السوق العربية المشتركة | المحلل الاقتصادى الإماراتى نجيب الشامسى لـ«السوق العربية» : دبى لم تفقد سمعتها الاقتصادية.. وما حدث فيهاأزمة تخص شركات

السوق العربية المشتركة

الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 - 09:33
رئيس مجلس الإدارة
أمانى الموجى
رئيس التحرير
أشرف أبوطالب

المحلل الاقتصادى الإماراتى نجيب الشامسى لـ«السوق العربية» : دبى لم تفقد سمعتها الاقتصادية.. وما حدث فيهاأزمة تخص شركات

مطلوب الآن استثمار رؤوس الأموال الخليجية فى الزراعة حتى نؤمن الاحتياجات الغذائية لشعوبنا



أكد المحلل الاقتصادى الإماراتى نجيب الشامسى مدير عام الإدارة العامة للدراسات والبحوث فى مجلس التعاون الخليجى أن دبى مازالت متماسكة ولم تفقد سمعتها الاقتصادية، بسبب ما حدث منذ بداية الأزمة المالية العالمية، مشيراً إلى أن بعض العرب يغيرون من نجاحها فى المجال الاقتصادى. وقال فى حوار لـ«السوق العربية» جرى فى أبوظبى: إن الأزمة المالية العالمية، أزمة مفتعلة لابتزاز الدول النفطية، و50% من الاستثمارات الخليجية فى الخارج تآكلت بسببها، معترفاً بأن تركيز الخليجيين على الاستثمار فى القطاع العقارى كان خطأ وجمّد الاستثمار فى القطاعات الأخرى. وأضاف : ليست لدينا مشكلات ولا ديون خارجية فى الإمارات، لكن اقتصادنا يعانى من التجزئة وغياب الاستراتيجية الموحدة.

بعض العرب يغيرون من نجاح دبى لأنها سحبت البساط من تحت أقدام دول عربية عديدة

■ رغم كل ما قيل عن أزمة ديون دبى فإن أغلب الناس لا تعرف حتى الآن ماذا حدث فيها بالضبط بسبب الأزمة المالية العالمية؟

- يبدو أن دبى كالجمل الذى ينتظره بعض الحاقدين كى يقع وتكثر سكاكينه، وأنا أرى أن دبى تعتبر نموذجاً حياً لتجربة التنمية، فقد استطاعت أن تستقطب استثمارات ورؤس أموال عربية وأجنبية، واستقطبت كذلك جزءاً من رؤوس الأموال الوطنية ليتم تدويرها فى شرايين الاقتصاد المحلى للإمارة.

الكل يشهد بأن دبى بها بنية تحتية قوية، ويعتبر ذلك إنجازاً على المستوى الاقتصادى فى الإمارات والدول العربية والشرق الأوسط، وإذا نظرنا إلى أموالنا العربية، فسنجد أنها تذهب للخارج، أما دبى فجذبت الاستثمارات من كل الدول إليها.

الأزمة ليست أزمة حكومة دبى، وإنما أزمة شركات أجنبية وعربية، بالعكس فدبى أكدت التزامها بسداد ديون «مجموعة دبى العالمية»، وخلال النصف الثانى من عام 2010 نجحت دبى فى إعادة هيكلة نحو 23.5 مليار دولار من التزامات الشركة، وانتقلت الآن إلى معالجة ديون شركات أخرى وعموما لا ترمى إلا الشجرة المثمرة، وما حدث لشركة موانئ دبى العالمية ليس ببعيد، فعندما فازت بإدارة ميناء فى أمريكا استكثر عليها البعض ذلك، ففشل الموضوع، لكن هذا لا ينفى نجاح دبى فى إدارة موانئ مهمة فى دول أخرى مثل اليمن وسنغافورة ودول أخرى عديدة، وهناك دول أخرى تحاول الآن أن تستعين بتجربة دبى الاقتصادية لكن بعض محللينا الاقتصاديين من العرب يسيئون إلى دبى عن عمد، غيرة من نجاحها فى المجال الاقتصادى.

■ نجاح مجموعة «دبى العالمية» بعد الاتفاق مع البنوك الدائنة الرئيسية فى جدولة نحو 23.5 مليار دولار من ديونها.. هل يعيد الثقة فى اقتصاد دبى؟

- حكومة دبى التزمت بمنتهى الشفافية والصراحة بسداد التزامات شركاتها، وهذا ما عزز وضع الإمارة، وكثير من الشركات والبنوك العالمية أبدت استعدادها حالياً لتمويل مشروعات كبرى فى دبى التى ردت على المشككين فى اقتصادها بافتتاح عدد من المشروعات المهمة العام الماضى، على رأسها «مترو الانفاق» و«برج خليفة» البرج الأعلى فى العالم.

■ هل ما زالت دبى متماسكة اقتصادياً؟

- نعم مازالت متماسكة، فهى مثل سنغافورة لا تمتلك موارد طبيعية كالنفط والغاز، لكنها نجحت اقتصادياً، وهنا الذكاء والحنكة فى أن تستقطب رؤوس أموال أجنبية وتستطيع أن تديرها وتستفيد منها وتفرض حضورك على خريطة الاقتصاد العالمية، وبحكم انفتاح دبى على العالم لا بد أن تتأثر أسواقها بالأزمة المالية، لكن رغم أنها لا تمتلك البترول مثل أبو ظبى وقطر ألا أنها نجحت فى استقطاب رؤوس أموال فى وقت أصيب فيه الاقتصاد العربى بالجفاف نتيجة تصدير رؤوس أمواله واستثماراته إلى الخارج فى الوقت الذى لا يستقطب فيه العرب سوى 1% من حجم الاستثمارات العالمية، فهل تعلم أن هناك شركات عالمية تبحث عن موضع قدم لها فى دبى الآن.. دبى التى كانت ولا تزال من أهم مركز التجارة فى المنطقة، ففى حرب الخليج الأولى، كانت دبى ميناء للعراق وإيران، وأثناء حرب الخليج الثانية «غزو الكويت» انتقلت غرفة تجارة الكويت إلى العمل فى دبى، ونقلت معظم استثماراتها إليها، وهذا ما يؤكد أن دبى كمركز مالى استطاعت أن تسحب البساط من تحت أقدام دول عربية عديدة.

■ لكن هذا لا ينفى تأثر دبى والاقتصاد الإماراتى بالأزمة العالمية؟

- لا ننكر أن ما حدث أثر على اقتصاد دبى واقتصاد الإمارات ككل، لكن بالتعاون بين أبوظبى ودبى استطاعت الإمارتان السيطرة على الأزمة، فأبوظبى تملك أكبر صندوق سيادى على مستوى العالم، وقد دعمت دبى فى ذلك الوقت بمبلغ 10 مليارات دولار، والمصرف المركزى دعّم مصارف دبي، وهذه وقفة طبيعية من أشقاء تجاه أشقاء فى دولة واحدة، ودليل على عافية الاقتصاد الإماراتى.

■ هل إعادة جدولة الديون ستؤدى إلى انخفاض نسبة النمو الاقتصادى فى الإمارة؟

- أتصور أن النمو الاقتصادى مرتبط بالحركة العالمية، ودبى، أسواقها مرتبطة بالعالم، وعندما يتأثر النمو الاقتصادى فى العالم لا بد أن تتأثر دبى سواء بالسلب أو بالإيجاب باعتبار أن اقتصاد دبى اقتصاد تجارى خدماتى، وإن كان النمو الاقتصادى فى الإمارة قد انخفض فى السنوات الماضية، فهذا ليس تأثراً بجدولة الديون وإنما بتراجع النمو الاقتصادى قى العالم كله، وأعتقد أن النمو الحاصل حالياً فى الهند والصين سيؤثر بالإيجاب على النمو فى دبى لأن هناك شركات صينية وهندية عديدة تعمل فى دبى وفى مختلف القطاعات، ومؤخراً، جاءت رؤوس أموال خليجية كبيرة إلى دبى التى تعتبر رئة استثمارية جيدة فى المنطقة فى الوقت الحالى لخلوها من الروتين والبيروقراطية.

■ رغم الدعم الذى قدمته حكومة أبوظبى لدبى إلا أن مشكلة الديون مازالت قائمة، فما الحل فى رأيك؟

- الحل أن تقارن بين ديون بنك «ليمان براذر» وديون دبى، فلماذا لم تحدث «بلبلة» على هذا البنك عندما أفلس، ويحدث هذا مع دبى رغم أن ديونها بسيطة مقارنة مع ديونه، وكما قلت لك فإن حرص العديد من البنوك الشركات العالمية على الاستثمار فى دبى حتى الآن لهو دليل على قدرتها على تجاوز الأزمة.

■ يرى بعض المحللين أنه إذا كانت الأسس التجارية تتطلب إعادة الهيكلة لمجموعة دبى العالمية، فلامانع من إعلان ذلك، من دون الخوف من تأثر سمعة الإمارة.. فهل ترى أنه يجب الفصل بين «مجموعة دبى العالمية» وبين دبى نفسها؟

- أنا لا أؤيد الفصل، ودبى منذ بداية الأزمة، تحملت المسئولية كاملة، وهذا دليل على رغبتها فى عدم التفريط فى مكانتها العالمية التى وصلت إليها، وسمعة دبى الاقتصادية لم تتأثر عالمياً، لكنها تأثرت كما تأثرت غيرها من الدول، فانظر الآن إلى محنة اليونان التى أفلسلت، وأزمة أيرلندا الاقتصادية، وهناك أزمات اقتصادية فى البرتغال وإسبانيا، ودول أخرى عديدة، فلماذا التركيز على دبى، والأزمة مازالت حتى الآن، تقتلع شركات اقتصادية عريقة فى أوروبا وأمريكا التى مازالت تدفع ثمن تداعيات هذه العاصفة المالية التى صنعتها بيدها، هى والدول العظمى، وأنا أرى أن هذه الأزمة المالية العالمية، أزمة مفتعلة لابتزاز الدول النفطية، خاصة أن الدول النفطية حصدت مليارات الدولارات من ثمن النفط، عندما وصل إلى 147 دولارا للبرميل فرأت الدول الكبرى أن ترد بعضاً من هذه الأموال، فكيف يعلن بنك «ليمان برذار» إفلاسه، وتقوم أمريكا بشرائه، فلابد من أن هناك رابحا من وراء ضم هذا البنك الذى كان يضم ثروات خليجية عديدة، وللعلم فإن 50% من الاستثمارات الخليجية فى الخارج تآكلت بسبب هذه الأزمة، والمتابع يرى أن أمريكا خسرت كثيراً وعانت اقتصاديا قبل الأزمة وتحديداً فى الفترة من 2005 حتى 2008، فى الوقت الذى تحسنت فيه الأوضاع الاقتصادية فى دول الخليج فى تلك الفترة، حيث أصبحت من دول الفائض بسبب ارتفاع سعر النفط، بعد أن كانت تعانى من ضعف ميزانياتها منذ منتصف الثمانينيات، باختصار فى هذه الأزمة المالية العالمية هناك عملية ابتزاز دولى من الدول العظمى لدول العالم الثالث.

■ هناك من يرى أن لهذه الأزمة إيجابيات وفوائد عديدة على دول الخليج.. فهل تؤيد هذا الرأى؟

- نعم، لها فوائد عديدة، ومنها أن السعودية وغيرها من الدول الخليجية أصبحت تستثمر جزءًا من أموالها الخارجية فى الداخل لأنها أدركت أن رؤوس الأموال فى الخارج عرضة للتآكل أو الابتزاز أو التجميد، مثلما حدث من تجميد لمليارات الدولارات التى تمتلكها دول عديدة بعد احداث 11 سبتمبر، ورؤوس الأموال هذه لما ضخت فى الداخل أعادت التوازن فى المجتمع الخليجى، وساهمت فى رفع معدلات التنمية به، والإمارات فعلت مثلما فعلت السعودية، وهناك مشروعات كبرى الآن تنفذ فى أبوظبى التى لديها رؤية «أبوظبى 2030» التى تركز على القطاع الصناعى وزيادة مساهمته بنسبة 15% فى الناتج المحلى لإمارة أبوظبى فى المرحلة الأولى، وهذا توجه إيجابى.

أيضاً من الإيجابيات.. أننا أدركنا أن الاستثمار فى القطاع العقارى كان سريعاً، حيث جعلنا المصارف تمول المشروعات من دون حدود، وفى رأيى، التركيز على القطاع العقارى، جمد الاستثمار فى القطاعات الأخرى، وكان هذا خطأ وقعت فيه كل الدول الخليجية وليس الإمارات ودبى فقط، وحتى بعض الدول العربية عانت من هذا الأمر.

وأعتقد أن الفرصة سانحة الآن لتصب معظم الأموال الخليجية فى شرايين الاقتصاد العربى لتأمين الاحتياجات الغذائية للمواطنين العرب، وهذا مجال واسع لخلق فرص عمل، خاصة فى القطاع الزراعى فى دول مثل مصر والسودان وجيبوتى والصومال، وهذا الأمر إن تم فإنه يحقق الأمن الغذائى لدول الخليج، كما يحقق الأمن المائى للدول العربية كلها، من خلال المشروعات الكبرى التى تقام على الأنهار لاستثمار الثروات المائية التى يمتلكها العرب.

■ هل ترى أن دبى مازالت الوجهة الصحيحة للاستثمارات العربية؟ وهل وقف العرب معها فى أزمتها؟

- أتصور أن الإعلام العربى بالغ فى تضخيم أزمة دبى، وفى رأيى ما زالت دبى هى الوجهة الصحيحة للاستثمارات العربية والأجنبية حتى الآن، وكما قلت لك فإن قدرتها على جدولة ديونها تعزز من قدرتها على العودة مرة أخرى بقوة على الخريطة الاقتصادية العالمية، خصوصاً الخريطة الاستثمارية.

■ ما تقييمك لوضع الاقتصاد الإماراتى فى الوقت الحالى؟

- الاقتصاد الإماراتي، ثانى اقتصاد خليجى من حيث القوة، ففى الإمارات توجد استثمارات ضخمة فى مختلف القطاعات، وهناك وفرة فى الغاز والنفط تعزز من قدرة هذا الاقتصاد، فنحن ليس لدينا أى مشكلات أو ديون خارجية، والمصارف التى تعرضت لأزمات فى السيولة بسبب الأزمة استطاعت الحكومات المحلية أن تضخ فيها مليارات كى تستعيد عافيتها، واستردت عافيتها بالفعل، وما يحدث الآن من مشروعات متنوعة فى الإمارات دليل على ذلك، والأزمة ساعدت فى تحويل اقتصادنا من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد إنتاجى، فبدأنا تأسيس مصانع فى مختلف القطاعات، مثل مصانع الصلب والألومنيوم فى أبوظبى، والآن تحولنا إلى الاستثمار فى التعليم، وهناك جامعات عالمية تسعى للتواجد فى الإمارات، كما أننا أنجزنا بنية تحتية متطورة تضاهى البنية التحتية فى أى دولة متقدمة.

لدينا مشروعات صناعية كبرى فى إمارة رأس الخيمة، مثل شركة «جلفار للأدوية»، ولدينا مصانع للأسمنت والسيراميك ومصانع للحديد والصلب تصدر إنتاجها إلى الخارج، فقط مطلوب رؤية تكاملية لتعزيز التعاون الاقتصادى بين الإمارات السبع.

نحن الآن نعانى من نقص المحروقات «البنزين ومشتقاته» ومن ارتفاع أسعاره، فلماذا لا توجد مصافٍ لتكرير النفط فى المنطقة الشرقية على بحر العرب فى إمارة الفجيرة ومنطقة خورفكان، حتى لو حدثت أى مشكلات فى منطقة الخليج، وتحديداً فى منطقة مضيق هرمز مستقبلاً، يمكننا تلافى هذه المشكلات والأزمات بسهولة ويسر.

■ قلت قبل ذلك إن إمارة أبوظبى التى تملك ميزة نسبية فى الصناعات البتروكيماوية ذات القدرة التنافسية، ثم صناعة الصلب والألومنيوم، قادرة إذا ما سعت إلى ترجمة رؤية أبوظبى 2030، لتصبح إحدى أهم العواصم الصناعية فى الشرق الأوسط.. هلا وضحت لنا ذلك؟

- نحن لا نبغى أن تكون الرؤية جميلة فقط، لكن نريد آليات وبرامج تنفيذ محددة حتى يتم تنفيذ هذه الرؤية، ورغم التأثر المحدود لأبوظبى بالأزمة المالية نتيجة تآكل بعض استثماراتها فى الأسواق العالمية ألا إنها مازالت قوة اقتصادية كبيرة فهى الآن تحولت من تصدير النفط الخام إلى تصدير صناعات مثل البتروكيماويات والصناعات التحويلية، مثل بعض أنواع الغاز التى تحتاجها بعض الصناعات الموجودة فى الدول العربية ودول الشرق الأوسط، وهذه خطوات جيدة فى ظل علاقتنا الاقتصادية والسياسية المتميزة مع دول العالم.

■ بناء اقتصاد حقيقى لا يتم إلا من خلال بناء اقتصاد إنتاجى صناعى يتبعه اقتصاد خدماتى.. إلى أى حد نجحت الإمارات فى هذا الإطار؟

- أتمنى أن تكون رؤية «أبوظبى 2030» التى تهدف إلى تنويع القاعدة الإنتاجية، بناء على رؤية علمية، هى رؤية عامة على مستوى الدولة ككل وأتمنى أن تكون هناك رؤية تكاملية للاقتصاد الإماراتى، لأننا الآن نعانى من تجزئة اقتصادية، فكل إمارة لها أنظمتها وسياساتها الاستراتيجية فى المجال الاقتصادى وهناك إمارات توقع اتفاقيات مع دول أخرى بشكل منفرد وهذا مخالف للدستور الإماراتي، وتأثيره غير جيد على الاقتصاد الإماراتى، والرؤية التكاملية ستحل هذه المشكلات، ويمكننا تنمية مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية، ولو حدث وطبقت هذه الرؤية، فكل إمارة فى الدولة تملك ميزة اقتصادية معينة، ولو توحدت الامكانات سيتعزز وضعنا الاقتصادى، ورؤية أبوظبى 2030، خطوة فى الاتجاه نحو الاقتصاد الصناعى.

■ أخيراً.. يقولون إن هناك ثروات نائمة كبيرة فى الإمارات ولاتحسن الدولة استغلالها.. فهل هذا صحيح؟

- تمتلك الإمارات على الرغم من مساحتها الجغرافية المحدودة ثروات طبيعية ومادية ومالية وبشرية واعدة بالفرص الاستثمارية ذات العائد المناسب لو تم توظيفها بشكل دقيق وسليم، ومن شأنها أن تحقق أهداف التنمية الشاملة، لاسيما التنمية الاقتصادية والبشرية، فهناك ثروات طبيعية ومادية يمكن تحويلها إلى صناعات وطنية، لاسيما بعد النجاحات التى تحققت فى صناعة الأسمنت والألومنيوم والسيراميك والأدوية وبعض الصناعات الغذائية، لكن هناك جزءاً ليس بصغير من تلك الثروات لم يوظف بشكل جيد ومازال يبحث عن قنوات استثمارية، نظراً لتوزّعه على مناطق مختلفة من الدولة لا تصل إليها السيولة أو رؤوس الأموال بالقدر الكافى كى تتحول إلى صناعات وطنية ترفع من إسهام القطاع الصناعى فى الناتج المحلى القومي، وبالتالى ظلت نائمة فى انتظار قنوات الاستثمار، ويعزى ذلك إلى التباين فى السياسات الاقتصادية والإمكانات المالية بين إمارة وأخرى، وغياب استراتيجية التنمية.

وهناك ثروات بشرية تمتلك القدرات والإمكانات والمؤهلات كى تسهم فى تنمية اقتصادها الوطنى وتنويع قاعدته الإنتاجية، لكن تلك الثروات البشرية والوطنية تعانى التهميش أو التغييب حتى لو كانت على رأس عملها، وحين تبحث عن عمل لا تجده نظراً إلى أن المنافسة من العمالة الأجنبية كبيرة وشرسة، ونجد أن العمالة الأجنبية تحظى بالترحيب من قبل المسئولين فى الوظائف الحكومية والقطاع الخاص، الذين منهم من يحمل صفة (الإماراتي)، وذلك على حساب المواطنين، والدليل هو أرقام العاطلين عن العمل من أبناء الإمارات !

وهناك ثروات مالية وطنية تبحث عن فرص استثمارية ولا تجدها، لأن هناك غياباً واضحاً فى تسويق الفرص الاستثمارية والتعريف بها وغياب دراسات الجدوى الاقتصادية لتلك الفرص، إضافة إلى المنافسة الشرسة من قبل رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية التى تجد ترحيباً من قبل بعض الجهات الحكومية والمسئولين فى المؤسسات، بل تشجيعاً وتمكيناً للمستثمر الأجنبى ورأس المال الأجنبى تحت مظلة التستر التجارى أو المناخ الاستثمارى المفتوح أو الحرية الاقتصادية!

إن مليارات الدولارات التى يملكها القطاع الخاص فى الإمارات مازالت نائمة وتحتاج إلى من يعرفهّا إلى الفرص الاستثمارية الواعدة بالفائدة، وهى تتوزع على مختلف القطاعات الاقتصادية وتوجد فى مختلف إمارات الدولة، وهناك جزء كبير منها محصّن داخل المجتمع ومتحفّظ عليه لأسباب دينية أو عقبات إدارية أو غياب السياسات والاستراتيجيات التنموية التى من دونها يصعب تحقيق الأهداف المنشودة!