بنك مصر والجهل الصحفي بالأمور المصرفية
نشرت جريدة المصرى اليوم بتاريخ 16/3/2017 مقالا بعنوان «رسالة إلى رئيس مجلس إدارة بنكمصر» بقلم الأستاذة/ صفية مصطفى أمين، ذكرت فيه أنها تحمل توقيعا مشتركا علىالشيكات الصادرة من مؤسسة مصطفى أمين وعلى أمين «رحمهما الله» الخيرية «ليلة القدر»،وأن المؤسسة اختارت بعض الأمهات المثاليات وقدمت لهن شيكات بمبالغ تتراوح بين «4»آلاف جنيه و«10» آلاف جنيه، وأن صراف بنك مصر فرع دار القضاء أغلق الشباك قبل الموعدالمحدد وصرف السيدات المستفيدات بحجة أن التوقيع غير مطابق، وقالت الأستاذة أنهاذهبت إلى البنك ووجدت السيدات يفترشن الأرض أمام البنك، وجاء مدير الفرع وشرحت له الأمرووقعت مرة أخرى على بعض الشيكات وتم صرفها.
والحقيقة التى أراها كثيرا أن البعض من السادة/ الصحفيين يجهلون الكثير من الأمورالمصرفية، وقد يندفع البعض لانتقاد البنوك وحتى الإساءة إلى سمعتها دون وجه حق،والعيب فيهم وليس فى البنوك، والإساءة إلى سمعة بنك أمر بالغ الخطورة عليه وعلىالاقتصاد الوطنى كله، حتى إن تلك الإساءة أصبحت الآن أحد أهم مخاطر عدم الالتزام فىالبنوك.
والبنوك أحد أهم ركائز الاقتصاد الوطنى إن لم تكن أهمها على الإطلاق، لأنها الوعاء الذىتتجمع فيه المدخرات ومنه يتم ضخها للاستثمار فى جميع المجالات لتنمية البلاد، والبنوكبعامة والبنوك المملوكة للدولة بخاصة تساهم بذلك الضخ فى تنفيذ خطط الدولةالاقتصادية.
وبنك مصر على وجه التحديد- وأنا أشرف بأننى أحد عملائه منذ قرابة نصف قرن- أحد أهموأكبر البنوك المصرية وأكثرها احترافية، وهو البنك الذى أسسه الراحل/ طلعت باشا حرب،وكان ولا يزال فى مقدمة خادمى الاقتصاد المصرى، ولديه موظفين على مستوى عال منالكفاءة والأخلاق والمهنية المصرفية، ولذا لا يجوز الإساءة إليه دون علم مصرفى.
والواقعة- كما حدثت- أن الأمهات المستفيدات ذهبن إلى البنك لصرف شيكات «ليلة القدر»،ووجد صراف البنك أن أحد التوقيعين على الشيكات غير مطابق فعرض الأمر على رئيسه الذىشاركه الرأى، وتم توجيه الأمهات للذهاب إلى المؤسسة صاحبة الشيكات- وهى قريبة منالبنك- لوضع توقيع آخر إلى جوار التوقيع غير المطابق والحضور مرة أخرى لصرف الشيكات،وذهبن، وأعطى مدير الفرع تعليمات بأن يدخلن للبنك عند عودتهن ولو بعد انتهاء الدوامالرسمى، وحضرت الأستاذة الصحفية التى توقيعها غير مطابق، وتم السماح لها ومن معهابدخول البنك بعد إغلاق بابه، ووقعت على بعض الشيكات، وتم الصرف،واستضافها الفرع وقدم لها مشروب ضيافة، وشرح لها أمر التوقيع غير المطابق وأهميتهبالنسبة لعميل البنك، وانصرفت شاكرة.
ولا يمكن لموظف شباك البنك أن يغلقه قبل الموعد المحدد كما قالت الأستاذة، لأن أصولوقواعد العمل المصرفى تجرى على أن يقوم البنك بصرف جميع الشيكات التى تقدم إليهللمتواجدين داخل صالة البنك حتى لو كان ذلك بعد انتهاء العمل مع الجمهور وإغلاق البنكلبابه، وهذا ما يطبقه بنك مصر وجميع البنوك فى مصر وفى العالم.
فالبنك المسحوب عليه الشيك ملتزم بصرف الشيك الذى يقدم إليه متى توافرت بياناتهالإلزامية- ومنها التوقيع المطابق لنموذج توقيع الساحب لدى البنك- وكان له رصيد قائموقابل للسحب.
وإذا قام البنك بصرف قيمة الشيك بتوقيع غير مطابق واعترض الساحب التزم البنك بإعادةقيمة الشيك المنصرف إلى حساب الساحب.
ومضاهاة التوقيع الوارد على الشيك على نموذج توقيع الساحب المحفوظ لدى البنك عمليةفنية لها قواعدها المعلومة بالضرورة من جميع العاملين بالبنوك.
ومن هذه القواعد:
1- أن التوقيع الغير مطابق ثلاث درجات الأول: توقيع غير مطابق ولكنه بشكل متقن فىالتقليد، وهو ما يسمى بالتزوير المتقن للتوقيع، فإن قام البنك بصرف قيمة شيك يحمل ذلكالتوقيع، فلا مسئولية عليه، لأنه هذا التزوير لا يكتشفه إلا خبير تزوير متخصص، والبنوك غيرمطالبة بتوظيف ذلك الخبير لدى كل فرع من فروعها، والنوع الثانى من التوقيع غير المطابق:هو التوقيع غير المطابق المفضوح، وهو ما يسمى بالتزوير المفضوح، والبنك عليه التزام بعدمصرف الشيك الذى يحمل ذلك التوقيع، فإن صرف قيمته للمستفيد، التزم بإعادتها إلى حسابالساحب.
أما النوع الثالث من التوقيع غير المطابق: وهو ما يسمى بالتزوير العادى، أى يمكن لموظفالبنك اكتشافه، وتقوم مسئولية البنك عند صرف الشيك يحمل ذلك النوع من التوقيعات، وهذاهو المجال الذى يمكن الحديث فيه عن مطابقة التوقيع من عدمه.
2- إن توقيعات الشخص الواحد الصحيحة على شيكات سحبها على حسابه لدى البنك يبينمدى عادة عدم المطابقة الظاهرية، وهى لا تنال من جوهر وسلامة التوقيع، ويقوم البنكالمسحوب عليه بصرفها رغم عدم تطابق التوقيعات ظاهريا، هذا أمر يعلمه جميع العاملينبالبنوك وهم محترفين فى ذلك.
3- وفى النوع الثالث السابق الإشارة إليه، إذا شك موظف البنك فى عدم صحة التوقيع فلديهالعديد من الطرق للتحقق، فإن زال شكه قام بصرف قيمة الشيك، وإن لم يزل امتنع عن الصرف،وبدلا من أن يصدر ورقة رفض لعدم مطابقة التوقيع- وتلك جريمة جنائية- يقوم عادة بإعادةالشيك للمستفيد ليوقع السحب مرة أخرى إلى جوار التوقيع المشكوك فى صحته، «وهذا ماحدث مع بنك مصر»، وذلك الإجراء تقرر لمصلحة العميل نفسه حفاظا على أمواله لدى البنك،وهو ملتزم بذلك الحفاظ، ومخالفته قد تترتب عليه مسئولية البنك.
وما قام به بنك مصر فى الواقعة بعاليه يتفق وأصوال وقواعد العمل المصرفى وأعرافهالمستقرة، ولا محل فيه للتحقيق أو المساءلة، وكنت أتوقع من «ليلة القدر» شكر البنك علىحسن تصرفه وحرصه على الحفاظ على أموالها بدلا من شكواها.
وأنصح السادة/ الصحفيين بعدم الخوض فى الأمور الفنية- كالمسائل المصرفية- دون العلمبها، حتى لا يسيئون دون وجه حق للبنوك، ومن واجبهم الإلمام بتلك الأمور حتى لا يخطئون،وإننى على استعداد لتقديم عدة محاضرات مجانية لهم بنقابتهم لشرح تلك الأمور.
وآمل من الأستاذة/ كاتبة المقال صاحبة التوقيع، أن تقرن نموذج توقيع المؤسسة علىالشيكات بخاتهما «إلى جانب التوقيع»، فذلك يساعد كثيرا فى تسهيل مهمة البنك فىفحص التوقيع المشكوك فى عدم مطابقته.