صانعو الفرح
لحظات العمر السعيدة تمر من بين أيام العمر كلمح البصر، ربما لأنها في نظرنا قليلة أو أنها بالقياس لآلام النفس ضئيلة، هل من طبيعتنا تذكر الآلام والأوجاع أكثر مما نتذكر الأيام السعيدة المُفرحة ؟! ربما، فالإنسان يختزن في ذاكرته الكثير من التوجعات بينما لحظات الفرح نستعيدها عندما نجتمع مع الأصحاب أو الأهل أو رُفقاء الطريق أو عندما تمر مناسبة فتشحذ فينا الرغبة بالفرح.
قد نرى في طريقنا الكثير من المنغصات خصوصاً عندما تكون هناك مقارنة، وقد نرى مناظر نتمنى أن لا تكون في مجتمعنا. ولكن علينا أن نكون صادقين ومُنصفين فهناك الكثير في طريقنا مما يسُر، وهناك مناظر نحتاج إلى نظرة تفاؤل حتى نُدرك أبعادها.. كان أحد مدرسي الثانوية من إحدى بلداننا العربية يقول لنا: «يا أبنائي إن ثوبك هذا النظيف الناصع البياض يتلاشى الزهو به عندما تُراق عليه نقطة حبر زرقاء أو سوداء، فيتحول نظر الشاخصين لك إلى هذه النقاط التي تؤثر على هندامك»، كان يرحمه الله يلفت نظرنا إلى ضرورة الاهتمام بسلامة القلم، والاعتناء بالمحبرة، والمحافظة على نظافة الكراسة وسلامة أوراق كتاب القراءة، التي سُمّيت في يوم من الأيام «بالقراءة الرشيدة» وكان عنده مهماً أن يكون الدرج الذي نجلس عليه نظيفاً ونجنبه «الشخبطات»، وأتذكر أن أحد مديري مدارسنا تفتقت قريحته بأن خصص جائزة لأنظف فصل دراسي في مدرسته نظاماً، وتنظيماً ونظافة، وهدوءاً واحتراماً؛ فكانت مهمة صعبة جداً، وإن حاول البعض جاهداً الوصول إلى هذه الغاية. كانت أيام تقدمت فيها التربية على التعليم.. واليوم لا نستغرب عندما تخطط بعض الدول في سنوات التعليم المبكرة وترفع شعار «من هنا نبدأ».
عموماً لكي نفرح نحتاج إلى جهود قد تكون مُضنية لصُنع هذا الفرح بنفس المقدار والدرجة عندما نريد أن ننقل حالنا من الحزن إلى الفرح أو على الأقل تجاوز هذا الحزن إلى حالة أخرى.
كثيرون هم أولئك المستعدون لصُنع الفرح في مجتمعنا، ولأن التفاؤل أفضل وأولى من التشاؤم فأنا أُشفق عليهم، وأخشى ما أخشاه أن يُصيبهم الإحباط وربما لا سمح الله اليأس، ولكننا من واجبنا الوطني الوقوف مع هؤلاء الذين ينفقون الوقت الثمين من جهودهم من أجل وضع الابتسامة على الشفاه ومن أجل إسعاد الآخرين، قد نرى ذلك في الأعمال التطوعية الخيرية أو إلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات بغية التنوير المجتمعي..
عشنا لحظات فرح في انتصارات عربية؛ فكانت انتصارات أكتوبر 1973 مصدر فرح لوطن عربي عزيز هو مصــر وفرح أُمة بأكملها من المحيط إلى الخليج، وكان صانعو هذا الفرح كثر سطروا بطولات وملاحم وافتدوا الوطن بدمائهم فكان الشهداء الأبرار النبراس والهادي لهذا النصر المبين.
وفرح الناس بإرادة التحدي والصبر وعودة التراب إلى الحضن الدافئ للوطن الأم. وستظل العيون والأفئدة تترقب انتصارات تُعيد لهذه الأمة مكانتها وقيمتها الحضارية والإنسانية.
ليس للفرح حدود أو نقاط نهاية، ولكن قد تكون له بداية، والاستمرار في هذا الفرح يُنسينا الكثير من المُنغصات والتحديات... الكرة تُفرحنا، تحقيق انجازات فردية لأبناء أُمتنا يُفرحنا. مدن وطرق ومرافق يتم إنشاؤها يُسعدنا.. تجاوزنا لكل سلبيات الحياة المعاشة يدفعنا إلى الأمام.. القدوة الحسنة تخلق فينا طاقة إيجابية، استماعنا إلى قصص نجاح فائقة يبعث في نفوسنا الأمل والرجاء. ابتسامة طفل ولعبه البريء يرسم على مُحيانا البشر والحبور.
كلمة صدق ووفاء بوعد يُدخل السرور إلى نفوسنا، واستعداد لتقديم العون والمساعدة يخلق طاقة إيجابية لفعل ما هو أكثر عطاء وتضحية. إنزال الناس منازلهم، وتقدير جهودهم وعطائهم وبذلهم يشحذ فينا الهمّة ويزيد من طاقتنا على العطاء.
كنت في يوم أبحث عن دواء أوصاني صاحبي به لحاجة ماسة له به فطرقت أبواب صيدلية، وإذا بالصيدلاني يقول لي: لا يوجد عندي الآن ولكن أعدك بأن يأتيك حيثما تكون، عندما أبحث عنه عند أصدقائي الصيادلة فكفاني عناء البحث والتنقيب، فأكبرت فيه استعداده للمساعدة وحبه لعمله وسعيه لتقديم ما يوفر عليَّ الجهد والوقت، فهو يستحق الإشادة حرصاً منه على مهنته وسعيه لإرضاء نفسه والآخرين، بينما لا نجد ذلك في دول أخرى تشترط عليك الحصول على روشته طبيب ممارس، ثقافة مختلفة نعم، ولكن ثقافة مجتمع يؤمن بحاجة المرء لتفريج هم؛ خصوصاً وأنه ليس بذلك الدواء المحسوبة مخاطره وآثاره السلبية عند الاستخدام الخاطئ... بينما لجأت في يوم من الأيام لحاجة إلى شراء قطعة غيار لجهاز من محل اشتريت منه الجهاز من مدة طويلة وتفاجأت بأن هذا المحل المعتبر يكتفي ببيع الأجهزة ولا يُعير اهتمامًا وأهمية لبيع قطعة الغيار لأجهزة يتباهى ببيعها وجودتها، وكأنه ولسان حاله يقول: «ما شأني بإصلاح ما أفسده الدهر» فجعلني أُحبط وعبثاً أبحث عن قطعة الغيار منفقاً الوقت والجهد بلا طائل فهل بعد هذا العناء ألجأ إليه؟!
بينما في عُرف التجارة الناجحة وأخلاق مهنة حرفة التجارة وفي علم الإدارة الحديث أن توفير الخدمة بعد البيع هي من أهم عوامل نجاح التجارة «The Service after Sale».
نماذج وأمثلة الإيجابي فيها يخلق فينا طاقة إيجابية مبدعة، والسلبي منها يُدخل الإحباط واليأس في نفوسنا.
فكم نحن بحاجة في وقتنا الحاضر إلى أولئك الذين يصنعون بإرادتهم الحرة الواعية الفرح في حياتنا.
وعلى الخير والمحبة نلتقي.