الياهل مجذب أمه
الياهل في لهجتنا البحرينية والخليجية تطلق على الطفل، وكان يضن إنها تطلق عليه كونه «جاهل» بالشيء، وإذا نحن الآن في زمن التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي نتعلم من أطفالنا، وهم يبدعون ونحن إزاء ذلك نشعر وكأننا في الصف الأول من محو الأمية، و«المجذب» أي المكذب؛ فالطفل «الياهل» يكذب أمه، وهذا القول يصف بدقة حال الطفل الذي وإن كان به مرض فهو يتحرك ويلعب مع أقرانه وكأنه يتحدى المرض، والأم بطبيعة الحال تخشى على ولدها المرض ومضاعفاته فتقول لأصدقائها وأهلها إن ابنها مريض، وإذا جاءوا إلى بيتهم وجدوا الطفل «الياهل» يلعب، ويجري وقد يقفز فكأنهم ولسان حالهم يقول: «لماذا تكذب علينا أمه»، وهي بطبيعة حالها وما تشعر به تقول إنني لا أكذب لأني أشعر بابني وما يعانيه وأشفق عليه ولكني لا استطيع أن أمنعه من اللعب فقد يكون في ذلك سلوى له ولعله يتجاوز الحالة التي هو عليها ولتتحمل الأم ما يصيبه من ألم في الليل البهيم وكأن لسان حالها يقول ما قاله الشاعر وهو يصف الحمى عندما تزوره في الليل:
وَزَائِرَتي كَأنّ بهَا حَيَاءً
فَلَيست تَزُورُ إلاّ في الظّلامِ
بَذَلْتُ لهَا المَطَارِفَ وَالحَشَايَا
فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ في عِظامي
يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نَفَسي وَعَنها
فَتُوسِعُهُ بِأنْوَاعِ السّقَامِ
كأنّ الصّبْحَ يَطرُدُها فتَجرِي
مَدامِعُهَا بأرْبَعَةٍ سِجَامِ
أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوْقٍ
مُرَاقَبَةَ المَشُوقِ المُسْتَهَامِ
رحم الله أبا الطيب المتنبي (أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد) (303هـ - 354هـ) (915م – 965م) الذي وصف الحمى، بأبلغ الأوصاف والحالات.
كنا أطفالاً وأصبنا يومًا بالحصبة والشنيتر «جدري الماء» وأنواع من الرضوض والكسور التي لا تجعلك تنام في الليل من شدة الألم، لكننا في النهار نلعب شتى أنواع الألعاب الهوائية وتأخذنا الشقاوة فنتفنن في ركوبها بحركات بهلوانية متحدين الأمراض التي ألمت بنا، فاللعب عند الأطفال متعة ما بعدها متعة.
جائحة كورونا كوفيد 19 المستجد جعلتنا نخشى الخروج وممارسة هواياتنا، وكذلك نصحنا أطفالنا باتباع نصائح فريق البحرين الوطني الذين يقومون بجهود وطنية جبارة نقدر فيهم تفانيهم وبذلهم وعطائهم الوطني المشرف من أجل حماية مجتمعنا وحماية من يقيمون معنا نراهم في المستشفيات والمراكز الصحية والأسواق والطرقات والحواري والمجمعات ومطار البحرين الدولي ومركز المعارض والمؤتمرات الدولي وهم يقدمون خدماتهم بروح طيبة وخبرة مقدرة وتفانٍ إنساني بروح الفريق الواحد، حفظ الله الجميع وأسبغ علينا الصحة والعافية.
إن الواجب يحتم علينا أن نكون أقوياء في مواجهة التحديات، ومنها تحدي الأوبئة والتحديات السياسية والإقتصادية والتنموية والإجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية.
أطفالنا فلذات أكبادنا كما علمناهم وسهرنا على تربيتهم، فإن رؤيتهم للحياة من خلال تصرفاتهم قد تنم عن فهم مبكر لتقلبات الزمان.
رحم الله الشيخ عيسى بن راشد بن عبدالله آل خليفة مثواه الجنة ورضوان النعيم فقد كنا في يوم نتحدث فيه عن مستقبل أجيالنا، فقال طيب الله ثراه إننا بالفعل نقلق عليهم لكنهم سيشقون طريقهم ويعرفون الصالح لهم، فكان يرحمه الله الحريص على مستقبل أجيالنا والداعي لهم بالتوفيق والصلاح.
نعم من واجبنا كآباء أن نمهد الطريق لأبنائنا، فلذات أكبادنا، وأن نتيح المجال لهم للإبداع والإبتكار، ونؤمن بحتمية الصواب والخطأ فيتعلمون من الاثنين ما يفيدهم في حياتهم ومستقبلهم.
الشعور الإنساني متأصل في الذات البشرية ومتى ما أتيحت الفرصة والتعليم والتدريب المدروس كلما حققت أجيالنا السبق، والأمثلة كثيرة في مجتمعنا والمجتمعات الأخرى يتساوى فيها الأسوياء وأصحاب الهمم؛ علينا أن نؤمن بقدراتنا على العطاء والبذل وبقدرة أجيالنا على التعامل الإيجابي مع المتغيرات التي قد تحدث في الحياة. مواهب وقدرات وتحديات ومشاريع لم نألفها من قبل قام بها شبابنا ومواطنينا وأبرزت ذلك وسائل إعلامنا في أكثر من مناسبة، وهذا يدل على أن الوطن بخير إن شاء الله وأن الواجب يحتم علينا أن نؤمن بقدرات شبابنا على البذل والعطاء من أجل خدمة مستقبلهم ومستقبل وطنهم ومواطنيهم.
وعلى الخير والمحبة نلتقي