الطب في كوريا.. و«نظرية القشرة»
11:11 م - الأحد 22 ديسمبر 2019
تصنف كوريا الجنوبية بأنها إحدى أفضل الدول على مستوى العالم في مجال الطب، حيث حازت على اعتراف من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بتقدم مستوى الخدمة الطبية فيها بالفعل، فلديها مرافق ومعدات طبية وبنية تحتية أساسية مبنية على قاعدة من تكنولوجيا المعلومات.
وتتميز كوريا الجنوبية بأن قوانينها تلزم جميع المؤسسات الطبية بأن تكون «غير ربحية»، وأن يعاد استثمار عوائد المستشفيات في مجال الرعاية الصحية، لتتربع على قمة دول العالم كأفضل مستوى لعلاج الأمراض المستعصية مثل السرطان، وأمراض القلب، وأمراض الأوعية الدموية، وجراحات زراعة الأعضاء وغيرها، باستخدام التقنيات الأحدث على مستوى العالم في علاج السرطان بأجهزة ليزر تستهدف الخلايا السرطانية دون الإضرار بالخلايا السليمة.
ولكن قد يتساءل بعضهم عن الجراحات التجميلية التي باتت مصدر دخل هائل للمراكز الطبية، فتأتي الإجابة الكورية بأنها احتلت المركز الثالث بعد الولايات المتحدة والبرازيل في عام 2015، بقيمة سوقية تتجاوز 4 مليار دولار أمريكي، وتستحوذ على ربع السوق الدولية في جراحات التجميل، وربما تجاوزت البرازيل حاليا لتحتل المركز الثاني.
ومع تزايد أعداد سياح القطاع الطبي في كوريا الجنوبية وبخاصة الجراحات التجميلية، كان لذلك كبير الأثر على الإنتاج الدرامي والسينمائي الكوري الذي يشهد رواجا كبيرا في آسيا، تبعا لصيحات التجميل التي تظهر جلية على أبطال المسلسلات والأفلام الكورية.
لكن تظل العوائد الربحية من المؤسسات الطبية في كوريا موجهة للرعاية الصحية، وهو ما يجعل تكلفة العلاج فيها منخفضة بالمقارنة مع الدول المتقدمة، فعلى الرغم من ارتفاع مستوى الخدمة الطبية، فإن التكلفة لا تتعدى 20 إلى 30% من التكلفة في الولايات المتحدة واليابان، وهي أرخص من الصين، وهذا الأمر منحها القدرة للحصول على خبرة عالمية كبيرة في مجالات طبية متنوعة مثل نظام الفحص الطبي الشامل، كما تشهد كوريا نموا عالميا متزايدا في السوق الدولية للخدمات الطبية، بما يؤهلها للمنافسة في سوق الصناعة الدوائية.
والذي يمكن استخلاصه من هذه المعلومات، هو أننا عندما نحاول نقل بعض التجارب والأفكار العلاجية لمملكة البحرين، ننقلها مع الأسف الشديد منقوصة ولا نتخذ الخطوات المناسبة لذلك، بل نكتفي بفاتحة الكتاب، ولا نكمل قراءة الكتاب، وهذا الأمر ينطبق على كثير من التجارب التي نحاول استنساخها بصفتها تجارب ناجحة في دول أخرى، فنحن نطبق ما يمكن وصفه بـ«نظرية القشرة»، وهي الاكتفاء بقشور التجارب وعدم التعمق في تفاصيلها، كما وأننا عادة ما نخفق في اختيار الرجل المناسب لوضعة في المكان المناسب أو أننا نقيده بشروط وضوابط بيروقراطية تمنعه من الإنتاج والإبداع، او أخذ التجربة بدون دراسة مفصلة لجوانب نجاحها.
عودة مرة اخرى لسوق السياحة العلاجية، والذي يحتاج في البداية لوضع قوانين تحمي المريض من الاستغلال الطبي الذي بات مشهودا في مختلف دول العالم والبحرين أيضا، بينما استطاعت كوريا الجنوبية من خلال تطبيق قانون «عدم الربحية» للمؤسسات الطبية في منح الموثوقية للمستشفى وجذب السائح للعلاج، وأصبحت من أكبر الدول التي لديها خبرات طبية عالية، وتكنولوجيا مكنتها من الدخول في تصنيع الأجهزة الطبية وتصديرها.
بل إن الجامعات الكورية باتت الأفضل من حيث تدريس الطب، نظرا لما لدى الدولة من خبرات لا مثيل لها، وهو ما يمثل مصدر دخل آخر، ناتج عن التجربة الكورية في الطب.
وإذا ما أردنا توطين أي فكرة ناجحة في العالم، فيجب أولا أن نتخلص من نظرية القشرة، ولا ننظر لحصاد الربح السريع الذي سيكون محصوله لفترة قصيرة ولا يتميز بالاستدامة، وأن نعزز الثقة في السوق بحماية تشريعية ذات بعد استراتيجي.