«التحوط» خلطة الحكومة السرية لتقليل فاتورة الاستيراد.. والسيطرة على الأسعار
إيمان شهاب
وبعد إعلان وزارة المالية التحوط ضد ارتفاع أسعار الحبوب، يأتى ذلك فى ظل ما سجلته فاتورة الاستيراد نحو 13 مليون طن من القمح بزيادة قدرها 609 آلاف طن بنسبة زيادة 5% عن العام الماضى 2019 وزيادة 12% عن متوسط الأربعة أعوام الماضية، وفق بيانات شركة أسواق للمعلومات المالية والسلعية، أما بالنسبة لواردات محصول القمح للعام الحالى، فكانت كالآتى القطاع العام ممثل فى هيئة السلع التموينية بنحو 7.021 مليون طن بنسبة 54% من إجمالى واردات مصر، والقطاع الخاص استورد قرابة 5.998 مليون طن بنسبة زيادة 6% مقابل العام الماضى.
فى البداية، يرى الدكتور حسن هيكل، الخبير الاقتصادى، أنه يمكن استغلال التحويط وإدارته بشكل ناجح من خلال وجود سرعة رد الفعل واتخاذ القرار فيما يتعلق فى حجم المخزون وسرعة التخلص منه أو زيادته فى وقت مناسب بما يتطلبه السوق، وعدم السماح للمغامرين والمستثمرين فى استغلال الفرص من المنافسين للحكومة فى استيراد نفس السلع التى يتم التحوط عليها فى وقت انخفاض سعرها عالميًا.
أشار «هيكل» إلى أن التحوط بدأ فى عام 1972 فى شيكاغو ولندن وبدأت عقود المستقبليات ومن ثم ظهور المشتقات المالية، فهناك معرفة كبيرة بالتحوط المالى عالميًا ويجيدون استخدامه جيدًا، كما دعا الحكومة لعمل قاعدة بيانات قوية حول الاستهلاك والإنتاج المحلى والاستيراد مع المسؤولين عن إدارة هذا الملف، حتى يكون لديهم بيانات قوية ودقيقة حول حجم الاستهلاك وحجم الانتاج وحجم الاستيراد أولًا بأول، مع متابعة الأوضاع العالمية والأسعار الخارجية لكل السلع التى يتم التعاقد عليها، لتسهيل عليهم التصرف بشكل علمى فى أقل وقت.
وأوضح الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادى، أن إجراء التحوط يتم عن طريق إجراء تعاقدات مع صناديق استثمار دولية التى تبرم وتوقع عقود تحوط مع شركات تأمين دولية بهدف تثبيت سعر الاستيراد، مدة التعاقدات قد تكون لسنة أو لسنوات متتابعة وهذا عرف معمول به فى معظم بلدان العالم، مشيرًا إلى أن التحوط هو إجراء وقائى للمحافظة على تثبيت أسعار القمح لتوفير أى مخاطرة تنتج نظرا للظروف المحيطة مثل الكوارث أو تغير أسعار العملات ما بين الهبوط والصعود فمثلًا نتحوط على سعر الطن مثلا على سعر 210 دولارات للطن.
أضاف «النحاس» أن الأهم هو اختيار توقيت التحوط وإبرام العقود بمعنى يجب على اللجان بوزارة المالية أن تدرس وتختار جيدًا توقيت إبرام تعاقدات التحوط لتحقيق أعلى فائدة من الإجراء لأنه إذا تم بطريقة غير مدروسة قد يكلف الموازنة أعباء جديدة ويحرمها من تحقيق مكاسب فى حالة تراجع الأسعار على المستوى العالمى لأن التحوط أشبه بمضاربة البورصة.
استطرد قائلًا: «أن هناك دولا تضارب وتشترى عقودا آجلة للاستفادة والمتاجرة بها وعادة تتم فى النفط والذهب وبعض السلع الاستراتيجية، كما أن التحوط ينهيك عن التراجع للخلف مرة ثانية إثر جائحة كورونا، لافتًا إلى أنه يظل هذا السعر معمولا عليه مهما حدثت تغيرات سواء إذا صعد السعر لنحو 250 دولارا أو حتى إذا انخفض لسعر 150 دولارا للطن».
ومن ناحيته، أكد الخبير الاقتصادى، هانى توفيق، أن التحوط من تقلبات أسعار القمح يعنى تأمين الاحتياجات المتوقعة لواردات القمح لمصر خلال العام المقبل، لافتًا إلى أنه بحسب الأرقام المعلنة، فبلغت المساحة المنزرعة من القمح نحو من 3.42 مليون فدان من القمح، بموجب 8 ملايين طن قمح، بالرغم من أن المساحة المنزرعة من القمح كان من المفترض أن تنتج 8.3 مليون طن قمح، لكن مرض الصدأ الأصفر جعل هناك هذا الفارق الصغير.
لفت «توفيق» إلى أن تحرك الحكومة نحو التفاوض مع بنوك لتنفيذ آلية تحوط ضد تقلبات أسعار القمح يشير إلى أن مصر تجرب نموذجًا للحفاظ على سوق القمح، مشيرًا إلى أنه رصدت بيانات شركة أسواق نسبة زيادة الواردات التى تخص القمح المصرى خلال الأربعة أعوام الماضية والتى بلغت 7%، بينما على صعيد القطاعين الخاص والعام فقد تجاوزت قيمة واردات القمح 3 مليارات دولار بنسبة زيادة عن العام الماضى.
وأكد الخبير الزراعى المهندس، حسام رضا، أن اتباع سياسة تحفيزية من خلال تدشين مؤتمرات بين باحثين فى القمح والبرسيم وذلك لأن البرسيم هو منافس للقمح وتم استحداث أصناف جيدة من البرسيم ذات كثافة عالية لتقليل مساحات البرسيم لصالح القمح مع الإعلان عن أسعار توريد القمح قبل الزراعة وصرف مبالغ مالية للفلاحين على حصة القمح الذى سيتم توريده عن طريق بنك التنمية والائتمان الزراعى، وحدث ذلك خلال حقبة الوزير أحمد الليثى مع تكليف الميكنة الزراعية بحرث وتسوية الأرض بشكل مجانى للمزارع، ما أثمر ذلك عن ارتفاع 2.8 مليون فدان إلى 3.5 مليون فدان.
أضاف «رضا» أنه لتقليل فاتورة الاستيراد والمضى نحو الاكتفاء الذاتى، فهناك عدة خطوات يجب تطبيقها، أولها: استخدام أصناف حديثة ذات إنتاجية عالية تصل 18 إلى 22 طنا للإردب وفى نفس الوقت تكون مؤمنة ضد أمراض القمح التى تأتى عبر الهواء من تركيا وإيران مثل «الصدأ الأصفر والأسود والبرتقالى».
وكشف عادل عامر، الخبير الاقتصادى، أن آلية التحوط تأتى من خلال وجود صناديق مخصصة لتعويض الفارق بين الأسعار يمكن من خلالها عمل تحوط ضد تقلبات أسعار السوق بالكامل وليس السلع الأساسية فقط، مشيرًا إلى أنه يتم من خلال تعاقد الحكومة مع شركات أو بنوك لضمان تفادى تقلبات وتذبذبات أسعار تلك السلع فى السوق العالمى وعدم تجاوز العجز المستهدف فى الموازنة، وذلك عن طريق عقود آجلة محددة بمدة زمنية مقابل الالتزام بدفع مصاريف تأمينية، بالإضافة إلى أن التحوط يأتى لمواجهة مخاطر ارتفاع أسعار السلع يعنى العمل على تفادى المخاطر الناتجة عن ارتفاع سعر سلعة ما وخاصة لو كانت سلعة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها كالقمح والوقود.
طالب «عامر» الحكومة العمل على ابتكار آليات جديدة للسيطرة على ارتفاع الأسعار من خلال تنشيط السوق، حيث يقترح على الحكومة أن تفتح المجال أمام الموظفين القطاعين العام والخاص الذين هم يدفعون التأمينات من خلال إعطاء هؤلاء الموظفين بضاعة بالقسط بضمان البطاقات التأمينية لمدة 6 شهور وبهذه الطريقة يمكن تنشيط السوق والسيطرة على الأسعار بشكل مثالى، فالتحوط يمكن أن يتم بأشكال وطرق مختلفة.