عن سر تسمية الدير باسم جبل الطير، يقول القمص متي: "أطلق على الدير 3 أسماء هم دير جبل الطير ودير البكرة ودير الكف، ولكل اسم دلالته فدير جبل الطير تحدث عنه شيخ المؤرخين المصريين، أحمد بن علي المقريزي، فى خططه المقريزيه، ونسب الاسم لوجود طائر اسمه البوقيروس وهو طائر مهاجر يشبه أبو قردان حول عنقه ريش طويل.. وكان يجتمع في وقت معين في السنة بأعداد كبيرة حول صخور الدير وتسبب في صدع أو شرخ في الجبل، ومن كثرة تجمع الطير على الجبل سنويًا أطلق عليه دير جبل الطير".

أما تسمية دير البكرة أو البكارة، فنقل عن علي باشا مبارك قوله: "يوجد دير على سفح الجبل بالقرب من مدينة سمالوط بالمنيا به بكارة وسلمتين، وسلم من الجهة القبلية للدير، وأخرى من الجهة البحرية، وهاتين السلمتين يؤديان إلى مغارة بالكنيسة الأثرية بالدير".. وعن تسمية الدير بدير الكف، فروى قصة تقول: "كانت تسكن الدير ساحرة، وكانت تربط سلسلة بإحدي صخور الجبل وتثبتها في النيل لعرقلة المراكب الشراعية التي تمر من أمام الدير لتأخذ منهم إتاوة، وعندما جاءت العائلة المقدسة إلى الدير حاولت الساحرة إيذائها، فصعدت فوق الجبل وأسقطت صخرة كبيرة من الجبل على العائلة المقدسة، ولكن العناية الإلهية أنجتهم وسقطت الساحرة من أعلى الجبل، فماتت".

جهود إحياء مسار العائلة المقدسة.. دوليًا

لا تألو وزارة السياحة والآثار جهدًا في سبيل إحياء مسار العائلة المقدسة، سواء محليًا بالمساهمة في تطوير الـ25 نقطة وغيرها، ودوليًا من خلال التوثيق والرويج، ويشمل الجانب الدولى ما قامت به الوزارة من تشكيل لجنة قومية تضم خبراء من كل الجهات المعنية، بهدف إعداد ملف - تم إرساله – يستهدف تسجيل منظمة اليونسكو لتسجيل مسار رحلة العائلة المقدسة على قائمة التراث العالمي اللامادي، وتسجيل أديرة وادي النطرون الأربعة على قائمة التراث العالمي المادي.

جاء ذلك التسجيل بعد أن وقعت مصر مع الفاتيكان، في أكتوبر 2017، بروتوكول تعاون تم بموجبه اعتماد أيقونة العائلة المقدسة وإدراج المسار بكتالوج الحج الفاتيكاني، إلى جانب طبع كتالوج عن مسار العائلة المقدسة بـ9 لغات أجنبية، منها: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والصربية، والروسية، والإسبانية، والمجرية.. وغيرها.. فضلاً عن تنظيم عدد من الرحلات التعريفية لعدد من الوفود الإعلامية العالمية، والمؤسسات الدينية العالمية، ورؤساء الكنائس الكاثوليكية، وغيرهم.

تمهيد مسار العائلة المقدسة للحجاج والزائرين

قبل التحرك الدولي الذي قامت به الدولة المصرية، سعت الحكومة لتمهيد الطريق أمام الزائرين للـ25 نقطة التي تمثل مسار العائلة المقدسة في مصر.. إذ اتخذت وزارة السياحة والآثار عددًا من الخطوات الجادة، في هذا الإطار، بالتعاون مع الوزارات المعنية الأخرى مثل التنمية المحلية، لتطوير المسار وخلق منتج سياحي يمكن تسويقه عالميًا، لما يمثله هذا المشروع من أهمية للقطاع السياحي، ما يعمل على زيادة اعداد السائحين إلى المقاصد السياحية الدينية في مصر.

وتكاتفت جهود الوزراءات والهيئات لتمهد طريق مسار رحلة العائلة المقدسة الذي يمتد لمسافة 3500 كيلومتر، ذهابًا وعودة، من سيناء حتى أسيوط.. إذ يحوي كل موقع حلت به العائلة المقدسة مجموعة من الآثار في صورة كنائس أو أديرة أو آبار مياه أو شجر، فضلاً عن مجموعة من الأيقونات القبطية الدالة على مرور العائلة المقدسة بتلك المواقع، وفقًا لما أقرته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر.

في هذا الشأن.. وافق مجلس إدارة صندوق السياحة، برئاسة الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار، فى أواخر مارس الماضي على تحويل 41 مليون جنيه إلى وزارة التنمية المحلية لاستكمال أعمال تطوير مواقع مسار العائلة المقدسة بمصر.. ضمن الميزانية المخصصة للمشروع من موازنة صندوق السياحة والتي تقدر بـ 60 مليون جنيه، فضلاً عن وضع هيئة التنمية السياحة الخطط والاشتراطات التنموية لهذه المناطق، وتشمل أعمال التطوير النهوض ورفع كفاءة مستوى الخدمات السياحية المقدمة للزائرين بالمواقع الموجودة على نقاط مسار العائلة المقدسة.

ونفذ المجلس الأعلى للآثار خطط ترميم جميع المواقع الأثرية التي تقع على مسار العائلة المقدسة، وافتتاح العديد من المواقع والكنائس والأديرة الأثرية عليه، منها الكنيسة المعلقة بمصر القديمة.. كما تم الانتهاء من ترميم كنيسة العذراء مريم والشهيد أبانوب بسمنود، وافتتاح مغارة وكنيسة أبو سرجة بمصر القديمة، بالإضافة إلى ترميم أجزاء من أديرة وادي النطرون الأربعة، وترميم وتأهيل كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير بالمنيا، وأيضًا تطوير موقع شجرة مريم الواقعة في منطقة المطرية.

في ذات السياق، أفادت هويدا الشافعي، رئيس مركز ومدينة القوصية بأسيوط، بأنه تم رصد 55 مليون جنيه لرصف طريق قرية مير المؤديية إلى دير السيدة العذراء الشهير، بدير المحرق في مركز القوصية، الذي يبلغ طوله 5 كيلومترات, وبصدد حاليًا الانتهاء من العلامات الاسترشادية على جانبي الطريق ولوحات معلوماتية باللغة العربية والإنجليزية توضح محتويات الدير.

وعن جهود تطوير مسار العائلة المقدسة في أسيوط، قال عثمان الحسيني مدير الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بأسيوط، أن أعمال التطوير بدأت منذ إعلان المحافظة ضمن الـ25 محطة المستهدفة بمسار العائلة المقدسة، متفردة بأهم نقطتين من ضمن 5 نقاط على مستوى محافظة أسيوط, وهما دير "المحرق" ودير "درنكة", وبدأت محافظة أسيوط بتشكيل لجان للإشراف على هذه التطويرات, وتم اعداد مقايسات لعمل لوحات إرشادية ومعلوماتية، وتم اعتماد 4 ملايين جنيه من قبل وزارة السياحة, كما تم رصد 20 مليون جنيه من قبل هيئة الطرق والكباري لتطوير وتأهيل الطريق المؤدية لدير درنكة وعمل البوابات اللازمة, منوهًا بتوفير أماكن مخصصة على الطرق المؤدية لدير المحرق ودير درنكة لبيع المنتجات التراثية اليدوية المصنوعة من العظام والخزف التي تتميز بها محافظة أسيوط ما يعمل على إحياء هذه الصناعة الهامة وتوفير فرص عمل بشكل كبير.

ولفت الحسيني إلى أن التطوير يحقق عدة مكاسب منها زيادة أعداد وفود وزوار مسار العائلة المقدسة في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية, مؤكدًا مشاركة القطاع الخاص في توفير الخدمات اللوجستية بشكل لائق في الأماكن المخصصة لزيارة حجاج الكاثوليك الذين يصل عددهم حول العالم إلى مليار و500 مليون.

وتحدث أسامة القاضي، محافظ المنيا، عن منطقة جبل الطير بسمالوط، أن الدولة تهتم بأعمال التطوير الشامل لمسار العائلة المقدسة استعدادًا لاستقبال السائحين ورحلات الحج المسيحي، بعد أن تم إدراج الدير من قبل بابا الفاتيكان ضمن مسار الحج المسيحي لرحلة العائلة المقدسة، ما يساهم في جذب السياح للمنيا بصفة خاصة ومصر بصفة عامة.

وأكد محافظ المنيا أن مشروع إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة، يعد مشروعًا قوميًا هامًا، والمحافظة توليه اهتمامًا كبيرًا، إذ تضع المحافظة إمكانياتها لسرعة إنجاز أعمال التطوير الواقعة في نطاقها، لما سيكون له من عائد سياحي واقتصادي كبير، ووضع المنيا على خريطة السياحة العالمية ما يساهم في تحقيق التنمية الشاملة، وتوفير فرص عمل لأبناء المحافظة، مستعرضًا أعمال المرحلة الثانية والتي شملت عمل مدخلين للمنطقة الأثرية، بالإضافة إلى تشجير وأعمال لاند سكيب على جانبي الطريق المؤدي إلى الكنيسة الأثرية، كما تشمل المرحلة الثانية عمل لوحات إرشادية تعريفية للمنطقة، بالإضافة إلى إنشاء استراحة سياحية ومركز زوار لاستقبال السياح الوافدين لزيارة المنطقة الأثرية، مع عمل أرضية من البازلت بطول 500 متر من الاستراحة السياحية وحتى الكنيسة الأثرية مع دهان واجهات المقابر على جانبي الطريق المؤدى إلى الكنيسة.

وأمضى قائلاً إن: "دير السيدة العذراء القديسة مريم بجبل الطير، أحد أبرز المحطات الهامة في رحلة العائلة المقدسة – السيدة العذراء والطفل يسوع ويوسف النجار - إلى مصر، إذ استقرت في هذا الدير مدة 3 أيام، وخلال ذكري رحلة العائلة المقدسة للدير يصعد إلى الدير نحو مليوني مسلم ومسيحي من شتي بقاع مصر للمشاركة في الاحتفال بما يسمي بمولد السيدة العذراء تذكارًا لهذه المناسبة الغالية".

وأضاف على ذلك نادر جرجس، منسق لجنة إحياء مسار العائلة المقدسة، الذي أكد أن برنامج رحلة العائلة المقدسة يشمل 5 مواقع كبرى، تضم 25 نقطة، وهي دير الأنبا بيشوي ودير السريان ودير الباراموس بوادي النطرون، ومغارة أبو سرجة والكنيسة المعلقة بمصر القديمة، ودير العذراء في المعادي، لافتًا إلى أن بابا الفاتيكان بدأ الترويج لبرنامج رحلة العائلة المقدسة في مصر، وأن أهمية هذا المشروع لا تقل عن مشروع قناة السويس الجديدة.

رحلات دينية وعائد اقتصادي كبير

أكد الدكتور على حسن، أستاذ الآثار والحضارة بجامعة أسيوط، أن السياحة من أهم مصادر الدخل للاقتصاد المصري، وتعد صناعة نظيفة وتحقق عدة مكاسب مادية تساعد على إحياء شريان الاقتصاد من جديد, بعد الركود العالمي الذي خلفه فيروس كورونا، كما تساعد في خلق وظائف سريعة للشباب, موضحًا أن مسار العائلة المقدسة يستقطب بشكل كبير كبار السن الذين يمثلون الشريحة الأكبر في جمهور السياحة الدينية، وتقدر نسبتهم بنحو 80% من زوار المنتج السياحي الديني.

ولفت الدكتور على حسن، في تصريحات خاصة لـ"السوق العربية المشتركة"، إلى أن مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة تتخطى مكاسبه العائد المادي من زيارات الوفود السياحية، إذ إنه ينعكس إيجابيًا على تنمية المجتمعات والمواقع الأثرية التي يضمها المسار، فضلاً عن تحسين الصورة الذهنية عن أمن واستقرار مصر، والتأكيد أن استرداد السياحة المصرية قوتها في تقديم أنماط سياحية متنوعة، بينها السياحة الدينية, مشددًا على أهمية مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة في الترويج للسياحة الدينية، لما تحمله من دافع روحي وعقائدي، ما يجعل رغبات السائحين هي متحكم رئيسي في زيارات المسار دون النظر لأي اعتبارات أخرى.

من جهته، كشف عصام سعد، محافظ أسيوط، أنه بعد اعتماد بابا الفاتيكان لدير السيدة العذراء بدير درنكة والمحرق ضمن برنامج الحج الديني لإحياء مسار رحلة العائلة المقدسة للأراضي المقدسة، فإن المحافظة تقوم بأعمال تطوير جميع الطرق المؤدية لهما ضمن خطتها لتطوير المسار، مناشدًا الأجهزة التنفيذية بالمحافظة من السياحة والآثار وتنشيط السياحة والري ورؤساء المراكز والأحياء بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير حسب الخطة الموضوعة مسبقًا من قبل المحافظة للتطوير خلال العام الحالى 2020م, لتسهيل الزيارات والرحلات الوافدة على الزوار والوفود المقبلة على الديرين من أنحاء العالم.

وأكد اهتمام الذى توليه القيادات السياسية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي بمشروعات إحياء مسار رحلة العائلة المقدسة للأراضي المصرية لما لها من مردود اقتصادي, مؤكدًا تقديم كل سبل الدعم الممكنة وتذليل كل العقبات التي قد تواجه تطوير مسار رحلة العائلة المقدسة وتوفير الخدمات والإمكانات اللازمة للزائرين والسائحين وتسهيل الزيارة عليهم.

مسار العائلة المقدسة.. الأثر الباقي في الوجدان

اتفق عدد من خبراء السياحة على أن رحلات مسار العائلة المقدسة سيكون لها تأثيرًا إيجابيًا على الحركة السياحية الوافدة لمصر، لكنهم اختلفوا على تحديد رقم معين يمكن تحقيقه، وطالبوا بضرورة تطوير المدن التي يمر بها المسار وتوفير الغرف الفندقية الكافية والطاقة الناقلة للسياح معتبرين أن المسار سيضع مصر على خارطة السياحة الدينية بعد اعتماد الرحلة كأحد برامج الحج الفاتيكاني وهو ما يسهم بشكلٍ إيجابي في تحسين الصورة الذهنية لمصر بالخارج.

قال الدكتور مصطفى خليل، نائب رئيس اتحاد الغرف السياحية، إن برنامج رحلة العائلة المقدسة يمثل نمطًا جديدًا للسياحة المصرية يضاف للسياحة الشاطئية والثقافية، منوهًا أن توقيت اعتماد المسار من الفاتيكان يؤكد أن نمط السياحة الدينية الذي يندرج ضمنه المسار مفيد جدا للسياحة المصرية، إ إن السائح الذي يقصد زيارة المقدسات الدينية لا يرتبط بوقت معين، بل يأتى طوال العام ما يعطى انتعاشة سياحية للمدن التى يمر بها المسار، وأن السياح المقبلين من مختلف الأعمار وهو ما يعطى ميزة إضافية لتنوع الرغبات الشرائية والتسويقية لهم خلال الوقت الذي يقضونه في مصر.

وأمضى خليل قائلاً: "المواقع التي سيبدأ بها برنامج المسار جيدة للغاية حتى يتم تأهيل بقية الأماكن التي تقع داخل المسار وعددها نحو 25 موقعًا"، لافتًا إلى أن الفترة المقبلة بعد فتح الطيران الذي تضرر جراء جائحة كورونا، ستشهد إقبالاً كبيرًا على حجز البرامج شريطة الترويج الجيد لها من خلال الحملة الدولية لمصر في الخارج أو مكاتب مصر السياحية أو عن طريق القطاع السياحي الخاص. وأوضح أن اتحاد الغرف السياحية بيقدم كل أوجه الدعم لترميم الآثار والكنائس التي تدخل ضمن المسار.. إذ أن هذا المسار خطة قومية للدولة والكيانات المشاركة بذل الجهد لإنجاحه لما في ذلك من مردود إيجابي سياسي واقتصادي وسياحي على مصر.

ومن جانبه، قال سامح سعد مستشار وزير السياحة السابق، إن رحلات المسار ستجذب خلال العام الأول لبدايتها نحو 1,5% من الأعداد الإجمالية للسائحين الوافدين إلى مصر، مشيرًا إلى أن مسار العائلة المقدسة كان يتم تنظيم الرحلات إليع خلال الأعوام الماضية من مسيحي الشرق فقط قبل أن يتم اعتماده من بابا الفاتيكان. وأضاف أن مسار العائلة المقدسة سيفتح الباب لتحقيق التنمية المستدامة للدولة عن طريق تطوير جميع المدن التي مرت بها الرحلة حتى تكون لائقة لاستقبال السياح، منوها إلى أن مدن الصعيد والقاهرة ستكون الأكثر استفادة بعد بدء تشغيل الرحلات.

وعن أهمية مشروع مسار العائلة المقدسة، يرى عثمان الحسيني مدير الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بأسيوط، أنه من أهم المشاريع التي تهدف إلى جذب السياحة الدينية العالمية لمصر وهو بمثابة دعوة للحجاج الكاثوليك حول العالم لأداء شعائرهم الدينية في مصر، ولذلك يحظى باهتمام أجهزة الدولة لما لهذا المشروع من مردود واهتمام عالمي ومصدر دخل كبير للدولة المصرية، من خلال تطوير المزارات السياحية في مسار الأماكن التي مرت بها السيدة مريم العذراء.

ماذا قالت الصحافة العالمية عن رحلة العائلة المقدسة إلى مصر؟

يحظى مشروع تطوير مسار العائلة المقدسة في مصر باهتمام دولي كبير.. إذ تصدر المشروع الصفحات الأولى لكبريات الصحف العالمية، خصوصًا الإيطالية، نظرًا للأهمية التي يمثلها للفاتيكان.. وبرز ذلك في تغطية وسائل الإعلام الإيطالية للزيارة الأخيرة، التي قام بها وفد مؤسسة Opera Romana Pellegrinaggi، المسئولة عن ملف الحج بالفاتيكان إلى مصر، لتفقد الأماكن التي سيشملها برنامج الحج، والخاص بمسار العائلة المقدسة، والتي بدأ بالفعل الحج الكاثوليكي إلى مصر منذ عام 2018.

وفي هذا السياق، بث راديو SIR التابع للفاتيكان، تصريح رئيس مجلس إدارة مؤسسة الحج الفاتيكاني، الذي قال فيه إنه: "مع بداية العام ستكون مصر ضمن كتالوج رحلات الحج التي تعدها المؤسسة التي تنوي وضع برنامج لمصر يستهدف الأماكن التي مرت بها العذراء مريم والسيد المسيح بمصر".

ونشرت وكالة الأنباء الإيطالية ANSA وموقع Travel nostop مقالاً، تحت عنوان "نبدأ الحج الكاثوليكي في مصر على آثار رحلة العائلة المقدسة"، وأشار المقال إلى دخول العائلة المقدسة لمصر والإقامة بها لمدة 3 سنوات هروبًا من بطش الملك هيرودس، مشيرًا إلى زيارة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، إلى مصر وأعقبها مباركته للأيقونة الخاصة برحلة العائلة المقدسة إلى مصر، مؤكدًا أهمية برنامج الحج إلى مصر ودوره الإيجابي في الحوار بين الأديان.

وفي صحيفة "فاتيكان نيوز" الإيطالية، نشر تقريرًا يفيد بأن السلطات المصرية طالبت بإعلان رحلة العائلة المقدسة إلى مصر موقع تراث عالمي لليونسكو، مؤكدًا أنها الفعل تستحق ذلك.. قائلة: "يجب أن تدرج في قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو، خط سير الرحلة التي توحد الاماكن التي عبرتها مريم ويوسف والسيد المسيح، عندما وجدوا ملجأ فى مصر للهروب من طغيان الملك هيرودس ببيت لحم".

وأبرزت الصحف الإيطالية، جهود الحكومة المصرية المتمثلة في وزارة السياحة، وهيئة تنشيط السياحة، المبذولة لإعادة الحركة السياحية الإيطالية مشيدين ببرنامج رحلة العائلة المقدسة الذي أعاد لمصر سمعتها السياحية العالمية ووضعها في خارطة السياحة العالمية، مشيرة إلى أنه يوجد وفد إيطالي رفيع المستوى يضم 14 شخصًا يمثلون هيئات سياسية ودينية مختلفة، ويرافق الوفد وفدًا إعلاميًا من كبريات وكالات الأنباء والصحف الإيطالية يزور مصر في رحلة تعريفية لزيارة بعض الأماكن التي يشملها مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر.

وأكدت الصحف أن الوفد أعرب عن بالغ سعادته بهذه الرحلة وبالحفاوة التي شعروا بها، وبالأماكن التي قاموا بزيارتها، مشيرين إلى أنهم قاموا بزيارة مجمع كنائس مصر القديمة، وكنيسة العذراء مريم بالمعادي، بالإضافة لعدد من الأماكن السياحية كمنطقة الأهرامات والصوت والضوء والآثار الرومانية بمدينة الإسكندرية.. مرجحة أن الطلب على المقاصد السياحية المصرية في تزايد مستمر.