
محسن عادل
التمويل متناهى الصغر... مستقل الاقتصاد
أن التمويل متناهى الصغر يمكن أن يساهم بشكل فاعل فى الحد من ظاهرة الفقر المتفاقمة حول العالم وتمويل المشاريع الصغيرة، مشيرا إلى أنه على الرغم من هذا الدور المرتقب لايزال محدودا للغاية، فى الوقت الذى يقدر عدد المستفيدين من هذا النوع من التمويل حول العالم نحو 380 ألفا فقط.
لا تزال معالجة الفقر أحد أكبر التحديات التى تواجه الحكومات فى جميع أنحاء العالم حالياً. ويعتبر الشخص فقيراً فى الإسلام إذا لم تتوفر لديه الثروة المادية لمواجهة احتياجاته الأساسية، أى حتى يحافظ المرء على دينه ونفسه ومن يعول ويطلب العلم أو يواصل تعليمه ويدخر بعض المال. وهناك عدد قليل من الطرق لمكافحة الفقر فى الإسلام، كما هو مبين فى الرسم البيانى أدناه:
ويحتوى النظام المالى الإسلامى على مبادئ مميزة تدعم جميعها أسس التمويل متناهى الصغر، ويشمل ذلك اجتناب الربا أو الفائدة وتكافؤ الفرص وتقاسم المخاطر، ومعاملة المال كرأس مال محتمل (لا يصبح المال رأسمال فعليا إلا بعد ان يتضافر مع الموارد الأخرى للقيام بنشاط انتاج) وتحريم المجازفة واحترام العقود وتجنب الأنشطة المحرمة مثل المسكرات والخنزير ومنتجاته وتشجيع المضاربين ومشاركة الفقراء وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال المؤسسات الخيرية.
ويعد التمويل متناهى الصغر الذى يتم وفقاً للشريعة الإسلامية بالفعل فريداً من نوعه حيث إنه مزيج من المبادئ والأسس الاقتصادية والاجتماعية والدينية، كما يلى:
• من الناحية الاقتصادية: يساعد القضاء على سعر الفائدة أو الربا والمعاملات غير القانونية الأخرى، على تجنب الآثار الضارة على المجتمع والاقتصاد.
• من الناحية الاجتماعية: يعزز تقاسم الربح والخسارة مبادئ المشاركة والمساواة والثقة والإخاء.
• من الناحية الدينية: تعد ممارسة التمويل الخيرى ممارسة للعبادة وتطبيقاً للمسئولية الأخلاقية تجاه الآخرين.
وهناك نوعان من الموارد التى يمكن تهيئتها لأغراض التمويل متناهى الصغر بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية:
الموارد الخارجية
ويشير إلى إعادة توزيع الدخل والثروات فضلا عن تعزيز مفهوم الاحتواء الاجتماعى، ويمكن تقسيم الموارد إلى ثلاث نطاقات:
• الزكاة: وهى إلزامية على كل مسلم يملك أكثر من حد معين من الثروة (بلوغ النصاب) لمدة تزيد على سنة واحدة (يحول الحول) لدفع مبلغ معين أو الزكاة والتى سيتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين كما هو منصوص عليه فى القرآن الكريم والسنة المطهرة. وتشير الثروة إلى الأصول المتراكمة مثل المال والحبوب والثمار والذهب والفضة وبهيمة الأنعام وعروض التجارة.
• الصدقة: بالإضافة إلى الزكاة، فإن الإسلام يشجع أيضا الصدقة أو التطوع الخيرى. ولا تخضع الصدقة لأية شروط، ويمكن إعطاؤها فى أى وقت وبأى مبلغ وتعطى لأولئك الذين تحق لهم الزكاة كما تعطى لغيرهم.
• القرض الحسن: وهو إقراض بدون فائدة يعطى للتخفيف من معاناة المحتاجين.
الموارد الداخلية
يمكن تقسيم الموارد الداخلية التى يمكن تهيئتها لأغراض التمويل متناهى الصغر إلى قسمين، كما يلى:
• ودائع: وتتضمن صور متعددة من الودائع مثل الوديعة والقرض الحسن والمضاربة (مشاركة الربح).
• حقوق الملكية: تهيئة الأموال من خلال نماذج مشاركة مثل المشاركة والمضاربة.
لقد كانت تجربة إنشاء بنوك الادخار المحلية فى مصر سنة 1963 أول مُحاولة حقيقية للبدء بالعمل المصرفى بنظام إسلامى. وحيث إن التمويل الإسلامى أصبح عموما أكثر تطوراً، فقد أعيد النظر فى تمويل المشاريع الصغيرة باعتبارها فئة الأصول الجديدة التى يمكن أن ترفع مستويات المجتمعات فى الوقت الذى تقدم فيه لنفسها كونها نموذجا تجارياً يدر ربحاً للمؤسسات المالية الإسلامية. وخصصت مؤسسات مثل البنك الإسلامى للتنمية والبنك الدولى أيضا الموارد اللازمة لدراسة جدوى التمويل الإسلامى. وقد اتخذ البنك الإسلامى للتنمية مؤخرا خطوات أخرى لتمويل بعض مؤسسات التمويل متناهى الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية. وفى عام 2009، تم تأسيس شبكة التمويل الأصغر الإسلامى لتطوير وتعزيز قطاع التمويل متناهى الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية.
وفى السنوات الأخيرة، مدفوعةً من الطلب على التمويل متناهى الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية، بدأت بعض مؤسسات التمويل الأصغر فى تقديم منتجات التمويل الإسلامى للعملاء المسلمين ذوى الدخل المنخفض. فعلى سبيل المثال، فى أفغانستان، أدى الطلب القوى على التمويل متناهى الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية إلى قيام مؤسسة مساعدة المجتمع الدولى باستبدال منتجاتها التقليدية بتمويل مرابحة إسلامى لا يحمل فائدة.
ومع ذلك، فإن التمويل متناهى الصغر المتوافق مع الشريعة الإسلامية لا يزال فى مرحلته الوليدة ويشكل حالياً جزءا من الاقتصاد غير الرسمى. وأظهر المسح العالمى الذى قامت به المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) عام 2007 أن التمويل متناهى الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية لديه إجمالى خدمات دعم عالمية يقدر بــ 380٫000 عميل فقط وتمثل فقط نسبة 0.005% تقريباً من إجمالى خدمات الدعم للتمويل متناهى الصغر. ويوجد حاليا ما يزيد على 200 مؤسسة للتمويل متناهى الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية فى جميع أنحاء العالم.
ويعزو النمو البطيء فى مجال التمويل متناهى الصغر وفقاً للشريعة الإسلامية أساسا إلى حقيقة أن هذا التمويل كان يتم تقديمه عادة من قبل مؤسسات متخصصة مثل المنظمات غير الحكومية، وليس من قبل البنوك الإسلامية، وذلك على الرغم من وجود العديد من عناصر التمويل الصغير والتى يمكن اعتبارها متسقة مع الأهداف الأوسع للعمل المصرفى الإسلامى.