السوق العربية المشتركة | إنها نعمة الأمان

لم يعد الأمر يعني الفرد الواحد منا بل أصبحنا جميعا في قارب واحد وعلينا أن نبحر بأمان مجتمعين..كنا نخرج إلى

السوق العربية المشتركة

الإثنين 25 نوفمبر 2024 - 07:37
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب
إنها نعمة الأمان

إنها نعمة الأمان

لم يعد الأمر يعني الفرد الواحد منّا، بل أصبحنا جميعًا في قارب واحد وعلينا أن نبحر بأمان مجتمعين..  



كنا نخرج إلى الشوارع، نلتقي بناس نعرفهم ولا نعرفهم، المقاهي تعج بالمرتادين قلما تجد طاولة فارغة، ويحاول أصحاب القهوة ألا يخسرون زائرًا، المطاعم المشهورة تحتاج إلى أن تحجز مقعدك مسبقًا خصوصًا إذا كان معك ضيوف، نخرج من بيوتنا في أي وقت، نلتقي بالأهل والأصحاب في البيوت أو المجالس ولا نسأل عن العدد، قد ترى أحيانًا مريضًا يلبس الكمامة مضطرًا بناءً على نصيحة الأطباء ولمرض ألم به أو عملية جراحية تحتاج احتياطات واجبة، نرأف لحاله ونتمنى له الشفاء العاجل. كان هدفنا الوصول إلى بغيتنا من نعم الله علينا، لم نحسب حساب ما نحن عليه اليوم، فجأة تغيرت أحوالنا، واجهنا جائحة ألزمتنا أن يتغير كل شيء حولنا، وبتنا جزءًا من هذا الشيء.. أعلنت دول انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) في شوارعها وحواريها ومحالّها، أخذت الاستعدادات اللازمة، دول كثيرة أعلنت النفير العام بات الخروج محسوبًا والتجمعات غير مأمونة، والحذر ثم الحذر واجب ولبس الكمامة إجباري وإطاعة الفرق الوطنية التي أنشئت للتقليل من آثار هذا الوباء حتمية، والتكاتف والتعاون معهم من أوجب الواجبات، فهم مكلفون بصحة المجتمع ككل ومن واجبنا أن نتعاون معهم إلى أبعد الحدود، فلم يعد الأمر يعني الفرد الواحد منا، بل أصبحنا جميعًا في قارب واحد وعلينا أن نبحر بأمان مجتمعين والخروج عن الجماعة فيه مهلكة وخطر داهم، لأول مرة نشعر بتوجس عندما نريد الخروج من المنازل، لم نعد نلبي دعوات الأصدقاء والأهل للوجبات ولم نعد نقوم بواجب التعازي في المقابر ومجالس العزاء، ولا نقوى على تأدية التهاني للمتزوجين وأقاربهم، فالتباعد الاجتماعي أصبح فرض عين، بتنا نخاف على بعضنا بعضًا، وأصبح المرء فينا يخاف على الآخرين قبل أن يخاف على نفسه، لا أحد يعرف متى تنتهي هذه المأساة، ولسان حالنا يقول: «أليس لليل من آخر». عندما نرجع إلى ما قبل كورونا في مشهد من مشاهد السينما والمسرح (فلاش باك) Flashback (استرجاع فني) يصيبنا الإحباط وربما الندم، كيف لم نقدّر ما كنا عليه، وكيف لم نحمد الله على النعمة التي كنا فيها. قديمًا كان الأجداد والآباء يقولون: «ما تعرف قديري إلا لما تجرب غيري» بمعنى أنك لا تعرف ما أنت عليه من نعمة الرضا إلا عندما تجرب الغير فيجلب إليك عدم الرضا.. يقول المتفائلون هذه الأيام إنه الابتلاء، ونحن نرضى ولله الحمد بالقدر فالابتلاء يثاب عليه المرء ويردد علينا أهلنا إذا أصابنا المرض «أجر وعافية»، و«طهور إن شاء الله» وهي دعوات تدخل إلى النفس الطمأنينة ويرتاح الضمير، فالله سبحانه وتعالى رؤوف رحيم بعباده، ونحن نؤمن بأن الابتلاء امتحان للمرء، فالصبر هو المطلوب في مثل هذه الحالات.

 

كلما تنفسنا الصعداء بأن الوباء للانحسار تطل علينا الأخبار من دول بعيدة ودول قريبة بأن الموجة الثانية قريبة وهي أشد من سابقتها، ونظل نحن نأمل أن تزول الغمة، «فقد بلغ السيل الزبى» كما يقول المثل العربي ونلجأ إلى منظمة الصحة العالمية علنا نجد عندها الجواب، وإذا هي أيضًا في حيرة من أمرها.

ندعو الله جلّت قدرته أن يحفظنا جميعًا ويزيل عنا الغمة، وعلينا أن نؤمن بأن التعاون مع بعضنا بعضًا بات حتميًا، والالتزام بما تفرضه السلطات المختصة أصبح واجبًا علينا اتباعه، وأصبحت شواهد عدم الالتزام ماثلة للعيان.

 

صحيح أن الناس ضاقت ذرعًا بالظروف الآنية والخوف وما أدراك ما الخوف جاثم عند أبوابنا.. صحيح أن حياتنا قبل كورونا كانت طبيعية وكل شخص كان مسؤولاً عن نفسه وعن من يعيل، لكننا أصبحنا بعد كورونا مسؤولين عن أنفسنا وعن من نعيل ومسؤولين عن أهلنا وجيراننا وأصدقائنا وأهل بلدنا.

جزاهم الله خيرًا أولئك الذين في مقدمة مواجهة هذا الوباء فرغم سعادتهم بأنهم يؤدون واجبًا وطنيًا ويسهمون بقلب مفتوح وفكر منير بمساعدة الآخرين والتخفيف عنهم إلا أننا رغم تقديرنا لجهودهم ومساعيهم إلا أنهم أبناؤنا وإخواننا وأصدقاؤنا نخاف عليهم وتهمنا أمورهم، حماهم الله وحفظهم برعايته، فهم يؤدون واجبهم بضمير يقظ ووجدت فيهم تفانيًا في أداء الواجب لا نظير له فهم فخرنا وعزنا، والحمد لله أن بلدنا مملكة البحرين وقيادتنا الحكيمة تدرك قيمة ما يقوم به هؤلاء الأطباء والممرضون والمساعدون والمتطوعون، فقد أثبتوا بصدق وتفانٍ كيف يكون الفداء للوطن وكيف يكون المواطن مؤتمنًا على وطنه وشعبه، كلما التقيت بهم شعرت بأنهم يرفعون الرأس ويستحقون منّا كل العبارات الصادقة النابعة من القلب بأن يُكلل الله جهودهم بالخير.

 

كلنا نتطلع إلى ذلك اليوم الذي نعود فيه إلى ما كنّا عليه من نعمة الأمان، ويحق لنا عندئذ أن نقول «الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى».

 

وعلى الخير والمحبة نلتقي..