السوق العربية المشتركة | إعاده رسم خريطة الاستثمار الدولية

السوق العربية المشتركة

الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 00:02
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
نائب رئيس مجلس الإدارة
م. حاتم الجوهري
إعاده رسم خريطة الاستثمار الدولية

إعاده رسم خريطة الاستثمار الدولية

يُجمع خبراء أوروبيون وسويسريون على أن عام 2013 كان سيئاً لأسواق الدول النامية، إذ إن الأسهم والسندات والعملات الوطنية لهذه الدول، التى طالما ثابر العالم على إنعاش اقتصاداتها فى السابق، تختبر الآن حقيقة مالية جديدة تتجسد فى هروب بلايين الدولارات منها إلى وجهات وخرائط استثمارية جديدة. وأشار مراقبون مصرفيون سويسريون إلى أن القيمة الكلية للأسهم والسندات التى سحبتها الصناديق الاستثمارية الدولية من الدول النامية، بلغت 60 بليون دولار، 32 بليوناً منها أسهم، والبقية سندات. وخلال سنوات قليلة تحول رهان المستثمرين الدوليين إلى كارثة، فيكفى النظر إلى عام 2012 حين تدفقت أموال استثمارية، مباشرة وغير مباشرة، إلى أسواق الدول النامية قدرت قيمتها بنحو 120 بليون دولار. وأشار خبراء إلى أن الكارثة التى أصابت الأسواق المالية التابعة للدول النامية بدأت تظهر فى مايو الماضى عندما بدأ الأميركيون التحذير من أن سياسة الحوافز النقدية وعصر السيولة النقدية السهلة المنال لن يدوما طويلاً. وها هى الإدارة الأميركية تتبنى، بعد مرور ستة أشهر على هذا التحذير، سياسة شبه مضادة، معروفة باسم «تايبرينغ» تسعى إلى تقليص عملية طباعة الدولارات، لشراء سندات خزينة أميركية وغيرها، من 85 إلى 75 بليون دولار شهرياً. ولم تستعد الأسواق المالية إلى هذه الخطوة النوعية فى السياسة المالية الأميركية، ما حض المستثمرين الدوليين على الابتعاد عن أسواق الدول النامية عبر بيع تلك الأصول التى استفادت كثيراً من سياسة التيسير النقدى الأميركى، والتى شملت بيع أسهم وسندات الدول النامية بأسعار زهيدة. إن جزءاً كبيراً من السيولة المالية الهاربة من الأسواق النامية، وصل إلى الأسواق المالية الأوروبية التى هجرها المستثمرون الدوليون خلال السنوات الماضية نتيجة أزمة الثقة باليورو وتباطؤ اقتصادات الدول الأوروبية. ولكن العام الماضى أكد للجميع أن اليورو لن يموت وأن اقتصادات الدول الغربية ما زالت صامدة، ولذلك بدأ المستثمرون يسترجعون ثقتهم بالأسواق المالية الأوروبية والسويسرية. ويكفى النظر إلى حركة الأموال، من الأسواق المالية الأوروبية وإليها فى العامين الماضيين، ففى عام 2012 هرب نحو 20 بليون يورو من الأسواق المالية الأوروبية والسويسرية، فى حين نجحت الصناديق الاستثمارية الأوروبية والسويسرية العام الماضى فى استقطاب نحو 54 بليون يورو، ما يشكل بداية جيدة لهذه الأسواق. إن الاستنتاج المنطقى يشير إلى أن ما تمر به الولايات المتحدة اليوم ليس مجرد فترة من التعافى الدورى، بل إن ما يحدث اليوم أشبه ببداية عملية متأخرة من التكيف البنيوى مع اقتصاد عالمى سريع التحول، ومع نمو الاقتصادات الناشئة والمزايا النسبية المتحولة، ومع القوى التكنولوجية العاتية. ورغم أن التفكير فى مثل هذه التغييرات بأى قدر من الدقة أمر بالغ الصعوبة، فإن هذا لا يجعلها ضئيلة الأهمية. بطبيعة الحال، لا أحد يستطيع أن ينكر وجود عناصر دورية فى انحدار عام 2008. ولكن هذه العناصر كانت مصحوبة بخلل فى التوازن البنيوى ظل يتراكم على مدى الأعوام الخمسة عشر الماضية، وهو الخلل الذى لعب دوراً مركزياً فى عجز الاقتصاد الأميركى عن استعادة عافيته بطريقة دورية طبيعية. وقد يتساءل المتشككون: لماذا لم يظهر هذا الخلل المزعوم فى التوازن البنيوى قبل الأزمة ما دام يعمل الآن على تعويق نمو الناتج المحلى الاجمالى وتشغيل العمالة. والاجابة ببساطة أن ذلك الخلل ظهر بالفعل، ولكن ليس فى الأرقام الخاصة بالنمو وتشغيل العمالة، هذا فضلاً عن إشارات أخرى مرت من دون أن ينتبه اليها أحد، أو أهملَت، أو اعتبرت ضئيلة الأهمية. والقائمة القصيرة من هذه الاشارات تشمل فرط الاستهلاك (الذى أصبح ذكرى من الماضى الآن)، ونقص المدخرات، استناداً الى فقاعة الأصول وارتفاع الديون (لأكثر من عقدين من الزمان) فى القطاع القابل للتداول من الاقتصاد. وفى ظل تراجع الطلب الكلى المحلى، فإن محرك النمو الوحيد القادر على أداء وظيفته، ألا وهو التجارة الخارجية فى السلع والخدمات، لا يصلح كمحرك لتشغيل العمالة. وكان تجاهل كل هذه الإشارات سبباً فى انتاج أوهام ما قبل الأزمة فيما يتصل بالنمو المستدام وتشغيل العمالة، وهو ما يساعد فى تفسير الأسباب التى أدت الى اعتبار الأزمة، وليس الأسباب التى أدت الى اندلاعها، الجانى الحقيقى. ولكن الأزمة لم تكشف سوى الخلل الأساسى فى التوازن، ولم تحل سوى القليل من أسباب ذلك الخلل. إن العواصف التى تجتاح أسواق المال العالمية ليست إلا انعكاسا حقيقىا للأخطاء التى صاحبت المرحلة الأولى من الأزمة المالية العالمية فى العام 2008 حيث إن تدخل الدول بالأسواق لحل الأزمة المالية العالمية التى عصفت بالقطاع المالى خوفا من انتقالها إلى الاقتصاد الحقيقى بشكل واسع تحملت الدول وعلى رأسها أميركا وأوروبا تريليونات من الدولارات كانت فى غالبيتها ديونا وجب استحقاق دفعها الآن ما يعنى انتقال الأزمة إلى مرحلة متقدمة وهى أزمة مال حكومية وهنا تصبح الحلول أكثر تعقيدا وأطول أثرا إذا لم يكن هناك تدارك وابتعاد عن لغة المكاسب لأطراف السياسة بتلك الدول على حساب حماية الاقتصاد العالمى الهش والذى يترنح تحت وقع الأزمات المتلاحقة فإذا أرادت أميركا تحديدا حل أزمتها ديونها وخفض تصنيفها الائتمانى عليها أن تعرف الأسباب التى أفقدتها الدرجة الممتازة وتعالجها بدلا من تحميل المسئوليات للغير واتهام وكالات التصنيف بأنها متسرعة أو مخطئة. إن مسار اليوم هو عكس مسار ثمانينيات وتسعينيات القرن الثامن عشر. فمن الصعب اليوم بالنسبة لأميركا (وبالنسبة للعالم حتى وقت قريب) أن تتخيل عجز الولايات المتحدة عن سداد ديونها، حيث لم ينشأ أى سبب قوى للخوف من أمر كهذا منذ تسعينيات القرن الثامن عشر. واليوم يعرف الأميركيون ماذا يتعين عليهم أن يفعلوا: المزج بين خفض الاستحقاقات وزيادة الضرائب. والأوروبيون أيضاً يعرفون أنهم يتعين عليهم أن يعملوا على إيجاد توازن جديد. ولكن إلى أن تجد أوروبا والولايات المتحدة الزعماء الذين يتمتعون بالقدر الكافى من السلطة والإرادة فإن مشكلة الديون ستستمر فى إضعاف الأساسات الوطنية التى تقوم عليها أوروبا وأميركا.